النشأة والتكوين رشدي سعيد

أثبتت كوارث الهزات الأرضية وأجهزة الرصد الحديثة أن قشرة الأرض التي نعيش عليها ليست ثابتة ولا راسخة، وهي في حالة اهتزاز دائم. فمن أين تأتي هذه الاهتزازات؟ وما موقع زلزال القاهرة الأخير بينها؟

لا يبدأ إحساس الإنسان بالزلزال إلا عندما تصل شدة الهزات إلى درجة 4 على مقياس ريختر وتصبح كبيرة حقا ومسببة لأكبر النكبات عندما تزيد درجتها على درجة 7 على هذا المقياس، وتتدرج درجات مقياس ريختر لوغاريتميا أي أنها تتزايد بمعدل عشر مرات لكل درجة، فالزلزال الذي يسجل 7 درجات أشد ألف مرة من ذلك الذي يسجل 4 درجات على نفس المقياس، ويقيس المقياس مقدار الطاقة المرنة التي تنطلق من بؤرة الزلزال عندما تتحرك الصخور التي تسببه والتي تتزايد مع قوة هذه الحركة والخلخلة التي تحدثها في قشرة الأرض.

وقد سجلت المراصد العالمية ما لا يقل عن 140.000 زلزلة ذات درجات تتراوح بين 4 و 7 على مقياس ريختر خلال الثلاثين سنة الماضية، بينما لم تسجل أكثر من 350 زلزلة بدرجة 7 أو أكثر على المقياس في نفس الفترة، وفي عام 1988 وحده سجلت المراصد 99 زلزلة بدرجة 6 أو أكثر على المقياس.

أحزمة الزلازل

وإذا نحن وضعنا مواقع هذه الزلازل على خارطة للأرض فإننا نجد. أنها لا تنتثر عليها بصورة عشوائية، بل إنها تتركز في معظمها في مناطق معينة من سطح الأرض تشكل ثلاثة أحزمة رئيسية تمتد لمسافات طويلة عبر القارات والبحار، ويقع أول هذه الأحزمة على طول الساحل الشرقي للمحيط الهادي ويشكل شريطاً طويلاً يحف بقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية ويمتد الحزام الثاني مع طول الساحل الغربي لنفس المحيط من جزر اليونان بالشمال وحتى إندونيسيا بالجنوب ومارا بقوس جزر اليابان وتايوان، ويمتد الحزام الثالث عبر قارتي أوربا وآسيا من جبال الأطلسي بشمال إفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا فاليونان وتركيا وحتى الصين مارا بجبال القوقاز فالهندوكوش والهملايا.

وكما تتميز هذه الأحزمة بكثرة زلازلها فهي تتميز أيضا بنشاطها البركاني الكبير، ففيها تتركز معظم - إن لم تكن كل- البراكين التي تفجرت خلال العشرة آلاف سنة الأخيرة.

سنتيمترات مهلكة

ويعود تركيز الزلازل وثورات البراكين في هذه الأحزمة الضيقة الاتساع إلى أنها تقع عند التقاء الصفائح التي تكون قشرة الأرض الخارجية أو ما يسمى الليثوسفير والتي لا يتعدى سمكها 80 كيلو متراً، وهو سمك صغير جدا إذا ما قورن بنصف قطر الأرض الذي يبلغ أكثر من 6300 كيلو متر، والصفائح التي تنقسم إليها قشرة الأرض ترق في سمكها عند المحيطات وتزيد في سمكها عند القارات، وهي مكونة من صخور خفيفة الوزن النوعي، وتطفو الصفائح فوق طبقة أخرى من طبقات الأرض هي طبقة الأثينوسفير التي يبلغ متوسط سمكها حوالي 200 كيلو متر، وهذه تتكون من صخور ثقيلة لزجة وساخنة مما يساعد على انزلاق صفائح قشرة الأرض فوقها، والتي يمكن لذلك اعتبارها صفائح عائمة ومتحركة. وقد أمكن رصد حركة هذه الصفائح بواسطة الأقمار الصناعية، فوجد أنها تتحرك فوق صخور الأثينوسفير بمعدلات تتراوح بين الواحد والعشرة سنتيمترات في العام.

ويبلغ عدد الصفائح الرئيسية التي تغطي وجه الأرض والمحيطات حوالي العشرين أهمها: صفائح قارات يوراسيا (أوربا+ آسيا) وإفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والهند واستراليا (الهند + استراليا)، وصفائح محيطات الهادي والنازكا (الجزء من المحيط الهادي الذي يواجه أمريكا الجنوبية) والقطبي الجنوبي والقطبي الشمالي، ولا يشكل قاع المحيط الأطلنطي صفيحة مستقلة فهو جزء من القارات المحيطة.

