حرب المناخ الباردة أحمد الشربيني

حرب المناخ الباردة

تصديق روسيا على بروتوكول كيوتو يضع الإدارة الأمريكية في مواجهة العالم

ليست هي المرة الأولى أو الأخيرة.. الإدارة الأمريكية تقف وحدها في مواجهة العالم.. ولكن السبب ليس (فيتو) أمريكيا لمصلحة إسرائيل كما هي العادة.. وإنما معاهدة دولية اسمها (بروتوكول كيوتو).

أما من وضع الإدارة الأمريكية في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه فهو خصمها السابق روسيا. والصراع هذه المرة ليس على جبهة الحرب الباردة, وإنما على جبهة المناخ, بعد أن قررت الحكومة الروسية في أكتوبر الماضي التصديق على بروتوكول كيوتو, أو حسب اسمه الرسمي (بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ).

وبعد موافقة الحكومة الروسية على البروتوكول, لم يبق سوى تصديق مجلس الدوما (البرلمان الروسي) على البروتوكول لكي يصبح نافذا, وهو أمر متوقع نظرا لتمتع حزب بوتين بأغلبية كبيرة فيه. وقالت وكالة إنترفاكس الروسية إنه وفقا لقرار الحكومة فقد تم منح الوزراء الذين هم على علاقة بالبيئة ثلاثة أشهر من أجل التوصل إلى سلسلة من الإجراءات العملية التي تتماشى مع الالتزامات الروسية.

وبغض النظر عن دوافع الرئيس بوتين وحكومته الكامنة وراء التوقيع على البروتوكول, فإن الخطوة الروسية تبقى خبرا سارا لكل هؤلاء الذين يقلقهم تغير المناخ في وقت يتعاظم فيه اعتمادنا على النفط وتصفعنا فيه كل يوم أنباء الكوارث المناخية من فيضانات وأعاصير وموجات جفاف.

وقد قوبل قرار موسكو بالتصديق على بروتوكول كيوتو بترحيب واسع, سواء من قبل الحكومات أو من قبل أنصار البيئة. فقد أشاد رئيس المفوضية الأوروبية روماني برودي بقرار الحكومة الروسية. وقال برودي: (ما إن يصدق مجلس الدوما على القرار, فإن هذا سيعني أن بروتوكول كيوتو سيدخل حيز التنفيذ... لقد كنت أرى دائما أن هذا أفضل قرار لمصلحة روسيا والشعب الروسي. فتغير المناخ الكوني معركة يجب أن يربحها جيلنا لمصلحة مستقبل أبنائنا ومستقبل هذا الكوكب).

وفي إشارة إلى الانسحاب الأمريكي من البروتوكول قبل عامين ونصف, قال برودي: (نحن لا نملك الحق في التخلي عن وعودنا, فبروتوكول كيوتو أفضل سلاح موجود في يد المجتمع الدولي).

وقالت مفوضة البيئة في الاتحاد الأوربي مارجوت وولستورم: (إننا في قمة الإثارة اليوم. وسيتعين علينا انتظار قرار الدوما, لكن الأمر يبدو على خير ما يرام).

وقالت منظمة (الصندوق العالمي للحياة البرية) إن التصديق على بروتوكول كيوتو ليس إلا خطوة أولى لمكافحة تغير المناخ). وأوضحت مديرة المنظمة جينيفر مورجان: (إننا غاية في السعادة, لأن بروتوكول كيوتو على وشك أن يصبح تشريعا دوليا ملزما, غير أن الدول الصناعية الموقعة على البروتوكول يجب أن تبدأ الآن في تطبيقه).

وعبرت بريوني وورثينجتون من منظمة (أصدقاء الأرض) البيئية عن بهجتها بقرار روسيا قائلة: (إن ذلك سيزيد من الضغط على دول مثل الولايات المتحدة واستراليا اللتين لا تزالان حتى الآن خارج الاتفاقية الدولية الوحيدة لتحديد كمية الغازات المنبعثة والتي تؤدي إلى الاحتباس الحراري). وأضافت: (يجب الاعتراف بأن كيوتو هي الخطوة الأولى الوحيدة وأن المناقشات يجب أن تبدأ في الحال فيما سيحدث بعد كيوتو).

