معوقات السيرة الذاتية

معوقات السيرة الذاتية

تجعل الباحثة الدكتورة جليلة الطريطر من مفهوم المرجعية السير ذاتية، الإشكالية المركزية، التي استقطبت اهتمامها، بسبب جوهري هو أن كل قضايا السيرة الذاتية، الكلية منها والجزئية، لا يمكن أن تُفهم حق الفهم، ولا أن تحظى بتحليل منهجي قويم، يستوفي ما أمكن شروط الدقة والتعمّق العلميين، ما لم ترتبط هذه القضايا بتعيين نوعية نظام الإحالة في السيرة الذاتية، وإبراز أهم خصائصه. ورغم أهمية هذه الإشكالية، فإن الباحثة قلما وقفت على محاولات نقدية مستفيضة ومعمّقة، اتجه أصحابها إلى توضيح مقومات المرجعية السيرذاتية، وإبراز انعكاساتها على قراءة هذا النوع من الملفوظات وتأويلها، وهو ما حداها على دفع بحثها في هذا المسلك بالذات، وربط النتائج، التي انتهت إليها في القسم النظري بالنهج التطبيقي الذي تبنّته في قراءتها لنصوص السيرة الذاتية العربية، في محاولة لإبراز مدى التناغم والانسجام الكائنين بين المستويين النظري والتطبيقي. وقد محّضت هذا المستوى الأخير للوقوف على أهم الثوابت الفنية والدلالية، التي رشحت بها نصوص المدوّنة السيرذاتية العربية.

حاولت الباحثة ما أمكن أن تتجنب التعسف في التأويل، وأن تحترم طبيعة النصوص التي قامت بمقاربتها. وليست هذه النتائج النظرية، التي بسطت القول فيها في القسم النظري من بحثها إلا ثمرات حرصها على التشبع بالنصوص العربية ومداومتها النظر فيها والإنصات إليها، كان يدفعها إلى مزيد من التعمّق والتوغل في مسالك تحليلية جديدة. وهي ترى أن استنزاف مادة النصوص السيرذاتية، واستكشاف كل كنوزها وخباياها، مأربان لا يمكن بحال بلوغ منتهاهما، لأنهما متجددان بتجدد القراءات المسلطة على هذه النصوص، وبتجدد سياق القراءة ذاته، وكفاءة القراء المعرفية وحساسيتهم الأدبية.

وقد اجتهدت الباحثة في أن تكون النتائج، التي انتهت إليها مبررة تبريرًا كافيًا ومقنعًا، فاعتمدت خطة الربط دائمًا بين الأحكام النقدية العامة التي أثبتتها ومختلف الشواهد، والأدلة النصية المثبتة لمصداقيتها في النصوص المعتمدة. وهي تؤكد أن البحث الذي اضطلعت به ليس في النهاية إلا مقدمة أساسية للبحث في خصوصيات خطاب السيرة الذاتية العربي في مستواه التاريخي المتطور. وذلك أن هذا الخطاب قد شهد اتساعًا في نصوصه، إذ تعددت الكتابات الممثلة له في مختلف البلدان العربية، فضلاً عن تطور أشكالها ومضامينها.

 

جليلة الطريطر