تعالَ نُسَمِّ الموتَ بأسماءٍ أخرى نجمة إدريس

تعالَ نُسَمِّ الموتَ بأسماءٍ أخرى

أتسربَلُكَ الليلةَ
يا بعضي
وأُخوِّضُ - مثلكَ - في حقل النرجسِ
لا ظلَّ سوانا حيثُ نسوحُ
ولا قطراتٍ
غيرَ الطّلِّ
ورقرقةِ الشجنِ المُرّ
أتوشّحُكَ الليلةَ
يا بعضي
وأُلاحقُ مَسْراكَ
لآخرِ عرفجةٍ في هذي البيدِ
أشُقُّ القلبَ إلى نصفينْ
وأعدُّ لنا من ثمراتِ الشجوِ عشاءْ
لا شيءَ الليلةَ
غير عصير النرجسِ
غير خِوانِ الحزنِ
وشيءٍ من فاكهةِ الصبرِ
وقلبٍ مقسومٍ نصفينْ
لا شيءَ سوى ظلّينِ
وبضعةِ أرغفةٍ وحساءِ الفقرْ
فتعالَ - إذنْ - لنُسَمِّ الموتَ
بأسماءٍ أُخرى:
ندعوهُ الماءَ
أو اللونَ الأبيضَ
أو ريحَ النسيانْ
ندعوهُ بأسماءِ الموجِ الرقراقِ
وخشخشةِ الورقِ الذابلِ
أو نقْرِ الأمطارِ على أمتعةِ الرُّحّلِ ذات غيابْ
فجميعُ الأشياءِ الحُبلى بالوهمِ
أو المخبوءةِ خلفَ البابْ
تصلحُ أسماءً للموتْ

* * *

لكنْ....
كم يبقى من زمنٍ
في كُمِّ الغيبِ لنا?!
كي نحصرَهُ في التحديقِ بوجهِ الماءْ
أو نصلبَهُ فوق اللونِ الأبيضِ
أو نغزلَهُ أحبالاً للمطرِ المسكوبْ?!
ما آلفَ - يا قلبي - هذا الموتَ
الرابضَ كالحَمَلِ المُترَعِ بالعشبِ
المارقِ بين أصابعنا كفراءِ الأرنبِ
والجالسِ في الصالاتِ
ككوبِ الشايِ
وكعكِ العصرْ
وجرائد هذا اليومِ الباردْ
ما آلفَهُ هذا الطفلَ الألثغَ
لكنّا ننسى
- حين يُخربشُ فوق قوارير القلبِ
ويخمشُ مرآةِ الروحِ
ويكسرُ محبرةَ اللونِ الأسودِ
فوقَ المفرشِ -
ننسى كلَّ الألفةِ فيهِ
وننسى أنَّا نرضعهُ درَّ الأعمارِ
ونُهديهِ
أغلى باقاتِ العُمْرْ

 

نجمة إدريس