ألعاب العمر المتأخر لويس لانديرو

عرض: الدكتور حامد أبوأحمد

كاتب قفز من الظل فجأة إلى دائرة الضوء .. إنه لويس لانديرو صاحب رواية "ألعاب العمر المتأخر" الذي احتلت روايته المركز الأول وطبعت ثماني مرات وحصد الجائزة القومية للأدب في إسبانيا .. ترى ما سر هذا المؤلف وهذه الظاهرة ؟

يحدث كثيراً في إسبانيا أن يبدأ الكاتب بداية قوية جدا، فتنهال عليه الجوائز التشجيعية والتقديرية- بلغة جوائزنا- لأن الجوائز هناك ليست مرتبطة بالسن بل بقيمة العمل. حدث هذا مع كاميلو خوسيه ثيلا الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1989، فقد كانت روايته الأولى "عائلة باسكوال دوارتي" التي صدرت عام 1942 من أقوى أعماله وأهمها. وحدث كذلك مع رائد المسرح الإسباني الحديث أنطونيو بويرو فاينجو، إذ حصلت مسرحيته الأولى " قصة سلم" المكتوبة في الأربعينيات على أكبر جائزة مسرحية وهي جائزة لوبي دي فيجا

وتتكرر هذه الظاهرة كثيرا حتى نراها أخيرا في عمل أدبي هو الأول لصاحبه كذلك وهو رواية "ألعاب العمر المتأخر" التي نشرت في أكتوبر عام 1989، وطبعت ثماني طبعات في أقل من عام، وكانت الكتاب رقم (1) في إسبانيا من جهة التوزيع خلال شهري يوليه وأغسطس عام 1990، حسب تقديرات جريدة البابيس أكبر الصحف الإسبانية وأكثرها انتشارًا. أما الجوائز التي حصلت عليها فهي "جائزة النقد" (أبريل 1990)، والجائزة القومية للأدب بعد ذلك بشهر واحد. ثم إن اسم كاتب الرواية وهو لويس لانديرو قد قفز فجأة، وبلا مقدمات، من الظل ليحتل صفحات كاملة في كل الصحف الإسبانية.

رواية عمرها ثماني سنوات

ظاهرة غريبة فعلا، لكن إذا عرفنا خلفياتها ندرك أن لها أساسا متينا، ذلك أن هذا الكاتب الشاب لم يتعجل نشر إنتاجه قبل أن يصل إلى مرحلة النضج الكامل. فقد صاغ روايته ثلاث مرات على امتداد مرحلة زمنية تصل إلى ثماني سنوات. وعندما سئل لويس لانديرو (جريدة دياريو- 16، ديسمبر 1989) كيف استمر كل هذه المدة في كتابة الرواية قال: " لقد كتبتها ثلاث مرات. في المرتين الأولى والثانية بدا لي الموضوع غير ناضج بالمرة، وينطوي على مشاكل من ناحية المصداقية والمنظور. أما في الكتابة الثالثة والأخيرة فقد استبدلت بالشخصية الأولى الشخصية الثالثة، وحدث، ذلك عندما اكتشفت أخطاء التناول في المنظور بالنسبة للشخصيات. وقد عملت في الصياغة النهائية خمس سنوات. ذلك أن كل شخصية لها إيقاعها كما كان يقول نيتشه: فنهر الدانوب له إيقاعه، ونهر الجانج له إيقاعه. وإذا كانت الأنهار لها إيقاعاتها فإن الشخصيات هي الأخرى لها إيقاعاتها ".

