من مكناس إلى واحة زيز درْبُ عجائب المغرب.. أشرف أبو اليزيد

من مكناس إلى واحة زيز درْبُ عجائب المغرب.. أشرف أبو اليزيد

دَرْبٌ أولُّه سَجَّادٌ من بساتين ومروج، وأوسطهُ خيامٌ من أَرْز وثلوج، أما آخرُهُ فرمال تتماوجُ، تتمدد حيناً لتبدو مثل بساطٍ، وتعلو أحياناً فهي تلالٌ وبروج. لو أنَّ العرَّافاتِ أخبرْننا في بداية الرحلة بما سنشاهده، لكنا ظننا أنها حكاية خرافية؛ فلم نكن نعبر بلدًا إلى آخر، ولا كنا سنترك ولاية إلى سواها، ولا خططنا لنبدِّل وسيلة انتقال، ولا نملك آلة زمن لنعيش الفصول كلها في ساعات اليوم الواحد، وإنما هي سيارة وحيدة، تعبرُ بنا من مدينة مكناس في الغرب، إلى واحة زيز في الشرق، داخل ولاية مكناس تافيلالت، بالمملكة المغربية. لكن الجغرافيا، التي تصنع التاريخ، تتبدل وقتما تعتلي جبلاً، وتتلون حينما تهبط سفحاً، وتتزين عندما ترى مدينة.

الطريق كائن حي، تمامًا كالبشر، له أجلٌ وعمرٌ، يبدأ وليدًا ويسير وئيدًا، من الصبا حتى يبلغ أشده، وحين يهرم، يفقد ملامحه، وقد تغيب المعالم وسحناتها، تحت تجاعيد الزمن وتقلباته. تحتاجُ المسالكُ إلى ممالك لتظل حية، وإلا صارت إلى مهالك! الطريق الذي سنسلكه عرف دورات حياة متعددة، فكان مَدَقا للرعاة والمزارعين، مثلما كان دربًا للتجار والرحالة، وعاش مسارا للسلاطين والملوك، وخبر جزءًا من حياته مسلكًا للمتمردين والمستعمرين، حتى أضاءته سنوات الاستقلال، وعلى مدى سنواتٍ وسنوات كان شاهدًا على حضارات ومحطات تاريخية عديدة. سؤالنا في كل خطوة، أي مرحلة عمرية يمرُّ بها طريقنا اليوم؟

مياهٌ هَادِرَةٌ مُهْدَرَةٌ

حين تصل مدينة مكناس، ستكتشف القاعدة التي لا تعرف الاستثناء؛ بأن لكل مدينة تاريخية عريقة قسمين، أحدهما قديم، وثانيهما عصري (بدأ الفرنسيون المستعمرون تأسيس مكناس العصرية في العام 1920م)، ويربط بين المدينتين خمس عشرة بوابة أثرية. ولا تختلف مكناس عن سواها، فلها وجهان، يفصل بينهما وادٍ أسموه «بوفكران».

وأصل كلمة «بوفكران» أمازيغي، و«بوفكران» تعني: ذو السلاحف العربية، وأفكَر أو إفشر عامية مغربية، معناها السلحفاة، وتُجمع إيفكران، أو إيفشران، وإذا شاع ذلك الاسم الأمازيغي للوادي، فإن الأسماء العربية القديمة له كانت فلفل، وأبوالعمائر، والحديثة الدالة عليه عين معروف ودر دورة!

وأصلُ منبع مياه الوادي، كهف كائن بقبة جبل بوزكور، المعروف بكهف الريح، من جبال ألأطلس المتوسط. وفي سفح جبل بوزكور مكان اسمه مزعتوال «منفر البقر بلسان البربر»، ملآن بعيون الماء التي تصب إلى وادي «بوفكران». أما «عين معروف» التي تمتد خمسين كيلومترا، فهي من أصول بوفكران الكبرى، وتَهَبُ أربعين ألف متر مكعب يوميا، على حد ما قررت بعض الدراسات الفرنسية قبل خمس وسبعين سنة، كان يضيع ربعها هدرًا، آنذاك!

مدينة ملكية

مثل المدن الملكية في المغرب؛ مراكش وفاس والرباط، عاشت مكناس أيامًا ملوكية حين اختارها مولاي إسماعيل مقرًّا لحكمه طوال الفترة من 1673م إلى 1726م. هنا لاتزال تحتفظ مكناس القديمة بذلك الشكل الملكي على أكثر من وجه، أسوار وبوابات وقصور وإسطبلات.. وسجن أيضا.

بجانب البوابة التاريخية التي تصلنا بالطريق لقصبة مولاي إسماعيل قرأت على اللوحة التذكارية عباراتٍ مدونة بالخط المغربي الرشيق (مصحوبة بترجمة إلى الفرنسية) شرحت لي الكثير: «بأمر من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله، تم نصب هذه اللوحة يوم 22 مارس عام 1997 خلال الحفل الذي ترأسه وفدٌ وزاري في حكومة صاحب الجلالة بحضور السيد فريديركو مايور المدير العام لليونسكو (تصنيف مدينة مكناس التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي) بناء على الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث الثقافي العالمي تم تسجيل المدينة التاريخية لمكناس ضمن لائحة التراث العالمي في شعبان عام 1417هـ دجنبر 1996.

إن هذا التصنيف يرسخ القيمة العالمية الاستثنائية لهذا الإرث الثقافي وذلك حفاظا عليه لفائدة الإنسانية جمعاء. إن المدينة التاريخية لمكناس تمثل بكيفية مرضية وشاملة النسيج المعماري والحضري لعاصمة مغاربية في القرن السَّابع عشر، إذ تجمع في انسجام تام بين عناصر التفكير والتخطيط المعماري الإسلامي والأوربي».

مادمنا في تافيلالت - أو إقليم فيلالة كما عهد تسميته - نتذكر بوحسون بودميعة، أو علي بن محمد بن الشيخ الشهير سيدي أحمد بن موسى الحسني السملالي الجزولي الذي انبسط سلطانه على الصحراء المغربية، وامتد حكمه حتى إقليم فيلالة، وقد اعتَقَل خلال حكمه كبيرَ شرفاء سجلماسة؛ مولاي الشريف بن علي (في 16 مارس 1638م)، غير أنه لم يذلّه في محبسه، بل أنعم عليه بسيدة من قبيلة الوادية الصحراوية كان أولاد جرار أهدوها إليه، فتزوجها مولاي الشريف في معتقله، وأنجبت له من سيصبح سلطانا لاحقا، ويؤسس مكناسًا عاصمة، وهو السلطان مولاي إسماعيل.

تولى السلطان مولاي إسماعيل الملك سنة 1082 هجرية / 1672م، ليكون ثالث إخوة ثلاثة أسسوا الدولة العلوية وثبتوا دعائم الوحدة المغربية، هم محمد ورشيد وإسماعيل، وفي الطريق التالية، والسطور الموالية على حد التعبير المغربي سنذكر أين بدأ حكمهم. أمام قصر مولاي إسماعيل وقف بائع الشراب بزيه التقليدي، بعد قليل ستدرك أنه لا يبيع من العصير قدر ما يكسب من التصوير. إن نفحته ما يرضيه وقف لعدستك، وإن أبيت فلن ترى منه غير الأدبار!

