منظار البطن وعلاج العقم عند المرأة شريف الشرقاوي

استخدم منظار البطن في تشخيص العديد من الأمراض التي تلحق بالجهاز التناسلي للأنثى منذ زمن بعيد وكان ولا يزال من أهم استخداماته معرفة أسباب العقم عند السيدات، ثم أدخلت على المناظير التشخيصية بصفة عامة والعلاجية بصفة خاصة تطورات حديثة جعلت منها أداة لا غنى عنها في تشخيص العديد من الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي والبولي والتناسلي وغيرها. ولم يقف التقدم عند هذا الحد بل امتد حتى أصبح دور المناظير ليس فقط في تشخيص ومعرفة سبب الأمراض بل أيضا لعب دورا خطيرا في علاج الكثير من تلك الأمراض.

كان لدور المنظار العلاجي طفرة خطيرة في عالم الطب فقد يسر على المرضى الكثير من معاناة العمليات الجراحية والآلام والمضاعفات المصاحبة لها. وكذلك اختصر مدة العلاج التي تحتاجها العمليات إلى يوم واحد على الأكثر ثم تخرج المريضة لتزاول نشاطها المعتاد وهي ليست في حاجة إلى فترة نقاهة طويلة مثلما يحدث بعد العمليات الجراحية الأخرى، ومن هنا بدأ حاجز الخوف عند المرضى ينكسر من تلك العمليات الجراحية منذ استبدال فتح البطن إلى استخدام المنظار البسيط الذي لا يستغرق فترة علاجه أكثر من 24 ساعة.

منظار البطن وفك الالتصاقات

وبما أن أكثر الحالات لاستخدام المنظار البطني في أمراض النساء هي حالات العقم، فإن دور المنظار هنا يتلخص في معالجة أسباب هذا العقم عن طريق إزالة الالتصاقات التي توجد حول قناة فالوب والمبيض وتتناثر في حوض السيدات مما يعيق تأدية الوظيفة الإنجابية لهذا الجهاز التناسلي المصاب. ويتم قطع الالتصاقات بواسطة آلات جراحية ومقصات دقيقة خاصة لتلك الأغراض أو بواسطة الكي الكهربائي أو التخثير الداخلي أو باستعمال الأنواع المختلفة من أشعة الليزر مثل ليزر "ثاني أكسيد الكربون" أو ليزر "الأرجون". ويعتبر العلاج بالليزر أكثر تفضيلا عند الكثير من الأطباء وذلك لنتائجه المذهلة في تلك الحالات الصعبة، إذ يمكن وقف النزف وتخثير الأوعية الدموية في نفس الوقت لدى قطع الالتصاقات خصوصا إذا كانت الالتصاقات سميكة وغليظة. ولما كان استعمال أشعة الليزر لا يؤثر على مجال الرؤية أثناء العملية وكذلك دقة استغلاله على الأنسجة والإصابة المباشرة لها من خلال تحكم وسيطرة تامة، فإنه يعتبر أفضل الطرق للعلاج الحديث، أما عند وجود التصاقات كثيفة فمن الأفضل معالجتها عن طريق فتح البطن وليس بالمنظار الطبي.

داء البطانة الرحمية

وحينما يكون سبب العقم هو داء البطانة الرحمية. وهو عبارة عن وجود البطانة الرحمية وهي الطبقة الداخلية للرحم خارج تجويف جسم الرحم، وهو من أكثر الأمراض انتشارا ويصعب علاجها في أمراض النساء، وكذلك من أشهر أسباب العقم عند السيدات. وفي أكثر الحالات تشكو المصابة بهذا المرض من رباعي مشهور من الأعراض وهو أولا العقم ثم آلام بالحوض وأسفل البطن والظهر وعسر طمث وعسر جماع، وإن كان البعض لا يشكو منها مجتمعة بل إن بعضهن (حوالي 25%) لا يعانين من أي أعراض ويكتشف وجود المرض عرضا لدى عمل الأبحاث الخاصة بالعقم. وينتج عن هذا المرض مزروعات "Implants" وأكياس تكون أكثر امتلاء واحتقانا قبل الحيض وأثناء أيامه الأولى، وهي تصيب المبيض والأنابيب والرحم وأجزاء أخرى من الجهاز التناسلي وما حوله من مثانة بولية وخلافها. ويسبب هذا المرض فشلا في التبويض وكذلك في وظائف الأنابيب وخللا بالهرمونات، وحينذاك يسبب العقم للسيدات وعلى هذا الأساس يكون دور المنظار البطني هنا هو إزالة المزروعات والأكياس وقطع الالتصاقات لإعادة الوضع التشريحي الطبيعي لأعضاء الحوض إلى ما كان عليه كلما أمكن ذلك. وبالطبع قبل العلاج الجراحي بواسطة المنظار يجري مسح شامل للحوض وذلك لدقة تشخيص المرض ودرجة شدته، وقد ارتفعت نسبة التشخيص السليم بعد استخدام أحدث طرق التصنيف وهي تلك المعروفة بأسلوب الجمعية الأمريكية للخصوبة لتقييم داء البطانة الرحمية، وهي تعتمد على وزن مكونات المرض مقابل عدد معين من النقاط التي يحدد مجموعها شدة المرض، هذا ومن الممكن القيام بالتشخيص والعلاج في جلسة واحدة.