أما لويس لانديرو فقد ولد عام 1948 في قرية ألبوركيرك التابعة لمدينة بطليوس في إقليم إكستر يمادورا، جنوب غرب إسبانيا. وفي هذه المنطقة يقول الدكتور حسين مؤنس في كتابه "رحلة الأندلس" (ص 40): " هنا تستطيع أن تمضي ساعة كاملة بالسيارة دون أن ترى مخلوقا. يحذرونك أن تنطلق وحدك في هذه المتاهة، وخاصة في الطريق من كاثيرس (قصِرِشْ) إلى ألبوركيرك (تحريف شنيع أصله: أبوبكر) .. لقد شبهها الرحالة لابلاي بصحراء العرب. الجغرافيون الإسبان ينكرون ذلك في عنف، ولكن الحقيقة التاريخية تؤيده. فقد أحب العرب هذه الناحية وسكنوها وعمروها كما كانوا يعمرون الحوف الشرقي في مصر، لا يدري أحد كيف، ولكنهم بطبيعتهم كالجمال، يعرفون كيف يعيشون في الرمال". وينسب لانديرو إلى أسرة فقيرة، فقد كان أبوه عاملا مُحْبطا مثل الكثيرين من عمال القرى الذين عاشوا في أكثر المراحل فاقة وبؤسا وتخلفا في إسبانيا، وهي المرحلة الممتدة منذ ما قبل الحرب الأهلية الإسبانية (في الثلاثينيات) حتي منتصف الستينيات تقريبا. وكان الوالد يريد لابنه أن يكون شيئا آخر: أن يصبح موظفا أو مهندسا أو طبيبا. ولم يفكر الوالد أبدا في أن ابنه يمكن أن يصير كاتبا عبقريا يلفت أنظار الناس في كل مكان.

ومثلما تأثر جابربيل جارثيا ماركيز بجدته وأحاديثها فسوف نجد لويس لانديرو كذلك متأثرا بجدته، فقد كانت تقص عليه الكثير من "الحواديت". وكانت هذه "الحواديت"- كما يقول- هي أول اتصال بينه وبين الأدب، بل إنه تعلم القراءة والكتابة بتأثير منها، إذ يحكي لنا، ضمن ما يحكي من ذكرياته، أنها صحبته ذات مرة إلى السوق، وهناك في السوق أجهشت بالبكاء، فسألها لماذا تبكين؟ فقالت لأنها لا تفهم الإعلانات، إذ لا تعرف القراءة. وفي ذلك اليوم شرحت له- على طريقتها- لماذا تمتلك الزرافة رقبة طويلة جدا، وتمتلك الأرانب البرية أرجلا سريعة العدو، وكذلك الإنسان استطاع أن يطور أداة مهمة تقوم عليها حياته هي اللغة، ومن ثم فإن من لا يعرفون القراءة والكتابة لا يكادون يُعدون من البشر. ومن هذه اللحظة أخذ لويس لانديرو الطفل يجتهد في تعلم القراءة والكتابة حتى يستطيع أن يقرأ لجدته الإعلانات والخطابات.

حدود القرية وحدود العالم

ولم يقتصر تأثير جدته عليه في ذلك فقط، وإنما امتد ليصل، فيما بعد، إلى طريقته في القص. ففي كلمة كتبها لويس لانديرو في 21 يوليه عام 1990 للملحق الثقافي بجريدة دياريو- 16 تحت عنوان "البوركيرك ALBURQUERQUE" (وهو اسم قريته كما أسلفنا) وضع للقرية حدودا تخييلية نقتصر منها على الحد الرابع المتعلق بجدته، إذ يقول " إن هذه القرية كانت تحدها من الشرق مزارع الزيتون التي كانت تقيم فيها أسراب من حشرات "الزيز" تعمل على تأخير طلوع الشمس، ذلك أن هذه الحشرات- كما كانت تحكي الجدَّة- تتغذى على قطرات الندى، فكانت تجتهد في التهام هذه القطرات ولا تأذن بطلوع الشمس إلا بعد أن تكون قد أتت عليها جميعا. ولهذا كان من اللازم أن تكون هناك ديوك في هذه الناحية تعمل بصياحها على توجيه الشمس وتساعدها على الطلوع، وهذا هو السبب في كثرة الديوك بالقرب من مزارع الزيتون ". وهذه الطريقة في القص سوف نراها واضحة جدا في رواية " ألعاب العمر المتأخر " التي يختلط فيها الواقع بالسحر بالأسطورة بالحلم وبالوهم.

