تكريم الحروف الثائرة! إعداد: قسم التحقيقات في (العربي)

تكريم الحروف الثائرة!

جوائز مؤسسة سلطان العويس الثقافية في دورتها الثامنة

احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بتوزيع جوائزها على الفائزين في دورتها الثامنة, في حفل أقيم بمبناها الجديد للمرة الأولى. (العربي) كانت هناك, تهنئ الفائزين بما حصدوه من تقدير أدبي ومادي مستحق, وتهنئ المؤسسة بما أسهمت فيه لإعلاء الثقافة العربية من خلال مبدعيها.

ولعل منح مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي في هذه الدورة, يعد علامة على الحرص الذي توخته في أن تكون الحكم العادل رغم صعوبة المهمة, فبعد ترشيح 85 مبدعا, رأت اللجنة في قرارها بالإجماع منحها لشاعرين عملاقين في شعرنا العربي المعاصر, هما علي أحمد سعيد (أدونيس), ومحمود درويش. وقد صار منح الجائزة إليهما معًا, حين صعبت مهمة المفاضلة بينهما لعطاء لم يخبُ, ومنجز تجاوز أفقه الإقليمي ليضعهما في سياق الريادة الثقافية, والحضارية, الفاعلة لكل منهما في حياتنا الثقافية, ولذلك حصلا على جائزة الدورة كاملة, في معيارها الأدبي, مثلما حصلا عليها كاملة غير منقوصة في معيارها المادي.

حرفان ثائران

وفي الكتاب الذي وضعه عبد الإله عبد القادر عن الفائزين بالجوائز لهذا العام, نقرأ, من قصيدة للشاعر الراحل سلطان بن علي العويس ألقيت في الحفل الختامي لتوزيع الجائزة في دورتها الأولى (30 مارس 1990):

قادةَ الفكرِ, إليكمْ نَنْتمي فشذَا المسْكِ بطيبِ العنبِ
يَا شمُوخ المجدِ هلْ كانَ النُّهى غيرَ نبع في بطون الكتب?
كلُّ منْ يكتبُ حَرْفا ثائِرًا هو فينا قبسٌ شبْهُ نبِي


ويصدق الحرف الثائر على عطاء الشاعرين الفائزين بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي, فأدونيس صاحب الجدل الأكبر في أدبنا العربي المعاصر بنى مشروعه الفكري على عدة أسئلة, حاولت أن تستفتي الواقع للعثور على وجود معرفي عربي معاصر, وهو ما دعاه لإعلان غياب هوية الإنسان العربي بين مطرقة النفي, وسندان التهميش الذي يمارسه حضور الآخر المعرفي. وهذا النقاش الساخن الذي لم يهدأ, وسم رحلة عمر أدونيس (المولود في 1930) بالحدة في تناول القضايا, حتى أنه منذ شهور يستنهض بيروت بقسوة آلمت من يشاركونه حبها, وهي المدينة التي استقبلته في 1957 لتصبح الحبيبة والمعشوقة, التي سرى تأثيرها في نسيج شعره وحياته معًا. وقد دخل المدرسة للمرة الأولى وعمره 13 عامًا بعد أن ألقى قصيدة في استقبال رئيس الجمهورية الذي منحه فرصة الانخراط بالمدرسة الفرنسية بطرطوس, ثم نشر قصيدته المنشورة الأولى باسم (أدونيس) في 1947 باللاذقية, لتستمر رحلته مع الشعر والنقد: قالت الأرض (1954), قصائد أولى (1957), وهي السنة نفسها التي شارك فيها الشاعر يوسف الخال في إصدار مجلة (شعر).

