مساحة ود

 مساحة ود

خرافات الزواج والطلاق

حب فزواج فأولاد، هو المسار الطبيعي للحياة التقليدية. ويحدث أن يواجه بعض الناس صعوبات في هذا المسار، فيقرروا تغييره بحجة تصحيحه وتعديله. فهناك من يقولون إن زواجهم ليس ناجحاً، فيتوقفون عن استكمال المسار ويقررون الطلاق، على أمل أن يتمكنوا من استئناف المسار بشكل جديد بالزواج من شخص جديد.

لكن من ينصت لشكاوى أصدقائه من زوجاتهم يلحظ أن أغلبها معنوي، ولا يتعلق بموضوعات محددة. والمشكلة في المعنويات أن لها القدرة على أن تتحول إلى خرافات وأشباح موضوعات.

فقد عودتنا تربيتنا وثقافتنا العربية على أن نضفي على خطوة الزواج أكثر مما ينبغي من الخرافات. فهو بالنسبة لكل شاب وفتاة يمثل الخطوة النهائية والابتدائية في مسار الحياة.

لكن ربما كان الأفضل أن نعتبر الزواج مجرد خطوة في مسار مستديم للحياة. فإن لم تمنح هذه الخطوة صاحبها كل ما كان يحلم به ويتمناه، فإن ذلك لا يبرر له التوقف بغرض إلغاء هذه الخطوة، وتصور أن بإمكانه بسهولة العودة لتصحيحها بطريقة غير التي كانت.

فحتى لو أحس المتزوج بأنه ليس مستريحاً في زواجه فيجب ألا يكون أول ما يفكر فيه هو تغيير الشريك، فلماذا لايبادر مثلاً إلى التفكير في تغيير نفسه وتغيير توقعاته وتغيير ظروف الحياة المؤثرة في الطرفين، ثم ينظر هل يبقى الشريك على ما هو عليه أم لا؟

بل ربما كان حل تغيير الذات أسهل بكثير من حل تغيير الشريك ومعاودة الارتباط بشريك جديد. وربما كان تغيير الشريك هو مجرد عجز للذات عن التغيير والنمو ومسايرة تطور الحياة. فمسيرة الحياة وانقضاء التوقعات الخيالية التي تحرك جزءاً كبيراً من عملية الزواج في البداية، تغير الزواج بشكل جذري. ومن الطبيعي أن هذا التغيير يحدث فقط بعد الزواج وليس قبله ولذلك لا يمكن التنبؤ به أو توقعه.

إن إحدى مشكلات الثقافة الشعبية العربية أنها تضفي على الزواج أكثر مما تضفي على الحياة نفسها، فتعلمنا أن نعتبر الزواج أهم من الحياة. لكن المسألة ليست بهذا الهول، فالحد الأدنى لحدوث زواج ناجح هو أن يتقبل كل من الشريكين الآخر بحيث يتمكنان من إنجاب أطفال والمضي قدما في الحياة.

وبمجرد مجيء الأطفال يتطور مسار الحياة بشكل كبير، ولا يعود الزوج أو الزوجة هما بطلي مسيرة حياتهما الزوجية بل يصبح الأطفال هم الأطراف الأهم في مسير الحياة.

إن الحياة خطوات متسلسلة ومختلفة في متطلباتها وقد تأتي الخطوات التالية بحلول لمشكلات نشأت في خطوات سابقة. فإن كان في الزواج مشكلة فربما يصلحها مجيء الأطفال وإن كان في الأطفال مشكلة فربما تحل عملية تربيتهم هذه المشكلة، وإن حدثت في التربية مشكلة فربما يعالج هذه المشكلة نضج الأطفال إلى رجال ومسير الحياة بهم وعلاقتهم مع إخوتهم أو أصدقائهم وهكذا.

إذاً ففي الحياة نفسها تكمن كل الحلول لمشكلات الزواج وما بعده، وليس العكس.

يجب عدم اعتبار الزواج بمنزلة الحل النهائي للحياة - ولا حتى الابتدائي. بل في الحياة نفسها تكمن حلولها على ما تولده من مشكلات. وبهذا فإن النجاح في الحياة يتطلب قدراً من قبول الحياة، وذلك بدلاً من محاولة إجبارها على السير وفق خطة أو تصور محدد اكتسبناه في مراحل سابقة من صبا ومراهقة.

لقد أفتى أينشتاين بأن حل أي مشكلة يتم عند الارتقاء إلى مستوى أعلى من مستوى نشوئها. وخطوات الحياة هي سلمنا للوصول إلى مستويات أعلى في كل خطوة تالية، بدل محاولة الرجوع على أعقابنا.

 

أمير الغندور