وتتكاثر الزلازل عند التقاء صفائح الأرض خلال حركتها، وتقع أحزمة الزلازل التي تحدثنا عنها فيما سبق عند حدود صفائح الأرض. وتصنف هذه الحدود حسب نوع الالتقاء الذي يحدث عندها، فمنها ما تتباعد عنده الصفائح (Piverge) وتسمى الحدود المتباعدة، ومنها ما تتقارب عنده هذه الحدود وترتطم الصفائح (Sonverge) وتسمى الحدود المتقاربة، ومنها ما تتحرك عنده الصفائح أفقيا فتتغير مواقعها النسبية دون أن تتباعد أو تتقارب وتسمى الحدود التحويلية. والحدود المتباعدة هي التي تتكون عندها قشرة جديدة للأرض تنبثق من باطن الأرض لتحل محل الفراغ الذي تركته الصفائح عندما تتباعد أما الحدود المتقاربة فهي التى تستنفد عندها قشرة الأرض عندما تغوص صفيحة تحت الأخرى. والحدود المتباعدة والمتقاربة يكمل بعضها البعض، فعندها تبنى قشرة جديدة وتفنى قشرة قديمة، أما الحدود التحويلية فلا يتم عندها بناء أو فناء، بل يحدث على طولها تحرك نسبي في صفائح الأرض.

براكين الأعماق

وتقع الحدود المتباعدة في منتصف قاع المحيطات الكبرى حيث تمتد سلاسل من المرتفعات تحت البحرية، التي قد يزيد عرضها في بعض الأحيان على 1000 كيلو متر، والتي يشق قمتها أخدود طويل. وعند هذه الحدود تتباعد صفائح قشرة الأرض فينفتح الطريق أمام صخور الأثينوسفير اللزجة للانطلاق إلى أعلى على طول الأخدود في شكل براكين، فيمتلئ بذلك الفراغ الذي تركه تباعد صفائح قشرة الأرض، ومن أبرز الحدود المتباعدة سلسلة مرتفعات منتصف الأطلنطي تحت البحرية والتي تفصل بين صفيحتي إفريقيا ويوراسيا من جانب وصفيحتي الأمريكتين من الجانب الآخر، وكانت هذه السلسلة في الماضي الجيولوجي السحيق المكان الذي كانت تتجمع فيه قارات يوراسيا وإفريقيا والأمريكتين قبل أن تنفصل عن بعضها البعض وتتزحزح إلى مواقعها الجديدة، وتتحرك في الوقت الحاضر القارة الأمريكية ناحية الغرب بمعدل 7 . 2 سنتيمتر في السنة في نفس الوقت الذي تتحرك فيه صفيحتا قارتي يوراسيا وإفريقيا ناحية الشرق بنفس المعدل تقريبا. وتنشط البراكين عند الحدود المتباعدة، وكل براكين حد منتصف الأطلنطي تحت بحرية إلا عند جزيرة أيسلنده التي يقطعها الحد وفيها براكين نشطة كثيرة. والزلازل عند الحدود المتباعدة قليلة نسبيا وهي تنشأ على أعماق ضحلة، ويرجع ذلك إلى أن صخور قشرة الأرض تكون رقيقة وقليلة السمك عندها مما يجعلها غير قابلة للانكسار.

ومن الحدود المتباعدة ما قد يوجد في قلب الصفيحة القارية. ومن أبرز أمثلة هذه الحدود الأخدود الإفريقي الكبير الذي يشق قلب الصفيحة الإفريقية ويمتد من بحيرة ملاوي في الجنوب، إلى خليج العقبة والبحر الميت في الشمال، مارا بالأخدودين الكيني والإثيوبي والبحر الأحمر. ويناظر الأخدود الإفريقي الأخدود الذي يقع فوق سلسلة مرتفعات منتصف الأطلنطي، وعلى طوله تنبثق البراكين والتي من أشهرها بركان كليمنجارو. وتحدث الزلازل الضحلة الأعماق، ويشكل الأخدود الإفريقي حدا متباعدا سيتسبب في مستقبل الأيام في اقتطاع الجزء من القارة الذي يقع إلى الشرق منه والذي يمتد من الصومال حتى موزمبيق، وانفصاله عن القارة الأم كما حدث في الماضي الجيولوجي السحيق مع جزيرة مدغشقر، التي كانت جزءاً من القارة، وكما حدث في حالة شبه جزيرة العرب التي كانت جزءاً من القارة الإفريقية قبل ظهور البحر الأحمر وابتعاد حدوده.

