القشة التي قصمت ظهر آثار قاهرة المعز ماجدة الجندي
تصوير: صلاح أحمد
وجع على أوجاع... هم وبلاء سقط فوق كاهل ينوء بتل من الهموم... قشة قصمت ظهرالبعير... هذا ما فعله زلزال الثاني عشر من أكتوبر بالتراث المعماري الإسلامي لـ "قاهرة المعز" وقلبها العتيق المثقل بعدوان الزمن والناس معًا.. فلا الزلزال "بريء" من دم الآثار الإسلامية بالقاهرة ولا كان "وحده" الجاني وإن كان قد وضع الجميع أمام خيارٍ من اثنين: إما جراحة واستئصال حقيقي لكل ما يفتك بكنوز الفن والمعمار الإسلامي "فتكون" وتحفظ للأمة الإسلامية والعربية جزءا لا يستهان به من ذاكرتها الحضارية التي تشهد على إبداع الأنامل والمخيلة العربية. أو.. أو يضيع "البرهان".... البرهان على أننا كنا يوفا "فاعلين".
تقول الأرقام إن بالقاهرة خمسمائة وعشرين أثراً عربياً ما بين مساجد جامعة ومدارس وحصون وقناطر مياه وخوانق وبيمارستانات - أي مستشفيات- وكتاتيب وكنائس وأديرة ووكالات للتجارة وقصور وحمامات ومنازل، وبحسب آخر ما وصل من تقارير لهيئة الآثار المصرية وأعلنه وزير الثقافة المصري فاروق حسني أصاب زلزال أكتوبر 197 أثرا منها في "مقتل" منها 160 أثراً إسلاميا وعشر كنائس وأربعة معابد يهودية. وتراوحت الإصابات بين انهيار كامل كما في قبة سيدي "الدشطوطي" وبين تصدعات وشروخ وميل في مآذن المساجد وهبوط بالتربة وتشققات جدران وسقوط حوائط.. و.. وقائمة طويلة من "العلل" افترست أندر مجموعة من الآثار العربية والإسلامية التي تؤرخ لمختلف حقب الدولة العربية من أموية وعباسية وفاطمية وأيوبية ومملوكية وهذه خاصية تميز قاهرة المعز عن غيرها من المدن التي تحوي آثاراً عربية.. فالقاهرة وحدها تضم بين طياتها نوعاً من "التراكم التراثي العربي" بحيث يصبح في الإمكان أن تقرأ التاريخ العربي عبر شواهد المعمار ومن خلال البيوت والمساجد والوكالات والأسواق دون إغفال لحقبة أو فترة ولاية منذ أن فتح القائد عمرو بن العاص "مصر" موفدًا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وحتى الدولة العثمانية وعصر محمد علي. هذا التدرج التاريخي النادر والخاص بقاهرة المعز هو الذي يجعل فقدان واحدة من حلقات السلسلة بمثابة "طمس" لصفحة... واندثار لشاهد.. وقطع لتيار نهر التاريخ.
قراءة لصفحات من الأحجار والزخارف
لكل حقبة من التاريخ العربي هناك أثر معماري أو أكثر في قاهرة المعز منحوتاً.. مرسوفا.. مزخرفا ومخلداً لها.. فمن عصر الخلفاء الراشدين مسجد عمرو بن العاص ومقياس النيل بالروضة وبعض من آثار العباسيين.. الدولة الطولونية التي استقلت بمصر بفضل مؤسسها أحمد بن طولون والتي أدخلت لمصر أساليب العمارة والزخارف العراقية وبالذات الزخارف الجصية، هذه الدولة وتاريخ حكمها ما بين 254 هـ و 292 هـ يكفيها شاهدا مسجدها.. "مسجد ابن طولون"..
ومن 35 سنة هي كل عمر الدولة "الإخشيدية" من 324 إلى 358 هـ لم يعد باقيا إلا بعض آثار من مشهد آل "طباطبا" وهناك أكثر من ستة آثار متفردة تؤرخ للفترة الفاطمية والتي امتدت من 358 إلى 567 هـ يتوج هذه الآثار الجامع الأزهر الشريف ومساجد الأقمر والصالح طلائع والحاكم بأمر الله وجامع سيدى الجيوشي، فلقد تبارى أمراء هذه الدولة في البناء والعمارة ودخلت مصر لمسات من أساليب بلاد المغرب المعمارية. ويقول مؤرخ الآثار العربية المرحوم حسن عبدالوهاب عن آثار الفاطميين بالقاهرة إنها "تنوعت واغتنت فانتعش المصورون وترقت صناعة الخشب والجص وتميزت محاريب مساجدها الخشبية وانتشر البناء بالحجر إلى جانب الطوب وتهذبت المنارة وارتقت القبة.."
