الواقعية السحرية في الفن

الواقعية السحرية في الفن

إن الفن... الشعر أو التشكيل أو الدراما، كما يقول الشاعر «ولتر دي لامار» هو تحويل ما هو واقع إلى سحر وتحويل السحري إلى واقع ملموس . ذلك أننا نحس خلف الأصوات الأولى الأزلية أصواتا أبعد غورا وأكثر حكمة، أصواتا هي لغة الأسطورة، لغة الحكاية الخرافية، أصواتا هى أحلام وهي رموز في وقت معا.

الواقعية الحالمة الشاعرية أو الحلم المرسوم واقعيا واللؤلؤة المجهولة في قلب المحارة في موجتي محاورة إبداع مضفورة في ثنائية من الواقع ومن الترقب.

القدرة على التعامل وبحرية بألوان الزيت وبالباستيل لموديلات حية في إضاءة باهرة مع الالتزام بالظلال بكل أشكالها . ولا تقوى هذه الظلال مع ذلك إلا على تكثيف الحضور المتألق للمفردات التشكيلية المضواة بتفاصيلها, مفردات تائهة هائمة وعيون مبهمة النظرة في تكوينات واقعية وألوان تجمع كل صفات الباستيل والزيت مع تأكيدات على الملامس والكثافات اللونية.

الألوان سائلة مذابة في إضاءة فضية، والظلال درجات أكثر كثافة من الألوان نفسها، لون الشعر فقط أسود صريح مصري, هو لون أساسي مع الأحمر الوردي أو القرمزي، وهما لونان أساسيان على «بالتة المصور المصرى القديم» تتميز بها اللوحات الزيتية بالإضافة إلى الأزرق بأنواعه ودرجاته والـ «أوكر» الذي يتحول إلى ذهبي في ضوء الشمس، الظلال تتحاور مع الألوان نفسها التي اشتقت منها، حتى في داخل الأماكن المغلقة، تتبدى كظلال مياه النيل تحت انعكاسات الضوء.

البدايات باستخدام خامات الرصاص أو الفحم، اسكتشات متعددة وهي مرحلة تحضيرية لحين الاستقرار على التكوين والبناء وتوزيع الشكل داخل المساحة.. أو تكون بألوان الباستيل على أوراق ملونة. ثم يتم العمل بالألوان الزيتية على توال.

استخدام الألوان الزيتية يتنوع ما بين ألوان سميكة الملمس أو سائلة بفرشاة عريضة منطلقة، ويتنقل ما بين الشفافية والعتمة التي تغطى ما تحتها وتضاف إلى السطح أو تحذف منه في محاولات للوصول إلى التناغم عن طريق تنويع الملامس.

«الروح هي الشكل، هى كل ما يشكله تشكل الجسد». اختيار الموديل يعتمد أولا على القبول النفسي للشخصية وللشكل حيث إن للموديل دوراً كبيراً، فهي المصدر أو الأساس الذي يشيّد عليه العمل.

«إن ما هو غير مرئي لابد أن يتم فهمه بواسطة ماهو مرئي».

تختبئ تحت سطح الملامح انفعالات وحالات نفسية متغيرة، وكل عمل هو نتاج لتفاعلي مع أحد هذه الانفعالات.

ونجاح العمل الفني (اللوحة) يعتمد على مدى نفاذ هذا التأثير غير المرئي ووصوله إلى المتلقي، حيث يسيطر على مشاعره وكيانه النفسي من خلال ملامح الموديل واستقرار واتزان وبناء العمل الفني. وتؤكده المجموعة اللونية المستخدمة والتي لا يمكنني تجاهل دورها الإيجابي في تكثيف الحالات النفسية في لوحاتي.

ويمكننى هنا مقارنة التأثير الناتج عن الأعمال بالشعر الذي لايمكن حصره داخل حدود التشكيل.

«التصوير هو شعر أبكم على حين أن الشعر هو تصوير ناطق».

فوق الحياة

إن ما هو جوهري في عمل فني ما، هو أنه لابد له من أن يرتفع ارتفاعاً بعيداً فوق عالم الحياة الشخصية وأن يتحدث نابعا من روح ومن قلب الفنان بصفته إنسانا إلى روح وقلب البشرية.

وقد يتم استخدام الموديل في أكثر من لوحة، وفي كل مرة نجد اختلاف التأثير والشكل حيث إن هذه الموجات النفسية تغير من ملامح الموديل نفسها, فنجدها فيزيقيا قد تأثرت من تكثيفي للحالة النفسية في محاولات للتغلب على الشكل أملا في حل ألغازه وبلوغ أسراره الداخلية في سعي دائم لسبر أغوار النفس البشرية.

«لوحات تصدر عن الواقع وعن الطبيعة الحية مباشرة. إنفاق الجهد الزائد في مثابرة تدعو إلى العجب والإعجاب،لاقتناص وهج الألوان المضيئة تحت أشعة قرص الشمس الذهبي مختلطة بضياء أشعة القمر الفضية في نغمات هامسة تشتعل بألوان دافئة تتبدى بها الحوريات لترتبط بالجداريات المصرية القديمة ككاهنة يستغرقها أداء شعائر الإبداع، الشاقة المجهدة في ساحات معبد التصوير الزيتى».

تجاوز الطبيعة

الانطلاق مباشرة من الطبيعة والتقيد بها والرجوع إليها في حالات التحليل وفي حالات التجاوز لها والالتزام الدقيق بتفاصيلها لتصوير حركات الأيدي والأكف والأصابع في كل اللوحات، أما الملابس - حتى الثقيلة منها - فتشف غالباً وتشي، وأحياناً تصف بدقة تفاصيل الأجسام.

صور شعرية من الخيال، بلاغة واستعارات ومجاز، وألوان من المعاني كلغتنا العربية الجميلة.. ويضاف إليها في اللوحات الواقعية والتقنية. سواء كان التكوين في اللوحات طولياً أو عرضياً، أسعى دائماً إلى تحقيق حبكة الشكل العام وهارمونية الدرجات اللونية في محاولة لتجسيد الإحساس الذاتي بالشكل من خلال رؤية خاصة وأحياناً من خلال منظور مختلف، وبعد إنجاز اللوحة أبحث ثانية عن لوحة أخرى لتعبر عن حالة فنية جديدة منبثقة بفضل اللوحة السابقة.

كما تتألق الألوان تألقاً منفرداً، مجموعات لونية تحدث تناغماً، اللون الوردي، والأصفر, الأبيض المشوب بالزرقة أو الأبيض الدافىء مع درجات الأزرق الهامسة المتباينة... تنطق جميعا بتذوق نسائي وتوحي للتأمل في قضية المرأة كفنانة، وتوحد تناقضات جوهر وجودها النفسي والإبداعي، فرؤية المرأة تختلف وتنسجم بالرغم من تفردها، فتتوحد الرقة المتناهية في معادلة صعبة مع قوة البناء، والجهد والتقنية.

 

هند عدنان 




 





الفتاة ذات الخمار. محاولة لإظهار الروح من خلال الشكل





فتاة جالسة.. اقتناص الألوان المضيئة تحت أشعة الشمس مختلطة بضياء القمر





كل لوحة تنبثق منها لوحة فنية أخرى