مقدمات وعواقب مأمون ملكاني

مقدمات وعواقب

بعد أن أدخلنا المقال السابق في دائرة تحليل نشأة الزلازل وكيفية تكونها، يمضي بنا هذا المقال ليعدِّد أنواعًا أخرى من الزلازل، ويركز على مقدمات وعواقب الهزات الأرضية ويشير إلى سُبل الحد من مخاطرها.

لم يتمكن العلماء حتى الآن من اكتشاف طريقة دقيقة للتنبؤ بحدوث الهزات الأرضية أو الزلازل، لأن مثل هذه الطريقة لو وجدت لتجنبت البشرية ويلات الزلازل مباشرة في وضع بعض الطرق للتنبؤ بالزلازل أو الهزات الأرضية.

ومن المؤشرات المعروفة التي تتقدم حدوث الهزات نذكر:

(أ) تشويه سطح الأرض: يعزي سطح الأرض في المناطق القريبة من البؤرة الزلزالية بعض التشويهات المتمثلة بتموجات في الأرض (ارتفاع في بعض المناطق وهبوط في بعضها الآخر).

(ب) يعتبر التغير المفاجئ في مستوى سطح البحر أحد المؤشرات لاحتمال وقوع هزة أرضية في المنطقة التي يتغير عندها مستوى سطح البحر.

(ج) الهزات الأولية: يسبق حدوث الهزة الأرضية أو الزلزال العديد من الهزات الخفيفة، التي تأخذ في الزيادة وبصورة تدريجية قبل حدوث الزلزال، ليصل عددها إلى عدة مئات في الساعة الواحدة قبل بعض الهزات أو الزلازل الكبيرة.

(د) التغير في سرعة الأمواج الزلزالية: بما أن آلية الهزة الأرضية أو الزلزال تكمن في عملية تجميع الطاقة في منطقة التصدع، لذا فإن الإجهاد أو الضغط الذي تتعرض له الصخور في هذه المنطقة يؤدي إلى تغير صفاتها الفيزيائية، وبالتالي تغير قابليتها على إمرار الأمواج الزلزالية، أي تغير في سرعة تلك الأمواج في المنطقة المذكورة.

(هـ) تغير في المجال الكهربائي الجوي بفعل انطلاق جزئيات الهواء والجسيمات المشحونة إيجابيا الموجودة في مسارات القشرة الأرضية نتيجة الضغط الشديد الذي تتعرض له الصخور.

(و) التغير في المغناطيسية الأرضية: بما أن لكل صخر من صخور القشرة مغناطيسية معينة تتغير مع الضغط الواقع عليه، فهذا يعنى أنه قبل حدوث الهزة الأرضية أو الزلزال حيث يكون الصخر تحت ضغط شديد، فإن مغناطيسية الصخر في منطقة الهزة ستزداد.

(ز) السلوك الشاذ لبعض الحيوانات: لوحظ أن بعض الحيوانات تسلك سلوكا شاذا قبل حدوث هزة أرضية كبيرة أو زلزال كبير كاستجابة للتغيرات السريعة التي تحدث تحت قشرة الأرض.

أنواع أخرى

بالإضافة إلى الزلازل أو الهزات الأرضية التكتونية أو البنائية، يمكن أن تتولد الزلازل من قوى أخرى غير قوة البناء، بحيث نميز ثلاثة نماذج أخرى من الزلازل أو الهزات القليلة العنف والمحدودة الانتشار، وهذه النماذج هي:

(أ) الزلازل أو الهزات الأرضية البركانية: وهي التي تحدث من جراء الانفجارات البركانية الضخمة، ولكن ليس شرطا أن يكون كل بركان مصاحبا بزلزال أو هزة أرضية. وتكون هذه الهزات أو الزلازل ضعيفة الشدة.

