آفاق تطور التعليم العالي في العالم العربي

آفاق تطور التعليم العالي في العالم العربي

في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية لن تستطيع الدولة أن توفر لمؤسسات التعليم العالي العامة قدر الموارد اللازم لمواصلة رسالتها بالجودة المطلوبة، وهي مشكلة مزمنة في الدول النامية وتعدتها إلى كثير من الدول المتقدمة، وستصبح مع الأزمة المالية أكثر حدة وبروزا في المستقبل.

وسوف تنعكس الأزمة دون شك على الموارد المالية لأولياء الأمور مما سيقلل الطلب على الجامعات الخاصة ذات الرسوم المرتفعة، والتي ستتقلص أحلامها بشأن التوسع في أعداد الطلاب المقبولين أو زيادة مستوى الرسوم التي تحصلها منهم. ومن ناحية ثالثة ستنخفض فرص الطرفين السابقين في الحصول على إعانات أو هبات أو تبرعات من الجهات الخيرية أو الأفراد أو المؤسسات.

وهكذا نجد أن أزمة تمويل التعليم العالي - والتي أسفرت عن وجهها بوضوح منذ نحو عشرين عاما - تتفاقم تباعاً، وغالبا ما ستزداد تأزما مع انتقال الانعكاسات السلبية للأزمة الحالية من القطاع المالي إلى قطاعات الاقتصاد العينية.

وجدير بالذكر أن الطلب على التعليم العالي سجل على المستوى العالمي ارتفاعا كبيرا في العقود الأخيرة؛ فقد قفز من 13 مليون طالب في عام 1960 إلى نحو 115 مليون طالب في عام 2004, وهو رقم يشكل ضعف العدد الذي كان موجودا قبل عشر سنوات. وبالرغم من أن معظم الدول قد زادت من الإنفاق على التعليم العالي كنسبة من إجمالي نفقاتها العامة، فإن هذه الزيادات لم تكن كافية لتحقيق الحد الأدنى من الجودة في المؤسسات التعليمية التي عانت، خاصة من ارتفاع كثافة الطلاب فيها بشكل كبير.

وفى عالمنا العربي توجد غالبا فجوة بين معدل القبول ومعدل الزيادة في التمويل, وهو ما يقود إلى ما أطلقنا عليه سابقا أزمة تمويل التعليم الجامعي في العالم العربي. ولا جدال في أن السنوات الأخيرة قد شهدت ارتفاعا في نسبة الملتحقين بالتعليم العالي في العالم العربي من الشريحة العمرية 17 - 24 سنة، مع تفاوت واضح بين البلاد العربية، لكننا مازلنا دون دول كالولايات المتحدة الأمريكية (92%) وبريطانيا (52%) واليابان (45%)، وإن كنا مازلنا أفضل حالا من بلاد أخرى كالهند (7%) على سبيل المثال.

توزيع الدخل.. هل هو عادل؟

لا خلاف بين علماء الاقتصاد والمالية العامة على أن تمويل التعليم العالي بواسطة ميزانية الدولة يكون راجعياً regressive من حيث أثره في عدالة توزيع الدخول. فهو يفيد أساساً العائلات المنتمية للطبقتين الغنية والمتوسطة بينما يقع عبؤه على المكلفين بالضريبة ومن بينهم العائلات الفقيرة، خاصة في بلادنا، حيث تشكل الضرائب غير المباشرة معظم الحصيلة الضريبية.

ويؤكد ذلك ما تشير إليه بيانات تعود إلى منتصف ثمانينيات القرن العشرين من أن الدول النامية بصورة عامة وجهت معظم اعتمادات التعليم نحو التعليم العالي بالرغم من الضآلة النسبية لحجم المستفيدين منه. فالتعليم الابتدائي الذي انتظم فيه 71% من الشريحة العمرية لهذه السن حصل على 22% فقط من جملة اعتمادات التعليم، بينما حصل التعليم العالي على 39% من إجمالي الاعتمادات وهو لا يفيد سوى 6% فقط من السكان في هذه السن. وإذا نظرنا للمنطقة العربية وجدنا البيانات ذاتها تشير إلى أن 64% من السكان في سن التعليم الابتدائي حصلوا على 19% من موارد التعليم بينما حصل 6% فقط في التعليم العالي على 45% من إجمالي ما خصصته الدولة من اعتمادات للتعليم.