ولويس لانديرو، حسبما ذكر ناقد كولومبي معاصر - هو داسو سالديفار- لي شخصيا في صيف عام 1990 قد تجاوز بهذه الرواية الأولى، كل أبناء جيله مثل خوليو يماساريس، والجيل السابق عليهم مثل خوان جويتيصولو. وقد أدركت فعلا بعد قراءتي للرواية أكثر من مرة أنه يختلف عنهم كثيرا. فخوان جويتيصولو- على سبيل المثال- كاتب مولع باتجاهات "الرواية الجديدة " يدخل بقارئه في مناطق. موحشة ومقفرة، ويثقل كتابته بالكثير من التقنيات الحداثية، والشفرات الثقافية والتاريخية حتى ولو كان يكتب في موضوع محبب، إلى القارئ العربي مثل رواية " مقبرة " أو رواية " فضائل الطائر الوحداني"، وهما روايتان متأثرتان بالتصوف العربي الإسلامي كما هو واضح من عنوان كل منهما، أما لويس لانديرو فكاتب له مذاق خاص، يجمع بين الفن والمتعة، العمق وإثارة الانفعالات، وثراء الدلالات وسهولة التلقي. وهو منشغل باللغة انشغالا يفوق الحد، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون واضحا وممتعا.

يقول: " لقد كنت أبحث دائما عن السحر MAGIA الكامن في الكلمات، وكنت أحاول أن أخترع كلمات لأرى هل أستطيع بهذه الكلمة السحرية أن أقول للأشياء " افتح يا سمسم". أي أنني كنت دائما أبحث عن الأداة أو الآلة التي كانت تبحث عنها جدتي. ولهذا وجدتني أتماهى، بسعادة، مع مشهد في قصة لبير كالدير Pere Calders عنوانها "ANTAVIANA" لأن فيها شخصية تبدو باحثة عن هذا السحر المجنح للكلمات ".

وفضلا عن ذلك فإن لويس لانديرو استطاع، بمهارة فائقة، أن يستوعب كل أساليب القص بدءا من ميجيل دي سرفانتيس صاحب رواية "دون كيخوته" الشهيرة، من القرن السادس عشر الميلادي، وصولا إلى الأساليب المتنوعة في العصر الحديث عند فرانز كافكا، وجارثيا ماركيز، وخورخي لويس بورخس، وسواهم. وهو لم يتأثر بكتاب القصة والرواية الكبار فقط، وإنما تأثر كذلك بالشعراء الكبار مثل روبن داريو رائد حركة الحداثة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، وجوستافو أدولفو بيكر أكبر شعراء إسبانيا في القرن التاسع عشر وأنطونيو ماتشادو من جيل 1898، وخوان رامون خمينيث الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 956 1، وجارثيا لوركا من جيل 1927. ولم يكن تأثره بهؤلاء الشعراء مجرد هواية أدبية. بل إنه قد كتب الشعر أيضا في السنوات الأولى من صباه وشبابه، كتب كثيرا من القصائد لكنه لم يرض عنها وألقى بها جميعا في سلة المهملات. ويحكي لنا لويس لانديرو في أحد الحوارات التي أجريت معه أن بدايته الأدبية كانت مع الشعر، فعندما بلغ من العمر أربعة عشر عاما قام بشراء كتاب بهدف التعرف على ما يجري حوله في الدنيا، وكان بيت أبيه يخلو تماما من الكتب ولم يكن بالقرب منه أي شخص يعمل على توجيهه- هكذا يقول - وقد عثر في الكتاب على صور هزيلة نحيفة وعرف أنه كتاب في اليوجا، فعاد إلى صاحب المكتبة كي يستبدل به كتابا آخر فأعطاه الكتبي كتاب "أفضل ألف قصيدة في اللغة الإسبانية".

من هنا بدأ تعرفه على الشعراء الكبار.