قصبةٌ وقبةٌ وقبْوٌ!

القصبات في المملكة المغربية هي المعادل اللغوي للقلاع في المشرق العربي. ويُعنى بها معماريا بناية محصنة بأسوار متينة. باللغة الدارجة في المغرب نسمع القصيبة تصغيرًا، والقصابي جمعًا. هذه الكلمة انطلقت إلى غير لساننا، ففي إسبانياALCAZABA وفي البرتغال ALCAZOVA وهما يدلان على بقايا حضرية. القاسم المشترك بين جميع القصبات هو التحصين، فهي أهم أبنية المدن، ويعتمدها أهل تلك المدن ملجأ للمقاومة في حالة هجوم طارئ أو إبان ثورة محلية. وتحتل القصبات مكانا عاليا يشرف على المدن والدروب على الأغلب، أما تصميم القصبات في السهول المنبسطة فمنتظم الحدود يتخذ أشكالا هندسية بين المربع والمستطيل، وهي بمنزلة مدن صغيرة محصنة بمساجدها ومخازنها وبيوتها، وتبرز في قلبها دار السلطان، أو القائد.

بعد اختياره مكناس عاصمة لحكمه أقام السلطان مولاي إسماعيل قصبات بالنقاط الحيوية من البلاد، سواء على الساحل تمتد من مهدية إلى بوزنيقة، أو في الداخل على طول الطرق التي تصل العاصمة بمديونة ومراكش وغيرهما. المؤرخ الزياني يذكر في مؤلفه «البستان» أن عدد القلاع التي بناها إسماعيل بالمغرب ستا وسبعين قلعة مازالت قائمة بآفاقه.

كانت هناك في كل قصبة حامية من جيش العبيد غالبًا يتراوح عدد أفرادها بين 400 و3000 رجل معهم عتادهم وخيلهم وأسرهم، وكان القائد في كل قصبة مسئولا عن منطقة حراسته، فإذا وقع شيء في ترابه عاقب عليه قائد القلعة!

وقد ورث الاستعمار الفرنسي لاحقا القصبات، واستفاد منها، منطلقا من قصبة إلى أخرى، لاحتلال البلاد. فقصبة تادلة مثالا عند مفترق الطريق بين فاس ومراكش، والتي أمر ببنائها مولاي إسماعيل، وأقام فيها نجله مع 3000 جندي من جيوش البخاري، بقصد حراسة قنطرة عبور موكب السلطان على نهر أم الربيع، استرعى موقعها انتباه السلطات الفرنسية، فاتخذتها قاعدة عسكرية للاستيلاء على باقي الإقليم، وكانت منطلقا خلال فترة الاستعمار الفرنسي في إخضاع قبائل الأطلسي الجبلية، ومن هذه القصبة بالتحديد تم التصدي للانتفاضة القبلية لبني ملال يوم 15 مايو 1915، قبل أن تزحف منها الجيوش الفرنسية لاحتلال بني ملال في العام التالي.

كان من دور القصبات أن تتذكر القبائل دائمًا وجود المخزن، ووجوب أداء الزكاة، والالتزام بدفعها مباشرة لجيش العبيد المرابط بتلك القصبات، مثلما كان واجبها السهر على توفير الخيل وما يلزم لها، مما جعل زمن عمارة القصبات يتزامن مع فترة من الأمان، فتخرج المرأة وينطلق الذِمِّي من وجدة إلى وادي نون فلا يوجد من يسألهما من أين وإلى أين.

ندخل ونخرج من باب القصبة وله ضلفتان. الضلفة الواحدة العملاقة لها أخرى أصغر، تكفي للبشر، ولجنا البوابة إلى القصر الذي يلخص عمارة ذلك العصر. كلُّ شيءٍ فيه فسيح، مريح للبصر والبصيرة. لاتزال الساعة الشمسية تخبرنا الوقت بدقة متناهية بعد قرون من وضعها. هنا لا تكذب الشمسُ ولا يحيد ظلها عن الحق. غير بعيد من قصبة مولاي إسماعيل، توقفنا أمام قبة السفراء. بناءٌ صغير محكمٌ، مثل كوخ عملاق، رأسه أخضر، وله على الجانبين جوسقان للحراسة. على اللافتة قرأت ما هو مدون على سطرين: «قبة السفراء شيدها السلطان المولى إسماعيل في أواخر القرن السابع عشر الميلادي».

هنا كان السلطان مولاي إسماعيل - الذي ازدهرت دولته أيما ازدهار - يستقبل سفراء العالم إلى مملكته، وربما لم يكن هؤلاء على علم بأنهم مستقبلون فوق أضخم سجون العالم، إذ على بعد أمتار قليلة قرب عمال يرممون المكان قادتنا الخطا إلى بوابة مستوية مع الفناء كفتحة بئر تفضي لباطن الأرض!

سبقنا دليلانا، وتبعني زميلي، وتوزعت السلالم على محطتين، قبل أن نغوص في محيط من الظلام، رغم أننا في قلب النهار. لم تضئ الخطوات سوى مصابيح شحيحة الضوء. قيل لنا إن السجن الذي كان يضم الآلاف من الخارجين على قانون السلطان مولاي إسماعيل ممتد إلى ما لا نهاية، وإن السلطات الحالية اضطرت إلى إقامة موانع غالقة به كي لا يتوه زواره فيه. كان الضوء يصلنا من المصابيح، ومن كوات في الأسقف مغطاة بالزجاج. قلت متأملا المكان ذا الأعمدة العملاقة والأسقف البعيدة والأقواس الشاهقة: لو حولت المؤسسة المغربية الأثرية هذا المكان إلى مزار، ونقلت الضيوف فيه عبر قطار داخلي يمضي بين أول المكان وآخره، ومنحت رخصا للمعارض التشكيلية والمتاحف التاريخية ومحلات للفنانين ومقامات للحرفيين، لأصبح لمكناس شقيقة تحت الأرض، لا تقل إمتاعًا.

طريقٌ ورفيقٌ

على مدى أكثر من خمسين عامًا، وفي أكثر من ألف رحلة ورحلة، رافقت بعثات «العربي» في قارات العالم مجموعات من الأدلاء، من كل الأجناس، والجنسيات، والألسن. دليل يتوسط بين الرَّحالة العربي، وبين لغة قد تكون مجرد لهجة محكية، أو يستأذن لك حين ترغب في صورة غلاف من بين ستمائة غلاف ظهرت على وجه «العربي»، أو يقودك إلى لقاء مسئول، أو يدلك على بيت عائلة بسيطة أو أسرة موسرة هناك.

في كل مدينة كان هناك دليلٌ أو أكثر، أتذكر في أحمد آباد بالهند دليلنا «رزاق»، وفي بكين «ميا»، وشمال الصين بشينجيامج القشغري «محمد عزت»، وفي بيشيلية الإيطالية «جوليا»، وفي استنبول «سميرة»، وفي أنقرة «حسن«، وفي قازان عاصمة تتارستان بالاتحاد الروسي «ليليا ورينات ورئيسة خانوم» وفي مدن برلين وبون وميونخ وفرانكفورت وهامبورج ودورتموند وكولن الألمانية طائفة من أدلاء ألمان وعرب متجنسون، وفي ورزازات المغربية «أحمد الحساني» و«الجلالي مصطفى»، وفي سيئول «تشوي أبو بكر، وجنان، ويوسف عبدالفتاح»، من بين كثيرين، هذا غير عشرات الأسماء الأخرى من الأصدقاء في مدن عربية وغربية يضيق المقام لذكرهم.

