الفيس.. سباق على السلطة عيسى خلادي عرض: لوبيزة عمير

الفيس.. سباق على السلطة

يندرج هذا الكتاب ضمن سياقات ومضامين ومحاولات جادة لقراءة الأزمة السياسية والأمنية التي عصفت بالحياة في مختلف أوجهها وأدخلت الجزائر في دوامة العنف والإرهاب والتراجيديا والدم, وإن كان المؤلف قد ركز على حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) محملاً إياه مسئولية ما حدث ويحدث إلا أنه بدا أكثر موضوعية حيث اعتمد على التأريخ دون أن يعطي لنفسه حق التعليق, معتمدًا على الوقائع مثلما هي مسجلة في محاضر أو في وسائل إعلام خاصة وعمومية أو حتى تلك المدونة في جلسات علنية وسرية.

الكتاب صادر في طبعة ثانية عن دار النشر مرسى, جاء العنوان مؤطرًا بالبنط العريض باللون الأحمر على غلاف أصفر, وأشار إلى أنه لم يقم بتعديلات أو تغييرات على النص الأصلي الذي صدر في الطبعة الأولى من دار هارمتان سنة 1995 باستثناء تغيير العنوان والاسم المستعار الذي استعمله المؤلف لدواعٍ أمنية حيث كان يشغل منصب ضابط في الجيش الجزائري قبل أن يتقاعد.

يقع الكتاب في 266 صفحة موزعة على أربعة فصول رئيسية, استهلها بالحديث عن مسار ونشأة وأهداف الجبهة الإسلامية للإنقاذ. لينتقل بعدها في الجزء الأول إلى الحديث بإسهاب عن الإضراب الذي دعا إليه (الفيس). وإذا كانت الدوافع الرئيسية والمعلنة تتعلق برفض قانون الانتخابات إلا أن المؤلف أشار إلى أن النوايا كانت السعي لبناء دولة إسلامية عن طريق الإضراب وصور ما وصفه بـ (الإضراب الإسلامي) على أنه كان نقطة تحول خطيرة ستنعكس على مسار الأحداث فيما بعد. ويتطرق المؤلف إلى تفاصيل جديدة لم تنشر من قبل, حيث ينقل موقف الجنرال القوي آنذاك خالد نزار من استمرار الإضراب, كان يلح على الرئيس الشاذلي بن جديد للتدخل والتحرك بسرعة عكس رئيس الحكومة في تلك الفترة مولود حمروش الذي كان يطمئنه مؤكدًا أنه يتحكم في الوضع.

الجنرال نزار لجأ - مثلما يقول المؤلف - إلى عرض أشرطة فيديو تبرز سيارات تابعة للأمن الوطني تتعرض للرشق بالحجارة, بالإضافة إلى المواجهات والاعتداءات المتكررة على أعوان الشرطة, ومواطنين اختنقوا بغازات القنابل المسيلة للدموع. هذه الصور التي يقول المؤلف إنها تتحدث لوحدها, حاول من خلالها الجنرال نزار إقناع الشاذلي بانزلاق الوضع للتدخل وفعلاً يتحرك الرئيس ويستدعي مولود حمروش ووزير داخليته, ويشير المؤلف إلى وجود خلاف بينهما (الشاذلي وحمروش), ويحمل حمروش المسئولية لأنه كان يسعى لإنشاء (جيش ثكنات).

وينقل بعدها المؤلف تفاصيل مثيرة عن الاجتماع الذي حضره الشاذلي والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني آنذاك عبدالحميد مهري, اللواء غزيل قائد الدرك الوطني آنذاك, الجنرال العربي بلخير مدير ديوان الرئاسة آنذاك وحاليا, وآيت شعلال المستشار السياسي, وذلك للفصل في قضية إضراب (الفيس), وتباينت مواقفهم, لكنهم أجمعوا على ضرورة حل المسألة سياسيًا, لكن الجنرال نزار أصر على تقرير حالة الطوارئ, ليعلن الشاذلي عن قراره بلقاء زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني بوساطة الجنرال توفيق مدين مسئول الاستعلامات والأمن والأبحاث (المخابرات), وموازاة مع ذلك وجه خطابًا متلفزًا - في اليوم نفسه الذي قرر فيه مقابلة زعيم الجبهة - وصف فيه مضربي الفيس بالمشاغبين واتهمهم بمحاولة عرقلة المسار الانتخابي (وهذا لن يتحقق مهما غلا الثمن) - مثلما قال الشاذلي.