(ب) زلازل أو هزات الانهيارات: وهي قليلة جدا، تحدث في مناطق المغائر الضمنية والمناجم والسبب المباشر لمثل هذه الزلازل أو الهزات، انهيار سقف المغارة أو المنجم. وقد حدثت اهتزازات من هذا النوع في كندا وإفريقيا الجنوبية. ويمكن أن تحدث زلازل أو هزات الانهيارات أحيانا من جراء انزلاقات أرضية ضخمة، مثل الانزلاق الأرضي الذي حدث في 25 أبريل/ نيسان 1974 على طول نهر مانتارو في البيرو، الذي أنتج أمواجاً زلزالية مكافئة إلى زلزال ضعيف إلى زلزال متوسط الشدة.

(ج) زلازل أو هزات التفجيرات: التي تنتج من تفجيرات نووية تحت الأرض أو من تفجير مواد كيميائية ومثال ذلك تجربة التفجير النووي التي دعيت باسم (بوكسار Boxcar) في صحراء نيفادا الأمريكية يوم 26 نيسان عام 1968 م. وقد شعر بالهزة التي نتجت من ذلك سكان مدينة (لاس فيجاس) التي تبتعد عن مكان التفجير، واستمرت الهزة مدة (10 - 12) ثانية.

آثار مباشرة وغير مباشرة

تعود الآثار التي تحدثها الهزات الأرضية أو الزلازل الطاقة المنطلقة من بؤرة الزلزال بشكل موجات اهتزازية تهز مساحات شاسعة من الأرض الواقعة على أطراف مركز الهزة أو الزلزال. وتتمثل أهم الآثار التخريبية والتدميرية التي تحدثها الهزات الأرضية أو الزلازل فيما يلي:

1 - حدوث إزاحات أرضية عمودية أو أفقية أو كليهما معا. وتمثلت مثل هذه الانزياحات أثناء حدوث زلزال سان فرانسيسكو عام 1906، والتي كانت من النوع الأفقي، وصلت قيمته إلى حوالي ستة أمتار ونصف. كما ترافق زلزال كاليفورنيا عام 1874 م الذي تعرض له وادي "أوين" Owens Valley بتشكل جرف صدعي (انزياح شاقولي) بارتفاع وصل إلى سبعة أمتار.

ومثل هذه الانزياحات تترك وراءها آثاراً كبيرة على البيئة الطبيعية والحيوية، إذ تشوش الشبكة المائية، وتحطم طرق المواصلات وتقطعها، وتخرب الجسور، وتسبب انهياراً في المنشآت العمرانية.

2 - حدوث انهيارات أرضية، وانزلاقات، وتشقق في الأرض، يتولد عنها تشكل سدود مائية وتغريق أرض زراعية، وتدمير المنشآت العمرانية، وتحطيم طرق المواصلات. ولكن لحسن الحظ فإن معظم الانهيارات تحدث في المناطق الجبلية القليلة عموما بسكانها ومن أبرز الانهيارات الأرضية الصخرية تلك التي رافقت زلزال هيمالايا عام 1950، وكذلك الانهيار في نفق خط السكك الحديدية الذي سببه زلزال كاليفورنيا في 20 يوليو/ تموز عام 1925.

وتشكل الانزلاقات الأرضية خطرا يفوق خطر الانهيارات. وقد تسبب زلزال (مينو- آواري) الذي ضرب مقاطعتي (مينو وآواري) في اليابان يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1891، في حدوث حوالي 10.000 انزلاق أرضي.

وتعد التشققات الأرضية التي تحدثها الزلازل أمراً عاديا، وقد تكون بعض الشقوق والصدوع كبيرة، كما في الصدع الذي ظهر أثناء زلزال كاليفورنيا عام 1940 م في وادي امبريال، حيث وصل انزياح الأرض الأفقي إلى 4.5 م.

3 - تداعي المنشآت العمرانية: ينجم عن الزلازل أو الهزات الأرضية القوية التي تزيد شدتها على ست درجات حسب مقياس ريختر، انهيار المنشآت العمرانية، خاصة في المدن والتجمعات البشرية الأخرى حيث لم تصمم مبانيها على أساس مقاومة الزلازل، والأمثلة على ذلك كثيرة كزلزال أرمينيا السوفييتي عام 1988.