كان سجن اللغة له مفتاح وحيدٌ مع الأدلاء؛ وعلى سبيل المثال، ففي مدينة سورات بولاية كوجرات الهندية، كان صاحب ورشة النسيج يحدثنا باللغة الكوجراتية، فيترجم دليلٌ محليٌّ حديثه إلى اللغة الهندية، وينقلُ لنا دليلنا الحوار بالإنجليزية، لنحكي القصة لقراء «العربي» بلغتنا الجميلة!

من الطريف أننا نعودُ أحيانا لنكون مع دليل بعثةٍ سبقتنا، كما حدث حينما كان دليلنا في الخرطوم وحولها الإعلامي محمد جبارة، بل والأطرف أن نلتقي مجددًا بعد عشرين عامًا أو يزيد بدليل رحلة سبقت، مثلما التقينا في مسقط رأس الأمير تيمور بمدينة «شهرسبذ» في أوزبكستان بالسيدة «مولودة»، وبين الصورتين عمرٌ كامل!

أتذكر رفاق الدروب، وأدوِّن سردًا لأدلة الرحلات، شكرًا لرفيق رحلتنا الحالية الطويلة من مكناس إلى مرزوكَة في واحة زيز. إذ بعد لقائنا مع الأديب الأريب عبد الرحيم العلام، الذي رتب اجتماعنا بوالي مكناس تافيلالت الدكتور حسن أوريد، وهو في الأصل أستاذ جامعي وروائي، عرَّفنا العلامُ على صديق لهما سيكون دليلنا في الأيام الموالية.

استعددنا للسفر، وكان علينا أن نستأجر سيارة، ولن يؤجر لك مكتبٌ سيارة دون أن توقع على شيك بعدة ملايين من الدراهم! تطوع دليلنا، الذي سيقود السيارة، بالتوقيع، وهكذا وفي شخص واحد هو الناقد والصحفي الدكتور حسن مخافي أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب في مكناس اجتمعت عدة شخصيات: دليلٌ عالم بالمكان الذي ينتمي إليه، وخبير بقيادة السيارة، ومتطوع بدفع تأمينها حتى نعود. فتحية نهديها لأدلاء رحلات «العربي» مرة بعد أخرى، في السنوات الخمسين الماضية، والسنوات الخمسين التالية!

في وداع مكناس

من مكناس بدأنا نتجه شرقا جنوبيا إلى مرزوكة، سنترك الحضر إلى الصحراء، سنترك وادي بوفكران إلى وادي زيز. وفي كل محطة من دروب عجائب المغرب ستكون لنا قصة، وطرفة، ووقفة، في وداع المدينة نستعرض مشاهدها الأثيرة. وهي التي بدأت بثلاثة قرى؛ مكناسة تازة، ومكناسة الزيتون، وتاجرارت. ومكناسة هي القبائل التي قدمت مع إبلها من الشرق واستقرت عند وادي بوفكران الخصب، لتؤسس المدينة.

قرب بوابة القصبة غير بعيد عن القبة والقبو كانت هناك ساحة تذكر زوارها بساحة جامع الفنا في مراكش: راقصون تقليديون، بائعون متجولون، أطباء شعبيون، ونظارة لا ينقطعون.

الزحام ينتقل مع البصر حين نتوجه إلى موقف السيارات، أو لدى باب المدارس، أو في سوق الخضار. والعجيب أنه في قلب السوق يوجد فرصة للمتدربين على «النيشان» بضرب أصابع الطباشير المدرسي، والإصابة تمنحك طلقاتٍ قصديرية للتنشين من جديد.

الطريف أن سور القصبة الإسماعيلية كان يبدو لنا في أكثر من زاوية، ولم لا وقد بلغ طوله 25 كيلومترا بعد الانتهاء من بناء القصبة (بدأ البناء في سنة 1672م). خلف الأسوار أقيمت القصبة فوق أرض القصبة المرينية وما أضافه إليها صاحبها مما اشتراه من أملاك حولها. وبالرغم من شساعة مساحة المدينة السلطانية فلم يكن مهيأ منها للسكن سوى جزء صغير يقع معظمه شمالا، يستعمله السلطان، وكبار رجال المخزن والجند والخدم. ويضم هذا الجزء مجمعًا فخيما عرف باسم «الدار الكبيرة»، وقصر المدرسة، وقصبة هدراش. والدار الكبيرة أول ما أسس مولاي إسماعيل، واستغرق بناؤها ثمانية أعوام.

كانت القصبة تفيض بقصور شتى، ولم يصرف بناء تلك القصور السلطان عن تشييد المساجد الجديدة وترميم القديمة، ويعد جامع الأنوار أحد تلك المساجد التي يقال إنها شيدت من سوارٍ رخامية يقارب عددها المائتين، وصحن بديع الشكل بهي المنظر رحب المتسع بوسطه قبة ارتفعت على أن تقاس بمثال، ولكن ذلك البناء البهي الأوصاف لم يبق منه إلا بابُه!

نخرج من مكناس، وكأن بانتظارنا موكب من أشجار الزيتون يمنة ويسارًا تحيينا، أو تستقبلنا في الطريق الطويلة. نبدأ الارتفاع عن سطح الأرض شيئًا فشيئًا، وينحسر اللون الأخضر تحت عباءات الثلوج، التي تشقها أشجار الأرز. بطاقات سياحية باهرة الألوان، تقول إن للمكان سحره الخاص، وللطرق فتنتها المميزة.

العين على الحاجب!

كلما مررنا بلافتة شرح لنا دليلنا الدكتور حسن مخافي في عبارة موجزة، أو إسهابة مطولة تاريخ المكان، وقد يضيف إليه قصة محلية، أو طرفة لغوية، أو نبذة تاريخية. وبعد خروجنا من مكناس بدأنا بلافتة «الحاجب»، وهي مدينة عاصمة لإقليم يحملُ الاسم نفسه، داخل جهة مكناس تافيلالت.

الحاجبُ مدينة معتدلة المناخ، لكنها في الصيف تعرف درجة حرارة تصل إلى الأربعين. وهي تقطع الطريق الواصل بين سبتة شمالا، والطاووس جنوبًا. وقد تأسست هذه المدينة في عهد السلطان المولى الحسن الأول سنة 1880م، حسبما تدلنا آثار القصبات والقيساريات هنا وهناك، وهي الأبنية التي شكلت بذور المركز الحضري لهذه المنطقة. كانت الأشجار التي تسوِّر طريقنا، والحقول التي نعبرُ بها، والبساتين التي تشد أبصارنا، تدلنا دون مواربة على نهوض الفلاحة في الحاجب. بدأت السيارة طريقا مرتفعا، لأننا نصعد الهضبة التي شيدت فوقها المدينة، ونمت بها أراضيها.