السفر وراء دون كيشوت

لكن أول كاتب روائي قرأه وتأثر به هو ميجيل دي سرفانتيس وقد أخذ يقلده لفترة غير قصيرة، وكتب كثيرا من الصفحات بلغة تشبه اللغة التي كان يستخدمها سرفانتيس. ومعروف أن الكلمات اليومية العادية عند سرفانتيس تأتي وقد ارتدت رداء الفرح والتألق، وتلمح في هذه الكلمات نوعا من الغموض لكنه غموض مضيئ ومحبب. لكن لويس لانديرو مثل أي كاتب أصيل سوف يظل لفترة طويلة في مرحلة اكتشاف حتى يصل إلى نهجه الكامل وأصالته المتفردة. ومن ثم نرى أنه بعد أن قرأ سرفانتيس وتأثر به أخذ يتطلع إلى كتاب آخرين وإلى أعمال أخرى. فعندما كان طالبا بالجامعة وعمره يناهز العشرين عاما أعطاه أستاذ الأدب بعض الكتب المهمة التي استطاع أن ينتقي منها أو يكتشف روايات "المسخ " لفرانز كافكا، و " ليس لدى الكولونيل من يكاتبه " لجابرييل جارثيا ماركيز، و "الغريب" لألبير كامي، و "الطاغية بانديراس" لرامون ماريا دل فايي إنكلان، ومنذ تلك اللحظة أصبح قارئا نهما لكل ما تقع عليه يده من روايات عالمية. وقد تعلم من ماركيز أشياء كثيرة، من بينها- فيما يتعلق باللغة- طريقة الانتقال من جملة إلى أخرى، وهو أمر نلحظه بوضوح في كل أعمال ماركيز الأخيرة. بمعنى أن كل جملة تكون بمثابة بذرة للجملة التالية، وكل جملة تبدو وكأنها نهاية أو خاتمة للجملة السابقة. أي أن ثمة نوعا من التوقع الذي تنقله كل جملة إلى ما بعدها حتى ليبدو الأمر وكأنه نوع من القدرية في الإيقاع الذي يمضي على هذا النحو المخصوص.

ويحكي لنا لويس لانديرو (دياريو- 16، ديسمبر 1989) مراحل تأثره بالكتاب الآخرين فيقول: "مثلما قلدت سرفانتيس جاءت فترة أخرى تأثرت فيها بقوة بجارثيا ماركيز، حتى أني كتبت رواية قصيرة على نهجه، ثم جاءت فترات أخرى تأثرت خلالها ببورخيس، وكورتاثار، وأونيتي، وفاي إنكلان.

لكني كنت أعرف جيدا ما أريد أن أكتبه، وعندما أحسست بأني بدأت أسيطر على فنِّي كتبت رواية "ألعاب العمر المتأخر" .

جوانب من الرواية

ولن نستطيع في هذا المقال القصير أن نحيط بكل الجوانب الفنية في رواية " ألعاب العمر المتأخر "، ومن ثم فسوف نكتفي بالإشارة إلى بعض الجوانب، آملين في أن تحظى هذه الرواية العملاقة بمن يستطيع أن يتوفر على ترجمتها إلى اللغة العربية.