وقال خبير البيئة بمنظمة السلام الأخضر الدولية ستيف سوير: (في الوقت الذي تضرب فيه الأرض أعداد متزايدة من الأعاصير والفيضانات وموجات الجفاف, جاء الرئيس الروسي ووضعنا عند نقطة فاصلة في التاريخ الإنساني. فنحن الآن على وشك تأمين بروتوكول كيوتو. وإدارة بوش تقف وحدها الآن والعالم يمكنه البدء في مواجهة تغير المناخ, أكبر تهديد للحضارة يواجهه العالم).

وبروتوكول كيوتو هو الاتفاقية الدولية الوحيدة التي تلزم الموقعين عليها بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون, غاز الدفيئة الرئيسي المسئول عن تغير المناخ والاحترار الكوني. وسيمهد تصديق روسيا عليها الطريق أمام تحولها إلى تشريع دولي ملزم.

وينص بروتوكول كيوتو على ضرورة خفض الكميات المنبعثة من الغازات التي تؤدي إلى ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري, والتي يعتقد العديد من العلماء أنها تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض وتغيير المناخ العالمي.

ويطالب البروتوكول البلدان الصناعية المتقدمة بخفض انبعاثات ستة غازات, على رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون, يعتقد العلماء أنها تفاقم مشكلة التغير المناخي الطبيعي. وبحسب البروتوكول, يتعين أن تخفض البلدان الموقعة تلك الانبعاثات بمقدار 5.2% أقل من مستوياتها العام 1990, وذلك في الفترة بين 2008 و2012.

وكان البروتوكول سيدخل حيز التنفيذ إذا صدق عليه 55 بلدا موقعا على المعاهدة, ومن بينها البلدان الصناعية المسئولة عن 55% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من العالم المتقدم في العام 1990. وبلغ مستوى التصديق حتى الآن 44%, ولا يمكن الوصول إلى الحد المستهدف دون روسيا, المسئولة عن 17% من تلك الانبعاثات, أو الولايات المتحدة, المسئولة عن 36% من الانبعاثات.

ومع ذلك, فإن الرئيس الأمريكي جورج بوش قرر التراجع عن الاتفاقية. وترى الولايات المتحدة أنها تلحق ضررا بصناعاتها, الأمر الذي يعني تخليا عن المساهمة في الجهود الرامية لمواجهة أحد أكبر العوامل التي تهدد الحياة على الكرة الأرضية, أي الاحترار الكوني.

ما هو الاحترار الكوني?

إنه ببساطة ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض. والاحترار الكوني لا يحدث وحده, إنما الإنسان هو الذي خلق المشكلة. فكل قطعة فحم وكل لتر من البنزين أو الجازولين يحرقه الإنسان يطلق كمية إضافية من الغازات السامة التي تتراكم في الغلاف الجوي, مكونة طبقة بنية سميكة تطوق كوكبنا وتحتبس الحرارة وتخنق الناس والطبيعة.

والنتيجة أن درجات الحرارة على الأرض ترتفع على نحو غير مسبوق. وعلى مدى الأعوام العشرة آلاف الماضية, كان عقد التسعينيات هو الأعلى حرارة. أما أعلى ثلاث سنوات في درجات الحرارة في تاريخ كوكبنا فقد شهدناها خلال الأعوام الستة الأخيرة: وهي السنوات 1998و2002 و2003.

ومع إحكام الاحترار الكوني لقبضته على كوكبنا, بدأت آثاره الكارثية في الظهور بدءا من قمم الجبال وحتى أعماق المحيطات, ومن خط الاستواء حتى القطبين الشمالي والجنوبي. والأمر هنا لا يتعلق فقط بالظواهر المباشرة, مثل الفيضانات المدمرة والأعاصير الكاسحة بل يتجاوز ذلك إلى التأثيرات الأعمق تأثيرا والأطول مدى وغير القابلة للإصلاح والتعويض.