ومما صدر لأدونيس: أغاني مهيار الدمشقي (1961), الثابت والمتحول, في أربعة أجزاء (1973 - 1978), الكتاب, الجزء الأول, الكتاب, الجزء الثاني (1998). وقد ترجمت أعمال أدونيس للغات العالم الحية, ونال عددا من الجوائز أولاها جائزة أصدقاء الكتاب في بيروت (1968), ومنها الجائزة الوطنية للشعر, لبنان (1974), ناظم حكمت, استانبول (1994), جائزة البحر المتوسط, باريس (1995), جائزة جوته للشعر, برلين (2001).

أما العاشق من فلسطين, الشاعر محمود درويش - كما يعنون أحد دواوينه - فقد جعلته قصائده مغني كل صوت عربي, جاعلا من الجرح علامة فخر وزهو ووسام, لأنه يمجد حبا هو صنو للنضال أو للصمود والمقاومة, حتى في أشد حالات الحصار حلكة, يجعل من الحب والأمل مسارا لأمل قادم, وطريقا للحرية, وهو الذي سلب هذه الحرية صبيا ابن سبع سنوات حين فوجئ بالرحيل الأول بعد نكبة 1948. ويظل محمود درويش ملتصقا بأرضه رغم رحيله عنها, مرورا بسجون الاحتلال الصهيوني, وتتابع شجرة الزيتون نموها مع خمسة دواوين شعرية, نهضت خلف ظل المتابعات البوليسية, والمعتقلات: أوراق الزيتون (1964), عاشق من فلسطين (1966), آخر الليل (1967), العصافير تموت في الجليل (1969), حبيبتي تنهض من نومها (1970), مع كتابه النثري: شيء عن الوطن (1970).

ثم تستقبله بيروت في 1970, كما استقبلت أدونيس قبل 13 عاما, لكن درويش يصلها بتجربة ناضجة, يحمل قضية فلسطين الوطن والمعاناة, ليكون صوت الأرض المحتلة الشعري, في خطاب خارج عن الخطابية المألوفة, ليكون بذلك الصوت سفير قضيته العادلة, إلى أن ينخرط بعد اجتياح إسرائيل في 1982 في حالة نفي متجول بين القاهرة وباريس وغيرهما وصولا إلى محطة طويلة في باريس, قبل أن يستقر في رام الله. وقد عمل مديرا لمركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية, ورئيسا لتحرير مجلة (شئون فلسطينية), ورئيسا لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين, وعضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, وهو الآن رئيس تحرير مجلة (الكرمل). وقد ترجمت أشعاره للغات الحية.

ومن المعروف أن مؤسسة سلطان بن علي العويس قد منحت جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي المرموقة لمجلة (العربي) في الدورة السابعة (2001). وقد أسس الجائزة الشاعر سلطان بن علي العويس الذي ولد في بلدة الحيرة بإمارة الشارقة (1925), في أسرة عرفت بعشق الأدب والاهتمام بالثقافة, فأنجبت الشاعر سالم بن علي العويس, والمؤرخ عمران العويس, والأديب أحمد علي العويس, وغيرهم. وعرف العويس بأنه تاجر استهواه الشعر, كما يقول عنوان كتاب أصدره اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عنه. وقد تطورت الجائزة التي بدأت تحت إشراف هذا الاتحاد, إلى مؤسسة ثقافية خاصة ومستقلة بموجب مرسوم صدر في1994, وفاز بجوائزها 51 علما في الإبداع والفكر, ومؤسسة واحدة هي مجلة (العربي).

الفائزون بجوائز الدورة الثامنة

بعد مداولات لجنة التحكيم لمؤسسة سلطان بن علي العويس, وإطلاعها على تقارير المحكمين, واللجان الفرعية في حقول الجائزة, توصلت اللجنة العامة إلى منح الجائزة في حقل الشعر للشاعر حسب الشيخ جعفر , وهو شاعر متميز عايش الشعر منذ منتصف الستينيات (حتى الآن) وحمل تصورًا ووعيًا راقيًا للكتابة الشعرية.

