المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

أدباء المغرب في ضيافة (العربي)

جولة كبيرة قام بها وفد اتحاد كتّاب المغرب في الكويت. فقد التقوا مع أدباء الكويت ورجال الإعلام وزاروا العديد من المؤسسات الثقافية قبل أن يقوموا بزيارة مجلة (العربي).

كان في استقبالهم رئيس التحرير د.سليمان العسكري وعدد من أسرة تحريرها. وكان الوفد المغربي جامعًا لكل أنواع الطيف الثقافي كما يقولون. وقد تكون من د. رشيدة بن مسعود وهي ناقدة وأستاذة جامعية إضافة إلى أنها نائبة في البرلمان  المغربي.ود. حسن بحراوي وهو أستاذ جامعي وناقد أدبي, كما أنه مستشار بالمكتب المركزي لاتحاد الكتاب. والناقد الأدبي عبدالرحيم العلام, ومحمد بوخراز وهو أستاذ جامعي وناقد صحفي, والقاص والروائي الحسين بهوش وهو أمين فرع الاتحاد بالدار البيضاء.

وفي مقر (العربي) أثير الكثير من النقاشات. وقد عبر وفد المغرب عن اعتزازه بالدور الذي قامت به المجلة وكيف أنها مثلت حلقة وصل لا بين مشرق العالم العربي ومغربه فقط, ولكن بين البلاد العربية على مختلف انتماءاتها. لقد صنعت من  الثقافة أداة ووسيلة تمكنها من خرق الحدود المغلقة. ولا يستطيع أحد في المغرب أن ينكر هذا الدور الذي قامت به هذه المجلة الرائدة. وقال الأستاذ عبدالرحمن العلام أن دافع الوفد لزيارة الكويت ليس تبادل كلمات الحفاوة والأخوة مع نظرائهم من أدباء الكويت فهذا أمر مفروغ منه ولكنه يسعى من أجل تأصيل عمل ثقافي مشترك جاد ودائم. وقال إن هذا الأمر قد حدث مع المجلس الأعلى للثقافة في مصر.وقد ترتب على التعاون بين هاتين المؤسستين قيام الكثير من الأنشطة بين المثقفين في مصر والمغرب, وهو الأمر الذي يرغبون في تكراره مع الكويت. وفي هذا الإطار عرض الأستاذ العلام إقامة ندوة مشتركة بين الاتحاد ومجلة (العربي) حول الرحالة المغربي ابن بطوطة وأن تقام هذه الندوة في مدينة طنجة. وقد رد رئيس التحرير على هذا قائلا: إن إقامة ندوات مشتركة كان دائما أحد أهداف (العربي). وكانت خطتها الأصلية تهدف إلى أن تقيم في كل عام ندوة في مدينة عربية مختلفة حتى تلتقي بالكتاب والقراء وتقيم معهم نوعًا من التفاعل الحي والمباشر. وأنها توافق على هذا الأمر من حيث المبدأ في انتظار وضع الاقتراح في صورة مدروسة وعملية حتى يمكن تنفيذه.

وكان الوفد قد قام بزيارة رابطة الأدباء التي تضم في عضويتها معظم الأدباء الكويتيين. وقد رحب رئيس الرابطة عبدالله خلف بالأدباء المغاربة, وأشادت الكاتبة الكويتية ليلى صالح بالدور الثقافي المهم الذي تضطلع به المغرب, لأنها كانت, ولاتزال, بيئة خصبة للإبداع. وكذلك عبرت الكاتبة ليلى العثمان عن مشاعرها وتساءلت إن كانت هناك نية لإقامة احتفالية بمناسبة الذكرى الأولى للكاتب المغربي الراحل محمد شكري.

وقد أصبحت المناقشة أكثر سخونة حين تحدث الجانبان عن العوائق التي تحول دون التواصل بين الطرفين وهل هناك موقف من بعض كتاب المغرب تجاه الكويت وقضاياها. وقد رد حسن بحراوي من الوفد المغربي قائلا إنه عضو اتحاد الكتاب المغاربة منذ ثلاثين عاما ولم يلحظ أي موقف من أدباء المغرب تجاه الكويت, كما أن للاتحاد موقفه المعلن والمسجل في تضامنه مع الكويت وحقها داخل حدودها الشرعية.

وقد شكرت النائبة والأديبة رشيدة بن مسعود مثقفي الكويت على الحفاوة التي أولوها للوفد المغربي, وأشادت بالأديبات الكويتيات وأكدت أنهن قد قطعن شوطا كبيرا في مجال الأدب وبقي أن تأخذ كل واحدة منهن حقها السياسي لتقوم بدورها في خدمة المجتمع.

وانتهت جولة الوفد المغربي بزيارة للعديد من الأماكن الثقافية والأثرية, وشعر الجميع سواء في الكويت أو المغرب بأن أطراف العالم العربي قد ازدادت قربا.

