عام جديد.. عام سعيد أمينة شفيق
نحن الآن أمام إطلالة عام جديد، عام 1993.نودع عام 1992 لنستقبل العام الجديد، فكل عام ونحن بخير. كم من أعوام مضت وكم من أعوام ستستقبلها البشرية ويحتضنها الإنسان.
لا يعني رحيل عام ومجيء آخر أن سنة جديدة أضيفت على شهادات ميلادنا فأصبحنا أكبر سنا فحسب، بل يعني أن كلا منا تقدم خطوة على طريق الخبرة والمعرفة.
مضى عام فأضاف إلى ما كنا نعلمه المزيد من العلم، وجاء عام جديد سيضيف إلى ما تعلمناه علما جديداً وخبرة أكبر.
هكذا تركت السنون والأعوام بصماتها على البشرية وعلى الإنسان، يمر عام بعد آخر وعقد بعد ثان وقرن بعد قرون، والإنسان يقفز من درجة تطور إلى أخرى، صانعا حضارة ومسجلا لانتصار.
والعظيم أن الإنسان في تقدمه مع السنين والعقود والقرون نقل عالمه من عالم متخلف إلى آخر يضم التقنية والعلم والحضارة. ومع تقدم هذه المسافات الزمنية بدأ ينجز خلال العام الواحد قدر ما كان ينجزه قديما خلال قرون. هل كان الآباء الأولون يتصورون أن أبناءهم سيحققون من الإنجاز العلمي خلال أربعين عاما ما حققته البشرية كلها خلال كل عمرها؟ هل تصور، الآباء الأولون ذلك؟
لقد حقق الإنسان إنجازاً علميا خلال الأربعين عاما الماضية يساوي ويعادل كل ما أنجزه من علم وتقدم طوال تاريخه السابق على هذه السنوات الأربعين. لقد اخترع فنون الصناعة الجديدة، وتقدم بفنون الزراعة، وأنجز تقدما في الخدمات، وقفز بوسائل الإعلام والترفيه. وحتى تلك المطالب الإنسانية الاجتماعية التي كان يتطلع إليها على أنها مطالب بعيدة، أقدم عليها وحولها إلى ممكنات وضروريات، أصبحت الحياة بكل مشاكلها ومصاعبها وصراعاتها أفضل كثيرا مما كانت عليه قديما.
تم ذلك بالتدرج والتدريج، تم عاما بعد عام، يرحل عام ويأتي الآخر وكل إنسان يسعى إلى الأفضل، إذا حقق ذلك الأفضل، سعى إلى ما هو أفضل منه.
ينطبق ذلك على الإنسان، كما ينطبق على الأسرة ثم المجتمع وبعد ذلك العالم.
لا يحدث التقدم فجأة، بل يحدث لكل طرف بالعمل والسعي، ثم بالوقت اللازم الذي يمثل مساحة في عمر كل إنسان وفي كل مجتمع.
لذلك لا بد أن نقف أمام إطلالة العام الجديد، عام 1993 لنلقي نظرة على العام الفائت ونحاسب أنفسنا ونتساءل، ماذا أنجزنا؟ هل مر العام دون أن نحدث تقدما سعينا إليه وعملنا من أجله، أم أننا تقدمنا بعض الشيء دون أن نصل إلى التقدم الذي أردناه؟.
كما أننا يجب أن ننظر إلى العام المطل علينا ونحدد ماذا نريد منه، هل نريده مجرد عام يأتي ليمضي؟ أم أننا نريده أفعالا وحركة وسعيا للأمام؟
لا يمكن لأي تقدم أن يخضع للتلقائية والعفوية، بل بتحقق الإنجاز والتقدم المرغوبين بناء على حركة واعية يتم التخطيط لها ويوضع لها السعي العلمي. لا يحدث ذلك
على مستوى الوطن فحسب، بل يتم على مستوى الأسرة وعلى مستوى الفرد. ولأن الإنسان يتميز على كل المخلوقات الأخرى بالعقل الدافع والصانع للفكر، فإن حركته وتقدمه تحققا نتيجة لهذا التخطيط الواعي. من هنا وجب علينا أن نستقبل هذه الإطلالة الجديدة لهذا العام الجديد بوضع كشف حساب للعام الماضي والاستعداد للعام المقبل. لماذا لم نحقق كل ما أردناه، وكيف نحققه في العام الجديد؟ على مستوى الأسرة، لا بد من استقبال العام الجديد بالتخطيط لكل توجه ولكل فرد، ماذا تريد الأسرة كلها؟ هل سنضيف للأسرة بعض الاحتياجات، كم ستتكلف وكيف ندبر الأمر؟ هل سينتقل الأبناء إلى مراحل تعليمية أعلى، كيف نوفر لهم الظروف والمال المطلوب؟ هل سنقضي هذا الصيف خارج البيت، أين وكم سيتكلف؟ هل نحن على أعتاب زيجات جديدة للأبناء، كيف نواجه الالتزامات المالية؟ هل نمتلك احتياطيا لمواجهة المفاجآت غير السارة، أم أننا نتركها تواجهنا دون الاستعداد لها؟
علينا أن نواجه الإطلالة الجديدة بنظرة بعيدة تمتد إلى نهاية العام الجديد، يجب ألا نترك مصير الأسرة للعشوائية والتلقائية، وفي كل الأحوال ستستمر الحياة الأكثر تنظيما أفضل من تلك الأكثر فوضوية.
وكل عام وأنتم بخير.