مدينة تجمع خصائص الجبل، وصفات الهضبة، وخواص السهل، مما يجعل الأراضي بمدارها الحضاري فلاحية، ليست فقط لتربية المواشي بل للزراعة البورية والسقوية، مع غنى الحاجب بينابيعها المائية الغنية كعين خادم، وعين مداني، وعين الذهيبة وعين بوتغزاز. ومع تربة صالحة للزراعة، ومطر يهطل سنويا بمعدل أكثر من 500 ملم، وموارد مائية جوفية وسطحية، و146 ألف هكتار من الأرض الصالحة للزراعة، وطرق تصل بالمراكز الاقتصادية الكبرى مثل مدن فاس، والرباط، والدار البيضاء، والقنيطرة، وطنجة، وكثافة الطرق القروية التي تفك عزلة الإنتاج الفلاحي، تعد الفلاحة أهم من نشاطيها الاقتصادي والتجاري على حد سواء.

إفران.. باريس الأطلس!

نعبر تيمحضيت، فيذكر لنا دليلنا شهرتها بجودة الخرفان بها، ومن ير المراعي حول المدينة يدرك السبب. ثم تستقبلنا وجهتنا التالية، وعلى بوابتها أسدان؛ واحد من حجر، وآخر من جليد! هانحن نصل إلى «أورتي»، كما تسمى قديمًا، ومعناها البستان، أو إلى مدينة «إفران» ومعناها «الكهوف»، نسبة إلى المغارات العديدة حول مرتفعاتها، فهي مدينة الأعالي، التي تعرف الصيف معتدلا، والخريف هادئا، والشتاء ثلجيا، والربيع مزهرًا. لذا يأتيها زوارها على مدار العام، فلهم نصيبٌ مما تعدُ به في كل فصل. دروب إفران المتسعة، وميادينها الفسيحة، وعمارة منازلها بسقوف مائلة وقرميد أحمر، وهواء لا يشوبه ما يعكر صفوه، يجعل منها حسب الدارج هنا باريس الصغيرة.

الأثرياء والأوربيون يتخذون منها مصايفهم ومشاتيهم، فالغابات الكثيفة، والبحيرات الطبيعية، والمزالج الثلجية، والتميز المعماري، والفولكلور الأطلسي، يؤهلها لتكون مستجما (وصل عدد الأسرة الفندقية على اختلاف مستوياتها أكثر من 1300، تضاف إليها الإيواءات القروية) المنتزه الوطني لمدينة إفران يشغل مساحة تفوق 53 ألف هكتار، يجمع بين السفوح المفتوحة والمرتفعات المكسوة بغابات أشجار الأرز، الأكبر في المغرب، عدا المنابع والوديان والعيون والكهوف. والأسدان اللذان استقبلانا هما إشارتان لأسود الأطلس الحقيقية التي تعيش مع عائلات من المفترسات الأخرى أهمها النمور، ضمن 37 نوعًا من حيوانات الغابات، في محمياتها، أساسها الثدييات، وعلى رأسها القرد «زعطوط» من حيث الوفرة، فضلا عن 142 صنفا من الطيور و33 صنفا من الزواحف والضفادع، وغيرها من الكائنات المائية والفقريات التي تقطن بحيرات وأنهار المنتزه الوطني لإفران.

يقول تقرير سياحي إن المنطقة تعرف الازدهار مع مقبل الصيف، الذي يشكل عامل طرد للسياح بالمدن والمناطق الداخلية، مما يجعل إفران تسجل ارتفاعا ملحوظا في عدد زائريها للإقامة الترفيهية المؤقتة. ويمثل السياح المغاربة، نسبة 58 في المائة بالنسبة لمجموع السياح الوافدين على المدينة ومنطقة الأطلس المتوسط، وأغلبهم من المدن الداخلية وأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أما الأجانب فأغلبهم الفرنسيون والإسبان والإنجليز، إذ ارتفع معدل توافدهم السنة الماضية على التوالي بنسبة 14.76في المائة و48.10 في المائة و215.79 في المائة. ويستحوذ شهر يوليو وحده على 33.54 في المائة من مجموع الليالي المسجلة طيلة أشهر وفصول السنة. أليست إفران باريس الصغيرة؟!

عمارة القصور

في واحات المغرب ما بين سفوح جبال الأطلس وتخوم رمال الصحراء، تنهض عمارة مميزة، عرفت باسم القصور. كنا نمر بهذه القصور ونحن نعجب من أنها لم تطمس حتى اليوم، رغم أنها من الطين!

يقوم القصرُ حارسًا. ففي وسط محيط تندر به الأراضي المزروعة، ويقل فيه الماء، ويتطلب عنصر الأمن، تناط بالقصر مهمة مراقبة وتدبير وحماية مصادر الماء والسدود والسواقي، حيث يستقر هذا البناء العجيب وسط الحقول أو عند عتباتها. قلة الأرض المزروعة حسمت قضية عدم التفريط بها، أو تبذير منتجها، ولذلك كان هناك طلبٌ على الانتشار العمودي للبنايات، عوضا عن الأفقي، مع الالتزام العشائري عند البناء بدعم تقاليد الاحترام والتآخي.

في عمارة القصر أساسيات: سور خارجي، أبوابٌ رئيسية، ساحات عمومية، أزقة ودار للقبيلة، مسجد ومصلى، ومجال للمنازل وملاحقها. وهي بنايات ذات طابق واحد، لا يرتفع عنها إلا أبراج الأسوار المراقبة.

بعد تجاوزنا لباب القصر، الذي بهذا المعنى يعد مدينة مصغرة، نجد البهو الفسيح، ولو عدنا لتاريخ ازدهاره لوجدنا صفوفا من الكراسي على جنبات السور والبهو لاستقبال الأجانب، وجلوس المسنين من القبيلة لتدارس الأمور، والدخول بعد ذلك يكون باتجاه لليمين أو لليسار، حماية لقلب القصر من تيارات الريح الترابية، فضلا عن التأمين ضد الغزاة. تشمل الطرق في القصر محلات للحرف، كما تستغل مضيفة المسجد لاجتماعات المآتم والأفراح، ويلتقي فيها الأطفال والشبان عند المغارب للعب وتبادل الحكايات. وأزقة القصر مسقوفة، حماية من العواصف الرملية، وأشعة الشمس الحارقة، وتيسير مستواها العلوي للسكنى، وبين كل سقيفة وأخرى يغازل ضوء الشمس الظلال، مما يعود العين على الإبصار داخل الظلمة، ويهيئها لاتقاء الضوء الباهر للنور.

انقرضت القصور، تآكلت وظيفتها، وتداعى بنيانها. النمو السريع للسكان، واستبدال مؤسسات إدارة القصور الداخلية بمؤسسات رسمية خارجية، والانفتاح على الأسواق الخارجية بما يتطلبه اقتصادها من نشاط مخالف لطبيعة القصر المنغلقة، والهجرة، والدراسة، ووسائل الإعلام، ودخول السيارات محيط الاستخدام بوفرة، جعل من المستحيل بقاء القصور على حالها ومنوالها.

