هو.... هي

لا أريد شريكا ثالثا

كنت أتابع اقترابه مني ومحاولاته المستمرة لإقناعي بأني أهم إنسان في حياته. لا أدري لماذا تقبلت كل ذلك ببعض الشك والريبة.

ارتبت في أمره منذ أن بدأ يولي نفسه المزيد من الاهتمام، بدأ يهتم بمظهره وبملبسه، بدا أكثر شبابا وأناقة، وكان يخرج بشكل منتظم وفي أوقات بذاتها، كما أنه كان يتلقى مكالمات تليفونية من صوت حريمي لا أعرف صاحبته.

سألته مرة عن صاحبة هذا الصوت أجاب: "زميلة في العمل".

ثم صدق إحساسي:

جاءني يوما وأبلغني أنه ينوي الزواج.

توفيت والدتي منذ سنوات طويلة، كنت حينذاك في الرابعة من عمري، لا أستطيع أن أنكر بالرغم من صغر سني، أن والدي كان شديد الحزن عليها.

خلال الفترة اللاحقة لوفاة والدتي، جاءت جدتي لتعيش معنا فترة، كانت ترعاني فترة غياب والدي في العمل، ثم كان يوليني كل رعايته بعد أن يعود إلى المنزل، كان يدللني كثيرا محاولا تعويضي بعد أن فقدت حنان أمي.

استمر يحتفظ بصورتها بجانب سريرنا إلى أن كبرت وانتقلت إلى غرفة خاصة. بي فوضع الصورة في دولاب ملابسه، كان يقول لي دائما إني أشبه أمي، أنفي كأنفها وفمي كفمها، حتى طريقتي في السير تشبه طريقة سيرها، كما أنه استمر يتابع دراستي ومذاكرتي، فكم من ليال سهر معي حتى منتصف الليل لأكمل واجباتي المدرسية، وكم من مرات قفز قفزا في الهواء عندما كنت أعود إلى المنزل لأبلغه بتفوقي الدراسي، كنا دائما معا، نخرج معا، نعود إلى المنزل معا، نتناول الطعام معا، إذا تلقينا دعوة للغداء فعادة نتلقاها معا، نخرج معا لشراء الملابس والأطعمة وأدوات المنزل، له ولي. دنيا خاصة جدا، حتى بيتنا لا يشاركنا فيه أحد.

والآن يأتي ليبلغني أنه سيتزوج، بمعنى أن إنسانا آخر سيأتي إلينا ليشاركنا هذه الحياة وهذا البيت. سألته: هل هي صاحبة الصوت الذي سألتك مرة عنه؟ أجاب : نعم هي. لقد كان شكي في محله ، وكانت ريبتي صحيحة، سألته : هل هي جميلة؟ أجاب: أنت أجمل منها، قلت: هل هي إنسانة طيبة؟ قال: نعم لقد اخترت زوجة طيبة لتحسن التعامل معك. ثم فاجأني وطلب مني أن أقابلها وأتحدث معها.

سألته: وإن لم تعجبني؟ أجاب: سوف تعجبين بها، إنها إنسانة طيبة ومتفهمة لوضعنا معا في هذا البيت، تعلم أننا متقاربان إلى أبعد حد وأنك الإنسان الوحيد في حياتي.

لقد حدد موعد لقائي معها دون أن يخبرني مسبقا، وضعني أمام الأمر الواقع.

أعتقد أنه من الصعب قبول الأمر الواقع، قبول زوجة أب في المنزل.

ذهبت إلى دولاب ملابسه، لم أجد صورة أمي في مكانها، لقد وضعها تحت الملابس.

.. هي

لقد آن الأوان

فتحت دولاب ملابسي، أحسست أن يدها قد لعبت فيه، استنتجت أنها كانت تبحث عن صورة أمها، لم أغضب منها، لقد وجدت لها الأعذار، إنها خائفة من شيء مجهول، سوف أبدد خوفها ولن أشعرها أن شيئا تغير في حياتنا.

عندما توفيت زوجتي منذ عشر سنوات كانت ابنتي لمياء في الرابعة من عمرها، كانت طفلة صغيرة ورقيقة للغاية، خفت عليها من أي صدمة أخرى، فقررت أن أعطيها كل الحب والحنان المفتقدين من وفاة والدتها.

لذا احتضنتها سنوات عشرا، قدمت لها كل ما أستطيع، كنت أغسل لها ملابسها وأعد لها طعامها وأذهب معها للنزهة وأتابع دروسها، كنت أما وأبا لها.

والآن كبرت لمياء وباتت في الرابعة عشرة من عمرها، دخلت مرحلة عمرية قد تحتاج فيها إلى امرأة بجانبها، إنها مرحلة سنية وعمرية مليئة بالتغيرات التي تطرأ على الفتاة، تغيرات عاطفية وفسيولوجية، لن أستطيع فهمها أو مساعدتها بجانب أنني تعبت من الوحدة وأحتاج إلى زوجة تشاركني مسئولية الحياة.

فكرت كثيرا ، خاصة أنني تصورت نفسي رجلا أعزب يعيش بمفرده بعد زواج ابنته. لا شك أن ابنتي ستتزوج بعد سنوات وسوف تتركني لتذهب مع زوجها.

التقيت بفاطمة، أرملة فقدت زوجها دون أن تنجب منه أطفالا، وجدتها إنسانة هادئة ومتزنة، تعمل مدرسة في المرحلة الثانوية، لذا توقعت منها أن تفهم كيف تتعامل مع لمياء.

تعمدت أن أراها لمرة أخرى ثم مرات، بعد ذلك فاتحتها في أمر الزواج، شرحت لها ظروفي وظروف لمياء، وجدتها متفهمة ومالكة لقدرات ولإمكانية عطاء.

خلال تلك الفترة لاحظت متابعة لمياء لي، كانت تسألني: مع من تتحدث؟ إلى أين أنت ذاهب؟ لماذا ترتدي هذه البذلة؟ هل مازلت تحبني؟

إنها ماكرة، بدأت تلاحقني وتتابع تحركاتي كأنها تكتشف الأمر بالتدريج.

ثم فاتحتها في أمر الزواج، لاحظت انزعاجها، سألت: "تتزوج امرأة غير أمي؟ "

أجبتها: نعم.. لقد آن الأوان، ألا يكفي عشر سنوات؟

لاحظت تغييرا في تصرفاتها وكأنها تعترض لكن بأسلوب هادئ.

حددت موعدا للقائها مع فاطمة فازدادت ارتباكا.

سوف نجلس نحن الثلاثة يوم الجمعة المقبل، نتناول طعام الغداء في مكان عام.

أعلم أن فاطمة ستكسب قلب لمياء، أعلم أنها ستكون أما لها.

كذلك أعلم أن لمياء ستكون ابنة حنونا لفاطمة.

لا تعلم لمياء أن فاطمة لا تنجب أطفالا وأنها في أشد الحاجة إلى أن يكون لها ابنة.

هل ستجد ابنة أجمل من لمياء، بالقطع لا.

.. هو