المعلم قبل كل شيء

المعلم قبل كل شيء

لفت انتباهي في العدد (602) يناير 2009م موضوع شائق وجميل يستحق منا الوقوف عنده طويلاً قبل أن ننتقل إلى سواه (اختلاف المهارات والمواهب عند البشر) تطرقت فيه كاتبته (د. ليلى صالح محمود) إلى التنوع البشري في شتى مجالات القدرات العقلية لأفراد المجتمع. وقد جلت قدرة الخالق - تبارك وتعالى- أن نكون بهذه الدرجات المتفاوتة من الاختلاف والتنوع لغاية قد لا نتمكن من إدراكها جميعنا، ولكننا مع ذلك نحقق الغاية التي من أجلها أوجدنا الله.

قال أبو العتاهية:

وَالناسُ بِالناسِ مِن حَضرٍ وَبادِيَةٍ
بَعضٌ لِبَعضٍ وَإِن لَم يَشعُروا خَدَمُ
وَكُلُّ عُضوٍ لِأَمرٍ ما يُمارِسُهُ
لا مَشيَ لِلكَفِّ بَل تَمشي بِكَ القَدَمُ
وَعالَمٌ ظَلَّ فيهِ القَولُ مُختَلِفاً
وَمُحدَثٌ هُوَ مِن رَبٍّ لَهُ القِدَمُ
فَاِذخَر لِنَفسِكَ خَيراً كَي تُسَرَّ بِهِ
فَإِن فَعَلتَ وَإِلّا عادَكَ النَدَمُ

ولي تعليق على هذا الموضوع؛ إلا أني أحصره في الجانب التربوي والتعليمي من الموضوع. التعليم تلك المهنة السامية سمو النجوم والسامقة سموق العلم والمعرفة إنها المهنة التي يعجز اللسان عن وصفها ويقف القلم حائراً في شرحها، تلك المهنة التي يحمل همها ويقوم عليها المعلمون، وأنا هنا أعني المعلم المربي الفاضل العاشق والمحب والمخلص لمهنته القابض على الجمر، وليس المرتزق ذلك الذي اتخذها وسيلة لجمع المال ـ. والصنف الأول هم الذين يستحقون منا أن نجلهم ونقدرهم، إجلالاً وإكراماً لما يقدمونه لنا مصابيح تنير لنا سبل الحياة.

سمات المعلم الكفؤ

تتكون العملية التعليمية من ثلاثة أركان أساسية: المعلم، المنهج، المتعلم. ويشكل المعلم حجر الزاوية التي تستند إليها العملية التعليمية برمتها. فإن أردنا في أوطاننا أن ننهض وأن نلحق بركب الأمم فعلينا بالمعلم، فإذا كان خطأ في الطب يقتل فرداً وخطأ في الهندسة يقتل أفراداً وخطأ في القانون يضيع حقاً، فإن خطأ في التربية يقتل الأمة بكاملها. ولعالمنا المعروف «الأستاذ عبدالله الطيب مقولة يقول فيها: «الجامعة آداب وما عداها فمهن»، ولكن إن أردنا الحق عندي «فالجامعة تربية أولاً وأخيراً».

فإذا قلنا لماذا نحن في المؤخرة دوماً؟ كان الجواب:

1- عدم اهتمامنا بالتربية والتعليم ويتجلى ذلك في عدم اهتمامنا بالمعلم.

2 - تركيز جل اهتمامنا على الكتاب من حيث الشكل وليس المضمون.

فإذا أردنا أن ينصلح حال التربية والتعليم فعلينا أن نركز جل اهتمامنا في المعلم وإعداده بكفاءة متناهية من حيث:

أ - حب المهنة: علينا أن نغرس في المعلم حب التدريس بحيث لا ندع له مجالاً للتفكير في غيره من المهن، فإن لم يكن عقل الدرس وقلبه متعلقين بهذه المهنة فلا حاجة لنا به في هذا المضمار على الإطلاق.

ب - التقنية الحديثة: لابد أن نبذر في المعلم حب البحث ومواكبة التقنية الحديثة لاسيما تلك التقنيات المتجددة والمرتبطة بوسائل التعليم الحديث.

ج - التعليم والتثقيف الذاتي: لنعد ونخرّج معلماً عالي الكفاءة يجب علينا أن نمكن لعملية حب المعرفة لاسيما الجديد والمستحدث منها لتكون حافزاً للمعلم تدفعه إلى بذل المزيد من الجهد لتعليم نفسه بنفسه وألا يقف عند حد الشهادة التي منحت له.

د - النشاطات التربوية والفنية: هناك خطأ فادح يقع فيه كثير من المعلمين الذين يقومون بتقسيم المواد الدراسية على أساس الأهمية، فيجعل المواد العلمية في المقدمة بينما يضع المواد الأدبية في درجة أقل ثم يعمد إلى مواد التربية الفنية والرياضية والفلاحة.. فيجعلها في الدرك الأسفل من سلم التعليم. ومثل هذا خطأ لا يغتفر ولا يقع فيه معلم كفؤ معد بشكل جيد وممتاز. وتعد تلك المواد عاملاً رئيسياً وأساسياً يساهم بصورة فعالة في بناء شخصية المعلم الخلاق المبدع والمبتكر؛ لذلك يفضل أن يأخذ المعلم منها أكبر جرعة ممكنة حتى يتمكن من غرسها في تلاميذه فيما بعد.

هـ - النظام والترتيب: تعد من أبرز السمات التي على المعلم أن يتميز بها (ففاقد الشيء لا يعطيه)، مما سينعكس على التلميذ بشكل إيجابي في جميع سلوكه في الحياة العامة.

و - حب المعرفة: كل معلم لا يتمتع بقدر عال من حب العلم والمعرفة على وزارة التربية والتعليم أن تسارع إلى تقويم هذا الاعوجاج في شخصيته أو التخلص منه.

ز - علم النفس: كلما كانت الجرعة التي يتلقاها المعلم من هذا العلم عالية, خاصة الجانب التطبيقي منه (علم النفس التطبيقي)؛ تميزت شخصيته بقدر عالٍ من السواء والاتزان، مما يساعده في فهم سلوك الآخرين وتقويمه ليتوافق ويتفق مع البيئة المحيطة (المدرسة) والحياة فيما بعد.

ح - اكتشاف المواهب والقدرات: النقطة السابقة تعمل على إعطاء المعلم قدرة فائقة في مجال اكتشاف ذوي المواهب والمبدعين وأصحاب القدرات العقلية المتميزة؛ مما سيفيد التلاميذ وينعكس بشكل إيجابي على المجتمع بكامله.

د. حسن محمد أحمد محمد
سوداني مقيم بالسعودية
محافظة بلقرن مدينة سبت العلاية.