وُلد أمين الباشا في بيروت واتجه إلى ممارسة الرسم منذ سنينه المبكرة,
وتتلمذ على يد رسام بلغاري هو ستيفان لوكوس, وبعد تخرّجه في الأكاديمية اللبنانية
للفنون, حصل على منحة من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس, وأقام
بعدها في عاصمة النور سنوات طويلة من حياته نضجت فيها أدواته الفنية, واكتملت رؤيته
الفكرية الأمر الذي انعكس على رحلته الفنية من خلال عشرات اللوحات, وقد شارك أمين
الباشا في العشرات من المعارض المشتركة والفردية في مختلف العواصم الأوربية
والعربية, فقد مثّل لبنان في بينالي باريس الأول عام 1958, وكذلك في بينالي
الإسكندرية 1962, وكذلك العديد من الصالونات الفنية في باريس ومدريد, ونال أكثر من
جائزة, أما الفنان والمصوّر رضا سالم, فقد احترف التصوير الفوتوغرافي منذ تخرّجه في
جامعة الكويت. وقام بتصوير وتصميم وإصدار العديد من الملصقات والكتب, وأقام العديد
من العلاقات مع الكثير من المبدعين الكويتيين والعرب وصوّر العديد منهم مثل الأديب
المعروف نجيب محفوظ, وأدار عددًا من المؤسسات المتخصصة في التصوير الفوتوغرافي وهو
يعمل حاليًا كمستشار فني بمجلة (العربي). وقد أقام عددًا من المعارض كان أولها في
عام 1984 للتصوير الرياضي. كذلك أقام معرضًا بعنوان (وجوه وأماكن في روما) عام
1992. وكان آخر هذه المعارض في مصر تحت عنوان (القاهرة في عيون كويتية) الذي عُرض
في دار الأوبرا عام 1996.
خبرة وتاريخ فني طويل يقف وراء هذين الفنانين اللذين قررا المشاركة في
هذا الحوار, وقد اعتمدا على فكرة تبدو بسيطة ومركبة في الوقت نفسه, وهو القيام بنوع
من التلاقي أو لنقل التمازج بين الصورة التي تلتقطها عدسة الكاميرا, وألوان الريشة
التي تضربها يد الفنان, وهي علاقة بين فن حديث نسبيا هو التصوير الفوتوغرافي. وفن
عريق آخر يعود في تاريخه إلى بزوغ الحضارة الإنسانية. ولكن الأمر لا يتوقف عند لقاء
القديم والجديد فقط. ولكنها محاولة لفك القيود التي يمكن أن تحد من إمكان عمل
العدسة التي تعتمد على مفردات الواقع. ومدها بمفردات جديدة من عالم الخيال تبدعها
الريشة مع كل شطحة من شطحاتها اللونية. فالعدسة هنا ليست في صراع بقاء مع الريشة
كما كان يعتقد مع الخطوات الأولى لتطور فن الفوتوغرافيا. ولكنها مكملة لها خاصة بعد
أن استطاع كل فن منهما أن يجد له عالما مختلفا. العدسة تستمد تفاصيلها من واقع
الحياة مهما بالغت أو شطت. أما الفن فيستمد تفاصيله من أغوار عالم سري يختلط فيه
الحلم بالواقع والرمز بالخيال.
في هذا المعرض تجلت هذه الخصائص واضحة, فعدسة رضا سالم تلتقط بعضا من
تفصيلات الواقع وتتركها لريشة أمين الباشا حتى تخرجها من أسر هذا الواقع وتعطيها
فضاء أكثر رحابة. فصورة الرجل الجالس في السوق وخلفه مجموعة من الصناديق المعدنية.
لا تكتفي الريشة بتلوين هذه الصناديق وإعطائها طابعا فرديا فقط ولكنها تحول أرض
السوق إلى جرف يطل على بحر أزرق تسبح فيه أسماك ملونة. كما أن السيدة الجالسة في
انتظار طويل. تضيف إليها الريشة شبحا خفيا لظل الرجل الذي تنتظره وهو قادم إليها
يحمل زهورًا. كأن السيدة العجوز وهي في جلستها الطويلة تذكر بشكل خافت ليلة زفافها
بينما تهدل فوق رأسها حمامة راقدة في كوة صغيرة, كذلك تمتلئ مجالس العجائز الجالسين
يثرثرون مع بعضهم البعض بتفاصيل قديمة وطيور ملونة تقف على رءوسهم كأنها بقايا من
الذكرى القديمة. وحتى في سوق السمك عندما يقف البائع وهو يعرض بضائعه على الزبون
تحول الريشة هذا الزبون إلى سمكة آدمية, لأن الأسماك يأكل بعضها البعض الآخر والبشر
كذلك, في تلك اللوحات الممتزجة تطير الاسماك,وتتحول (الخردة) إلى حطام بشري,
وتتناثر الزهور الغريبة في أرض السوق, ويتحول كل شيء ليصبح على حافة الحلم
والواقع.
عدسة رضا سالم ليست حيادية تماما, فهو يحولها إلى وجهة نظر خاصة به,
ويلتقط من مفردات الحياة اليومية مايبدو عابرًا وغريبًا ليحول الانتباه إليه. أي
إنه يعمد إلى تجزئة الواقع لعلنا نفهم كل جزء منه على حدة. ولكن هذه المحاولة لفك
التفاصيل أحيانا ما توحي بالوحدة والإحساس بالغربة أكثر منها محاولة لفهم الواقع.
إنه يميل أكثر لتصوير الناس الوحيدين ويسعى أثناء ذلك إلى اختيار مفردات الواقع
التي تجسد هذه الوحدة وتؤكدها. لذا فهو يبدع في التقاط ملامح الحزن الإنساني
والشرود ولحظات الانتظار الطويلة.
أما ريشة أمين الباشا التي تستخدم الألوان المائية بشكل أساسي, فهي
ريشة ساخرة تميل إلى التركيز على الجانب الهزلي من الحياة وتمزج العبث
بالكاريكاتير,وهو يفعل ذلك أحيانا مع الكلمات, وذلك من خلال العمود الساخر الذي
يكتبه في جريدة (النهار), وتستمد ريشته زادها من معين الألوان الشعبية والرسوم
البدائية التي تزين بها الطبقة الشعبية العربية بيوتها في الأفراح والحج والمناسبات
المخلتفة. لذلك يتناثر في اللوحات العديد من الموتيفات الشعبية مثل الطيور والأسماك
والقلوب وأشكال النباتات المختلفة. وهو لا يأخذ كل هذه الموتيفات الشعبية بطابعها
الخام, ولكنه يخضعها للتطوير وفق منظوره الخاصة ليعطي للوحة لمسة من الغنائية
والسخرية. أمين الباشا فنان آسر, لأنه يحول التلقائية التي تتبدى في أعماله إلى نوع
من التوظيف الفني العميق.
وقد انعكست حصيلة هذه الرؤى والخبرة الفنية لدى هذين الفنانين على
لوحات المعرض فكانت تلك النتيجة البسيطة في فكرها والمركبة في اللوحات التي
انتجتها.