وتشير أحدث البيانات الأمريكية إلى أن 75% من أبناء العائلات الغنية (الربع الأعلى في سلم الدخول) يحصلون على تعليم جامعي متميز، في حين تتقلص النسبة إلى 10% فقط بالنسبة لأبناء العائلات الأقل دخلا (الربع الأدنى في سلم الدخول). ولذلك يطالب بعض الكتاب بتركيز الإعانات التي تقدم إلى الطلاب وفقا لمعيار الحاجات المالية لهم ودخلهم العائلي وليس وفقا لمعيار كفاءتهم العلمية، حيث لوحظ أن الإعانات التي قدمت وفقا للمعيار الأول قد تقلصت من نحو 90% في عام 1990 إلى نحو 60% فقط في أوائل القرن الحادي والعشرين.

وفي فرنسا يعتبر خريجو التعليم العالي أقلية بين أبناء جيلهم (نحو 40% فقط) ويحصلون على دخول تتجاوز المستوى المتوسط للدخول، ومن ثم فإن تمويل الجامعات عن طريق الدولة (الضرائب) يتعارض مع مقتضيات العدالة الاجتماعية، لأن الذي يتحمل عبء تعليمهم حينئذ يكون أقرانهم الذين لم تتح لهم فرصة التعليم الجامعي والتحقوا قبلا بسوق العمل، ويجب بالأولى وفقا لما بدأ يدافع عنه اقتصاديون ومسئولون عدة - أن يتحمل هؤلاء نفقة تعليمهم بطريقة حالة (من خلال الرسوم التي تدفعها عائلاتهم) أو بطريقة مؤجلة (من خلال القروض التي يحصلون عليها لدفع الرسوم، مع تسديدها لاحقا من الدخول التي يحصلون عليها بعد التحاقهم بالعمل بعد التخرج).

وفى الكثير من البلاد العربية ومن بينها مصر يسهل أن نتأكد من راجعية الإنفاق العام على التعليم الجامعي، إذا تبينا أن أبناء المهنيين وكبار الموظفين والتجار وغيرهم من الأغنياء - والذين لايمثلون سوى أقل من 10% من السكان - يحتلون أكثر من 70% من المقاعد الدراسية في الكليات الأكثر كلفة كالطب والصيدلة والهندسة، على حين لا يحتل أبناء خمس السكان الأكثر فقرا - وهم يتشكلون من عائلات عمال اليومية وعمال الترحيلة والعائلات التي تعولها نساء أرامل أو مطلقات أو يتولى مسئوليتها عاطلون - سوى نسبة لا يمكن أن تتجاوز 2% من إجمالي الطلاب في تلك الكليات. ولهذا فإن تمويل التعليم الجامعي من ميزانية الدولة وليس من الرسوم الدراسية يفيد الأغنياء والشريحة العليا من الطبقة المتوسطة أكثر بكثير مما يفيد الفقراء الذين يشكلون الأغلبية، ومن ثم فهو لا يشكل عنصرا إيجابيا في عدالة توزيع الدخول.

التعليم ليس سلعة

ولعل الاعتقاد السائد أخيراً في جميع الدول الصناعية تقريبا، هو أن العائد من الاستثمار في التعليم العالي يعد شخصيا في المقام الأول، وجماعيا في المقام الثاني، فيجب عدم اعتبار التعليم سلعة عامة public good ولكنها سلعة خاصة قد تحقق منفعة جماعية بصورة غير مباشرة، ولكنها تستهدف أساسا تحسين وضع المتعلم وتحقيق طموحاته، ومن ثم فإنه من المنطقي أن يقوم هو وليس غيره بتحمل النصيب الأكبر من نفقتها.

مع ذلك فإنه من الصعب التمييز بدقة في منافع التعليم العالي بين ما يعد شخصيا وما يعد جماعيا. فارتفاع مستوى التعليم للمواطنين وتحسن قدراتهم على الفهم والإدراك والتعامل مع التطورات والمستجدات التقنية والاقتصادية والثقافية والطبية وغيرها يعم بالفائدة على المجتمع كافة ويفيد سلعا أخرى لا خلاف في كونها عامة، مثل الدفاع الوطني والأمن والعدالة، كما ينعكس بالإيجاب على مستوى رفاهة المجتمع ككل. ولذلك فإن تمويل الدولة للتعليم العالي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحقيقة السابقة.