تقع الرواية في 369 صفحة من القطع الكبير، وهي مقسمة إلى ثلاثة أجزاء تشتمل جميعها على أربعة وأربعين فصلا، والشخصيتان الرئيسيتان في الرواية هما جريجوريو أولياس وخيل داثيو مونروي، وكلاهما شخصية محبطة كانت تتمنى أن تكون في وضع مختلف عما هي فيه، فجريجوريو كان يحلم بأن يصبح مفكرا كبيرا أو شاعراً موهوبا أو مخترعا عظيماً بدلا من عمله موظفا صغيرا في إحدى الشركات، وهو نسخة حديثة من شخصية دون كيخوته. أما خيل فأقصى آماله أن يكون تابعا لشخصية عظيمة بدلا من أن يكون مندوب مبيعات لإحدى الشركات أيضا في الريف والشخصية العظيمة في نظر خيل تسكن المدينة، وتتردد على المقاهي والمنتديات، وتصاحب الكبار ومن هذا التقابل بين الريف والمدينة يؤسس الكاتب على امتداد الرواية نظرة كونية عن أزمة الإنسان المعاصر في المدينة. وشخصية خيل- كما هو واضح- تبدو وكأنها نسخة حديثة من شخصية شانسو يانصا تابع دون كيخوته في رواية سرفانتيس الشهيرة. لكن هاتين الشخصيتين الرئيسيتين في رواية "ألعاب العمر المتأخر" لم يلتقيا إطلاقا، وإنما امتد الحوار بينهما عبر الهاتف طوال تسع سنوات بمعدل يومين في الأسبوع هما يوما الاثنين والخميس. كان جريجوريو يحكي لخيل عن مغامراته الوهمية في المدينة من كتابته لديوان شعر، وتردده على مقهى الكتاب والفنانين وتعرفه على الشخصيات العظيمة. وكان خيل يستمع إليه متأثرا ويود لو جمعت الظروف بينهما في المدينة. ونحن نجد الأول على درجة كبيرة من الادعاء وتخيل ما ليس له وجود على الإطلاق في الواقع، في حين أن الثاني شديد التواضع يعرف حدود نفسه ولا يحلم بأكثر من الارتباط بإنسان عظيم، وقد وجد بغيته في جريجوريو، الذي تمثل الدور جيدا فصدق خيل وصدق نفسه وتوهم أنه إنسان عظيم ومؤلف كبير، وأخذ يعيش هذا الواقع الوهمي مع زوجته وحماته ومع من حوله لكنه كان حريصا كل الحرص على ألا يلتقي بخيل أبدا. وعندما قرر خيل أن يذهب إليه في المدينة ترك بيته وانتقل للعيش في بنسيون، وجرت أحداث كثيرة في هذا البنسيون منها أنه لم يكن يستطيع دفع أجرة السكن فكان يتحايل على صاحبة المنزل وابنتها ويخترع حكايات كاذبة، كما أنه في الوقت ذاته كان يعمل على أن يضطر خيل إلى ترك المدينة حتى لا يظل في هذا الوضع المزري بعيدا عن بيته وزوجته. وقد تعرض خيل للضرب من قبل شخص أوهمه-جريجوريو أنه- أي خيل- زير نساء وأنه يطارد زوجته، وبهذا عاد خيل إلى القرية واستمر اللقاء بينهما مرة أخرى عبر الهاتف، واستمرت أكاذيب جريجوريو تتوالى. وقد نسيت أن أقول إنه اتخذ لنفسه منذ البداية اسما فنيا هو السيد فاروني، كما كان يغير أسماء من حوله وفا للظروف والمواقف.

والحق أن رواية عملاقة كهذه من الصعب تلخيصها، فقد كنت أثناء قراءتي لها أتوقف عند كل صفحة، بل وكل جملة لأرى كيف استطاع الكاتب أن ينسج خيوط كل هذا العالم الوهمي: فالكلمات والجمل والمواقف والمشاهد تنقلك. إلى عالم خرافي أسطولي مبني كله على الأكاذيب والأوهام. ومن ثم فإن العناوين الرئيسية التي يمكن أن نتناول بها هذه الرواية تدور حول العبارة أو العبارات التالية: "هزيمة الطموحات"، "الكذاب"، "العائش في الوهم".. إلخ.

شخصيات مستلبة

إن الأوضاع التي يعيش فيها الإنسان المعاصر في المدينة تجعل شخصيته مستلبة تماما، وهذه إحدى "التيمات" المهمة جدا في هذه الرواية وقد أشار لويس لانديرو نفسه إلى ذلك في أحد حواراته عندما قال: "لقد أعجبني جدا شيء عند أينشتين، وهو تعريفه للاستلاب بأنه الدهشة إزاء العالم. وهو يقول بالتحديد إن الاستلاب يظهر عندما يدخل عالم الحواس في صراع مع عالم المفاهيم. ويبدو لي أن شرارة الاستلاب تظهر من هذه النقطة. وأنا أعتقد أني أحسست بهذا الاستلاب منذ طفولتي، إنه نوع من الدهشة إزاء شيء ما، وهو أمر استطاعت السيريالية أن تقتنصه. وأعتقد أني أحسست بذلك لأني منذ طفولتي تعلمت كيف أقدِّر الأشياء: إن هذه الأشياء في جانب كبير منها كانت تنطوي على السحر الذي كنت أبحث عنه، وأنا طفل، في الكلمات ".

وهكذا نأتي إلى ختام هذا المقال ونحن ندرك كل الإدراك أن ما فعلناه لا يزيد على كونه لفتا للأنظار، ودعوة إلى تكثيف الجهود لمتابعة الإنتاج العالمي المتميز في جميع المجالات، ومنها فنون الأدب حتى يحدث التلاحم المطلوب بين ثقافتنا المعاصرة وثقافات العالم المتقدم.