هذه التصريحات أثارت غضب عباسي مدني الذي وافق على لقاء الشاذلي لكنه تراجع بعد الخطاب. واعتبر المؤلف في تحليله أن عباسي تبنى منطقًا (يُحرم) حزبه من أي حل سياسي بعد ميله لخيار العنف.

يتحدث المؤلف في الجزء الثاني عن محاولة بناء الدولة الإسلامية عن طريق صناديق الاقتراع أي الانتخابات, ويعتبر أن السلفية, هم الذين أسسوا (الفيس) بعد أحداث 5 أكتوبر 88 وأغلبهم من بقايا جماعة بويعلي مصطفى (أول جماعة إسلامية حملت السلاح في وجه النظام), ليلتحق بهم المحسوبون على تيار الجزأرة, ويعطي الكاتب أوجه مقارنة حيث يرى أن الجزأرة أقل تشددًا وتطرفًا لكنه حدث تنسيق للحفاظ على الوحدة الإسلامية. وتطرق المؤلف إلى ما وصفه بـ(فيس حشاني) - نسبة إلى الشيخ عبدالقادر حشاني أحد أبرز القيادات في الجبهة الإسلامية والذي تم اغتياله في ظروف غامضة بعد خروجه من السجن - المعتدل في مواقفه التي برزت بعد اعتقال شيوخ الفيس, وطريقة معالجته لمستقبل الجبهة. وطيلة سرده للتفاصيل والخلفيات والدوافع الحقيقية لانسحاب الرئيس الشاذلي, كان المؤلف يشير إلى ظل الجنرال خالد نزار الذي أدى دوره (بامتياز لوقف المسار الانتخابي), ويكشف أنه لم يسع منذ البداية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة بل كان يصر على المواجهة العنيفة مع إسلاميي الفيس وضغط على الشاذلي للرحيل, وتحدث عن رفض الفريق العماري قائد أركان الجيش والجنرال غزيل قائد الدرك الوطني لأوامره القاضية بسحب قوات الجيش والدرك, كما اختفى (القادة العشرة للناحية العسكرية, وأيضًا الجنرال العربي بلخير, فكان الشاذلي أمام خيار واحد وهو قبول الاستقالة).

في أجزاء الكتاب الأخيرة رسم المؤلف مراحل المواجهة التي كانت عنيفة بين السلطة وإسلاميي الفيس أولاً, ثم مع الإسلاميين المسلحين من خلال اللجوء إلى النشاط المسلح بعد وقف المسار الانتخابي, ونشوء التنظيمات المسلحة.

ويعتقد عيسى خلادي أن لجوء الإسلاميين إلى العنف للوصول إلى السلطة في الجزائر ليس حديثًا, ولا يعود إلى عهد الفيس والتسعينيات بل إلى عهد الثمانينيات مؤكدا أن الإسلاميين كانوا يتسابقون للاستيلاء على الحكم عن طريق اللجوء إلى عدة وسائل تنتهي كل مرة بالعنف والترهيب, لكنه ينفي على صعيد آخر أن يكون العنف وسيلة لمحو الإسلام في الجزائر.

وفي تحليله لظاهرة (الإسلاموية) في الجزائر يؤكد أنها واقع اجتماعي, ثقافي, سياسي, ديمقراطي واقتصادي وأنها ليست سبب المشاكل التي تعانيها الجزائر لكنها نتاج لها.

 

عيسى خلادي