بيروت

جنبلاط وأشعاره المجهولة

حوى كتاب جديد صدر في بيروت باسم (وجه الحبيب) نصوصًا شعرية مجهولة للزعيم اللبناني الراحل كمال جنبلاط. هذه النصوص كتبها جنبلاط بالعربية وبالفرنسية, ومحورها مناجاة الحبيب, أي الله. والمعروف أن جنبلاط كان شاعرًا بهاتين اللغتين, وقد وضع مقدمّة ديوانه الأول الذي صدر في حياته الأديب الكبير الراحل ميخائيل نعيمة, كما كان أيضًا متصوّفًا على الطريقة الهندية, وكان قطبه الصوفي حكيما هنديا اسمه اثمانندا. وفي التمهيد الذي وُضع لهذا الديوان يرد اسم هذا الحكيم الهندي: (أحبّ كمال جنبلاط طريق المعرفة فسلكها يرشده فيها حكيمه اثمانندا. عرّفها بالطريق المباشر, إذ بواسطة هذا الطريق, المعرفة بالحق تحصل. الحق وحده حقيقي, والعارف لا يرى إلا الحق. لقد سلك جنبلاط هذا المسلك, ولو أنه مسلك صارم وعر على الرغم من بساطته).

وقد ضمّ الديوان مقدمة كتبها كمال جنبلاط عنوانها (رسالة إلى وجه الحبيب), بسط فيها أفكاره في الشعر بوجه عام, وبعضًا من جوانب تجربته فيه, ويلمح القارئ في هذه المقدمة تأثر تجربة جنبلاط الشعرية بتجربته الصوفية, وكون الشعر بالنسبة إليه أداة في يد العارف أو المتصوّف.

ويُفهم من الملاحظات التي يوردها محققو هذه القصائد, أن بعضها مازال إلى اليوم مكتوبًا بخط جنبلاط, وبالقلم الرصاص, وأن بعضها الآخر خضع لتصحيح منه, وأنه لم يقطع حول هذه الكلمة أو تلك, إذ وضع كلمة فوق أخرى, وكأنه لم يستقر على إحداهما. من ذلك ما أورده د. خليل أحمد خليل, أحد الذين حققوا هذه القصائد, بخصوص قصيدة اسمها (أفيقي), وهي من أجمل قصائد الديوان:

أفيقي فما الأرض إلا غرام وعين تهيم بوجه السحْر
وقلب يدقّ وروح تشقّ غبار المروج وصمَّ الحجر
حياة تدبّ وريح تهبّ بريش الطيور وغصن الشجر
تبلورُ كونٍ وتفتيق زرٍّ كدرِّ السحابِ وهطلِ المطر
كأن البرايا بحلمٍ ذهولٍ يمرّ عليها بشتى الصور
على الخدّ ورد وفي القد رعشٌ وفي اللحظ غنج علي ائتمر
وفي القلب حب طويل العنان خفيّ الحنان بسام البشر
أفيقي أفيقي, فما العيش إلا هنيهةُ سعدٍ وعمرٌ ضَجِر
كأن الثواني قصةُ خلقٍ تُدار علينا بشتى السير


فقد ذكر المحقق في الهامش أن هذه القصيدة تتميز بتردد بين الكلمات, (ولا ندري إذا كان يقصد الشرح أو الإبدال, نشير هنا إلى وضع كلمة (الدنيا) فوق كلمة الأرض).

وإذا كانت أكثر قصائد هذا الديوان العربية تمتلئ برؤى وأخيلة تدل على شاعرية صاحبها, وعلى معاناته لتجربة روحية غنية, إلا أن قصائده الفرنسية (التي نُشرت لها في الديوان ترجمة عربية) هي أفضل لهذه الجهة, ذلك أن كمال جنبلاط كان  مثقفًا ثقافة فرنسية رفيعة, وكانت لغته الفرنسية أفضل بما لا يقاس على لغته العربية التي تحسنت كثيرًا مع الوقت, ولكن دون أن تبلغ درجة الإجادة العالية. وفي قصائده الفرنسية عفوية وجمال تفتقدهما أحيانًا قصائده العربية. ومع أن الترجمة تذهب أحيانًا بماء الشعر وبهائه, إلا أن قصائده التي نُقلت إلى العربية في هذا الديوان احتفظت بالكثير من نضارتها الأصلية. وقد يكون جنبلاط كتب بعض هذه القصائد لنفسه لا للنشر بدليل أنه تحدث عن (امرأة ما), في حين أن النساء مفقودات في قصائده العربية: (يصرّ الباب مع الهواء/الزمن أخذ إجازة عند نهاية النهار/تعالي ياامرأة احضري دموعك لتهمس نبرتك المرتجفة ترنيمتها الأخيرة/وعند الرحيل اتركي ظلّ نظرتك الحزينة).

لم يكن كمال جنبلاط منصرفًا إلى الشعر وحده كما ينصرف الشعراء, لقد خاض تجربة صوفية روحية اختبر خلالها ما اختبر, فعبّر عن هذه التجربة بالشعر آنا, وبالنثر آنا آخر. ولم يكن يعنيه أن يجوّد شعره, هو نفسه كان يقول إن الأدباء والشعراء يهتمون بالأشكال أكثر مما يهتمون بالمعاني.