ومع اعتقادنا بأن التعليم العالي ليس سلعة خاصة صرفة pure private good وإنما هو بالأولى سلعة تشبع حاجة جديرة بالإشباع merit want تتحمل الدولة مسئولية تنظيمها، فإننا - خاصة في ضوء ما عرضنا له سلفا من راجعية الإنفاق العام عليه وإخلاله بمبدأ العدالة الاجتماعية - نرى منطقية التوجه السائد في العالم كله تقريبا اليوم نحو وجوب مشاركة التمويل الخاص والتمويل العام معا في سد احتياجات التعليم العالي.

بدائل تقلص التمويل الحكومي

جدير بالاعتراف أن تقلص - أو ثبات - مستوى التمويل الحكومي لمؤسسات التعليم العالي في الفترة المقبلة سيقود هذه المؤسسات إلى اتخاذ واحد أو أكثر من البدائل أبرزها زيادة المصروفات الدراسية بشكل مباشر أو غير مباشر، صراحة أو ضمنيا في شكل مقابل خدمات، أو إنشاء برامج جديدة برسوم مرتفعة، أو قبول بعض أشكال التعليم الموازي الذي يقدم البرنامج الدراسي نفسه مجانا لبعض الطلاب وبمقابل للبعض الآخر، أو الشروع في برامج للتعليم عن بعد أو التعليم المفتوح أو التعليم المستمر الذي يتيح دخلا إضافيا.

وفي حالة وجود عوائق قانونية أو سياسية أو عملية تحول دون الخيارات السابقة، لن يكون هناك مفر من قبول الزيادة التراكمية في أعداد الطلاب وتكدسهم في الفصول الدراسية والمدرجات والمعامل، أو تخفيض البرامج الدراسية أو قبول تدهور في جودتها أو تراجع في طموحاتها. ومن النتائج المتوقعة أيضا تخفيض أعداد الأساتذة والباحثين، والتنازل عن البرامج الطموحة لتأهيل شباب الأساتذة وبرامج ابتعاثهم إلى أبرز الجامعات الأجنبية، وتقليل المزايا الممنوحة لأعضاء هيئة التدريس وكذلك الوسائل والأدوات التي توضع تحت تصرفهم لتيسير مهامهم التدريسية والبحثية، وتقليص الإنفاق على التجهيزات الجامعية من معامل ومكتبات ووسائل تقنية حديثة، فضلا عن تقليل التمويل المتاح للرعاية الاجتماعية والصحية للطلاب وللأنشطة الثقافية والرياضية المتاحة لهم، وكذلك برامج المساعدات الاجتماعية والتكافل الاجتماعي نحو الطلاب ذوي الدخل المحدود، والحد من دور الجامعات في خدمة المجتمع وتنمية البيئة المحيطة بها وتقديم خدماتها الاجتماعية والرياضية والثقافية لأفراد المجتمع المحلي.

وقد لجأت دول عديدة إلى تبني الخيار الأول. وتعتبر تجارب دول مثل أستراليا ونيوزيلندا وأخيرا بريطانيا والهند، الانتقال في تمويل التعليم العالي من المجانية المطلقة إلى رفع الرسوم بطريقة تدريجية مع تبني نظم للقروض الطلابية مثيرة الاهتمام.

وبالنسبة للدول العربية نحن نعتقد أنه قد آن الأوان للتفكير في توفير تمويل كاف للجامعات العامة لوقف التدهور الذي أصاب قدرتها على تقديم أداء تعليمي وجامعي جيد، بما في ذلك السماح لها بتحريك الرسوم السنوية التي لاتزال في أحيان كثيرة أقل من سعر وجبة واحدة في مطعم شعبي. وقد يكون من المناسب البدء أولا بفرض الرسوم التي تحصل على الخدمات الطلابية الإضافية كالسكن الجامعي والتغذية والتي يتم هدر جانب كبير من المال العام فيها لعدم التناسب الصارخ بين تكلفة الخدمة والثمن الذي يدفع فيها، مما يقود للإسراف الشديد وسوء الاستخدام.

في كل الأحوال لابد أن يصاحب أي توجه نحو زيادة الرسوم الدراسية تقرير برامج سخية للمنح الدراسية لمصلحة الطلاب المتميزين والموهوبين من أبناء العائلات صاحبة الدخل المحدود. وينبغي ألا تغطي هذه المنح الرسوم الدراسية فحسب وإنما تمنح الطلاب دخلا شهريا يغطي جميع احتياجاتهم السكنية والمعيشية والثقافية والعلمية، وذلك حتى تتحقق الفائدة الحقيقية من ورائها.