وبعد أن حكمت الدولة "الأيوبية" مصر ما يقرب القرنين خلفت وراءها أكبر كنوزها وهي "قلعة صلاح الدين الأيوبي".
أما عصر العمارة الذهبي في مصر فقد امتد حوالي 150 عاما هي فترة حكم دولة المماليك البحرية: 648 - 784 هـ التي حكم الجزء الأكبر من مدة حكمها أسرة واحدة هي أسرة "قلاوون" وفي عهدها وضح في العمارة تأثيرات سورية وبعض البصمات الفارسية والأندلسية، لكن سرعات ما تمصرت العمارة وأخذت طابعاً خاصا.. وتلك سمة يمكن القول إنها صبغت مختلف الحقب التاريخية والمعمارية فثمة "نكهة مصرية" سرعان ما كانت تتخلل في المعمار أياً كان الإطار القادم منه بل إن هضم واستيعاب المعماري العربي في مصر وصل إلى حد تمثل تأثيرات صليبية وقبطية في داخل النسيج المعماري الإسلامي.
كانت مصر "بوتقة" انصهرت فيها وتداخلت عناصر معمارية من الأندلس.. لبلاد ما وراء النهر.. الشام.. حتى أن بعض الآثار يعد بمثابة "الضفيرة" المعمارية التي تلم كل هذه الألوان ولكن بمسحة مصرية استفاد فيها المعماري من كل ما عايشه بل وما سبقه حتى وصل الأمر إلى كرانيش فرعونية فوق مآذن مملوكية.. وهناك زهاء قرن ونصف من الزمان بين 784 و 923 هـ فترة حكم المماليك الجراكسة وذروة ماسية في تاريخ العمارة الإسلامية.
في هذه الإطلالة السريعة على بعض من السطور التي نحتها المعماري العربي المسلم في القاهرة يتجلى المعنى الأكبر معنى الأمة الواحدة والحضارة الواحدة ذات النسيج الواحد الذي لم يكن يعرف حدوداً سياسية وفيها يلعب الأثر سواء كان مسجدا أو وكالة.. أو قصراً دور "الذاكرة التاريخية".
هذه الذاكرة يهددها الآن الوهن والترهل. بل ودون إيغال في التشاؤم فإن سيف "المحو" مسلط على رقابها وإحقاقاً للحق فإن هذا السيف مسلط منذ سنوات طويلة سبقت "زلزال" أكتوبر لظروف عديدة شديدة التشابك خاصة بالآثار الإسلامية بالقاهرة القديمة.
شارع المعز.. عزيز قوم....
شارع المعز هو شريان منطقة القاهرة العتيقة ولعله يشبه الترمومتر لحالتها.. كيف؟ مشكلة الآثار الإسلامية قبل سنوات وسنوات أنها جزء من النسيج الحي لمدينة تكتظ بخمسة عشر مليوناً من البشر.. في القلب تماماً من الزحام والتكدس وأيضا في بؤرة متعبة المرافق والحكاية طويلة...
تقول وثائق الأوقاف إنه في زمان "العز" إبان العصور الإسلامية السالفة كان كل من بنى مسجدًا أو زاوية أو سبيلاً يعتني به طوال حياته وحتى يضمن استمرار العناية كان يخصص جزءاً من أملاكه يوصي به "وقفاً" للصرف على صيانتها ودفع أجر من يتولى هذه المهمة وكان "ناظر الوقف" مسئولا عن الترميم والعناية. بعض هؤلاء النظار كان حي الضمير والبعض منهم كان غير ذلك وإن كانت الغالبية تخشى عقاب من تسول له نفسه خيانة أمانة الوقف فيروى أنه في عهد الخديو إسماعيل نفي أحد نظار الأوقاف لأنه باع منبر أحد المساجد!
لكن هذا التنعيم والتدليل يرصدون لبدء زواله ميلاد الدولة العثمانية.. مبان عديدة فقدت وظائفها الأصلية بعد الغزو العثماني للقاهرة وأوقاف مالية غيرت من الاتجاه.. ومع ذلك لم تعان الآثار الإسلامية من "اليتم" طويلا فقد صدر في 18 ديسمبر 1881 أمرًا عاليًا بتشكيل "لجنة حفظ الآثار العربية".
