آفاق العلاقات العربية - الصينية في القرن الحادي والعشرين

آفاق العلاقات العربية - الصينية في القرن الحادي والعشرين

ماذا يطلب العرب من الصين بكل ثقلها الثقافي والاقتصادي والسياسي?
وما نظرة الصين للخريطة العربية, هل هي مجرد سوق للمنتجات الصينية
أم هناك ما هو أكثر من ذلك?!

كان هذا السؤال هو محور الأوراق البحثية والمشاركات والمداخلات التي ضمها هذا الكتاب الذي بين أيدينا كتاب: (آفاق العلاقات العربية الصينية في القرن الحادي والعشرين) والكتاب يضم وقائع الندوة التي عقدت في بكين العاصمة الصينية في مايو من عام 2002. وأشرف على إقامتها منتدى الفكر العربي بعمان الأردن, بحضور نخبة من الصين والبلاد العربية لمناقشة آفاق العلاقات المشتركة.

في مفتتح الكتاب الكلمات التي شارك بها الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي وراعي الندوة وكلمة تومور داومات نائب رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني ورئيس جمعية الصداقة الصينية ـ العربية, وكلمة السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية, والسفير مفتاح ماضي رئيس مجلس السفراء العرب في بكين.

ولكن لماذا العلاقات العربية - الصينية? وإلى ماذا يمكن أن تصل أوجه التعاون والمشاركة في عالم تحكمه الصراعات والمصالح, فالصين دولة كبيرة وذات ثقل دولي كبير وهناك علاقات عربية معها تضرب بجذورها في عمق التاريخ?

مثل الوطن العربي في هذا اللقاء منتدى الفكر العربي ومثل الجانب الصيني معهد الصين للدراسات الدولية التابع لوزارة الخارجية الصينية.

وقد اتفقت النخبة الفكرية والثقافية التي حضرت الندوة على أن الميزات المتفوقة للحضارتين الصينية والعربية الإسلامية تجعل كلا من الصين والعالم العربي يفخر بتاريخ حضاري عميق يشهد عليه من سور الصين العظيم والأهرام المصرية وبرج بابل العراقي ومدينة البتراء الأردنية.

ويشهد طريق الحرير المشهور على تواصل الود بين الحضارتين العربية والصينية.

إن تفعيل التواصل والتعاون السياسي والاقتصادي وتبادل الثقافات والوصول إلى الفهم المشترك بين العرب والصين يجب ألا يتم عن طريق الغرب بل بالاتصال المباشر والدائم بينهما.

قدم المشاركون في الندوة رؤاهم حول كل هذه القضايا في محاور ثلاثة وهي الأول السياسي والثاني الاقتصادي والثالث الثقافي.

في المحور السياسي شارك من الجانب الصيني نخبة من الدبلوماسيين والمفكرين بأوراق متنوعة مثل سونغ منغيانغ (الأوضاع الدولية والإقليمية الحالية).

وآهو يهو (آفاق رحبة لتنمية علاقات الصداقة والتعاون الصينية ـ العربية في القرن الواحد والعشرين.

وانغ جينغليه (حرب أم سلام? النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وآفاق تسويته).

وتشيو شنغيون (الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مصالحها الاستراتيجية وتحولات سياساتها).

ومن الجانب العربي عدنان أبو عودة (رؤية في واقع العالم العربي على خلفية الواقع الدولي).

د.محمد السيد سليم (نحو منظور جديد للعلاقات العربية الصينية).

الصين وفلسطين

يقول د.سليم وهو مدير الدراسات الآسيوية في جامعة القاهرة: دعمت الصين السلطة الفلسطينية من خلال تقديم المساعدات المادية لبلورة الكيان الفلسطيني, كذلك فالصين تصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

كما يناقش العلاقات العربية - الصينية في إطار قضية أمن الخليج العربي, العلاقات العربية - الصينية في إطار قضية الوحدة الصينية. العلاقات العربية - الصينية في إطار قضية الإرهاب الدولي وصولا إلى التعاون الاقتصادي العربي - الصيني.

ويؤكد د.سليم في نهاية ورقته ضرورة تفعيل فكرة إنشاء المنتدى العربي - الصيني للتعاون الذي وافق عليه مجلس جامعة الدول العربية بقراره رقم 5972 في مارس من عام 2000.