تعاني القصور اليوم أمرين، الحاجة الماسة إلى الترميم، قبل أن تندثر وتهدم فتطمس، وكذلك التلاعب بتراثها للإبقاء عليها للاستفادة منها للسياحة، كفنادق ومطاعم. وهنا تبدو عدة نماذج مرممة منها بامتياز دليلا حيا على إمكان الاستفادة من هذه العمارة التاريخية لأجيال لاحقة.

الرشيدية

بعد طريق جبلي، رأينا فيه ألوان السماء السبعة، ترسم حكايات خرافية فوق بساط الثلوج الذي يكوِّن عباءات للجبال من حولنا، مررنا بغار زعبل، وعبرنا مضيقا يسمى ثغر الناقة، ربما تسمية القوافل التي سبقتنا مئات السنين، وقد آن لنا أن نستريح. حين ظهرت أنوار بعيدة تمثل خطا شبه هلالي يرسم أفق الليل، عرفنا أننا على مشارف الرشيدية.

مرَّ نهار بارد، وبعده ليلة دافئة، في فندق فسيح، شُيّد على هيئة عمارة القصور، نستيقظ لنجد سيارتنا وقد غطاها الجليد! أفلحت المياه الساخنة التي جلبها عاملُ الفندق في إذابة الجليد، لنبدأ انطلاقتنا في الرشيدية وحولها.

من الوهلة الأولى سيدرك الزائر حداثة المدينة، ويتأكد حين يعرف أنها تأسست عام 1956م. كان اسمها السابق «قصر السوق»، وحسب التكوين الإداري فهي تتكون من أربع جماعات وثماني بلديات وتسع وثلاثين جماعة قروية. ومن بين دوائرها التي سنزورها لاحقا مدينتا أرفود، والريصاني.

حول الرشيدية يعاني القاطنون والمزارعون صعوباتٍ جمة بسبب التقلبات المناخية، والأمطار الثلجية، والصقيع. ليس فقط لخسارة الزرع، ونفوق الماشية، ولكن الأمر قد يصل إلى ضياع الأرواح. ففي مناطق بإقليم الراشدية - خاصة في منطقة الريش، و«آيت هاني»، و«أقضيم»، و«إملشيل» - تتعدد الأضرار من التساقطات الثلجية، مثل شل حركة السير، وانخفاض درجة الحرارة لتصل إلى 11 درجة مئوية تحت الصفر نهارا، و13 درجة مئوية تحت الصفر ليلا!

كانت أضواء سد الحسن الداخل هي دليلنا إلى الرشيدية ليلا، وقد عرفنا أن ارتفاع منسوب المياه وقوة صبيبه بوادي زيز جراء فيضان السد قد تسبب في انجراف الأراضي الفلاحية المشرفة على مجرى النهر وإتلاف محاصيلها. وتعتبر المناطق المجاورة للسد كقصر ازرو, تازوكة ومشقلال أكثر المناطق تضررا, كما طالت الأضرار بعض التجهيزات المائية كقنوات الري والسواقي. وقد وصلت خسائر شهر واحد حسب مصدر محلي إلى جرف وغمر 34 كلم من السواقي، وضياع نفق جوفي و9 خطارات، وتحطم 3750 مترا من الجدران الوقائية، وفقدان 250 هكتارا من الذرة و240 هكتارا من الفصة، وتلف 35000 شجرة زيتون وعشرة آلاف شجرة تفاح، وستة آلاف شجرة نخيل وتسعة آلاف شجرة لوز، فضلا عن نفوق 1552 رأس غنم وماعز!

مركز طارق بن زياد

كانت أخبار الصقيع وأضراره قد جعلتنا نبحث عن وجه إيجابي يزيل الوجوم من فوق الوجوه.

لم يكن هناك أفضل من زيارة مركز طارق بن زياد للأبحاث والدراسات. على باب المركز في الرشيدية (له مقر رئيسي بالرباط)، أتذكر كلمات رئيسه والي مكناس تافيلالت، الدكتور حسن أوريد، في إحدى محاضراته: «خيارات المغرب الثقافية والتعليمية ينبغي لها ألا تُنسِي المغاربة البعدَ الأمازيغي، مثلما ينبغي ألا تكون التوجهات الحالية والتأثيرات الخارجية عاملا لنسيان البعد العربي».

لا يعد هذا المركز بوتقة للبحث الأمازيغي والصحراوي وحسب، بل أرضا خصبة للبحث في المغرب بأكمله، يتضح ذلك مع تصفح العناوين، التي تصدر عنه، مثل «تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة»، و«السلوك الاجتماعي والسياسي للنخبة المحلية»، و«جذور بعض مظاهر الحضارة الأمازيغية خلال عصور ما قبل التاريخ»، وغيرها العشرات من الإصدارات بالعربية والفرنسية خلال أكثر من عقدٍ كامل. حتى أن من بين الإصدارات قرصاً مدمجا لتسجيلات أغاني الأطلس المتوسط يضم مختارات من روائع التراث الغنائي للأطلس المتوسط.

جُلُّ قوام مكتبة المركز النوعية إهداءاتٌ من باحثين مغاربة وأوربيين. المكان طابقان لهما حوش واسع تطل عليه الغرف الأرضية، وتشرف عليه المقاطن العلوية. حرص المسئول الذي يصحبنا على فتح كل غرفة لنا. لمسة وفاء من أوريد لمحناها حين رأيناه يخصص غرفتين للأبحاث باسم زميليْ دراسة له توفيا يافعين! يعد المركز نفسه ليقوم بدور تنويري، ليس في التدريب وحسب، بل إن في طابقه الثاني غرفا لاستضافة ومبيت الباحثين، عودًا على بدء التعليم الذي وفرته المراكز التنويرية في عصور الازدهار، ولايزال العمل جاريا على عدة أقسام فيه، لعل من أهمها الخيمة التي تستعيد حياة الصحراء.

في الطريق بين الريصاني وأرفود، عرفنا أن البحرُ مرَّ من هنا! صحيحٌ أننا في قلب الصحراء، بعيدًا عن البحر المتوسط، لكن درب العجائب لا يكف عن إدهاشنا. بين الريصاني وأرفود. توقفنا في ورشة نوعية، كان العاملون فيها يقومون بجلب الأسماك والكائنات البحرية المتحجرة منذ ملايين السنين حين كان البحرُ يغمر المكان، قبل أن ينحسر إلى حيث يهدأ الآن. إنهم يبيعون قلب البحر في قلب الصحراء!

سجلماسة البائدة

في مواجهة بوابة مدينة الريصاني، ندخل إلى أطلال سجلماسة؛ ثاني مدينة إسلامية تشيد بالمغرب الإسلامي بعد مدينة القيروان وعاصمة أول دولة مستقلة في المغرب العربي. أسست إمارة بني مدرار المدينة سنة 140هـ الموافق للعام 757م. هذا الموقع للمدينة جعلها درة العقد في التجارة بين الشمال والجنوب والشرق والمغرب، وارتبط اسمها في التواريخ العربية المدونة، بتجارة الذهب. الازدهار الاقتصادي ورَّث المنطقة نفوذا سياسيا، فبسطت حكمها ليغطي وادي درعة، وأغمات، وأحواز فاس، قبل أن تصبح من بين أقاليم الإمبراطوريات والممالك المغرب العربية.

