عزيزي القارئ

عزيزي القاريء

صوت للضعفاء

تطرح (العربي) في هذا العدد فكرة ربما تبدو (طوباوية) بعض الشيء, حول إقامة برلمان كوني يضم عموم البشر, فكرة مثالية وسط عالم يعاني اختلال الموازين, وسيادة القوة, والرؤية غير العادلة للصراعات الدولية. ولكن من جانب آخر تبدو هذه الفكرة شديدة الواقعية, فالتطورات التكنولوجية التي حولت العالم إلى قرية صغيرة, حولت مشاكله الصغيرة إلى قضايا كبرى, فلم تعد أي مشكلة تقتصر على حدود البلد الذي تحدث فيه, بل إن الاختلال في أي مكان يؤثر في التوازن العام لكل الدول وكأنها الأواني المستطرقة. كما أن المواطن العادي ـ مثل حالتنا ـ أصبح ضائعا وسط كم الأكاذيب التي تطلقها الأنظمة الرسمية عن نفسها, فأشد الأنظمة قمعا يدعي الديمقراطية, وأشدها ارتكابا للمذابح يتحدث عن الدفاع عن النفس, وإلا فكيف يمكن أن نقبل تفسير إسرائيل لقتلها شيخا من شيوخ الإسلام هو أحمد ياسين, أعزل وقعيدًا ومحاصرًا وفاقدًا لرقعة أرضه, على أنه دفاع عن النفس?! إن وجود برلمان كوني منتخب يمكن أن يكون المكان الأوحد الذي ترتفع فيه أصوات الضعفاء بعد أن وئد هذا الصوت في المحافل الدولية بواسطة (فيتو) الكبار! ولكن كيف يتم اختيار هذالبرلمان? وكيف نضمن ألا يتحول إلى مؤسسة دولية نمطية أخرى? هذا هو السؤال الذي يجيب عنه د. أحمد أبو زيد في مقاله.

وعلى صفحات هذا العدد أيضا يواصل رئيس التحرير في مقاله الافتتاحي إثارة قضية التعريب, نظرا لما تمثله من أهمية في ملاحقة عصر الانفجار المعرفي الذي يعيشه العالم, والذي يهددنا بالنفي خارج تاريخ المعرفة. أما الزيارة الخاصة إلى مدينة برلين, فتقوم بها (العربي) لتشاهد على الطبيعة المدينة في نسختها الموحدة, لعلها تعطينا مفتاح اللغة التي تسود عالم اليوم, فما خسرته برلين بسبب قوتها العسكرية في الأربعينيات من القرن الماضي استطاعت أن تسترده بفضل قوتها الاقتصادية في التسعينيات, ولعل في هذا عبرة لعالمنا العربي الذي لم يستطع أن يُحكم عروة وحدته الاقتصادية فتفككت من حوله عرى كل الوحدات.

أما الرحلة الأخرى فهي داخل تلافيف المخ البشري الذي بدأت أسراره تنكشف أمامنا رويدا رويدا, ولعل هذا الأمر سوف يفسر لنا جانبا مهما, لا الشفرة البيولوجية للإنسان فقط, ولكن شفرته السلوكية أيضا. وترحل (العربي) في التاريخ شرقا وغربا, فتلقي الضوء على حدث ضخم زلزل العالم منذ أكثر من 550 سنة هو (فتح القسطنطينية) على يد القائد العثماني المسلم محمد الفاتح, وعلى سيف اللاهوت الذي كان مصلتا على أعناق علماء ومفكري الغرب في العصور الوسطى, ولكن الفكرة انتصرت في النهاية على حد السيف,, وتحفل بقية صفحات العدد بالكثير من ثمار الفكر والإبداع لتتحول نسمة ثقافية عذبة في مواجهة فصل الصيف, الذي بدأت تباشيره تهل علينا.

 

المحرر