ويضع آهو يهو في نهاية ورقته البحثية بعض الحقائق وهي:

- إن السعي إلى السلام والتعاون والتنمية يمثل رغبة مشتركة للدول النامية عامة وللشعبين الصيني والعربي خاصة, الأمر الذي يحتم علينا أن نرفض سياسة القوة ونزعة الانفرادية ونرفض استغلال القضايا العرقية والدينية وحقوق الإنسان للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.

- على الجانبين الصيني والعربي العمل على الدفع بالعالم نحو تعددية الأقطاب بما لها من إسهامات في تصحيح الخلل في ميزان القوة الدولية وكبح جبروت الدول العظمى.

- ضرورة تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وضرورة توافر أدلة دامغة وأهداف محددة وعدم المساس بالأبرياء في مكافحة الإرهاب, كما تجب معارضة ربط الإرهاب بشعب أو دين بعينه.

أولوية الاقتصاد

احتل المحور الاقتصادي أهمية خاصة في هذا الكتاب وضم تصورات عن توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري العربي - الصيني في القرن الجديد قدمت من السفير زهانج سانج, وهو سفير صيني سابق في دولة الكويت, ركز فيها على محاور عدة أولها اتخاذ التعاون في مجال الطاقة كمحور لدفع التطور الشامل لعلاقات التعاون الاقتصادي والتجاري وذلك باكتشاف حقول جديدة للنفط والمساعدة في إدارة الحقول القديمة وتطويرها, والتعاون في فتح أسواق جديدة فالجانب العربي يتمتع بموارد وافرة ورءوس أموال هائلة إضافة إلى شبكات وقنوات تسويقية دولية ناضجة وفعّالة. أما الصين فلديها ميزات في حجم السوق والتكنولوجيا والمعدات والإدارة والأيدي العاملة, فالتعاون القائم على أساس الجمع بين الميزات النسبية والمنفعة المتبادلة ستمكّن الجانبين من تحويل الميزات النسبية إلى قدرة تنافسية متكاملة بما يزيد بصورة كبيرة من فرص النجاح في تنفيذ المشاريع في السوق الدولية.

ويتفق تشنج دايونج السفير الأسبق لدى السعودية والعراق في ورقته التي حملت عنوان (تعزيز التعاون الصيني ـ العربي في مجال الطاقة لدفع تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية) مع مواطنه السفير قوان تسيهواي, الذي مثل بلده لدى الكويت, في أهمية التعاون بين الجانبين في مجالات الطاقة, فالصين بلد فقير في الموارد النفطية, وتقدّر احتياطيات النفط المؤكدة في الصين بـ21,3 مليار برميل, واحتياطيات الغاز الطبيعي بـ 260 مليون م3, أي ما يوازي خمس نصيب الفرد العالمي. لذا فإن منطقة الشرق الأوسط خاصة تعتبر منطقة مثالية إذ أنها تتميز بالموارد النفطية الغنية والعلاقات الودّية القائمة مع الصين, ويجب علينا زيادة دعم العلاقات السياسية والتبادل الاقتصادي والتجاري مع الدول في هذه المنطقة لضمان التطور الصناعي الصيني.

توقفت د. ميرفت التلاوي وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا في ورقتها, أمام أربع قضايا وهي:

أولا: واقع العلاقات العربية ـ الصينية في مجال الاقتصاد والتجارة وخاصة فترة التسعينيات.

ثانيًا: نشاط الصين الاستثماري في البلاد العربية.

ثالثًا: الآثار المتوقعة على العلاقات الاقتصادية بين العرب والصين.

وأخيرًا: سبل جديدة لتقوية ودعم العلاقات العربية الصينية.

وقد ضمت الورقة ملحقًا إحصائيًا مفصلاً يضم عددًا من الجداول والرسوم لتسهيل متابعة العلاقات التجارية بين الطرفين خلال الفترة من 1998 وحتى عام 2000.

وحملت ورقة السيد عصام الجلبي وزير النفط العراقي السابق عنوان (مستقبل العلاقات الاقتصادية العربية ـ الصينية) ناقش فيها أهمية النفط الخام والغاز والمنتجات البترولية التي تحتاج إليها الصين التي تدل المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية فيها على أن الاقتصاد الصيني هو أسرع اقتصادات العالم نموًا, لذا فهو بحاجة إلى تنمية جهوده مع الجانب العربي الذي تضم بلاده أكثر احتياطي في العالم من هذه المصادر, حيث إن احتياطي النفط العربي 59,2 مليار برميل مقسمة كالتالي أقطار الخليج العربي 54,8, الأقطار الأخرى 5,4, وبالنسبة للغاز الطبيعي, في الخليج 35مليون م3 وفي باقي الوطن العربي 24.2.