وكان المرسوم دقيقاً حريصا على تحديد اختصاصات هذه اللجنة في أربعة بنود تمنع الزمن والبشر من "الجور" على الآثار الإسلامية، فيما يشبه "الدستور" الذي يمكن تلخيصه في: جرد وحصر الآثار العربية وصيانتها وحفظها من التلف وعمل الرسومات والتصميمات التي تتطلبها الإصلاحات مع حفظها - أي الرسومات - بدار الآثار العربية. واستمرت إدارة الآثار العربية وهي تابعة لوزارة الأوقاف ثم نقلت تبعيتها إلى وزارة المعارف العمومية واستمرت في أداء مهمتها بإخلاص وإتقان أكثر من سبعين عاما رممت واعتنت خلالها بالجامع الطولوني والأزهر وأبواب وأسوار القاهرة وجامع الأقمر ومجموعة قايتباي ومدارس السلطان حسن والظاهر بيبرس ومجموعة قلاوون وبيوت: السحيمي والكريدليه وأكثر من "ستين" أثراً عربيا بعضها كنائس وأصدرت أول تشريع لحماية الآثار والتراث في 1883 لكن العناية والترميم والإصلاح كان ينصب دائماً على "الأثر وحده دون المنطقة أو الشارع أو الحي الذي يقع فيه" وتلك كانت البداية.. بداية أزمة الآثار الإسلامية في القاهرة بعد اللجنة العربية لحفظ الآثار وما تلاها مصلحة الآثار وهيئة الآثار.
ظروف اقتصادية واجتماعية عديدة توالت على المناطق القديمة عبر نصف القرن الأخير وبعد أن كان شارع "المعز" مثلا وما يحيط به شمالا وجنوبا هو العزيز و "الأثير" جار عليه الزمان.. تغيرت البيئة المحيطة بالآثار الإسلامية أو لنقل إن الزمان تغير ودفع الأثر ثمن هذا التغير.
دخلت المواصلات حواري وأزقة لا يزيد عرضها على مترين، تسربت مياه الصرف الصحي فهبطت التربة وتوالت الانهيارات في أجزاء تاريخية عديدة.. تلوث الهواء وتشبع بمخلفات مناطق صناعية محيطة.. تشبعت الجدران بالرطوبة لارتفاع المياه الجوفية حتى وصلت في بعض الأحيان إلى الأسقف. في أحيان كثيرة تحولت آثار إلى "مساكن شعبية". بسبب انهيار بعض المساكن القديمة.. ولكن تداخلت الاختصاصات بين وزارة الأوقاف وهيئة الآثار وتاه الأثر بينهما..
ضغوط سكانية..
المهندس "صالح لمعي مصطفى" واحد من أبرز الاستشاريين الذي يجمعون بين الرؤية العلمية الهندسية والمنظور التاريخي الأثري ويعد الوحيد في مصر تقريبا الذي يدير مكتبا هندسيا استشارياً متخصصاً في العناية والترميم للآثار الإسلامية وهو المعروف بمركز "إحياء العمارة الإسلامية" والحاصل على جائزة أغاخان للعمارة الإسلامية عن ترميمه للمسجد "العُمري" بصيدا بلبنان عام 1989. له توصيف لمشكلة الآثار الإسلامية.. يقول فيما قل ودل:
إنها أخذت أو نالها جانب من كل المشاكل المحيطة بها بدءا من الصرف الصحي ومياه الشرب وارتفاع منسوب المياه الجوفية وتلوث البيئة وانتشار أسلوب البناء العشوائي حولها وسوء استخدام الأماكن الأثرية المستأجرة بصورة صارخة.. ويضع تحت التعبير الأخير أكثر من خط فهناك ورش للألمنيوم داخل "قلاوون" ومحلات مؤجرة أسفل مسجد الغوري.. وأناس يسكنون "قايتباي".
و.. والتعديات لها ملفات وملفات وكل ما فعله الزلزال أنه أوصل المريض إلى حافة الموت.. أو أضعف الإيمان إلى غرفة الانعاش!
ماذا فعل الزلزال بالآثار الإسلامية؟
منذ أكثر من عشر سنوات وبالتحديد سنة 1980 تشكلت جمعية للعناية بالآثار الإسلامية تحت رعاية زوجة الرئيس السادات وتوالت المؤتمرات والاجتماعات وخرجت تقارير وجاء خبراء وقدرت التكلفة المطلوبة لانتشال الآثار الإسلامية من أزمتها بخمسمائة مليون دولار.. ولكن "جرت في الأمور أمور".