لم يُبقِ الدَّهْرُ من سِجلماسة إلا الأطلال، فأخذنا نستفتي مؤرخين وموسوعات في تاريخ المدينة البائدة.

وضع أبو القاسم سمكو بن واسول المدراري الصفري، زعيم وقائد خوارج مكناسة الصفرية أساسات الدولة في سجلماسة، ولكنه جعل أول حكامها عيسى بن يزيد الأسود، كي يتَجَنبَ الصراع بين مختلف الفصائل المكناسية. والتي أبدت رغبتها في السلطة، ويرسخ مبدأ المساواة بين كل المسلمين وأحقية كل واحد منهم ليكون حاكماً مهما كان جنسه أو لونه، فضلا عن الكثافة السكانية العالية للعنصر الأفريقي بسجلماسة في ذلك الوقت، خاصة إذا علمنا أن معظم قبائل مكناسة لم تستقر بعد بالمنطقة خلال هذه الفترة التأسيسية، بالإضافة لسبب اقتصادي بحت وهو جذب وتشجيع تجارة القوافل مع أفريقيا جنوب الصحراء.

بويع عيسى بن يزيد الأسود من قبل كل سكان سجلماسة وحكمها فترة 15 سنة حتى العام 772م، قام خلالها بعدة إنجازات منها تنظيم قنوات الري، تشييد الحدائق والبساتين، توطين قبائل الرحل. ومع وصول القبائل المكناسية إلى سجلماسة قتِل عيسى بن يزيد الأسود وبويع أبو القاسم سمكو. وتحت حكم الدولة المرابطية الساعية لتوحيد المغرب، بدأ التحكم بالمراكز التجارية المهمة حتى تتمكن من تحمل نفقات تحركاتها العسكرية. كانت سجلماسة من بين المراكز الأولى التي طبقت عليها هذه الخطة. وقد عرفت المدينة مع السيطرة المرابطية نمواً كبيراً ارتبط أساساً بتجارة القوافل التي كان المرابطون يتحكمون في مختلف محطاتها وطرقها.

شكلت سجلماسة قلب شبكة الاقتصاد المالي للدولة بعد سيطرتها المباشرة على أهم مراكز جنوب الصحراء مثل تمبكتو وأوداجست. ومنذ استيلائهم على سجلماسة سنة 450هـ/ 1045م ولمدة 30سنة والمرابطون يضربون نقودهم بسجلماسة فقط وتحت اسم أبو بكر وحده، ثم أخذت بعد وفاته تسك بمراكش، وأغمات، وفاس، وتلمسان، والأندلس. من بين 77 عملة مرابطية الموجودة بالمكتبة الوطنية بباريس ينتمي نحو نصفها أي 31 ديناراً إلى دار السكّة السجلماسية. كان هذا الدور الاقتصادي البارز وراء جعل الموحدين من سجلماسة هدفًا أول في مخططهم السياسي (1139م -1145م). وفي عهد المرينيين (1255م - 1393م) ظلت سجلماسة من كبريات مدن المغرب، لكن دورها التجاري المهم تقلص بعد تحول الطرق التجارية نحو المحيط الأطلسي، وسيطرة قبائل بني معقل على أهم المحاور والمراكز القوافلية، وأيضاً إعطاء الأسبقية من طرف الدولة المرينية للطريق الغربي، وانشغال حكام بني مرين في مواجهة المشكلات السياسية والعسكرية الناتجة عن الزحف المسيحي نحو الأندلس وعن الصراعات الداخلية المختلفة والكثيرة.

الضرائب الثقيلة المتنوعة والصراعات القبلية، كانت سببا وراء تدهور واندثار سجلماسة مع نهاية الدولة المرينية نحو العام 1393م، وبذلك غابت عن الساحة التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل وغابت أيضا عن الكتابات التاريخية اللاحقة بشكل شبه تام. هذا وقد زارها الرحالة العربي المشهور ابن بطوطة في النصف الثاني من حكم الدولة المرينية لسجلماسة وتحديدا في خريف عام 1351م قادما من فاس.

تكوَّن النسيج الديموجرافي لسجلماسة (الذي أورثته للمنطقة التي نزورها اليوم)، من الأمازيغ، وهم ثلاث مجموعات، زناتة، وتشمل قبائل مكناسة التي يرجع إليها الفضل في تأسيس سجلماسة، وصنهاجة التي تعد العنصر الأكبر كثافة بالمنطقة وعرف معظمها الاستقرار مع سيطرة المرابطين على سجلماسة بزعامة أبي بكر بن عمر اللمتوني ويوسف بن تاشفين سنة 1054م، ومصمودة التي استقرت في الغالب مع تحكم الموحدين في سجلماسة ما بين سنتي 1139م و1145م وكانت القبائل المصمودية بالرغم من قلة عدد أفرادها تبسط نفوذها على دواليب التجارة والجيش والقضاء والإدارة. كما استقر العرب بسجلماسة بداية من عهد الفتوحات الإسلامية خلال النصف الثاني من القرن السابع الميلادي وهي الفئة التي يعود إليها الفضل في نشر تعاليم الدين الإسلامي بالمنطقة، ومن العرب قبيلتا «بني هلال» و«بني معقل» اللتان بدأتا رحالتين، قبل أن تستقرا في المنطقة.

من العرب أيضا الشرفاء الذين لم يظهروا بالمنطقة حسب أغلب المصادر التاريخية إلا خلال النصف الثاني من القرن الـ 13م عندما وصل إلى سجلماسة المولى الحسن الداخل جد الأسرة العلوية سنة 1265م فاستقر بالمدينة وخلف بها ذريته التي استطاعت توحيد المغرب العربي تحت رايتها ابتداءً من النصف الثاني من القرن الـ 17م.

ضمن ذلك الزخم الكوزموبوليتاني للمدينة عاش بها الأندلسيون (تشير مصادر تاريخية إلى أنهم ساهموا في تشييدها)، والأفارقة الذين قدموا إلى المنطقة عن طريق تجارة القوافل، وأهل الذمة الذين ساهموا في الإنعاش الاقتصادي للمنطقة وخاصة في مجالات التجارة وسك العملة والنسيج والصناعة الجلدية، والحراثون وهم فئة ملونة تميل بشرتها إلى السواد، أصلها غير معروف بدقة وربما تكون بقايا الأجناس البشرية الأفريقية القديمة من الجيتول أو النوميديين أو الأثيوبيين. في فترة ازدهار التجارة مع سجلماسة وعبرها، كانت هناك طرق تجارية، وكان الطريق يقاس آنذاك بالمرحلة ويُعتمد في ذلك على عدد الآبار بشكل أساسي، فعرفت الطرق من سجلماسة إلى تاغزة (20مرحلة)، وإلى أودغشت (51 مرحلة)، وأوليل (60 مرحلة)، وغانة/كاو (61 مرحلة)، وبلاد التكرور (90 مرحلة).