إذن ووفقًا لنسبة استهلاك الطاقة, في الصين بسبب النمو الاقتصادي والصناعي السريع, فإن المنطقة المرشحة لتزويد الصين بحاجاتها من الطاقة هي منطقة الشرق الأوسط, والخليج العربي بصفة خاصة لقربه الجغرافي, الأمر الذي يحتّم على الطرفين تأمين مستقبل علاقتهما معًا, لإقامة علاقات طويلة المدى في كل المجالات. وضمت المداخلات والتعقيبات على الجانب الاقتصادي كلمات الدكتور علي عتيقة والأستاذ عثمان هاشم والدكتور محمد السيد سليم.

تفاعلات ثقافية

في المحور الثقافي قدم الدكتور سليمان العسكري ورقة تحت عنوان (العلاقات العربية ـ الصينية تاريخ من التواصل الحضاري والثقافي). وربط فيها بين الحضارتين العربية والصينية في أربعة من العناصر الأساسية, أولها العنصر الروحي أي إشباع التوق الإنساني إلى الإيمان بالمثل والقوى الغيبية التي توفر كل الفضائل والمبادئ.

وثانيها هو العنصر المادي الذي تخلقه كل حضارة وتعطيه طابعها, كما يظهر في العمائر والمعابد والأوابد التي تتركها خلفها, وثالثها هو العنصر الأدبي والفني, وما يمثله من قدرة على صياغة أصوات الطبيعة المتناثرة إلى أنغام وإيقاعات تعبّر عن الحزن والفرح.

أما آخر هذه العناصر فهو العنصر العقلي, وهو يعني الأفكار والتغيرات التي يدخلها الإنسان على الطبيعة التي تحيط به, والعالم الذي يعيش فيه, وهو ما يتولد عنه الجهد العلمي الذي يدفع بالحضارة لأعلى درجاتها.

وتواصل الورقة مناقشة أفكار صدمة الالتقاء بالثقافة الغربية ومشكلات التحديث, والتطوير والخروج من أطر الثقافة التقلدية, والصين وعرب ما قبل الاسلام, وعرب الاسلام, وصولا إلى واقع العلاقات العربية ـ الصينية الآن.

ويختم د.العسكري بموضوعات مقترحة للمستقبل وهي:

- الحفاظ على التراث.

- المساهمة في الحفاظ على البيئة.

- التعليم الأساسي للأطفال والشباب.

- تحدي التطور التكنولوجي ومحاولة إنتاج التكنولوجيا الرخيصة.

- وضع سياسة فعّالة للتبادل الثقافي والإبداعي.

- وضع خطة طويلة للترجمة ونقل صنوف المعرفة.

- تدعيم حرية تدفق المعلومات.

ويؤكد الباحث زهاو قتشونج أن العلاقات بين الصين والدول العربية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ, وترجع إلى ما قبل أكثر من 2100 عام حين ربط طريق الحرير البري والبحري بين الحضارتين, ويستشهد بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما قال (اطلبوا العلم ولو في الصين), ولذا فهو يخصص ورقته في الحديث حول الترجمة وتبادل تعلم اللغات, فهناك قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة بكين, وهنا قسم اللغة الصينية في الكلية نفسها بجامعة القاهرة. وهي ضرورة التواصل وتعزيز التواصل العلمي الصيني ـ العربي, وقد حظي المحور الثقافي بتعقيبات ذات قيمة من الشريف فواز شرف وزير الثقافة والشباب الأردني الأسبق, والأستاذ هادي البكوشي رئيس وزراء تونس الأسبق والدكتورة منى مكرم عبيد, والأستاذ جعفر أحمد رئيس اللجنة الإسلامية الدولية للتعاون والدكتور على عتيقة والدكتور محمد الصقور.

ولا يسعنا بعد قراءة هذا الكتاب إلا أن نتضامن مع أصحاب الآراء والأبحاث القيّمة المنشورة به, ونتمنى كل الازدهار للحضارتين العربية والصينية.

 

مجموعة من الباحثين العرب والصينيين