مساحة ود عزة بدر

مساحة ود

المرأة الجمل!

جمل ينوء بسنامه مثلي تمامًا...سنامه المائل يتدلى من على ظهره كالجراب, جمل متعب يتخلى عن جزء من تكوينه يذكّرني بما أحمل وبما أريده أن ينحني فيسقط من على كاهلي. لو ثنيت السنام الهرمي بأصابعي مرة ثم مرة ثم مرات لانكسر, ولكن هل يصلح جمل بلا سنام?...هل يحيا? هل يعيش?!

في فمه تستنيم لقمة عيشه, في رغاء فمه ماؤه فما حاجته إلى سنام?

ليحمل الآخرين?.. في صحرائهم الموحشة يدخلون ويبتسمون لعدسات التصوير? ليتعلق خطامه بشرائط حمراء, ليحمل الغرباء فيرتزق آخرون!, هل كان يريد لنفسه هذه المهمة وهذا القدر?

هل أراد أن يصبح وجهه يومًا أحد ملامح الكارت بوستال, أن يصبح مشهدًا سياحيًا وصورة تذكارية تذكر بمجد قديم?!

يختزن ما يقدم له من ماء وعشب, يرغي ويزبد, ولكنه في النهاية يخضع ويستنيخ, وهذا ما يعذبه حقًا في مناخات الإبل!

هناك إذا نخسه صاحبه هذه المرة سيفرّ, سيجري ولو من ثقب إبرة!

حاولت من جديد تخليص الجمل من سنامه, برفق ثنيت السنم فانثنى وطاوعني الخطام, رفعت عن كاهله هذا السنام الذي ضاق به.

لاشيء يأسف عليه الآن إذا انكسر السنام سوى ما نقشته من فوقه الهوادج في الزمن القديم, كم حسناء مرّت, وكم عروس تعلقت برقبته فهانت عليه الدنيا, من أجلهن كاد أن يُسترق, أن يصبح عبدًا, وخطامه دائمًا بشرائط حمراء! وفي يد صاحبه.

كانت عيناه تمتلئان بالدموع وأهدابه الطوال تلمع كسعف من نور عندما تتأهّب الحسناء للركوب, ولكن عندما يجذبه صاحبه من خطامه يتأكد أنه عبد سيده!, لا يمكنه أن يطير بها ولا أن يُحلق, والآن يستسلم ليدي وأنا أزيل سنامه كالقشور على ظهر سمكة! أعود فأسأله دامعة العينين: وهل يصلح الجمل بلا سنام?! فتجيبني عيناه الواسعتان وقد امتلأتا بالدموع: دعيه يتدلّ إلى جانبي, فربما يذوي وحده, يسقط من تلقاء نفسه عن كاهلي, دعيه يتدلّ إلى جانبي كذراعين!

ضممته إليّ جملاً بلا سنام ولدهشتي, بي كان يحلّق...بي كان يطير!

 

عزة بدر