4 - آثار غير مباشرة تتمثل في انقطاع المياه واندلاع حرائق ضخمة تعود إليها معظم الخسائر المادية والبشرية أحيانا خاصة أن تكدس الشوارع بالأنقاض وانقطاع المياه والكهرباء يحد من قدرة رجال الإطفاء على السيطرة على الحرائق. وأبرز الأمثلة على الحرائق المدمرة التي سببتها الزلازل، حريق طوكيو الكبير في اليوم الأول من شهر سبتمبر/ أيلول عام 1923.

5 - طغيان مياه البحر بفعل أمواج البحر الزلزالية الضخمة المعروفة باسم تسونامي Tsunami : تنشأ في أعماق المحيط المائي بفعل الزلازل العنيفة التي تحدث هناك أمواجا مائية ضخمة، ترتحل مئات بل ألوف الكيلو مترات، لتلحق الخراب والدمار على طول السواحل التي تتعرض لها، بفعل ارتفاع الماء على الشواطئ لأكثر من ستة أمتار، والأمثلة على حوادث تسونامي كثيرة جدًا.

أمواج كاسحة

إن إحدى أضخم ظاهرة تسونامي في التاريخ هي التي خربت الساحل الشرقي من جزيرة هونشو اليابانية في أعقاب زلزال بحري ضخم، مركزه كان بعيدا في البحر، وذلك في اليوم الخامس من يونيو/ حزيران عام 1896 م، في منطقة الصدع تحت البحري في أخدود اليابان، وقد اندفعت أمواج البحر الزلزالية نحو اليابسة لترتفع إلى (25- 35) متراً فوق مستوى المد العالي المعروف، مما ترتب على ذلك غمر قرى بأكملها بالمياه، وانجراف أكثر من 10.000 منزل ومقتل قرابة 26 ألف شخص. وقد انتشرت أمواج التسونامي نحو الشرق عبر المحيط الهادي لتبلغ جزيرة هيلو - إحدى جزر هاواي- بارتفاع للماء عند سواحلها وصل إلى ثلاثة أمتار. ولتستمر الأمواج بعدها حتى الساحل الأمريكي، لتنعكس مرتدة باتجاه نيوزيلندا واستراليا.

كما أن الزلزال الذي حدث في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1929 م تحت سطح المحيط الأطلسي على بعد حوالي (1280 كم) من مدينة نيويورك، سببت أمواجه قطع أسلاك الكابلات في الأطلسي وتدمير السفن في موانئ جزيرة (نيو فوندلاند) الكندية، رغم عدم شعور الناس به هناك.

وإذا استعرضنا حوادث التسونامي في التاريخ فسنجد أنها كثيرة العدد فهي تقدر بالآلاف. غير أن أقدم وصف لها وما أحدثته من آثار هو ذلك التسونامي الذي ضرب الطرف الشمالي من البحر الإيجي عام 479 ق. م. وفي خلال المائتي سنة الماضية، حدثت (300) تسونامي، مسببة مظاهر متعددة من التخريب والدمار.

وبمقارنة الزلازل التاريخية مع التسونامي، تبين أن التسونامي الضخمة التي اندفعت نحو السواحل المزدحمة بالسكان أحدثت خسائر فاقت الخسائر التي نتجت عن الاهتزازات مباشرة، والأمثلة على ذلك يوضحها زلزالا 1556 م، و1976 في الصين، وزلزال مسينا (صقلية بإيطاليا).

