قصة × صفحة (وجه قديم) وسام الحلو

قصة × صفحة (وجه قديم)

في حديقة واسعة بديعة رمقها من بعيد, هي الفتاة ذات الوجه الطفولي الملامح والتعبيرات, شعرها الأسود القصير ملموم برباط صغير, كانت ترتدي (تي شيرت) أخضر وبنطالا أسود وحذاء صغيرا تطل منه أظفارها الملوّنة.

حتى هذه اللحظة لم يكن قد اقترب منها حتى يعرف إن كانت تضع أحمر الشفاه أم هل ترسم عينيها ذات النظرة التي انعكست لمعتها على جذع نخلة كان يستند إليها.

سأل: تُرى أي هذه الأشياء جذبني إليك?!

وكما في الأفلام, فيما هي جالسة وحيدة جلس بجوارها على دكة تطل على نهر وجندل وشمس, وكأن له معها حوارًا لم يستكمل منذ مئات السنين. سألها عن حالها وعن وجهها ذي الطفولة والبراءة, وعن أحوال أسرة لا يعرفها, التفتت إليه, لم تستطع أن تفتح عينيها البنيتين في عين الشمس, تعجبت ولم ترد, ضحك وقال:

- الشمس قوية على هاتين العينين الساحرتين.

ابتسمت والتفتت نحو الظل. لما اختفت الحديقة سألت: هل سأراه مرة أخرى?

صورته طُبعت في ذهنها مختلطة بأشعة الشمس وبعض رموش.

في حجرتها وقفت أمام المرآة, أسدلت شعرها الأسود دون أن يلمس كتفيها, خلعت البنطال و(التي شيرت), تحسست وجهها ولأول مرة تعرفت على ملامحها. ارتدت (التنورة) ذات الفتحة الطويلة, والبلوزة ذات الثنيات, فبان لها خصر ونهدان, تُقوّس حاجبيها, رسمت عينيها كعروسة نيل قديمة, شفتاها تلوّنتا بألوان عدة, مرة حمراء, ومرة برتقالية كشمس تغرب وأخرى تبهج وهي حزينة. علت عن الأرض لأنها الآن تلبس حذاء ذا كعب عال جدا, تحسست وجهها وسألت: هل وجهي مازال طفلا?

كلما نظرت في المرآة أو مشت في طريق, أو جلست في حديقة, تذكرت ذلك المشهد القادم من السنوات والأفلام القديمة, كان الزمن يغافلها ويعبث بوجهها أو كفيها أو رقبتها.

تعب الظهر, فذهب الكعب العالي مع ألوان الشفاه, والشمس جففت شعرها فلمّته برباط صغير - شعرها الذي لم يطل أبدًا - سألت دون أن تتحسس وجهها: هل وجهي مازال طفلاً?

تذكرت المشهد الخارجي من الأفلام القديمة جدا, والذي لم يصبه أي تشوّش, لم تنس لحظة واحدة (تي شيرت) كان أخضر, وبنطالاً كان أسود, وكما ارتدتهما ذات مرة لتذهب منطلقة إلى حديقة واسعة بديعة أخرجتهما من ذاكرة لا غبار عليها وارتدتهما.

في الحديقة, جلست على الدكة ذاتها التي تطل على نهر وجندل وشمس, لم تستطع أن تفتح عينيها في عين الشمس, ولأول مرة فقدت ثقتها فيما يحدث في الأفلام القديمة جدًا جدًا حين لم يأت. خافت أن تتحسس ملامحها وسألت: هل وجهي مازال طفلاً?!

 

وسام الحلو