جهاد فاضل

القاهرة

مكي وتعريب مدريد

كانت مدريد تحتفل بمرور أربعة قرون على إنشائها في العام 1962 م حين نشر الدكتور محمود علي مكي على صفحات (العربي) مقالا عنوانه: عاصمة إسبانيا التي أنشأها العرب. كانت تلك حقيقة غائبة عن أذهان الكثيرين من المؤرخين الدارسين للتاريخ الأندلسي. فقد أنشئت مدريد على نهر صغير يسمى المنثانالسي, أي شجر التفاح, عكس عواصم الدنيا التي ترتبط بأنهار كبيرة مثل القاهرة وبغداد وباريس ولندن, وقد أنشأها في العام 1562 الأمير محمد الأول. تذكر الدكتور محمود علي مكي هذه الواقعة وهو يعبر المنتزه الذي يحمل اسم مؤسس مدريد الأمير محمد بن عبد الرحمن الأول الذي حكم الأندلس ما بين سنة 852 إلى 886 للهجرة. وكان ذلك المقال نواة لكتاب (مدريد العربية) الذي وضعه الدكتور مكي بعد ذلك في 1967م, موثقا نص الإنشاء لمؤرخ الأندلس الكبير ابن حيان.

يقع منتزه الأمير محمد الأول في قصر الشرق, حيث كان الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا يستعد للقاء الوفد العربي الذي قدم من الكويت ومصر للترتيب لاحتفالية مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين الشعرية والتي ستقام للمرة الأولى خارج الوطن العربي والعالم الإسلامي, في قرطبة خلال شهر أكتوبر المقبل. ضم الوفد سفير دولة الكويت إلى مدريد الدكتور سهيل شحيبر, ورئيس مجلس أمناء المؤسسة عبد العزيز سعود البابطين, والدكتور محمود علي مكي والدكتور محمد الرميحي.

يتذكر الدكتور مكي في حديثه لـ (العربي) صورة مدريد العربية التي كانت نسخة طبق الأصل من المدن الإسلامية, وكانت شوارعها تحمل أسماء المهن مثلما الحال في القاهرة مثلا: شارع النحاسين والمغربلين والحدادين والسكاكينية, والخفافين (صناع الأحذية), حتى أن الميدان الكبير الذي يتوسط المدينة هو نفسه نسخة من سوق المدينة العربية في بواكيرها. والملك الإسباني كان يدرك قبل هذا اللقاء قدر الحضارة التي نمثلها. حتى أتذكر أنه في سنة 1992 وخلال احتفال أقيم بقصر الزهراء بمناسبة مرور خمسة قرون على اكتشاف أمريكا, وهو فضل لمغامري إسبانيا وبحارتها, تحدث عن عظمة الحضارة الأندلسية, وكونها مثالا ونموذجا للتسامح وقبول الآخر. وكان ذلك الفكر هو الذي هيمن على لقاء الوفد بالملك الإسباني في مقابلة مطولة استغرقت ثلاثة أرباع الساعة, أكد فيها الملك حديثه وأشار إلى أهمية إحياء تراثها وآثارها, معربا عن سعادته برعاية احتفالية مؤسسة البابطين بالشاعر الأندلسي الكبير ابن زيدون, وهي رعاية تشمل ندوتها العلمية حول أدب الشاعر والشعر الأندلسي بوجه عام, وكذلك الحوار الأوربي الذي يصاحب هذه الندوة.

ومن لباقة الملك التي تعبر عن لطفه ودبلوماسيته في آن معا أنه أشار على ضيوفه بدعوة الملك المغربي محمد السادس, وأفاض الملك خوان كارلوس في الحديث عن ذكرياته مع والده الراحل الملك الحسن الثاني, بل إنه كان لا يخاطبه ـ رحمه الله ـ إلا بلقب (يا عمي), في إشارة للتكامل الإسباني-المغربي, وهو تكامل أكدته صلات الدم والتاريخ, بدءا من التدفق المغربي على يد القائد الصحراوي المغربي يوسف بن تاشفين (479 هجرية ـ 1086 ميلادية). واكتملت ألفة اللقاء الملكي التحضيري بصور تذكارية للوفد مع الملك الإسباني.

كانت (العربي) تستعيد لحظات ذلك اللقاء العربي-الأوربي, بينما الدكتور محمود علي مكي يستعد للقاء عربي-أوربي آخر في الشهر نفسه (أكتوبر 2004) الذي يستضيف احتفالية البابطين, وهو معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. حيث ينشغل الدكتور مكي بإعداد دراسة في كتاب عربي يمثل حضارتنا, ويتمثل ملامح الثقافة العربية الإسلامية وكيف أنها اتسعت لتضم تحت جناحيها مختلف الحضارات والثقافات السابقة عليها.

