عزيزي القاريء المحرر

عزيزي القاريء

تجارب أخرى من الشرق

(التاريخ عربة يجرّها الأبطال) مقولة شهيرة, ذكرها توماس كارليل في كتابه عن عظماء البشرية, وقد اقتدى بها الكثيرون من المفكرين وهم يعيدون سرد وقائع التاريخ مستندين إلى عبقرية الفرد, ودوره في تقرير مجرى الأحداث, ولكن كتّاب الفكر الماركسي كانوا ضد هذا الرأي, فالتقدم في رأيهم لا يحدث إلا من خلال حركة المجتمع ككل, وما الفرد إلا ذرة ضئيلة في بنية التاريخ الضخمة, وبالرغم من أن الزمن لا يرجع للوراء, فإننا نعيد الآن اكتشاف دور الأفراد المميزين خاصة عندما يفهمون حركة المجتمع ويدركون ببصيرتهم النافذة اللحظة المناسبة للتغيير. والقضية التي يتعرض لها رئيس التحرير في افتتاحية هذا العدد هي الدليل على ذلك, فمن خلال استعراضه للتجربة الماليزية في مجال الاقتصاد, ومواصلته للرحلة شرقًا, يضع أمامنا تجربة حية ومعاصرة دفعت بمجتمع كان غارقًا في هوّة التخلف إلى درب التقدم السريع. والفرد - الزعيم الذي تصدى لعملية التغيير هذه, وأجاد فهم الظرف التاريخي هو (مهاتير محمد) الذي رأس وزراء ماليزيا, ومثلت تجربته درسًا لكل شعوب العالم النامي بشكل عام, وللدول الإسلامية بشكل خاص, فقد أثبت أن التخلف ليس قدرًا, وأن التقاليد الإسلامية لاتقف دون التقدم, بل إنها دافع له. ويحاول هذا المقال أن يساهم بذلك في الإجابة عن العديد من الأسئلة العربية الحائرة حول الإصلاح وماهيته, وما الطريق الذي يقود إليه.

وتواصل (العربي) الرحيل على الدرب نفسه في استطلاعها المصوّر, فهي تزور كوريا الجنوبية, التي حققت أيضا معجزة شرقية بكل المقاييس, تحوّلت فيها من دولة شديدة التخلف إلى دولة باهرة التقدم في خلال جيل بشري واحد, وتتكامل هاتان التجربتان من ذلك الشرق القصي لتعطي لنا دافعًا وأملاً في مواجهة كل عوامل التخلف التي تحيط بنا.

وكالعادة, يحفل هذا العدد بكثير من القضايا الفكرية والفنية والعلمية, فهناك ملف عن علاّمة السودان وأديبها الراحل د. عبدالله الطيب بمناسبة مرور عام على وفاته, وهو فضلاً عن آثاره الأدبية, كان واحدًا من أفضل مَن تذوّقوا الشعر العربي باعتراف العميد د.طه حسين. وتقدم (العربي) سبقًا أدبيًا من خلال تلك المواجهة مع الأديب البرازيلي العالمي باولو كويلو الذي ترجمت العديد من رواياته للعربية مثل (ساحر الصحراء) و(إحدى عشرة دقيقة) وغيرهما, وهو يعد واحدًا من أكثر الروائيين انتشارًا في العالم. ويقدم محور الفن في (العربي) فنانًا كويتيًا له تجربته المسرحية المعاصرة والجديرة بالمتابعة, إضافة إلى مقال عن الدراما السورية التي لفتت الأنظار أخيرًا لما تتميز به من جديّة, وفي محور العلم تتنوع المقالات بين الاكتشافات المعاصرة إلى تاريخ الطب القديم, إضافة إلى العديد من الموضوعات نترك لك - عزيزي القارئ - مهمة اكتشافها.

 

المحرر