إضافة الفيديو إلى منظار البطن

وفي الآونة الأخيرة تمت إضافة الفيديو إلى منظار البطن مما يسهل هذا الإجراء ويجعله أكثر وضوحا ويسرا إذ أصبح في إمكان الجراح إجراء العمليات المنظارية على مدى الساعات دونما حاجة إلى أن ينحني ويثني ظهره طوال فترة العملية وكذلك يجد فريق المساعدين أنفسهم منغمسين في العملية وليسوا منصرفين عنها إذ يشاهدونها على جهاز المتابعة، كما أن اقتراب عدسة الكاميرا من مناطق الداء مع استعمال الفيديو يجعل التكبير مضاعفا والرؤية متاحة وأكثر دقة، هذا بالإضافة إلى التسجيل الدائم على شريط فيديو. لكن حالات البطانة الرحمية للاتي لا يحملن خلال سنة من العلاج، فإنه ينصح لهن بإجراء التلقيح المعملي (أطفال الأنابيب).

المنظار وأطفال الأنابيب

ومن هنا لا ننسى دور منظار البطن في التلقيح المعملي وهو المعروف باسم (أطفال الأنابيب)، وكيفية استخلاص البويضات من حويصلات جراف بالمبيض بعد أن يتم نضجها ونموها ثم تلتقط تلك البويضات الناضجة بواسطة شفط من خلال المنظار ثم تلقح البويضات الناضجة معمليا حتى مرحلة معينة ثم تعاد إلى الرحم ثانيا بواسطة منظار رحمي أو معدات خاصة، بعد إعادة بطانة الرحم وتحضيره لاستقبال تلك البويضات المخصبة ويكون ذلك عن طريق هرمونات وعقاقير خاصة.

كذلك يستعمل منظار البطن في علاج العقم من خلال عمليات حديثة وعديدة مثل الجيفت وغيرها. وعلى الرغم من أن العديد من الأطباء المتخصصين في علاج عقم السيدات يفضلون استبدال منظار البطن لالتقاط البويضات المخصبة من المبيض بأجهزة الموجات فوق الصوتية الحديثة (السونار)، إلا أن دور منظار البطن في هذا المجال لا غنى عنه أبدا، ولا يزال السباق قائما بين التطور الرهيب في أجهزة الموجات فوق الصوتية (السونار) وأجهزة مناظير البطن العلاجية من أجل حل مشاكل العقم عند السيدات.

ومن الطرق المستقبلية المبشرة والمؤمل استعمالها قريبا إن شاء الله طريقة العلاج الضوئي الحركي، وكذلك استخدام طريقة التنظير المصغرة. فالعلاج الضوئي الحركي يتم عن طريق استعمال مواد كيميائية حساسة جدا للضوء تطلق غازات معينة وتتسبب في تحطيم الأنسجة التي تعرضها للضوء، وبالطبع فهي تحطم الالتصاقات والإصابات من داء البطانة الرحمية المسببة للعقم. أما التنظير المصغر فهي طريقة علاج تستعمل فيها مناظير دقيقة تجعلها مناسبة لإجراء عمليات المنظار البطني تحت المخدر الموضعي دون الحاجة إلى دخول المستشفى، بل إنه من المرجو أن تؤدي هذه الطريقة إلى عمل بعض الإجراءات العلاجية أثناء التشخيص بالعيادات الخارجية. ومن هنا تقتصد تكاليف العلاج اللازم لدخول المستشفى وكذلك يوفر وقت المرضى ويقلل من الآلام المصاحبة لتلك العمليات الجراحية الكبرى.

 

شريف الشرقاوي