مصطفى عبدالله

الرباط

سعاد الصباح تكرم الأديب عبد الكريم غلاب

شهدت العاصمة المغربية الرباط في الآونة الأخيرة مهرجانا ثقافيا بارزا تمثل في إقامة مؤسسة (دار الصباح), حفلا خاصا لتكريم الأديب والإعلامي المغربي الكبير عبد الكريم غلاب الذي وسم المشهد الروائي المغربي والعربي بالتميز عبر كتاباته وإبداعاته الروائية من مثل (دفنا الماضي), بالإضافة إلى مشاركته الفعالة في الحقل الإعلامي والصحفي المغربي كمدير لصحيفة (العلم) الناطقة بلسان حزب الاستقلال الذي لعب دورا رياديا في الحركة الاستقلالية للبلاد.

وتميز الحفل التكريمي الذي احتضنه المكتب الإعلامي الكويتي بالرباط, بأنه كان مناسبة حقيقية لتكريم رموز الإبداع المغربي والعربي, وبالتالي اعتبار مؤسسة دار سعاد الصباح من المؤسسات العربية المهمة التي نذرت برامجها واستراتيجيتها لتحقيق أفق انتظار الكثير من المثقفين والمبدعين, ودعمها الحقيقي للثقافة والإبداع ورموز الفكر في الوطن العربي.

إن تكريم الأستاذ عبد الكريم غلاب - كما قال أحد الباحثين الذي حضر الاحتفاء - وجه حقيقي من أوجه تكريم الإبداع الحقيقي والمبدعين الفاعلين الذين أسدوا خدمات جليلة للثقافة والفكر, ومن ثم تكون مؤسسة دار سعاد الصباح المؤسسة الفاعلة والنموذج الذي يرعى الإبداع والمبدعين ويكرمهم من حين لحين في مختلف الأقطار العربية, وذلك جزء لا يتجزأ من سخائها الثقافي وبرامجها ورهاناتها الجميلة التي أسست عليها.

ومما أعطى اللقاء نكهة خاصة هو الحضور الفعلي للشيخ مبارك العبدالله الصباح المبارك, نيابة عن الشاعرة د. سعاد الصباح, الذي أبى إلا أن يترأس الحفل ويسلم الأديب المكرم هديه التكريم المتمثلة في كتاب حمل عنوان (عبد الكريم غلاب ضوء يشرق من المغرب).

وأكد الشيخ مبارك العبدالله في الحفل أن عبد الكريم غلاب (ساطع كشهاب وواحد من علامات الندرة الأدبية, لا يزال مواصلا عطاءاته في شتى مجالات الإبداع من الرواية والقصة والتعبير والمقالة الصحفية), معتبرا أن قرار مؤسسة (دار سعاد الصباح) الاحتفاء بالمبدع المغربي غلاب نابع من (كونه احد رواد الثقافة العربية المعاصرة وذا عطاء لم ينضب في مختلف فنون الإبداع العربي) مشددا على أنه (إذا كانت الجبال والصحارى قد باعدت بين المغرب والكويت فإن الكلمة العربية النقية قد وحدت بينهما وأقامت جسرا للعروبة لن يزول).

في حين اعتبر البروفيسور عبد اللطيف بربيش أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية أن الأستاذة الشاعرة د. سعاد الصباح (أبت من خلال هذا التكريم إلا أن توطد عرى العلاقات المتينة بين المغرب والكويت رغم بعدهما الجغرافي) ومشيدا بالدور البارز والمهم الذي لعبه الأستاذ عبد الكريم غلاب في الثقافة المغربية المعاصرة, الأمر الذي جعله من وجهة العديد من الحاضرين والمهتمين محط اهتمام المؤسسة, المؤسسة الرائدة التي تهتم وتدعم الإبداع والمبدعين هنا وهناك.

وقال الشاعر حسن نجمي رئيس اتحاد كتب المغرب في تصريح على هامش التكريم إنه بمبادرة كريمة من مؤسسة السيدة سعاد محمد الصباح الشاعرة والاقتصادية و الأميرة العربية الكويتية أقيم بالرباط حفل تكريم للكاتب والأديب المغربي الكبير الأستاذ عبدالكريم غلاب, وكان اللقاء قد برمج في بيروت وشرع فعليا في التحضير الأدبي والفكري له, لكن المحتفى به ـ فيما يبدو ـ فضل عقده بالمغرب.

واعتبر هذا الحفل التكريمي الثاني من نوعه الذي ينعقد بالمغرب بعد لقاء سابق بالرباط تم فيه تكريم الشاعر العربي السعودي عبد الله الفيصل. وكان قد تعذر فيه حضور المحتفى به لوضع صحي طارئ بينما حضره بعض أبنائه وأهله وأصدقائه, فضلا عن حشد من مثقفي ومبدعي المغرب..

ولأستاذنا عبد الكريم غلاب ركام كبير من المؤلفات والأبحاث والدراسات في الرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي والتاريخ الوطني والفكر الديني والاجتهاد الدستوري والسياسي وأدب الرحلة والسيرة الذاتية, كما حاز جائزة المغرب للكتاب ثلاث مرات, وألقى بظلاله على مسار الكتابة السردية بالمغرب لعدة عقود, ودخلت كتاباته كل بيوت المغرب من خلال إقرار وزارة التربية الوطنية لبعض أعماله الروائية في (دراسة المؤلفات) واعتماد نصوص عديدة في مختلف مستويات وأسلاك التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي, وغدا من أهم المرجعيات الوطنية في الكتابة الأدبية والفكرية.