وازداد حال الآثار العربية سوءا حتى كان الكريشندو أو الذروة مع "الزلزال.." الذي استفرد بالآثار العربية الإسلامية. ولم يمس كثيراً الآثار الفرعونية، وكانت النتيجة قائمة طويلة نبدؤها من شارع المعز أو عزيز القوم الذي ذله الزمان وغير الزمان.
شروخ وسقوط في قبة مسجد "قلاوون" أجمل قباب القاهرة وأرقها، وأيضا بمدرسة قلاوون، وتهدم شديد بجدران البيمارستان وسقوط الجدار الغربي لحامل الشباك الجصي بمدرسة الناصر محمد.
هبوط أرض مسجد الغوري وسقوط الأهلة النحاسية من مآذنه وسقوط بعض الشرفات الحجرية المطلة على الصحن، ميل بهلال مئذنة المسجد الحسيني وشروخ بواجهة قصر بشتاك وتفكك بلاط القيشاني واتساع الشروخ بجدران بيت السحيمي.. حتى القلعة، قلعة صلاح الدين الأيوبي تشققت جدران سراي العدل بها وأسفل مسجد محمد علي ومتحف قصر الجوهرة وأسوار القلعة ذاتها.
وسقطت شرفة من سبيل عبدالرحمن كتخدا، والجوسق والهلال من مئذنة مسجد قايتباي، وأيضا نال الزلزال من منزل قايتباي شروخا بالطول والعرض ومسجد جوهر اللالا ومسجد شيخون والمسجد الحسيني و.. و.. وكما قلت فإن مائة وستين أثراً إسلاميا كان الزلزال لها القشة التي قصمت ظهرها.
رب ضارة
لعل من أبرز الحالات التي كشف عنها الزلزال وأفادها في آن واحد حالة مجموعة آثار الغوري وبالتحديد المسجد. فلسنوات طويلة، تعرض الأثر لحالة سافرة من الاعتداءات. محلات مؤجرة.. أجرتها هيئة الأوقاف بل وباعت بعضها والمحلات أسفل الأثر مباشرة .. وفشلت الآثار في إزالة هذه التعديات على مدى سنوات طويلة وخسرت قضايا عديدة وبات الأمر مرهونا بقرار سيادي يأمر بإخلاء الأثر الواقع على رأس شارع المعز من ناحية الغورية.
ولما حدث الزلزال بشقوقه وشروخه و.. و.. كان "الغوري" من أكبر الضحايا فقد أوصله سرطان المياه الجوفية وغيرها لحالة "تصعب على الكافر".
والزلزال وحده لم يكن بقادر على تفريغ المحلات الواقعة أسفل الأثر من المستأجرين الذين يبيعون فيها الطرح والمناديل والحلوى وغيرها. لكن قراراً من مجلس الوزراء المصري أخرج المعتدين وسلم الأثر لهيئة الآثار المصرية التي بدورها أعطت إشارة البدء لجراحة عاجلة تتولاها شركة "المقاولون العرب".. التي فتحت الباب "لكونصلتو" من استشاريي وخبراء العالم من اليابان وأمريكا وألمانيا وفرنسا وسويسرا والكلمة الأخيرة لم يقلها أحد حتى الآن ومازال الأمر في حيز الاجتهادات "فعظام" الأثر تكالبت عليها الأملاح والكبريتات والنيترات وتولى مستأجرو المحلات الجزء الباقي فأزالوا حوائط وحفروا سراديب وخلخلوا أساسات الأثر المقام بنظام الحوائط الممتدة شأنه شأن كل الآثار العربية.
مشكلة قومية
.. في شارع المعز وحده ستون أثراً إسلامياً.. "صعدت" معه أيام كان سكانه وأصحاب منشآته في الأوج وانحدر بها الحال لما تغيرت الحالة.. شارع واحد يحوى آثاراً تكفي أمة.. تخيلوا باقي نسيج القاهرة العتيقة.. كم وأي غال يحويه، لكن الواقع يقول إن مشكلة الآثار الإسلامية بلغت حدا من التعقيد والتشابك يؤهلها لأن تصبح "مشكلة قومية" - عفوا - واحدة من المشاكل القومية حلها يبدأ بالحلم.. الحلم بشبكة مياه وصرف صحي تمسح القاهرة القديمة ومشروع قانون لتنظيم عمليات الهدم والبناء بهدف الحفاظ على "مذاق المعمار" للقاهرة القديمة وتفريخ لحالة الاكتظاظ السكاني وتخطيط متكامل يبدأ من نهاية كوبري الأزهر وحتى طريق صلاح سالم وإعادة تخطيط شارع المعز .. و.. و..
