عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الفن والديمقراطية

تفتح «العربي» صفحاتها في هذا العدد للفن التشكيلي المعاصر في عالمنا العربي، وهي لا تنشر مقالاً نقدياً أو تأريخياً، ولكنها تقدمه من خلال تجارب فنية لثلاثة من الفنانين العرب، من أجيال مختلفة وبيئات متنوعة، لكل واحد منهم تجربته المتميزة، وقد قرروا أن يتركوا التعبير بالريشة مؤقتا، ويعبروا عن أنفسهم بالحروف والكلمات، أي أن كل واحد يقدم أعماله من خلال إطار نظري ويعرض تطوره الفني وعلاقته بالخامة التي يرتكز عليها، فلم يعد الفنان يكتفي بأن يترك اللوحة أو قطعة النحت تعبر عن نفسها، ولكنه يستعين بالحروف ليكشف عن مكامن الإبداع في أعماله، ويدع الكلمات تضيء رؤيتنا للوحته.

ويعرض رئيس التحرير في افتتاحية العدد للتجربة الديمقراطية في الكويت، فقد أسفرت آخر انتخابات شهدتها البلاد عن اختيار مجلس جديد للأمة، وتشكيل حكومة جديدة، لعل الاستقرار يعود للكويت بعد شهور من الفصام والخصام بين السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة والسلطة التشريعية التي يمثلها مجلس الأمة، ويرى رئيس التحرير أن هذه الخلافات كانت طبيعية وجرت كلها في إطار القانون، وهي تعبير عن الديمقراطية الراسخة الجذور في الكويت، فهناك مرجعية يستند إليها الجميع، ويلجأون إليها في كل الأزمات، وهي الدستور الكويتي الذي قارب من العمر نصف قرن إلا عدداً قليلاً من السنوات، ويعد بذلك واحداً من أعرق الدساتير في المنطقة العربية، والوحيد تقريبا الذي لم يطله تعديل أو تحوير لبنوده.

وترحل «العربي» إلى المغرب الشقيق لتكتشف الدروب المؤدية إلى واحاته، فهذه الدروب الضيقة ليست مجرد تضاريس جغرافية ولكنها رمز على سعي الإنسان الدائم لاختراق المجهول، فقد كانت مدقات للرعاة والمزارعين، ثم أصبحت دروباً للتجار والقوافل، ثم مساراً للملوك والسلاطين، وأخيراً مهرباً للمتمردين وخط توغل للمستعمرين، وفي كل مرحلة تتبدل وقائع التاريخ، وقلما تتبدل المسارات، فالجغرافيا تفرض سيطرتها على المكان، ولكن الوقائع تبقى دائما من صنع الإنسان.

وفي هذا العدد أيضا مقال علمي مبسط عن تكنولوجيا النانو، وهي واحدة من أحدث علوم الجزيئات، التي أصبحنا نرى تطبيقاتها في كل مكان. فمنذ سنوات قليلة لاتتعدى أصابع اليد بدأ الاهتمام العربي بهذه التكنولوجيا، وأخذت بعض دولنا تنشئ لها المراكز العلمية المتخصصة، ولكن المقال يكشف أن هذه التكنولوجيا قد بلغت من العمر نصف قرن من الزمان بالكمال والتمام، ونحن في عالمنا العربي لم نسمع عنها ولا عن تطبيقاتها، فأين كنا؟ وأين كان علماؤنا؟ وأين كان وعينا بالعصر والزمن الذي نعيش فيه؟!

وتودع «العربي» في هذا العدد واحداً من أجمل الروائيين الذين شهدهم الأدب العربي وهو الأديب السوداني الكبير الطيب صالح الذي غادر عالمنا منذ شهور قليلة بعد أن أعطى الأدب العربي بعداً عالمياً كنا نفتقر إليه، وكان حضوره في الثقافة العربية حضوراً نشطاً ومؤثراً. رحم الله الفقيد.

 

المحرر