الحد من المخاطر

إن جميع الطرق التي وضعت حتى الآن للتنبؤ بالزلازل لم تعط ثمارها، لذا فإن الحد من مخاطر الزلازل يكمن أولا في إيجاد طريقة علمية دقيقة للتنبؤ بالزلازل قبل وقوعها بمدة كافية تساعد السكان في المدن على النجاة بأرواحهم وما خف وزنه من ممتلكاتهم. وثانيا، بعدم تجاهل الآثار المدمرة للزلازل في المناطق الممكن أن تتعرض لها، باتباع الطرق الوقائية التي تحمي السكان من مخاطرها، وتقلل من حجم الخسائر المادية، وتتمثل هذه الطرق في الآتي:

1 - إجراء الدراسات الكافية عند اختيار موقع لإقامة أي تجمع بشري سكاني أو أي مشروع عمراني واقتصادي بحيث تشمل:

(أ) دراسات جيولوجية: تتعلق بتحديد الوضع البنيوي والبنائي للمنطقة (الموقع من الصفائح التكتونية البنائية، الصدوع ونماذجها، نوعية الصخور وتطابقها ومدى قابليتها للانهيار والانزلاق).

(ب) دراسات التربة: تتعلق بقوام التربة وسماكتها، وانحدار السطح المرتكزة عليه.

(ج) دراسات زلزالية: تشمل تحديد درجة احتمال وقوع الزلازل، وشدتها وربطها مع موقع الصدوع فيها، وذلك على ضوء الدراسات التاريخية للزلازل، وبؤر الزلازل التي حدثت فيها.

2 - تحصين الأبنية ضد الزلازل: وذلك بإقامة أبنية متينة متماسكة، تستند على قاعدة صخرية قوية لذا يجب التركيز على أساسات الأبنية بقدر التركيز على تماسك هياكلها. فإذا لم تكن الأبنية المحصنة ذات أساسات قوية مدعمة، يحدث انهيار لها من أساسها، يضاف إلى ذلك الإقلال ما أمكن من استخدام الأخشاب في البناء للحد من أخطار الحرائق.

3 - جعل شبكة المياه التي تغذي أنحاء المدينة متباعدة، عن بعضها البعض، وبناء خزانات مائية احتياطية تحت الأرض للسيطرة على الحرائق عند وقوعها.

4 - تجنب إقامة بعض المشاريع الاقتصادية في مناطق الزلازل العنيفة، كما في خطوط نقل مواد الطاقة (البترول... وغيره) وتدعيمها عند الضرورة لمقاومة ما يمكن أن تتعرض له نتيجة الهزات.

مقيـاس ميركالي المطوَّر

مقياس شدة الزلازل المستعمل في الغرب يسمى مقياس "ميركالي" المطوَّر Modified Mercalli Scale ودرجاته:

1 - لا يشعر به إلا قليل جداً من الناس في ظروف معينة

2 - يشعر به قليل من الناس أثناء راحتهم. وتتأرجح الأشياء الخفيفة المعلقة في الهواء.

3 - يشعر به الناس داخل البيوت وتهتز السيارات الواقفة.

4 - يوقظ النيام، وتتلاطم السيارات الواقفة، وتصطفق الشبابيك.

5 - يتساقط البياض. وتتحطم الأطباق. وتتوقف ساعات الحائط.

6 - يشعر به الجميع ويصابون بالذعر وتتحرك قطع الأثاث.

7 - يجري الجميع خارج البيوت. يشعر به راكبو السيارات المتحركة.

8 - تسقط المنازل سيئة البناء وتغير المياه مجاريها في الأحواض.

9 - الفزع. وتتحطم المنازل جيدة البناء. وتتحطم أنابيب المياه المدفونة في الأرض. وتنشأ أخاديد في الأرض.

10 - الرعب. ولا تبقى إلا بعض المباني. وتخرج المياه من مجاري الأنهار.

11 - الرعب. أخاديد واسعة في الأرض. وتخرج الأنابيب المدفونة في الأرض.

12 - الرعب. دمار شامل. وتُرى التموجات على سطح الأرض. وتتغير مناظر الطبيعة وتنقذف الأشياء في الجو.

 

مأمون ملكاني