ويسبق ذلك كله "وعي".. نعم وعي بما نملك ووعي بأن إنقاذ الأثر ليس فقط بترميمه ولكن بترميم "للبيئة المحيطة به" ولا أقول بترميم لرؤيتنا نحن له.
وبرغم حالة "الاستنفار" التي أعلنتها جميع الجهات المصرية بدءاً بمجلس الوزراء ووزارتي التعمير والثقافة والأجهزة المحلية إلا أن المشكلة خيوطها شديدة التعقيد وتحتاج لتضافر جهود كل من ينتمي وجدانيا وثقافيا لهذا التراث.. وزير ثقافة مصر وعد بقرارات إزالة لكل التعديات على الآثار مع نقل أصحاب المحلات لأماكن بديلة ومعهم الورش والمسابك والأفران التي غطت أبخرتها الآثار العربية بطبقة كثيفة من السواد وهناك أمل في تحويل شارع المعز بأكمله إلى منطقة آثار مغلقة على وسائل النقل..
وهناك كلام عن رصد لما يقرب من مليون جنيه مصري لانتشال هذا التراث.. لكن أكثر المتفائلين يقولون إنه حتى مع هذا الرقم ومع جهود البعثات الأجنبية فإن المعاناة الطويلة للآثار الإسلامية لا يكفي لرفعها ذلك.. حتى النداءات التي وجهتها بعض الجهات الدولية- كاليونسكو- قد تأتي ببعض الخبرات لكن المشكلة في التمويل.. والذي يتجاوز واقعياً الإمكانات المصرية والمطلوب حلول على مستويين.. على مستوى الإسعاف السريع وعلى المستوى الزمني بعيد الأجل الذي يغير من البيئة المحيطة في نفس الوقت وبالتوازي مع إنقاذ الأثر..
وإلا... فالنسيان قادم.. وذاكرة الأمة الحضارية في خطر... في خطر...
جامع الأزهر
شرع القائد جوهر الصقلي في بناء مسجد جامع للقاهرة أسوة بجامع عمرو بن العاص الموجود بالفسطاط وكانت بداية البناء في يوم السبت 24 من جمادي الأولى سنة 359 هـ (970) م وانتهى العمل وأقيمت صلاة أول جمعة به يوم 7 رمضان (361 هـ) (972 م) وعرف بجامع القاهرة.
وكتب بدائرة القبة على يمين المحراب "بسم الله الرحمن الرحيم مما أمر ببنائه عبدالله ووليه أبو تميم معد الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وعلى أبنائه الأكرمين على يد جوهر الكاتب الصقلي وذلك في سنة ستين وثلاثمائة" وقد. اندثرت هذه الكتابة مع القبة أيضا وتم التوسع في أنحاء المسجد في أزمنة مختلفة أيام العزيز بالله بن المعز والحاكم بأمر الله والخليفة الفاطمي المستنصر بالله والخليفة الآمر بالله والحافظ لدين الله. أول درس ألقي بالجامع الأزهر كان في شهر صفر سنة 365 هـ وكان في الشريعة وألقاه على بن النعمان القاضي، فيما عرف بعد ذلك "بالمختصر" ثم تقرر تخصيص رواتب لمجموعة من الفقهاء يتناوبون دروس يوم الجمعة (حوالي خمسة وثلاثين فقيها).
أفل نجم الأزهر في الدولة الأيوبية وعادت زهوته مع المماليك الجراكسة وبنى الأمير بيلعك الخازندار مقصورة كبيرة للدرس كانت إيذانا بالتوسع في رسالة الأزهر العلمية التي استمرت وتوالت توسعات الأزهر وتجديد المنارات وإلحاق المدارس المختلفة به كالمدرسة الطيبرسية نسبة للأمير علاء الدين طيبرس الخازنداري نقيب الجيش في دولة الناصر قلاوون والمدرسة الأقبغاوية وأنشأها الأمير علاء الدين أقبغا والمدرسة الجوهرية نسبة للأمير جوهر القنقبائي خازندار الأشرف برسباي.
ومن أكبر ما لحق بالأزهر من تجديدات ما تم على يد الأمير محمد علي وعثمان كتخدا وعبد الرحمن كتخدا. أما مكتبة الأزهر فقد أنشأها الخديو عباس وقد بلغت مجلداتها مائة ألف.