الطفل المعاق ذهنيا يمكن مواجهة مشكلته مايسة حافظ

  "إذا وهبك الله طفلا معاقا ذهنيا، فلا تحزني يا سيدتي، ولا تبتعدي عنه وكأنه نتوء زائد في جسد الأسرة، بل امنحيه من حبك وحنانك قدر ما استطعت، ولا تعزليه عن المجتمع الذي يعيش فيه، بل أهليه ليلتحق بعمل يتكسب منه ويعتمد على نفسه.

الطفل المعاق ذهنيا طفل في حاجة إلى الحب والرعاية، بالإضافة إلى التقدير والإحساس بالنجاح والتشجيع والمشاركة الاجتماعية.

كان هذا جزءا من الحوار الذي دار بيني وبين د. كلير فهيم إخصائية الطب النفسي والعصبي والتي قامت بالإشراف على بعض مؤسسات التخلف العقلي، حول الطفل المعاق ذهنيا، ودور الأسرة نحوه، والأسلوب الأفضل في التعامل معه.

ثلاثة أنواع

عن تحديد الطفل المعوق ذهنيا، تقول د. كلير: هو الطفل الذي يكون مستوى ذكائه أقل من مستوى ذكاء الطفل الطبيعي. وأنواع الإعاقة العقلية ثلاثة، إعاقة ذهنية بسيطة، وفيها يكون مستوى الذكاء من 70% إلى 50%، ويكون الطفل قادرا على حماية نفسه من الأخطار، يمكنه العناية بنفسه من ناحية الطعام والاغتسال وقضاء الحاجة، لا تنتابه نوبات صرعية إلا فيما ندر، لا يمكن استمراره في التعليم ولكن يمكن إلحاقه بعمل بسيط تحت إشراف، يستطيع الكلام بشكل طبيعي، أقصى عمر عقلي له 11 عاما مهما كبر في العمر. أما النوع الثاني، وهو الإعاقة الذهنية المتوسطة، فيكون مستوى ذكاء الطفل فيها من 50 إلى 25%، لا يستطيع الطفل حماية نفسه من الأخطار إلا بعد تدريب، لا يستطيع الاستمرار في التعليم، تنتابه بعض الأحيان نوبات صرعية، لا يستطيع القيام بعمل مهما كان بسيطا، يستطيع الكلام بصعوبة، أقصى عمر عقلي له 8 سنوات.

وهناك أيضا الإعاقة الذهنية الشديدة، ويكون المستوى الذهني للطفل فيها أقل من 25%، عمره العقلي لا يزيد على 3 سنوات، لا يستطيع حماية نفسه من الأخطار، لا يستطيع القيام بحاجياته الأساسية، تنتابه في بعض الأحيان نوبات صرعية، يحتاج إلى حماية مستمرة. وغالبا ما يصاحب هذا النوع إعاقة بدنية كالشلل وعدم القدرة على الكلام وخلافه.

* قلت للدكتورة كلير: ما هي الأسباب المؤدية لإصابة الطفل بالتخلف الذهني؟

- قالت: هناك أسباب قبل الحمل وهي أسباب وراثية، وأسباب أثناء الحمل كأن تتعرض الأم للأشعة أو تتعاطى الأدوية، حيث إن معظم الأدوية التي تأخذها الأم أثناء الحمل تؤدي إلى إعاقة ذهنية أيا كان نوع الدواء.

وتضيف: وأثناء الولادة هناك أيضا ما يؤدي للإصابة، منها صعوبات الولادة بكل أنواعها، كالولادة المتعسرة التي تضغط على خلايا المخ وتؤدي إلى ضمور فيها، كما أن اختناق الطفل أثناء الولادة يؤدي إلى قلة الأوكسجين الواصل للمخ مما يؤدي بدوره إلى الإعاقة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل أخرى تؤدي لإصابة الطفل بعد ولادته، خاصة في السنة الأولى من عمره، كأن يصاب في مخه نتيجة حادث، أو نتيجة وقوعه على رأسه من أي مكان مرتفع أو من على السرير، وفي هذه الحالة تصاحبه نوبات صرع.

كما أن الارتفاع الشديد في درجة الحرارة يمكن أن يصيب خلايا مخ الطفل، ومن أشد الأمراض خطورة عليه الالتهاب السحائي، وهو التهاب خلايا المخ.

* متى تظهر أعراض الإصابة عند الطفل؟

- بالنسبة للإعاقة الشديدة، تظهر منذ الولادة ويكون فيها الشكل العام للطفل مختلفا عن الطبيعي، أما بالنسبة للبسيطة والمتوسطة فلا تظهر إلا عند دخول الطفل المدرسة حين يكتشف عدم قدرته على مواكبة الركب الطبيعي.

* وهل تنتظر الأم حتى يذهب طفلها إلى المدرسة للتعرف على إصابته؟

- بالملاحظة الشديدة يمكن أن تتعرف عليها منذ البداية، ففي السنتين الأولى والثانية من عمره يكون الطفل غير مستجيب لمن حوله بالسلب أو الإيجاب ولا يظهر عليه أي انفعال، وبدءا من السنة الثالثة تكون العلامات أوضح، فيكون سلوك الطفل غير طبيعي كضعف في التركيز، تبول لا إرادي، صعوبة في النطق، نشاط زائد على الطبيعي، تخريب وتكسير، عدم استيعاب لما يوجه إليه، عناد مبالغ فيه، عدم الطاعة.