صفائح.. وأخاديد

أما الحدود المتقاربة فهي التي ترتطم عندها الصفائح، فتغوص واحدة تحت الأخرى، أو تركب واحدة فوق الأخرى. وعند هذه الحدود تكثر الزلازل التي يحدث ثلاثة أرباعها عندها. والكثير من هذه الزلازل ذو بؤرة عميقة قد تزيد على 300 كيلو متر وإن كان منها ما هو ضحل نسبيا (حتى عمق 70 كيلو متر). وعندما تغوص الصفيحة في باطن الأرض ترتفع درجة حرارتها وتنصهر صخورها ثم تنبثق إلى سطح الأرض على شكل بركان، ويقع عند الحدود المتقاربة ثلثا البراكين التي نشطت عبر التاريخ الحديث.

ومن أبرز أمثلة الحدود المتقاربة الحد الذي يقع بين صفيحتي أمريكا الجنوبية والنازكا (جزء من المحيط الهادي الذي يحد هذه القارة) فقد سبب ارتطامها غوص صفيحة النازكا تحت القارة وتدفق البراكين وارتفاع الجزء الغربي من القارة لكي يشكل سلسلة جبال الأنديز.

أقواس الجزر والأخاديد البحرية والجبال البركانية العالية هي إذن نتيجة ارتطام وغوص صفيحة محيطية مع صفيحة قارية. أما إذا حدث الارتطام بين صفيحتي قارتين فإن إحداهما تركب الأخرى وتكون الجبال الشاهقة. ومن أمثلة ذلك جبال الهملايا الشاهقة التي تكونت عند ارتطام صفيحتي قارتي يوراسيا والهند واستراليا وركوب الصفيحة الأولى فوق الثانية، ولا ينتج في العادة عن هذا الارتطام نشاط بركاني يذكر، كما أن بؤر الزلزال تكون ضحلة أو متوسطة العمق عند هذه الحدود.

ويمتد الحد الذي يمر في جبال الهملايا غربا حتى يصل إلى البحر الأبيض المتوسط عبر جبال القوقاز. وهذا الحد شديد التعقيد وفيه تحركات فرعية كثيرة عند حدود صفائح صغيرة خرجت من باطن صفائح قارات يوراسيا وإفريقيا والهند واستراليا. وبعض أجزاء هذا الحد متقابلة وبعضها الآخر متباعدة، وكان هذا الحد فيما بين الزمان موضع بحر يتوسط القارات ويفصل قارة يوراسيا عن قارات الهند واستراليا وإفريقيا، ولكن الجزء الأكبر من هذا البحر قد اختفى عندما تقاربت القارة الهند واسترالية مع القارة اليوروآسيوية ولم يبق من هذا الجزء القديم إلا البحر الأبيض المتوسط الذي نعرفه الآن، وهو أيضا في طريقه إلى الاختفاء.

جغرافية الصفائح

وتقع منطقة الشرق الأوسط لذلك في منطقة معقدة التركيب وهي تتكون من الصفائح الصغيرة نسبيا والتي انشطرت من الصفائح الرئيسية الكبرى (الشكل 4)، وتتوسط المنطقة صفيحة شبه الجزيرة العربية التي تكونت حديثا بعد أن انفصلت من صفيحة القارة الإفريقية الأم والتي كانت جزءا منها حتى ظهور شق البحر الأحمر، وتتحرك صفيحة الجزيرة العربية ناحية الشمال الشرقي تجاه الحد المتقارب مع إيران الذي تكونت عنده جبال زاجروس الشاهقة حيث تكثر الزلازل المدمرة كما تتحرك صفيحة شبه الجزيرة العربية ناحية الشمال تجاه الحد المتقارب مع تركيا وجبال الأناضول. أما حد شبه الجزيرة عند البحر الأحمر فهو حد متباعد يتسع على طوله البحر الأحمر ويزيد عنده النشاط البركاني خاصة في اليمن وشمال شبه الجزيرة، أما الزلازل فأغلبها تحت بحرية تقع في منتصف البحر الأحمر خاصة في جزئه الجنوبي، ولا تزيد معدلات حركة شبه الجزيرة على 2 سنتيمتر في السنة وهي أقل من ذلك في الشمال.

وتقع مصر ضمن صفحة القارة الإفريقية وهي تتحرك ناحية الشمال الغربي بعيدًا عن البحر الأحمر في اتجاه أوربا، ومعدل حركتها في كلا الاتجاهين صغير لا يزيد على تسعة ملليمترات في السنة. ولا يوجد بمصر عند حد تباعد البحر الأحمر نشاط بركاني أو زلازل كثيرة أو كبيرة إلا في مناطق بعينها مما يعطي الانطباع بأن تباعد قشرة الأرض يسير ببطء شديد في شمال البحر الأحمر على عكس الحال في جنوب البحر الأحمر.

وتقع أكثر الزلازل في مصر على طول صدع كبير يتجه إلى الشمال الغربي يبدأ من مدخل خليج السويس ويمر بالخليج ويقطع الدلتا ويمتد بالبحر الأبيض المتوسط، وقد أربت الزلازل الكبرى التي حدثت بمصر عن خمسين زلزلة في الألف ومائتي سنة السابقة (أي بمعدل حوالي أربعة لكل قرن). وكانت أكثر المواقع زلزلة هي مدخل خليج السويس الذي وقع آخر زلزال مدمر فيه في سنة 1969 ومحافظة الشرقية التي تأثرت مدنها أيما تأثير نتيجة الزلازل الكبيرة التي حاقت بها بدءاً من زلزال سنة 2200 قبل الميلاد الذي حطم مدينة تل بسطا الأثرية بجوار مدينة الزقازيق عاصمة الإقليم الثامن عشر في مصر القديمة، ومارا بالزلزال الذي دمر بلبيس في 30/ 12/ 859 والزلزال الحديث الذي أثر في أبو حماد في 29/ 4/ 1974. ويقال إن دمار الجزء الشمالي الشرقي من مصر وغرقه تحت بحيرة المنزلة كان نتيجة زلزال حدث في أوائل القرن السابع الميلادي، وكانت هذه المنطقة قبل هذا الوقت عامرة بمدنها الزاهرة التي كانت تخرج منها معظم تجارة مصر، كما تحدث الزلازل أيضا على امتداد هذا الشق بداخل البحر الأبيض المتوسط، ومن أشهر هذه الزلازل زلزال سنة 1303 الذي تحطم فيه فنار الإسكندرية الشهير، إحدى عجائب الدنيا السبع، أما آخرها فكان زلزال 9/12/1955.

وشق السويس- البحر المتوسط هو من الحدود التحويلية التي تحدث على طولها إزاحة الصخور عن مواقعها، ولذا فإن زلازله ذات أثر تدميري كبير، وفيما عدا هذا الحد فإن مصر تقع في جزء مستقل من قشرة الأرض لا تحدث فيها الزلازل إلا في فترات متباعدة.

وقد حدث زلزال 12/ 10/ 1992 الأخير نتيجة تحرك أحد صدوع القشرة الأرضية إلى الجنوب من القاهرة وهو أمر قليل الحدوث فلم يعرف أن تحرك الصدع نفسه قبل ذلك إلا في سنة 1847 أي قبل ما يزيد على مائة وأربعين عاما من حدوث الزلزال الأخير.

مقياس ريختر

مقياس "ريختر" نسبة إلى عالم الزلازل الأمريكي تشارلز ريختر الذي اقترحه عام 1930 وهو مقياس يشير إلى قدر الطاقة المنطلقة من مركز الزلزال بالرجوع إلى سعة الموجة الزلزالية المتكونة، وهو مقياس لوغاريتمي حيث كل درجة تشير إلى سعة الموجة تزيد عشرة أضعاف على سابقتها، فالدرجة 7 أكبر عشر مرات من الدرجة 6 ، وأكبر مائة مرة من الدرجة 5 وهكذا. وبالرجوع إلى قدر الطاقة المنطلقة فإن الزلزال الذي قوته 7 تنطلق منه طاقة تساوي 30 مرة أكثر من الزلزال الذي قوته 6 و 30 * 30 أي 900 مرّة أكثر من طاقة الزلزال الذي قوته 5 . وهذا يفسر لماذا يأتي التدمير من عدد قليل من الزلازل كبيرة الصدمة ولا يأتي من آلاف الزلازل الصغيرة. ولا يوجد على مقياس ريختر درجة أكثر من 9 . وتنقسم قوة الزلازل إلى زلازل عظمى (من 6.5 - 7.5)، وكبرى (من 5.5 - 6.5 ) وصغرى (من 4.5 - 5.5).

 

رشدي سعيد