كانت صادرات سجلماسة قمحاً وتمراً وعنباً وملحاً، ونسيجاً وحلياً وفخاراً وجلداً ومواد خشبية، ومواد التجميل والتوابل من حناء وكحول وكمون وقرنفل، ومواد علمية من كتب ومخطوطات. أما الواردات فهي متنوعة ومن أهمها ذهب غانا، جلد اللمط وريش النعام من أودغشت، حرير المشرق والفخار الأندلسي، وغير ذلك. ومن الأمثلة على مكانة سجلماسة التجارية في ذلك الوقت أن أمويي الأندلس كانوا يقبلون على منتوجات المغرب خاصة ذهب الصحراء عن طريق سبتة وفاس وسجلماسة حتى أن الدنانير الذهبية الأندلسية كانت تضرب باسم الأمويين في مدن مثل نكور وفاس وسجلماسة وقد اكتشفت مجموعة مهمة من هذه الدنانير الأموية التي يعود تاريخ سكها إلى نهاية القرن الرابع الهجري / نهاية القرن التاسع الميلادي وبداية القرن العاشر بمدينة العقبة بالأردن في أبريل من سنة 1992م وكان من بينها 29 مسكوكة من أصل 32 ضربت بسجلماسة، ورواج نقود سجلماسة في العقبة يوضح لنا مكانتها التجارية حتى بين الأصقاع البعيدة نسبيا عنها. وكذلك فإن نصف مبالغ جبايات الفاطميين (أي نحو 400 ألف دينار) كان يُتوصّل إليه عن طريق سجلماسة.

قرية مهجورة، وعين زرقاء!

لا أعتقدُ أن أحدًا عاش في قرية كاملة بمفرده، إلا أن تكون مكانا في خيال سينمائي أو مخيلة روائي. لكن دروب عجائب المغرب تفضي بك للخيال وتذكي لدي المخيلة بلا مقدمات. قال حسن مخافي، والسيارة تعبر طرقا طينية بصعوبة: لو عرف أصحاب السيارة وعورة الطريق ما أجَّروها لنا!

كان دليلنا يمضي وكأن هناك بوصلة تقوده. في أقل من ساعة وصلنا إلى قرية يعرفونها محليًّا باسم «من لا يخاف»، وصفا لقاطن وحيد بها، يأتيها من حين لآخر، اسمه عبدالرحمن. تجولنا بحرية، في القرية التي خلت من أهلها تمامًا. لاتزال بئر المسجد المضاء بالكهرباء تنتظر دلو الزوار. على الأسقف المتجاورة تستطيع أن ترى الدروب الخالية من أهلها. كثير من القرى تشبه «من لا يخاف»، حيث هجرها أصحابها بحثا عن الرزق في مكان آخر. يُنادَى على عبدالرحمن فيأتي، تشبه عيناه وجه ماء الشاي الأخضر الذي يعده لنا، يظل معنا متحدثا حتى يتهادى صوت المؤذن من مسجدٍ غير بعيد، فيلحق بصاحبين له أكملا وضوءهما من النبع الجاري حول القرية. سنتجه بعد ذلك إلى مكان أثير لكل من يزور المنطقة. في الطريق سنتوقف لنشرف على قرية هنا أو هناك، نعرف أنها مأهولة حين نرى دخان الطعام يصعد في سمائها.

لافتة بخط ركيك بالعربية والفرنسية تصف المكان الذي هبطنا إليه بدرج حجري شبه عمودي: المملكة المغربية، وزارة الداخلية، عمالة إقليم الرشيدية، جماعة شرفاء مدغرة، العين الزرقاء لمسكي، واجب الدخول لكل شخص 5 دراهم، أوقات الدخول من الساعة الثامنة صباحًا إلى الساعة السابعة مساء، ملاحظة قرار جماعي رقم 1 بتاريخ 8 سبتمبر 1995، رئيس المجلس الجماعي.

قرب العين الزرقاء، وهي بركة طليت جدرانها باللون الأزرق تأتي ماؤها من كهف لا يبين له قرار، رأينا بضعة محلات للمشغولات التقليدية، من النسيج والفضة والخشب، وغيرها من الخامات. حتى يدعونا مولودي، المطرب الصحراوي، إلى دكانه ومسكنه، ليقدم لنا عرضا خاصا، يشاركه به زميلان له، ويستخدم فيه أحجارا متعددة الأحجام، لتكون مختلفة الإيقاعات والأصداء حين تستقبل قرع العصا. المطرب الشعبي يزور أوربا، يقدم مزيجًا من فنون الغناء في الأطلس. وفي بيته يبيع الأسطوانات، جنبا إلى جنب مع عاديات يعود بعضها إلى تاريخ الاستعمار، من أدوات موسيقية، وأجهزة سمعية، وآلات تصوير، وغيرها.

المهرجان الدولي لموسيقى الصحراء

يذكرني المشهد الحي بالمهرجان الدولي لموسيقى الصحراء الذي يشرف على تنظيمه مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، وهو حدث يشكل مع سواه من مهرجانات واحتفالات تقليدية ركيزة تدعم البنية الثقافية والفنية لمنطقة تافيلالت. الهدف من المهرجان على حد قول مدير المركز الدكتور مصطفى تيليوا هو خلق دينامية ثقافية واقتصادية، لإنعاش الطاقات، وفتح آفاق جديدة أمام سكان المنطقة. يقوم المهرجان على ركيزتين، أولاهما نفض الغبار عن فنون الصحراء الموسيقية، ولفت الانتباه إلى ما تختزنه صحراء تافيلالت وواحاتها من إمكانات طبيعية وبشرية تؤهلها لاستقطاب رءوس الأموال الوطنية والأجنبية.

ها نحن نصل إلى مرزوكة في واحة زيز، حيث يقام المهرجان سنويا، في خاتمة رحلة وادي زيز، عبر طريق العجائب المغربية. تكتنز منطقة تافيلالت برصيد هائل وزخم لا ينقطع من المشهدية البديعة، تتجلى في كثبان مرزوكة التي تعد ملتقى للطبيعة والتاريخ والفن. تبعد مرزوكة عن مدينة الرشيدية نحو 150 كلم، وأقرب مركز حضاري لها هو مدينة الريصاني وتقع على بعد 40 كلم، وخلال أيام المهرجان ولياليه الثلاثة تفدُ الآلاف من هنا وهناك لتعانق التجارب الفنية الثقافية من قارات العالم. هنا تولد من جديد موسيقى الصحراء في فضاء صحراوي خالص. وعلى الكُثبان الرملية توحد الموسيقى العربية والفرنسية وسواهما في لسان عالمي واحد.

على كثبان رمال واحة زيز في مرزوكة نقشتُ اسم «العربي». كأنه توقيع بالوصول إلى مكان وحدت موسيقاه العالم. تكاد السماء بعد الغروب تقترب بنجومها. تكاد الرياح تحمل صوت الموسيقى التي عزفها المشاركون في المهرجان خلال السنوات الماضية، مختلطا بصوت حداء القوافل التي عبرت بين المشرق والمغرب خلال القرون البائدة. غاب المنشدون، وتوقفت القوافل، ودرست المدن، وبقي الإنسان يجدد العهد مع الحياة، ليكون وحده العجيبة الخالدة.