ولد الأستاذ عبد الكريم غلاب بفاس سنة 1919, ودرس بجامعة القرويين, ثم بالقاهرة حيث تابع دراساته هناك وفي الوقت نفسه ساهم في تأسيس مكتب المغرب العربي الذي كان له دور كبير تاريخي على مستوى كفاح وحركات التحرر والاستقلال الوطني في بلدان المغرب العربي, وشرع في ممارسة مهنة الصحافة منذ 1948 عندما تولى رئاسة تحرير مجلة (رسالة المغرب) كما ترأس اتحاد كتاب المغرب في الفترة ما بين سنتي 1968 و1976.

وهو اليوم عضو في المجلس الإداري للاتحاد, وعضو في أكاديمية المملكة المغربية ويتحمل مسئولية إدارة جريدة (العلم) فضلا عن مسئولياته القيادية في حزب الاستقلال.

رغم أن غلاب تخطى عقده الثامن ـ أطال الله عمره ـ ما زال مواظبا على الكتابة الأدبية والصحفية, ويطل كل يوم من خلال زاويته اليومية (مع الشعب) في الصفحة الأولى لجريدة (العلم) مطلا على الحياة اليومية لبلاده وشعبه من عمق تجربة ثقافية وإعلامية وسياسية ونضالية أساسية, وقد نتفق أو نختلف مع بعض ما يكتب أو بعض ما يبديه من أفكار ومواقف لكنه رجل فرض ويفرض احترامه على الجميع, سواء من الأصدقاء أو الخصوم.

المصطفى الصوفي

دمشق

تجديد الخطاب الديني

دأبت جامعة دمشق في السنوات الأخيرة على تنظيم مجموعة من الندوات والمؤتمرات الفكرية والثقافية والعلمية المختلفة, التي تندرج تحت عنوان التحديث, كان آخرها ندوة (تجديد الخطاب الديني) التي انعقدت بالتعاون بين مركز الدراسات الإسلامية ومركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بجامعة دمشق.

شارك في هذه الندوة عدد من أبرز الأساتذة الجامعين والمفكرين والعلماء والمهتمين.. من سوريا ومصر ولبنان والمملكة العربية السعودية وفلسطين والخليج العربي.. أمثال زكي الميلاد, د.أحمد برقاوي, د.عبدالمعطي بيومي, جودت سعيد, د.عبد العزيز الحاجي, الشيخ حسين شحادة, جمال البنا, عبدالرحمن الحاج, د.سهير عبدالعزيز, د.فتحي يكن, د.رأفت عثمان, معتز الخطيب, د.منى حداد, د.محمود عكام, سهيل عروسي, د.رضوان زيادة, د.عبدالرحمن النجار, وجيه قانصوه, د.محمد راتب النابلسي, د.يوسف سلامة.

وبمقدار أهمية وراهنية موضوع (تجديد الخطاب الديني), واتصاله بمختلف جوانب الحياة السياسية الفكرية والثقافية, والأسئلة المصيرية, فإن أعمال الندوة عموما اتسمت بالجدية والانفتاح على ما هو جديد (أو متجدد) من أطروحات, تحاول النظر إلى المشهد الفكري الديني, ومضمرات الخطاب المتعلق به, في تحولاته خلال القرنين الميلاديين المنصرمين, على الأقل, وعلاقته بالذات والآخر, فكانت البداية من خلال الرسالة التي وجهها د. محمد حبش, مدير مركز الدراسات الإسلامية بدمشق, وتلخَّصت بالدعوة إلى الاعتراف بالآخر, وأن (الدين كرة نور لا كرة نار), وأكد ذلك دعوة وحضور مفكرين علمانيين للمشاركة في أعمال هذه الندوة, التي سبقتها في الأعوام الماضية ندوات متقاربة في مداراتها وعناوينها وأهدافها.

د.زكي ميلاد, أكد أن الخطاب الإسلامي, مرَّ بأطوار من التحول في علاقته بمفهوم التجديد, بما يكشف عن المفارقات المعرفية, والوضعيات التي كان عليها الخطاب الإسلامي, ما بين بدايات القرن العشرين, وبدايات القرن الواحد والعشرين. كما تكشف عن ملامح التطور الثقافي في بنية وتكوينات الخطاب الإسلامي.