وعلى الأم إذا لاحظت هذه العلامات أن تذهب إلى أخصائي للكشف عليه، وتحديد نوع الإعاقة إذا وجدت، لأنه من الممكن أن تكون إعاقة بسيطة يمكن علاجها.

صبور ومتفائلة

* إذا وجدت الإعاقة، ما هو دور الأم والأسرة نحو الطفل ومعاملته المعاملة المثلى؟

- أشرنا إلى أن الأم يجب أن تكون حريصة على عرض الطفل على المتخصصين للتعرف على درجة الإعاثة، وفي الوقت نفسه عليها أن تستمر في الن=متابعة العلاجية مع الأخصائي.

وعلى الأم واجبات كثيرة نحو الطفل، ولكن يجب أولا أن تتحلى بالصبر، وتكون غير عصبية ومتفائلة، بعيدة كل البعد عن الاكتئاب. بعد ذلك عليها أن تساعده على الاعتماد على نفسه في قضاء حاجياته الأساسية من مأكل ومشرب وملبس واغتسال، تتجنب حمايته حماية زائدة لأن ذلك يحرمه من أن يتعلم وحتى لا يكون لديه الاتجاه الاعتمادي على الأم في كل صغيرة وكبيرة، تتجنب تكليفه بأعمال تفوق قدراته حتى لا يصاب الطفل بالإحباط، تكون حريصة ولا تتوقع منه الكثير حتى إذا أخطأ لا تلجأ إلى عقابه أو إلى القسوة في التعامل معه كي لا يشعر بالضعف ويضطر إلى الانطوائية، ينبغي أن تشجعه في أي عمل ينجح في أدائه بالحوافز والمكافآت حتى يسعى للقيام بأعمال أخرى وينجح فيها.

بالإضافة إلى ذلك، على الأم أن تشجعه على الاختلاط بالأطفال الآخرين وإشراكه في بعض الألعاب الرياضية كي يشعر أنه طفل في المجتمع غير محروم من الأنشطة الاجتماعية المختلفة.

مشاركة كاملة

وهنا يأتي دور باقي أفراد الأسرة الذين يجب أن يحترموا الطفل المعاق ذهنيا ويشركوه في أحاديثهم وأنشطتهم وزياراتهم، دون الشعور بأي خجل من المجتمع، وعلى الأسرة أن تتعرف على نقاط الضعف التي به وتساعده على التغلب عليها.

وتضيف د. كلير: وحاليا يوجد اتجاه في الخارج هو إدماج الطفل المعاق ذهنيا مع الأطفال العاديين حتى يستطيع تقليد الطفل الطبيعي في حركاته وأسلوب تعامله مع الآخرين، وبهذا يمكن له أن يسير في الركب الطبيعي أو قريبا منه، فكلما اختلط بأطفال طبيعيين يساعد ذلك على أن يرتفع مستواه في الإدراك والتعامل.

* وماذا عن الطفل المصاب بإعاقة شديدة، فهو لن يستطيع المشاركة؟.

- حتى في الحالات الشديدة، يجب عدم عزل الطفل عن أسرته وإخوته، فليجلسوا بجانبه ويضحكوا معه ويسمعوه الموسيقى، فمهما كانت الإعاقة شديدة فإن الطفل يحتاج إلى الحب والحنان والمشاركة والترفيه.

ولكن إلى جانب ذلك، فالمصاب بدرجة إعاقة شديدة يحتج إلى رعاية مكثفة وإلى شخص ملازم له بشكل دائم، فإذا كانت الأم غير قادرة صحيا أو ظروف عملها لاتسمح لها برعايته الرعاية المطلوبة، هنا يكون من الأفضل إيداعه إحدى المؤسسات الإيوائية للمعاقين ذهنيا.

* كيف تتصورين مستقبل الطفل المعاق؟

- بالنسبة للحالات البسيطة والمتوسطة، فبالتدريب والتوجيه والمتابعة العلاجية يمكن أن تزداد قدرته على التكيف مع المجتمع ويستطيع خدمة نفسه، لذلك يجب إلحاقه - حين يصل إلى السن التي تسمح بذلك - بعمل يتناسب مع قدراته الذهنية كي يستطيع الاعتماد على نفسه حاليا ومستقبلا حين يصير وحيدا.

وهناك قانون في بعض الأقطار العربية يفرض على كل مصنع أو شركة يزيد عدد العمال بها على 100 أن يكون 5% منهم من المعاقين، على أن يكونوا حاصلين على شهادة تأهيل من مدرسة معترف بها، وبالطبع يعهد إليهم بأعمال بسيطة تتناسب وقدراتهم.

* بخلاف تجنب الأسباب المؤدية للإصابة بالتخلف الذهني، هل هناك وسائل أخرى للوقاية منه؟

- نكرر دائما على أهمية تجنب زواج الأقارب الذي يمكن أن ينتج عنه أطفال غير أصحاء، كما يجب اللجوء إلى تحليل دم الأم والأب قبل الزواج للتأكد من خلوه مما قد يؤدي إلى الإعاقة الذهنية، ثم استمرار الأم في المتابعة الطبية أثناء الحمل، وبعد الإنجاب يجب تطعيم الطفل ضد الأمراض المختلفة حتى لا يصاب بارتفاع في درجة الحرارة، مع استمرار المتابعة الصحية له.

 

مايسة حافظ

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية