الأبابيل

الأبابيل

إنّهم يقذفون علينا القنابلَ من كلِّ فجٍّ, فماذا سنفعلُ, كنَّا نراقبُ/ أقدامهم تتدافعُ فوق السّماءِ القريبةِ, نسمعُ أنفاسَهم مثل عاصفةٍ,/ فنشمُّ الهواءَ, ونجلسُ أبعدَ من شجرِ الريحِ, هُمْ يقذفونَ علينا القنابلَ,/ من كلِّ فجٍّ, ونحن نسائلُ أنفسَنا, هل سنرفعُ أبصارَنا في خشوعٍ,/ ونخفضُها في خشوعٍ, ونتركُ أجسادَنا في الهواءِ, فتورقُ, تورقُ,/ ثمَّ تشيخُ وتذبلُ, أمْ نتلَّمسُ زاويةً خلفَ بابٍ, فإنْ أجهدَتنا/ الإقامةُ, لم ننتظرْ, وانصرَفنا إلى النهّرِ, نهبطُ فيهِ, ونغسلُ أرواحنا,/ نتشاغلُ عنها, ونتركُها تتسابقُ في الريحِ, نتركُها تستردُّ ودائعَها,/ تختفي بعد حينٍ عن الناظرين, وبعدَ قليلٍ, ستسرعُ كالكلماتِ القديمةِ,/ أو تتمهَّلُ. هم يقذفونَ علينا القنابلَ, من كلِّ فجٍّ, ونحن نبدِّلُ أبصارنا,/ في اتجاهِ السبيلِ الوحيدِ, ولا نتسامى على الظنِّ, لا نتأمَّلُ, نشهد/ُ أنَّ صناديقَنا امتلأتْ بالفراغِ الحميمِ, وأنَّ أصابعَنا لم تزلْ تبحثُ/ الآنَ عن ذَهَبٍ ضائعٍ, أنَّ هذا الحنانَ الذي كانَ فوق حدودِ أصابعِنا,/ في النسيجِ المقابلِ, هذا الحنان الذي يستريبُ بنا, يتحلَّلُ. يصبحُ/ محضَ أظافرَ, نشهدُ أنَّ السماواتِ والأرضَ ضاقت عليها القصائدُ/ والناس فيها, وأنَّ القصائد ضاقت عليها الرياحُ الضّعيفةَ, والناس/فيها, وأن الرياح الضعيفة, كانت تميلُ على الواقفين, وكان يميل/ُ عليها الضياعُ المؤجّلُ. هم يقذفون علينا القنابلَ, والأولياءُ القدامى/ يُولّون أدبارَهم, ينزحون بعيداً عن الأرضِ, لا يأبهون إذا شاهدوا/ النارَ تسعى, ولا يأبهون إذا كشفوا وجهَ سيِّدِنا, وأعادوه, ردّوا/ يديهِ إلى جنبهِ, غسَّلوه, وصَلُّوا عليه, ولم يسألوه لماذا إذن/ تستحقُ الحياةُ الطويلةُ, أن نتحمَّلَ منها الذي نتحمَّلُ. تلكَ هيَ/ الكلماتُ التي سقطت من سقوفِ المنازلِ, كي تتناسلَ, تصبحَ ألوية/ وذخائرَ, ثمَّ إذا وحدها تتساقطُ ثانيةً, تنتوى أنْ تهاجمَنا, أَنْ تفرِّق/ شيعَتنا, إنها هاهنا, الكلماتُ التي انتشرت في الفجاجِ معاً, والتي تتلاشى,/ تدورُ على نفسِها, تتململُ. هم يقذفون القنابلَ, ينتزعون الغِطَاءَ الذي/ كان يسترُنا, فنحاولُ أن نتدبَّرَ حُرْمةَ عوراتِنا, نتوسَّلُ. نبحثُ عن/ ظلمةِ الليلِ, نرجو إذا أقبلت نحونا كالقضاءِ, ونرجو إذا حاصرتنا جميعاً,/ فلم يرنا أحدٌْ, واتّجهنا إلى اللّهِ, ندعوهُ, باسمِ النبيّين, والعابرين,/ وباسمِ القناصلِ والسفراءِ, وباسمِ شيوخِ القبائـلِ, باسمِ الجنازاتِ/ والاستغاثاتِ, نحن اتَّجهنا إلى اللّهِ ندعوهُ, باسمِ الجبالِ, وباسم الكهوفِ,/ وباسم شفاهِ الأراملِ, أنْ يحبسَ الشّمسَ في كهفها, زمناً كافياً,/ فنصير فرادى, بعيدين, مضطربين, نُسائل أنفسَنا, كيف نخرجُ من/ كلِّ هذا الظّلامِ, وماذا سنفعلُ. هم يقذفون علينا القنابلَ, نشهدُ أنَّا/ نموتُ, كما كلُّ شيءٍ يموتُ, وأنَّا سنحرصُ أنْ يذهبَ الموتُ كلَّ مساء/ إلى النومِ, يصعدُ فوق السريرِ, يفكّر أنَّ ضحاياه سوف ينامون في/ الجانبِ المستحيلِ, ولكننا ذاتَ أمسيةٍِ, سنغافلُه, نتهرَّبُ منه,/ ومن باطنِ الأرض, نخرجُ مثل الجراثيمِ, نرجعُ سيرتنا, ثمَّ ندخلُ/ أصلابَ آبائنا, نتدافعُ منها إلى رحمِ الأُمَّهاتِ, ونشهدُ أنَّا/ إذا ما سمعنا إلى الكونِ, يجهشُ خارجها, نتسلّل. نحن الذين/ سنعترفُ الآن أنَّا رمادُ الهزائمِ, صوتُ الرياحِ التي همدت, شمعة/ فوق مائدةٍ, قدحٌ فارغٌ, أغنياتٌ عن اليأسِ, نحن السرابُ, ونحن/ اعتيادُ الصباحِ علينا, اعتيادُ الظَّلامِ علينا, ونحن الغبارُ الذي كان/ يجلسُ في طرقاتِ المدينةِ, سوفَ نفاجئُهم, وتعودُ إلينا الحياةُ, سنبلغ/ُ أشداقَهم, وإذا بدأوا يضحكون سندخلُ, نحن الذين إذا اكتملت/ دورةُ الموتِ, واختُتمت, واستتبَّ الخرابُ, سنُبعثْ ثانيةً, بيننا/ أهلُنا, ومنازلُنا, والدواجنُ, والخيلُ, والأغنياتُ, وشمسُ/ الضحى, والكراكيُّ, والليلُ, والبردُ, والحجراتُ, وأنفاسُ أحفادِنا,/ والربيعُ الذي لم يكن, والربيعُ الذي سيكونُ, الربيع/ُ المعطّلُ, هم يقذفون علينا القنابلَ من كلِّ فجٍّ, ونحن الربيعُ الذي,/ والربيعُ المعطّلُ

 

عبدالمنعم رمضان