رحل الطيب صالح إلى هجرة الخلود

رحل الطيب صالح إلى هجرة الخلود

روائي عربي كبير، ولد في شمال السودان وعاش طفولته وشبابه هناك، ثم انتقل إلى الخرطوم العاصمة وحصل على بكالوريوس في العلوم .. ترك مجال تخصّصه في دراساته العليا عند دخوله جامعة لندن، فدرس الشئون الدولية، وعمل في هيئة الإذاعة البريطانية القسم العربي مشرفاً على قسم الدراما، وذلك لدعم تكاليف الدراسة والحياة.

عاد الطيب صالح إلى السودان، فعمل في الإذاعة السودانية، ثم غادر إلى دولة قطر وعمل فيها وكيلا لوزارة الإعلام ومشرفاً على أعمال الوزارة، وطوّر المراكز الثقافية التابعة للوزارة.

الطيب محمد صالح أحمد، وهذا هو اسمه الكامل ولد سنة 1348 هـ 1929م.

يُعد الطيب صالح من الروائيين المبدعين واكتسب ثقافات عربية وغربية.

كتب الطيب صالح القصة القصيرة والرواية الطويلة، وكانت أول قصة قصيرة نُشرت له هي «نخلة على الجدول» سنة 1953، ثم أصدر رائعته «عرس الزين»، واختار نماذج إنسانية في تلك الروايات، اختارها من شمال السودان ليعرض أزمات الأفراد والمجتمعات وتقلب ضمائرهم وإيمانهم بعقائدهم الموروثة وتفسيرهم لمحدثات الدهر وعن غاية الحياة، وترجمت معظم أعمال الطيب صالح إلى لغات أوربية، وتطرق في كتاباته إلى السياسة وما يتعلق بالاستعمار والمجتمع العربي، وعندما أقام في إنجلترا أخذ يكتب عن اختلاف الحضارات خاصة الغربية والشرقية.قصصه القصيرة جاءت بمرتبة أعمال جبران خليل جبران وطه حسين ونجيب محفوظ. أعماله ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، خاصة «موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» التي صورها الفنان المبدع المخرج الكويتي خالد الصديق، في فيلم عرض في سنة 1974 من القرن الماضي وفاز في مهرجان «كان».

ومن أعمال الطيب صالح التي تفتحت على الآفاق الثقافية العالمية «ضوّ البيت» و «دومة ود حامد» و«منسي» ورائعته «موسم الهجرة إلى الشمال» هي واحدة من أفضل مائة رواية في العالم. وحصلت على العديد من الجوائز وقد نشرها الطيب في أواخر الستينيات من القرن الماضي في بيروت.

وأعطي صفة عبقري الأدب العربي في عام 2001 من الأكاديمية العربية في دمشق، واعتبرت رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» أفضل الروايات في القرن العشرين.

الطيب وعلاقته بالسينما

أجرت مجلة العربي له حوارين، الأول في العدد رقم 428 شهر يوليو 1994، والثاني في العدد 560 شهر يوليو 2005، سُئل الطيب صالح في الحوار الأول عن علاقته بالسينما، وكان جوابه:

علاقتي بالسينما كروائي إنني أولاً مشاهد ومتابع، للمتميز من الأفلام واعتبر نفسي مشاهداً غير عادي.

ما الذي كان يبحث عنه المشاهد العادي في السينما عن المتعة؟ فأنا أزيده في أنني أتتبع النشاط السينمائي فناً قائما بذاته، ويهمني أن ألاحظ مزايا مدارس هذا الفن وإنجازاته، وأعجب بإبداعات السينمائيين الكبار في كل أنحاء العالم.

أما علاقتي الشخصية بالسينما أقصد علاقتي بالروائية فلا تزيد على إحدى رواياتي وهي «عرس الزين» قد حُولت إلى فيلم سينمائي على يد المخرج الكويتي خالد الصديق، ولكني أرى أن ثمة علاقة واجبة بين مختلف أشكال الفن وفروعه، ومن المفترض أن تنفتح الفنون على بعضها، ثم إني أرى في وسائل الاتصال الجماهيرية وفنونها والسينما والتلفزيون تعزيزا للإنتاج الروائي، فهي تنقل الرواية من حيّز الورق إلى حيز الصورة المجسّدة، حيث يراها أكبر عدد من الجمهور وخصوصاً الجمهور الواسع الذي لم يعتد قراءة الكتب في حياته اليومية، وهذا مكسب في مصلحة الرواية.

أما قضية المطابقة أو عدم المطابقة بين الأفلام وأصولها الروائية، فأعتقد أن علينا أن ندع هذا الأمر للعاملين في ميدان السينما، ولمدى حساسيتهم وإدراكهم للعلاقات الحميمة بين الأدب والسينما, ولو نظرنا إلى ما يجري في عالم اليوم لرأينا أن السينما والتلفزيون يعيشان على الإنتاج الروائي بالدرجة الأولى ويقدمان من خلاله أبرز إبداعاتهما الدرامية، والأمر لا يتعلق بالإنتاج الروائي المعاصر والحديث فحسب، بل يمتد ليشمل عيون الإنتاج الكلاسيكي إنْ هي في الرواية أم في المسرح، ولكن إذا تساءلنا: هل نقلت هذه الأعمال الروائية إلى السينما كما يريد الكاتب؟ أم أن السينما غيرت وبدلت في هذا العمل أو ذاك ؟ فتلك في رأيي قضية أخرى هنا لابد من الاعتراف، وهذا هو رأيي الذي أُكرره دائماً بأن لكل وسيلة فنية منطقها الخاص ولغتها المميزة، ولذلك فإن مسئولية الكاتب الروائي تنتهي عند حدود ما كتب بين دفتي روايته. وانتقل المحاور مروان ناصح في مجلة العربي فطرح هذا السؤال على الطيب صالح:

  • نأتي إلى حديث الرواية وأنت معدود بين الروائيين الذين استطاعوا أن يقدموا شيئاً متميزاً في الرواية العربية كيف ترى المشهد الروائي العربي في عقد التسعينيات?

- إنه كما أرى مشهداً عظيماً ولعلني أعد الرواية العربية بين أعظم الإنجازات في الحياة العربية المعاصرة.

وإذا أجرينا مقارنة سريعة بينها من جهة وبين الإنجازات الاقتصادية والسياسية وحتى الإعلامية فسوف نجد كفتها هي الراجحة.

في الكويت كان فيلمه «عرس الزين»، وفيها كتب الأديب فهد الهندال دراسة قيمة وهي رسالته في درجة الماجستير «العالَم الروائي للطيب صالح» من سارد القصة إلى كاتب النص». وفي الكويت كُتبت دراسة وافية حول روايتي «موسم الهجرة إلى الشمال» و«بندر شاه»، ونُشرت في سلسلة حوليات كلية الآداب جامعة الكويت، بعنوان: «رؤية الموت ودلالتها في عالم الطيب صالح الروائي»، للدكتور عبد الرحمن عبد الرءوف الخانجي الأستاذ في قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الملك سعود، دراسة في رؤية الموت ودلالاتها في أدب الطيب صالح .رحل الروائي السوداني العربي صاحب «موسم الهجرة إلى الشمال»، إلى هجرة الخلود في يوم الأربعاء 18 من فبراير 2009 في لندن. ذلك المكان الذي شهد العديد من إبداعاته الثقافية، وله في واجهات الثقافة الكويتية مكانة بارزة خالدة.

 

عبد الله خلف