كما منحت في حقل القصة والرواية والمسرحية للقاص محمد خضير الذي استطاعت أعماله السردية أن تتكامل في الإقناع بتجاوزها لمقولات الجنس الأدبي المحدد, وبتأصيل وبلورة شكل القصة القصيرة في الاتجاه الفني والفكري الحديث, منفتحة على مختلف الأشكال التعبيرية ذات العلاقة بالنص السردي, مثل الشعر والأسطورة والرواية وأشكال الحكي التراثي والشعبي.

أما في حقل الدراسات الأدبية والنقد فتم منحها للناقد مصطفى ناصف الذي كرس جهده على مدى نصف قرن تقريبًا للنقد الأدبي الحديث, والتراث الأدبي والنقدي والبلاغي.

وأعاد النظر في كثير من المفاهيم والأحكام النقدية السائدة, وأعاد قراءة جوانب مهمة من تراثنا على أسس منهجية جديدة.

وأخير منح المفكر محمود أمين العالم الجائزة في حقل الدراسات الإنسانية والمستقبلية, وذلك على مجمل أعماله ونشاطه الفكري, فأعماله تكشف عن وعي فكري وفلسفي واجتماعي متميز, في معالجة قضايا التنوير والحضارة, إضافة إلى أهمية دفاعه المستمر عن الثقافة العربية ومحاولاته الحثيثة لتطويرها.

وبدأ برنامج حفل توزيع جوائز مؤسسة سلطان بن علي العويس في دورتها الثامنة بكلمة مجلس الأمناء التي ألقاها عبد الغفار حسين, وكلمة الفائزين التي تلاها محمود أمين العالم, قبل أن يُقرأ بيان مجلس الأمناء وتقرير لجنة التحكيم. وسبق توزيع الجوائز عرض فيلم تسجيلي عن المؤسسة. ثم اختتم اليوم الأول بأمسية شعرية للشاعر محمود درويش. أما اليوم الثاني فقد استهل بندوة الاحتفالية الفكرية : الثقافة العربية في مفترق طرق, وقدم فيه نخبة من مفكري الوطن العربي قراءتهم لحال الثقافة العربية في الألفية الثالثة. قبل أن يختتم البرنامج بالأمسية الشعرية والفنية للشاعر أدونيس والفنان نصير شمة, بمشاركة الفنانتين ريهام عبدالحكيم ومي فاروق.

في مفترق الطرق

وقد حاول المشاركون في الندوة الفكرية أن يضعوا علامات طريق للثقافة العربية, فرأى الدكتور محسن جاسم الموسوي أن حرية الرأي لا تتحقق إلا في مهاد المجتمع المدني الذي يمارس دوره الفعلي في تحديد الدولة وجهازها, وأن هزيمتنا في 1967 كما يقول الناقد فاروق عبدالقادر لم تكن هزيمة عسكرية, بل هزيمة نظم ومؤسسات وأبنية وأفكار وقادة وأسلوب حياة, وأنه حين خرجت الجماهير المصرية هادرة في 9 و10 يونيو بعيدا عن ـ وربما على الرغم من ـ المؤسسات القائمة, لم يكن هدفها أن تطلب من عبد الناصر البقاء في موقع القيادة والمسئولية عما حدث, لكن مطلبها الأساسي كان التغيير. بعبارة أخرى: إن مطالبتها ببقاء عبد الناصر كانت مشروطة بقدرته على التغيير. المفكر محمود أمين العالم, أحد الفائزين بجوائز مؤسسة سلطان بن علي العويس شارك في ندوتها الفكرية بدراسة حول الثقافة والديمقراطية والهيمنة, جاء فيها: لا شك في أن الحرية وتجسدها الاجتماعي في الديمقراطية هي جوهر إنسانية الإنسان فردًا ومجتمعًا وعلاقات إنسانية ودولية, تختلف دلالتها باختلاف الملابسات التاريخية والاقتصادية, لكنها لم تعد حكم الشعب, وليست مجرد دعه يفعل, دعه يمر, ولا تنعزل الحرية والديمقراطية في عصرنا الراهن, أو تتعالى عما يهدد هذا العصر من أخطار نووية, وبيئية, أو ما تتعرض له مجتمعاتنا الإنسانية من أمراض ومجاعات وتصحر واستغلال وتبعية واستعمار وعنصرية وصهيونية, وما تسعى إليه القوى الدولية (وعلى رأسها الأمريكية) لفرض سيطرتها المعلوماتية والاتصالية والأيديولوجية والدولارية على العالم أجمع, وتنميطه سياسيا, واجتماعيا وثقافيا لمصلحتها.