 

أشرف أبو اليزيد 




صورة الغلاف





على كثبان رمال واحة زيز في مرزوكة، بأقصى شرق المملكة المغربية، بوادي زيز، لا تزال رائحة القوافل التي عبرت إلى الشرق باقية، في أزياء تقليدية، وسفينة صحراوية، وشمس يداعبها الغروب قبل أن تعاود رحلتها صباحاً





من بوابات مكناس التاريخية، المدينة التي صنفت في 1996 ضمن قائمة التراث العالمي بناء على الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث الثقافي العالمي باعتبارها تمثل بكيفية مرضية وشاملة النسيج المعماري والحضري لعاصمة مغاربية في القرن السابع عشر





قبة السفراء. كوخ عملاق، رأسه أخضر، وله على الجانبين جوسقان. كتب على اللافتة المفضية له: «قبة السفراء شيدها السلطان المولى إسماعيل في أواخر القرن السابع عشر الميلادي». هنا كان السلطان مولاي إسماعيل ـ الذي ازدهرت دولته أيما ازدهار





قرب بوابة القصبة الإسماعيلية بمكناس، غير بعيد عن القبة كانت هناك ساحة تذكر زوارها بساحة جامع الفنا في مراكش: راقصون تقليديون، بائعون متجولون، أطباء شعبيون، ونظارة لا ينقطعون





بعد عبور بوابة مستوية كفتحة بئر تفضي لباطن الأرض، توزعت السلالم على محطتين، قبل أن نغوص في محيط من الظلام، رغم أننا في قلب النهار. لم تضئ الخطوات سوى مصابيح شحيحة الضوء. قيل لنا إن هذا السجن الذي دخلناه كان يضم الآلاف





الدكتور حسن مخافي، دليل رحلة «العربي» في درب عجائب المغرب (الجالس أقصى اليسار)، متحدثا إلى الأديب عبد الرحيم العلام (بجواره)، ووالي مكناس تفايلالت؛ الدكتور حسن أوريد (في صدر الصورة)، وكاتب الرحلة أشرف أبو اليزيد





الصورة البانورامية لمكناس الجديدة كما تبدو من الطرف الآخر لوادي بوفكران





تقطع مدينة الحاجبُ الطريق الواصل بين سبتة شمالا، والطاووس جنوبًا. تأسست هذه المدينة في عهد السلطان المولى الحسن الأول سنة 1880م، البيوت معظمها تكشف كيف أن الطهو لايزال يستخدم الأفران التقليدية التي تبث رسائلها الدخانية إلى سماء البساتين





عندما يرتفع بنا الطريق لنعبر جبال الأطلس المتوسط، يمد الجليد بساطه على مرمى البصر. رغم ذلك كان الدرب أمامنا خاليا من الجليد، بفضل صيانة الجرافات على مدار اليوم





تفوق مساحة المنتزه الوطني لمدينة إفران 53ألف هكتار، وهو يجمع بين السفوح المفتوحة والمرتفعات المكسوة بغابات أشجار الأرز، وهي الأشجار التي كانت ترحب بنا في أكثر من درب ثلجي مررنا به





في إقليم الرشيدية، نزور العين الزرقاء لمسكي، وهي بركة طليت جدرانها باللون الأزرق يأتي ماؤها من كهف لا يبين له قرار





دروبٌ معمورة، وقصور مهجورة، صورتان لعجائب الطريق إلى واحة زيز. من القصور الخالية قرية يعرفونها محليا باسم «من لا يخاف»، وصفا لقاطن وحيد بها، يأتيها من حين لآخر، في القرية التي خلت من أهلها تماما بعد أن هجروها بحثا عن الرزق في مكان آخر





دروبٌ معمورة، وقصور مهجورة، صورتان لعجائب الطريق إلى واحة زيز. من القصور الخالية قرية يعرفونها محليا باسم «من لا يخاف»، وصفا لقاطن وحيد بها، يأتيها من حين لآخر، في القرية التي خلت من أهلها تماما بعد أن هجروها بحثا عن الرزق في مكان آخر





تسير عجلة الترميم بتؤدة للحفاظ على القصور الطينية وعمارتها النادرة، والصورة لإحدى هذه النتائج التي ترعاها جمعية سجلماسة للثقافة والتنمية والعمل الاجتماعي والمحافظة على التراث والبيئة





في مواجهة بوابة مدينة الريصاني نطل على أطلال سجلماسة؛ ثاني مدينة إسلامية تشيد بالمغرب الإسلامي بعد مدينة القيروان وعاصمة أول دولة مستقلة في المغرب العربي أسستها إمارة بني مدرار سنة 140هجرية وقد جعلها موقعها درة العقد في التجارة





بعد السفر إلى الدار البيضاء، والانتقال إلى الرباط، والوصول لمكناس، اتجهنا صوب الشرق، فمررنا بالحاجب، دخلنا إقليم الرشيدية في ريش، ومنها إلى الرشيدية قلب الإقليم، وبعدها إلى أوفوس وإرفود، ثم الريصاني والعين الزرقاء بمسكي





واجهة قصر الفيضة المرمم، الذي أعيد الاستفادة منه، كمتحف، وساحة للفنون، ومنه التقط المصور سليمان حيدر الرسوم الصغيرة الموزعة على يمين الصفحات لأزياء مغربية





مركز طارق بن زياد للأبحاث والدراسات. على باب المركز في الرشيدية المركز، بوتقة للبحث الأمازيغي والصحراوي، وأرض خصبة للبحث في المغرب بأكمله، وتضم مكتبته إهداءات عالم الأنثروبولوجيا إدوموند بيرنو (1920 - 2004)، والمناضل الوطني عمر بنشمسي (ت 2001)





إعادة إحياء عمارة القصور والقصبات، في المملكة المغربية، وهذا هو مركز الدراسات والبحوث العلوية بمدينة الريصاني





لا يبين من النساء الريفيات في المدن والقرى التي عبرناها إلا الوجوه، فيما ندر، سواء كن في الطريق، أو الأسواق





لا يبين من النساء الريفيات في المدن والقرى التي عبرناها إلا الوجوه، فيما ندر، سواء كن في الطريق، أو الأسواق





في إرفود والريصاني وغيرهما من المدن الصغيرة تجتمع في الأسواق الأغراض جميعاً ومما يباع تلك العاديات القديمة التي خرجت من البيوت المهدمة، لكنها تجد مشترين يقدرون قيمة المشغولات الخشبية والنحاسية التي لا تعترف بالتقادم





بين الريصاني وأرفود توقفنا في ورشة نوعية، كان العاملون فيها يقومون بجلب الأسماك والكائنات البحرية المتحجرة منذ ملايين السنين حين كان البحرُ يغمر المكان، قبل أن ينحسر إلى حيث يهدأ الآن. إنهم يبيعون بقايا البحر في قلب الصحراء





بساط أخضر، وطريق وسط الثلوج، واستراحة في قلب الصحراء، عبرنا درب عجائب المغرب





بين محلات للمشغولات التقليدية، قرب العين الزرقاء، يدعونا مولودي، المطرب الصحراوي، إلى دكانه ومسكنه، ليقدم لنا عرضا خاصاً يشاركه به زميلان له، ويستخدم فيه أحجارا متعددة الأحجام، لتكون مختلفة الإيقاعات والأصداء حين تستقبل قرع العصا