الطور الأول: كان الخطاب الإسلامي يتعامل بمنطق الرفض والشك لمفهوم التجديد.فقد كانت كلمة التجديد تفسر بخلفيات التآمر والانفلات والتخريب لفكر المسلمين وعقيدتهم وآدابهم, إشارة إلى أن الغربيين هم من اخترعوا مفهوم التجديد, وهم أول من تحدث عنه, بعد انحلال الخلافة العثمانية.. وفهم من التجديد ألا يكون الإسلام عقبة في طريق تقبل النموذج الثقافي والقيمي الغربي.. ويرجع الباحث زكي الميلاد إلى كتاب (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) للدكتور محمد البهي, الصادر عام 1957, الذي يربط ما بين التجديد والتوجه الغربي, ويورد أمثلة على عدد من الكتابات الصادرة, من طراز محاولة د. طه حسين في كتابه (في الشعر الجاهلي) عام 1926, و(مستقبل الثقافة في مصر) عام 1938, ومحاولة الشيخ علي عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) عام 1925, ومحاولات د. زكي نجيب محمود في (خرافة الميتافيزيقا) ود.مصطفى محمود في (الله والإنسان) وخالد محمد خالد في (من هنا نبدأ).. إذ تم النظر إلى هذه المحاولات في سياق فهم التجديد باعتباره إقصاء للفكر الإسلامي..

ويرى الباحث زكي الميلاد أنه بالرغم من تجاوز الخطاب الإسلامي للكثير من الالتباسات والهواجس والرواسب التي أحاطت بمفهوم التجديد, إلا أنه ما زالت لدينا بعض البقايا, خاصة لدى الخطاب الإسلامي السلفي تحديدا, كما عبر جمال سلطان في كتابه (تجديد الفكر الإسلامي) حيث يرى أن مصطلح التجديد (يثير القلق والريبة والتوجّس في نفوس المسلمين, لأن التيارات العلمانية استطاعت احتلاله وتعبئته بمضامين وتوجهات جعلته يرمز إلى تجاوز الشريعة وتخريب الدين).

ويقول الميلاد إن مشكلة الخطاب الديني في هذا الطور أنه كان متأثرا بصدمة انهيار الخلافة العثمانية, وصدمة تخلي الدولة العربية الحديثة, في مرحلة ما بعد الاستعمار, عن الهوية والمرجعية الإسلامية, حينما تبنت الدولة العربية الحديثة فكرة العلمانية. ولهذا لم يكن واردا الحديث, في الطور الأول, عن التجديد في داخل الخطاب الإسلامي, ولا قبوله من خارج الخطاب الإسلامي.

الطور الثاني: التعامل بحذر, والاقتراب المحدود من مفهوم التجديد.فكان الهاجس الأساس محاولة ضبط مفهوم التجديد, وتحديد طبيعة مجاله, وأنه يتعلق بإطار الفكر الإسلامي, وليس بالدين. ومن المحاولات المبكرة, في هذا النسق, مساهمة د. حسن الترابي في محاضرة (الفكر الإسلامي.. هل يتجدد?..) عام 1973, وفيها يتحول الحديث من الغزو الفكري إلى الحديث عن الضعف الذاتي, والالتفات إلى العلل الداخلية في الفكر الإسلامي, كما يتم الاقتراب من مفهوم التجديد بتحديد أن مجاله يتعلق بالفكر الإسلامي, وليس الدين الإسلامي. وكان الجوهر عند الترابي هو التخلص من الفكر التقليدي القديم, وتجاوز فكر الإخوان المسلمين المصريين..

ومن اللافت أنه بسبب الحذر, وبقاء بعض الهواجس, لم يحصل تقدم ملحوظ ومهم على مستوى التراكم المعرفي في هذا الشأن. وأوضح د. كمال أبو المجد في مقال نشره في مجلة (العربي) عام 1977, بعنوان (التجديد في الإسلام) المناوشات بين الداعين للتجديد, من جهة, والمحذرين من مخاطره ومزالقه, من جهة أخرى..

الطور الثالث: مرحلة الاندفاع نحو التجديد.وتمت بسبب عوامل الصحوة واليقظة الإسلامية, وتخلص الخطاب الإسلامي من ذهنية الخوف على الهوية, ومن الغزو الفكري والاختراق القيمي, أو أنه في موقع الدفاع عن الذات.. وفي هذا الطور, حصل تراكم معرفي حول مفهوم التجديد, من خلال الكتابات والندوات والمؤتمرات والدوريات المتخصصة.. ومع ذلك فقد تعرَّض الخطاب الإسلامي إلى نكسة خطيرة مع ظهور حركة طالبان, وانبعاث تيار متطرف من خلال بعض الجماعات, التي تؤمن بالعنف والتكفير.

الطور الرابع: جاء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, حيث ظهرت الأصولية التي تجاوزت في خطورتها عالم الأفكار والمفاهيم وتحوَّلت إلى قوة تدميرية, على مستوى الأشياء وعالم الإنسان.. ومصدر تهديد وخطر على مستوى العالم, فوجد الخطاب الإسلامي نفسه أمام محنة شديدة تجاه ذاته, وتجاه العالم: تجاه ذاته إذ إن الغلو والتطرف جاء على حساب الوسطية والاعتدال والتنوير.