الدكتور جابر عصفور يشير إلى خطاب العنف في ثقافتنا المعاصرة, وأن ما يحدث في المجموعة الثقافية لا يبتعد عما يحدث للفرد الذي تنسرب إليه عدوى التعصب بأساليب كثيرة منها التنشئة الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية. وهو ما يضع المثقف العربي في مهب ريح عالم متغير كما يقول الدكتور سعيد عبدالله حارب, بعد أن أصبح الالتزام لدى بعض المثقفين العرب يعني حالة جمود, أو رفض للآخر في معظم الأحيان. وقد عرض المفكر محمد جمال باروت لديناميات التغير الثقافي العربي في القرن العشرين, في حين وضع الكاتب عبده وازن رهانه وتحديه على الإعلام والثقافة, في ورقة استشرفت حضور الثقافة في الإعلام, والإعلام بوصفه فعلا ثقافيا. وهو ما طبقه الدكتور علي الشعيبي على المشهد الثقافي في علاقته بوسائل الإعلام في دولة الإمارات.

ويلح الكاتب محيي الدين اللاذقاني في ورقته عن المواطنة والدولة والوعي السياسي على فكرة كون دولة العصبية الحديثة سواء كانت محكومة من قبل نخبة أو حزب واحد أو مجموعة ريفية أو حفنة ضباط يظل القرار دوما بيد فرد واحد, تحقيقا للحكم من المنظور الخلدوني, رغم أن مفهوم الدولة يشتق جذرها اللغوي من (دال ـ يدول) التي توحي بعدم الاستقرار.

وتناول الدكتور أسعد عبد الرحمن الحالة الفلسطينية في بناء الدولة.

ومن بين أوراق الندوة الفكرية, طرح الدكتور عبد الرزاق فارس الفارس عن أزمة الاقتصاد العربي في ظل العولمة, ورؤية الدكتورة فاطمة الصائغ لعلاقة المرأة بالثقافة والوعي السياسي, وقراءة الكاتب صبحي حديدي عن الاقتصاد السياسي للأدب, والكاتب بلال ربيع البدور عن الثقافة واللغة, باعتبار اللغة مستودع الثقافة بما تمثله من مخزون فكري.

وقد تناولت الوضع الثقافي الراهن ورقتان, أشارت إحداهما إلى الوضع المأساوي في مجال الترجمة والإنتاج الفكري (الدكتور فؤاد شهاب), فيما أشارت الأخرى إلى الوضع المؤسف للترجمة في العالم العربي اليوم, قياسا بتاريخها في عصور النهضة العربية (هارتموت فاندريش). وربما تكون تلك دعوة لرفد الراهن الثقافي العربي بتيارات فكرية جديدة, لا يكون عبورها إلا فوق جسر الترجمة, وهو ـ دون شك ـ جسر يصل بنا لأكثر من ضفة.

 









الشيخ عبدالله بن زايد وزير الإعلام والثقافة بدولة الامارات يتوسط الفائزين بجوائز مؤسسة العويس





ملصقتان لأمسيتي الشاعرين أدونيس ومحمود درويش الفائزين بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي





حضور جماهيري كثيف وخاصة ممن فازوا بالجائزة سابقا