لتدخل الدولة أكثر من وجه

ولندرك أن هناك فارقا جوهريا بين واجب الدولة في التدخل لوضع إستراتيجية للتعليم العالي وتنظيمه ورعايته وتحفيزه وتوفير جميع السبل لتطويره وتحسين جودته، وبين تدخلها لتمويل مؤسساته وطلابه. فالواجب الأول ملزم ولا غنى عنه لأي مجتمع وفى كل وقت، والأمر الثاني يمكن أن يكون محل نقاش واختلاف في التطبيق وفقا لاعتبارات الكفاءة والملاءة والعدالة التي تتفاوت بحسب ظروف وخيارات كل دولة.

وبالرغم من حماس بعض أساتذة اقتصاديات التعليم وخبراء البنك الدولي لتطبيق برامج لإقراض الطلاب في دول العالم الثالث لتصاحب تحريك الرسوم بالزيادة، بدلا من تقديم منح مجانية للطلاب محدودي الدخل، فإن ذلك مردود عليه بالصعوبات الإدارية والفنية التي تحول دون نجاح أي برنامج واسع لإقراض الطلبة في بلادنا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار نسبة البطالة العالية بين الخريجين. فتطبيق برامج الإعانات النقدية في معظم الدول العربية سيكون أكثر عدالة بالنظر للأوضاع الصعبة لعائلات الطلاب غير القادرين، كما أنه أقل تعقيداً بالنظر للصعوبات الفنية والإدارية التي تعوق تطبيق برامج الإقراض الحكومية أو المصرفية.

ومن الأساليب المستحدثة في تمويل مؤسسات التعليم العالي استخدام أدوات مالية - مثل السندات والأذون والائتمان المصرفي - لتمويل الإنشاء أو التوسعات. فإذا رغبت إحدى الجامعات في الحصول على تمويل لبناء كلية جديدة للهندسة أو لإدارة الأعمال فإنها يمكن - على الأقل نظريا - أن تصدر سندات تدعو الأفراد أو المؤسسات الخاصة والمصارف للاكتتاب فيها، على أن تسدد لهم في أجل لاحق قيمة السندات مصحوبة بالفائدة المقررة عليها. ويمكن التعامل في هذه السندات في أسواق رأس المال كغيرها من السندات، كما يمكن خصمها لدى البنوك التجارية أو رهنها لدى بيوت الرهونات. ومن الطبيعي أن يكون الإقبال على الاكتتاب في هذه السندات وتطور سعرها لاحقا رهينا بالكفاءة المالية للمؤسسات الجامعية ومدى ربحيتها المحققة أو المتوقعة, وبصرف النظر عن كفاءة البرامج الأكاديمية التي تقدمها. وما سلف ليس محض احتمال أو خيال وإنما يعتبر أداة بدأت بعض الدول والمؤسسات الجامعية فى الولايات المتحدة وبريطانيا والمجر في سبر أغوارها واستخدامها وإن ظل الأمر على استحياء في مراحله الأولى.

كذلك فإن التوجه نحو الشركات الخاصة لإقناعها بتمويل المشروعات البحثية الجامعية ليس جديدا ولكن النتائج كانت دائما متواضعة حتى في البلاد الصناعية المتقدمة. فالشركات لا تخصص لهذا الغرض سوى مبالغ متواضعة، فضلا عن أنها تنتقى نوعية معينة من البحوث أو التخصصات التي تخدم أغراضها الخاصة، دون أن تتعدى ذلك لتمويل خطط الجامعات البحثية أو بعضها.

الجامعات الخاصة، هل هي البديل?

توجد الجامعات الخاصة منذ زمن طويل في العديد من دول العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تحتل العديد من تلك الجامعات مكانا، متقدما ولكنها في معظمها تعد مؤسسات لاتستهدف الربح الخاص ولا تغطي الرسوم الطلابية فيها سوى نسبة لا تتجاوز 40% من التكلفة المتوسطة لنفقة تعليم الطالب. وعلى العكس فإن الجامعات الخاصة التي انتشرت في العقدين الأخيرين في عدد كبير من بلادنا العربية قامت كمؤسسات ذات غرض ربحي في المقام الأول, وهى تفرض رسوما تتجاوز بمراحل نفقة التعليم المتوسطة لكل طالب، لتحقق هامشا ربحيا مرتفعا يتجاوز مستوى المكاسب في معظم المشروعات الصناعية والتجارية.