بندر عبد الحميد

تونس

الأضواء تسطع على قرطاج

رفعت ستارة المسرح البلدي بتونس العاصمة, وأضاءت أنوار هذا المسرح العريق الذي يقع في قلب العاصمة التونسية على الجانب الأيمن من شارع الحبيب بورقيبة الشهير, معلنة انطلاق فعاليات دورة جديدة من مهرجان أيام قرطاج المسرحية التي تنتظم مرة كل سنتين بالتداول مع مهرجان أيام قرطاج السينمائية. كان الحضور في سهرة الافتتاح كثيفا, وساهمت أجواء التنشيط ونغمات الموسيقى الشعبية التي كانت تعزف منذ بداية المساء في جلب جمهور غفير العدد, جاء ليشهد افتتاح الدورة الحادية عشرة من مهرجان أيام قرطاج المسرحية التي تتزامن هذه السنة مع الاحتفال بمرور عشرين سنة على تأسيس هذه الأيام التي تتواصل على امتداد حوالي نصف شهر, موفرة لرواد المسرح وعشاقه فرصة اكتشاف أحدث العروض المسرحية في تونس والعالم العربي وإفريقيا وأمريكا اللاتينية, وقد أشرف على افتتاح المهرجان بحضور عدد كبير من أهل المسرح ومن ممثلين ومخرجين ونقّاد وضيوف تونس, وزير الثقافة والشباب والترفيه د.عبدالباقي الهرماسي الذي بين الأهمية البالغة لرسالة المسرح في المجتمع باعتباره محملا من محامل الدفاع عن الهوية والثقافة الأصيلة.

وأثر كلمة وزير الثقافة وتقديم الضيوف أفسح في المجال لتقديم عرض المنسيات وهو عرض يجمع بين الموسيقى والغناء والتمثيل من إنتاج مركز الفنون الحركية والدرامية بالكاف بإدارة الفنان الأسعد بن عبدالله, ولأن المهرجان هو مهرجان للمسرح, فإن إدارة المهرجان حرصت على تكثيف تقديم العروض المسرحية بين تونسية وعربية, وإفريقية, بما يجعل من هذا المهرجان عرسًا مسرحيًا كبيرًا, فقد بلغ عدد العروض المسرحية التي تمتع بها جمهور المهرجان حوالي سبعين عرضًا مسرحيًا, جلّها إنتاجات جديدة وحديثة لفرق مسرحية من تونس والعالم العربي وإفريقيا.

شهدت هذه الدورة تطورًا في عدد المسرحيات التي تنافست على التانيت الذهبي للمهرجان, إذ بلغ عدد المسرحيات المشاركة في المسابقة 15 مسرحية, وهذه المسرحيات هي (كاف الهوى) من تونس و(آخر منامات الوهراني) من الأردن و(عشاق الشمس) من تونس, و(هبة المالك) من الكاميرون, و(كدت أراه) من المغرب, و(وحيد) من بوركينا فاسو و(قصص تحت الاحتلال) من فلسطين و(سلاطين) من الجزائر, و(زمن الطاعون) من مصر, و(حرب على البلكون) من لبنان, و(خاتم) من السنغال و(عصف) من المملكة العربية السعودية.

بالإضافة إلى مسابقة التانيت الذهبي, والتمتع بمشاهدة عروض الفرق المسرحية المشاركة, وفر المهرجان فرصة كبيرة لعشاق المسرح من خلال عديد من الأقسام الأخرى, للتمتع بأحدث العروض المسرحية المنتجة حديثًا من تونس وعديد الدول المشاركة, فقد قدم المسرح الوطني بإدارة محمد إدريس المسرحية الحدث (مراد الثالث) وهي من تأليف الكاتب التونسي الحبيب بو لعراس, كما قدم المنصف السويسي المسرحية الجديدة (سيدي بنادم).

في إطار الاحتفال بمرور عشرين سنة على تأسيس أيام قرطاج المسرحية, تم تخصيص حيز مهم للعروض المسرحية التونسية, فقدمت مجموعة من المسرحيات حديثا من قبل فرق تونسية, مثل مسرحية (سيدي بنادم) للمنصف السويسي, و(قرنيطة) لعبدالحميد قياس. عن مسرحية (البخيل) لموليار و(عشرة) وغيرها من المسرحيات. كما قدمت عديد من العروض لمسرحيات أجنبية من فرنسا وبوركينا فاسو, ومنها مسرحية (أغاني مهيار الدمشقي) وهي مسرحية باللغة الفرنسية عن نص لأدونيس من إنتاج فرقة بلا حدود.

واحتفت هذه الدورة الجديدة من أيام قرطاج المسرحية بالمسرح الجزائري, حيث تم تقديم العديد من المسرحيات الجزائرية إلى جانب تكريم رواد المسرح الجزائري من كتاب وممثلين, فقد تم الاحتفاء بنصوص وتجارب محمد ديب وعبدالقادر علولة, وكانت, بما وفر لجمهور المسرح فرصة الإلمام بخصائص المسرح الجزائري الحديث وأعلامه.