فالاحترار الكوني يذيب الأنهار الجليدية في كل مناطق العالم, الأمر الذي يهدد حياة ملايين البشر نتيجة الفيضانات, والجفاف ونقص مياه الشرب, فضلا عن ارتفاع مستويات المياه في البحار والمحيطات, الذي يهدد بدوره بإزالة جزر بأكملها من الوجود في المحيطين الهادي والهندي.

وتشير بيانات وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والمركز الوطني للجليد والثلوج في الولايات المتحدة إلى أنه في العام 2002, كان مستوى الجليد القطبي أقل 14% من متوسط مستواه خلال الأعوام الأربعة والعشرين الماضية.

وتعرضت أسماك السالمون في شمالي الباسيفيكي لنقص حاد يهدد وجودها ذاته بعد أن ارتفعت درجة حرارة المياه في المنطقة ست درجات مئوية خلال فترة زمنية وجيزة.

وعلى شواطئ كاليفورنيا, أدى نقص الغذاء المرتبط بارتفاع درجة حرارة مياه المحيط إلى وفاة مئات الآلاف من الطيور البحرية.

وتعرضت الحيود المرجانية في سائر أنحاء العالم لأضرار هائلة نتيجة لارتفاع درجة حرارة المياه. وبمعدلات التراجع الحالية, يمكن للمرجان أن يختفي تماما من مناطق بأكملها, خاصة الحيد المرجاني العظيم, خلال خمسين أو مائة عام على أقصى تقدير.

وفضلا عن الفيضانات, والأعاصير وموجات الجفاف التي تقتل وتشرد الآلاف كل عام, فإن موجات الحرارة أخذت تهاجم مدنا مثل شيكاغو وباريس وأثينا ونيودلهي وتقتل عشرات الآلاف كل عام.

مستقبل مظلم

يرى خبراء البيئة أن ما شهدته بعض البلدان في العامين الماضي والحالي من موجات حارة ومن فيضانات مدمرة ما هو إلا النذير المبكر لتأثير التغيرات المناخية السلبي. أما العواقب الخطيرة لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون فلا تزال كامنة وقد تفعل فعلها في غضون بضعة عقود.

ويؤكد هؤلاء أن المستقبل سيكون مظلما لو لم نتحرك بسرعة لإيقاف ظاهرة الاحترار الكوني. ويذهب هؤلاء إلى أن المستقبل القريب قد يشهد تحول ظواهر مرعبة, مثل الأعاصير ميتش وفلويد وجين, إلى ظواهر شائعة.

وقد يؤدي الاحترار الكوني إلى انتشار الفيضانات والجفاف وتفشي أوبئة مثل الملاريا إلى أماكن جديدة, وهو ما يعني وضع موارد الغذاء ومياه الشرب تحت ضغوط إضافية.

ويهدد الاحترار الكوني ثلث غابات العالم, فضلا عن العديد من الأنواع التي تعتمد على الغابات في وجودها. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الاحترار والمزيد من الاختلالات البيئية.

ووفقا لسيناريوهات أخرى, يمكن للاحترار الكوني أن يؤدي إلى اندلاع نزاعات إقليمية مع انتقال أعداد كبيرة من اللاجئين البيئيين من منطقة إلى أخرى.

من المسئول?

يعد ثاني أكسيد الكربون مسئولا عن 80% من التلوث المرتبط بالاحترار الكوني. وتعتبر مستويات ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو العليا الآن هي الأعلى مقارنة بأي وقت مضى.

وحتى ندرك المسئول الحقيقي عن هذا الوضع المزري الذي وصلنا إليه يكفي أن نعرف أن البشر يطلقون إلى الغلاف الجوي للأرض كل عام نحو 23 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون, أي 700 طن في الثانية الواحدة.