ولا جدال في أن هذه الجامعات ستستمر في أدائها على هذا النحو مادام الطلب عليها من الطلاب مستمرا، ما لم تتدخل الحكومات لتضع تنظيما جديدا لها يراعي التوازن بين الأغراض الربحية وأهداف أخرى مهمة لاستمرارها كمؤسسات جامعية حقيقية قابلة للتطور والتوسع والرسوخ، ومستقلة عن الطموحات الربحية الصغيرة لمؤسسيها, ويخضعها للتقييم من حيث جودة التعليم الذي تقدمه، والخدمات التي توفرها لطلابها كجامعات حقيقية وليست كمشاريع تجارية صرفة.

وكمثال على انتشار الجامعات الخاصة في مختلف مناطق العالم تشير البيانات إلى أنه في عام 1960 كان يوجد في أمريكا اللاتينية وحدها 164 مؤسسة جامعية منها 31% مؤسسة خاصة, لكن هذا الرقم قفز في الفترة من 2000 - 2003 إلى 7514 مؤسسة 65% منها مؤسسات خاصة.

ومن أبرز التحديات التي ستواجهها مؤسسات التعليم الجامعي في المستقبل القريب المنافسة الكبيرة من مؤسسات أو شركات غير جامعية بدأت في تقديم درجات جامعية عبر الإنترنت degree on line . فيستطيع الطلاب غير المنتظمين الحصول على درجاتهم العالية المعترف بها من سوق العمل من دون الانتظام في فصول دراسية وبرسوم أقل وتوفير في وقت الدراسة. وقد شرعت بالفعل شركات مثل ميكروسوفت Microsoft في مثل هذه البرامج التي لا تتطلب منها نفقات عالية كتلك التي تتحملها المؤسسات الجامعية التقليدية كنفقات المباني والمعامل والمكتبات والتجهيزات والعمالة المساعدة والأنشطة غير التعليمية.

كذلك تجدر الإشارة إلى أنه في الآونة الأخيرة سارعت العديد من الجامعات الأجنبية والمؤسسات التعليمية متعددة الجنسية إلى افتتاح العديد من الفروع في الدول النامية، خاصة في آسيا وفى منطقة الخليج العربي. وتقوم هذه الفروع بتقديم البرامج الدراسية نفسها والمناهج والدرجات الجامعية التي تمنحها الجامعة الأم. وهذا النوع من الاستثمار الخارجي المباشر لا ينجح عادة ما لم يحظ بقبول ودعم من حكومات الدول المستضيفة التي غالبا ما تتحمل نفقة عالية في هذا الخصوص.

وهنا يتعين ملاحظة أنه على عكس ما يرى من سعي هذه المؤسسات في دولتها الأم نحو الالتزام بقواعد صارمة لتحقيق أعلى مستويات الجودة والكفاءة، فإن هدفها في البلاد الأخرى يكون ربحيا في المقام الأول، ويشجع على ذلك غياب المنافسة مع جامعات أخرى من المستوى ذاته سواء كانت عامة أم خاصة. وفى كل الأحوال فإن قدرة هذه الفروع على استقبال أعداد كبيرة من الطلاب محدودة للتكلفة العالية التي تتطلبها ولصعوبة توافر الطلاب الذين تنطبق عليهم المعايير الصارمة للالتحاق بها. ويؤكد هذا ما أشارت إليه إحدى الدراسات الحديثة من أنه من بين 68 حرما جامعيا خارج الحدود offshore campus تم دراستها لم تغط سوى ثلثها نفقاتها من خلال الرسوم والتبرعات، على حين تلقى الثلثان الباقيان دعما سخيا من الدول المستضيفة.

---------------------------------

وأغدو على القوتِ الزهيدِ كما غدا
أزلُّ تهاداه التَّنائِفُ، أطحلُ
غدا طَاوياً، يعارضُ الرِّيحَ، هافياً
يخُوتُ بأذناب الشِّعَاب، ويعْسِلُ
فلمَّا لواهُ القُوتُ من حيث أمَّهُ
دعا؛ فأجابته نظائرُ نُحَّلُ

الشنفري

 

أحمد جمال الدين موسى