محمود الحرشاني

الجزائر

وفاة القاصّ أبي العيد دودو

أصيبت الساحة الأدبيّة, والوسط الأكاديميّ في الجزائر, معًا, برُزء فادح في وفاة الأديب القاصّ د. أبي العيد دودو الذي وافته المنيّة في الجزائر منذ أسابيع بعد مرض عضال.

وأبو العيد دودو أحد أكبر المثقّفين والأدباء والجامعيين في عهد الاستقلال بالجزائر, فقد كان - رحمه الله - متعدّد الاهتمامات الثقافية والأدبية, فقد كان كاتبًا مسرحيّا, وقاصا, وكاتب خاطرة من الطراز الأول في الجزائر, وأستاذا جامعيّا متألقا, ومترجما بارعًا أغنى المكتبة الجزائرية, ومن ثم العربية, بأعمال أدبية وتاريخية كثيرة نقلها من اللغة الألمانية إلى العربية.

وأود بعد هذا التقديم العاجل أن أقدّم شهادة عن علاقتنا في انتظار كتابة دراسة عن بعض أعماله الأدبيّة. وواضح أنّ كتابة الشهادة عن أديب أو مفكّر تُلْقي وجهًا من الضياء على جوانب من حياته قد لا تستكمل أطرافها إلاّ بتوافر بعض هذه الشهادات لها. وكلّما تعدّدت, تزداد شخصيّة المتحدّث عنه تبلورًا في التاريخ.

وإنّى أحاول التركيز, هنا, على أبي العيد دودو الإنسان, حيث إن كثيرًا ممّن لا يعرفونه عن كثب, قد لا يعرفون عنه إلاّ الجانب الثقافيّ التقليديّ الذي نعرفه عن كلّ أديب نقرؤه من بعيد, ولا نخامره من قريب.

لعلّ أوّل لقاء لاأزال أذكره وقع بيننا ذاك الذي تمّ في مكتب الأستاذ محمد بن يحيى وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مطالع الأعوام السبعين من القرن الماضي, وذلك لتدارُس الأدب والنّقد في الجامعات الجزائرية. وقد كنت محمومًا, في ذلك اليوم, على نحو رهيبٍ.. فلمّا خرجنا من مكتب الوزير أردت الذهاب إلى المستشفى كي أُحقن حقنة كان الطّبيب كتبها لي, لكن أبا العيد دودو أبى إلاّ أن يكشف لي عن وجه إنسانيّ فيه لم أكن أعرفه من قبل عنه, وهو أنّ حرَمه تستطيع أن تنهض بهذه المئونة دون تكلّف الذهاب إلى مركز صحّي, ولذلك أصرّ على أن اصطحبه إلى البيت وأنا أرتعش من رسيس الحمّى, فذهبت معه إلى حيّ (ليزا الفوديل) حيث شقتُه البسيطةُ في عمارة ظلّ فيها إلى أن مات.

وكذلك صار المريض عند دودو ضيفًا يتلقّى العلاج, ويطعم الطّعام, وينعم بدفء تلك العائلة الكريمة.

وآخر ما أودّ ذكره في هذه الشهادة عن الأديب أبي العيد دودو, أننا التقينا يومًا في فندق السفير بالجزائر, وأظنّ أنّ ذلك كان على هامش مؤتمر لاتحاد الكتّاب الجزائريين وجلسنا للغداء جنبا إلى جنب, ولأوّل مرة أحسست بنبرة الحزن في صوت صاحبي, ذلك بأنّي حين ألّفت كتابي عن القصة الجزائرية المعاصرة عرضت لذكر أهمّ القاصّين الجزائريين فمثلت بأربعة أسماء منهم لم يكن فيها القاص دودو فعاتبني بصوت حزين حقّا, وعهدي به مرحًا في كلّ الأطوار التي عرفته فيها, فاعتذرت له بحرارة ومودّة, وأفهمته أني لم أتعمد ذلك تعمّدا, ولكني مثلت بأسماء قاصّين فغاب اسمه من التمثيل, إذ جاء في بعض المقدّمة عبارة: (ولنذكرْ من بين هذه الأقلام...). لكنّي وعدته بتدارك ذكْر اسمه في الطبعة الثانية من هذا الكتاب. غير أنه ليحزنني أن تظهر الطبعة الثانية واسمه موجود فيها, ولكنّه هو مفقود إلى الأبد.

وكان آخر العهد به بضعة شهور قبل وفاته حيث هاتفته من وهران ذات مساء لأطمئنّ على صحّته فأخبرني أنه لم يعد قادرًا على تسلّق الدّرج, فدعوت له بخير, وحاولت تشجيعه على المعاناة... وسبحان الباقي الذي لا يفنى.

د.عبدالملك مرتاض

 








رئيس واسرة تحرير مجلة العربي تستقبل وفد اتحاد الكتاب المغربي





السياسي اللبناني الراحل كمال جنبلاط وغلاف ديوانه





السياسي اللبناني الراحل كمال جنبلاط وغلاف ديوانه





الدكتور محمود علي مكي





عبدالكريم غلاب يتسلم هدية التكريم من الشيخ مبارك العبدالله الصباح





احدى مسرحيات مهرجان قرطاج




ش