وتعتبر الدول الصناعية الثماني الكبرى (الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا واليابان وروسيا) مسئولة عن الجانب الأكبر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وبالتالي فإن الدول الصناعية المتقدمة هي التي تتحمل مسئولية الشروع في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لثلاثة أسباب: الأول أنها حاليا وتاريخيا هي المصدر الأكبر لهذه الانبعاثات. والثاني أن متوسط نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها أكبر بأضعاف مضاعفة من مثيله في البلدان النامية. ويكفي أن نعرف أن المواطن الأمريكي يرسل إلى الغلاف الجوي كميات من ثاني أكسيد الكربون تعادل 23 ضعفا مقارنة بمثيله الهندي, وأن سيارة أوربية عادية تستهلك 7.8 لتر/كلم وتقطع 16 ألف كلم سنويا ترسل إلى الغلاف الجوي سنويا نحو ثلاثة أطنان من ثاني أكسيد الكربون, أي نحو ثلاثة أضعاف وزن السيارة ذاتها. أما السبب الأخير فهو أنها تمتلك الثروات والمعرفة التكنولوجية التي تؤهلها لأن تكون صاحبة (ضربة البداية) في سباق مكافحة الاحترار الكوني.

وكما قال خبير بيئي: (بالرغم من الاتهامات التي توجه للدول الفقيرة بسبب استخدام وقود الكتلة الحيوية في الطهي والتدفئة, فإن المسئولية الأكبر, إن لم تكن المسئولية الوحيدة, معلقة في رقبة الدول الغنية. فتأثير صناعات دول الشمال, وعوادم رفاهية سيارات الدفع الرباعي التي يستخدمها مواطنوها, لا يمكن مقارنتها بحطب يشعله فقراء العالم النامي من أجل التدفئة أو الطهي. ويكفي أن نشير هنا إلى أن نسبة مساهمة الولايات المتحدة في انبعاثات غازات الدفيئة تربو على 36% في حين أن عدد سكانها لا يزيد على أربعة في المائة من مجموع سكان العالم).

وفي هذا السياق يمكن أن نفهم مبررات هذا الترحيب الدولي الحار بالقرار الروسي التصديق على بروتوكول كيوتو باعتباره خطوة رائعة انتظرها العالم ثلاثة أعوام. فأخيرا بات بروتوكول كيوتو على وشك أن يصبح تشريعا دوليا ملزما.

لكن حتى في حالة تطبيق البروتوكول, يبقى من الصعب وقف تغير المناخ في ظل استمرار رفض الولايات المتحدة - الملوث الأكبر لكوكبنا والتي تنفث وحدها أكثر من ثلث غازات الاحتباس الحراري - الانضمام إلى البروتوكول.

إن السيطرة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وقرارات سياسية واقتصادية صعبة على المستويين الوطني والدولي. ولا بد من تحرك دولي يستند إلى وعي بأن التحرك العاجل هو الذي يمكنه أن يجنبنا الكارثة, وبأن أمنا الأرض هي ملك لنا جميعا, ولا يمكن لأمة واحدة, مهما بلغت درجة قوتها وغناها أن تحدد مصيرها.

وكما قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أخيرًا: (لا يمكن لدولة واحدة أن تحل المشكلة, لأنها (أي مشكلة الاحترار الكوني) ليس لها حدود فاصلة.. لكن الآن يمكن للتحرك العاجل أن يجنبنا الكارثة. الآن, وبالبصيرة الثاقبة يمكن القيام بهذا التحرك دون أن يخل بجوهر أسلوب حياتنا, من خلال تعديل سلوكياتنا, قبل أن نجبر على تغييرها كليا).

 

أحمد الشربيني 




ذوبان جليد القطبين ينذر بعواقب وخيمة





بوتين أشعل حرب المناخ





ثلث غابات العالم مهدد بالفناء





الفيضانات ستزداد مع تصاعد الاحترار الكوني