حياة قلقة لملكة غريبة الأطوار كريستينا ملكة السويد

حياة قلقة لملكة غريبة الأطوار كريستينا ملكة السويد

Christina, Queen of Sweden: The Restless life of a European Eccentric

على مدى قرنين من الزمان، شهدت أوربا الشمالية، سلسلة من النساء النبيلات اللاتي تحدّين الأعراف والتقاليد، حاولن أن يعشن حيوات جد مختلفة عن التي رُسمت لهن من قبل، وعادة ما دفعن الثمن، ومن بين هؤلاء: الأميرة صوفيا، أرملة الأمير المنتخب التي كانت سيئة الخلق، كارولين ماتيلدا ملكة الدانمرك، التي كانت تتزيا بزي الرجال، وتؤكد سلطتها بارتدائها بنطالاً جلديًا قصيرًا، وكاترين الكبرى حاكمة روسيا، وتقف على قمتهن الملكة كريستينا ملكة السويد، التي رفضت الزواج وتحوّلت إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، التي كانت محرّمة في السويد.

تتبوأ كريستينا مكانة متفردة، فهي تعد من أكثر الحكام فطنة وعلما في عصرها، وقد باغتت العالم بتخليها عن عرشها في سبيل أن تصبح كاثوليكية رومانية.

كانت سياسية عتيدة، حاولت في أوقات مختلفة - بعد تخليها عن العرش - أن تصبح ملكة لنابلس وبولندا. هي ابنة الملك جوستاف أدولف الثاني، وماريا الينورا، ولدت في استوكهولم للثامن من ديسمبر عام 1626، وطبقًا لأوامر والدها، تلقت تعليمها كأميرة، على يد مدرس خاص وعالم دين لاهوتي هو Johannes Matthiae، كان هناك خمسة من أوصياء العرش، يقف على قمتهم المستشار اكسل زينسترنا Axel Oxenstierna لاعتلاء العرش، بعد وفاة والدها في معركة لودزن Lutzen، التي هزم فيها الهابسبورج عام 1632، أضحت كريستينا الوريث الشرعي الوحيد، والتي أصبحت ملكة منتخبة قبل أن تتم السنوات الست عمرا، وقد علمها اكسل أمور السياسة، وسمح لها بترؤس اجتماعات المجلس عندما بلغت أربعة عشر عاما نظرًا لمخايل النجابة والإرادة القوية اللتين كانت تمتاز بهما.

عندما أدركت سن الرشد، ثمانية عشرة عامًا، توّجت ملكة عام 1644، عارضت اكسل وحدثت بينهما مناوشات حادة، وعلى وجه الأخص، فيما يتعلق بحرب الثلاثين عامًا، بالرغم من معارضة إكسل لها، كانت مهتمة بالثقافة إلى حد بعيد، فقد كانت تنهض من نومها الساعة الخامسة صباحًا لتقرأ، وتدعو المبرزين الأجانب من الكتّاب والموسيقيين والمتبحرين في العلم إلى بلاطها، حتى أن ديكارت ذاته (1596 - 1650) كان من مريديها، بل وعلمها الفلسفة في قصرها بعد أربع سنوات من تبوئها العرش، وقبل أن يموت بست سنوات. كما أن منزلها يحتوي على مجموعة نادرة من اللوحات والتماثيل والصور المرصّعة، مازالت موجودة في مدرسة فينيسا، وأنشأت أكاديمية أركاديا للفلسفة والآداب، والتي لاتزال موجودة حتى الآن في روما، وأسست أول أوبرا عامة في روما، وبلغ سخاؤها حد منح مخصصات التاج، التي لم تكن في حاجة إليها. وتميزت فترة حكمها، مع كونها محسنة فاعلة للخير، بظهور أول صحيفة سويدية عام 1645، وافتتاح أول مدرسة محلية لتعليم العلوم والآداب، وهما المجالان اللذان أولتهما كل عنايتها، وأعطت امتيازات جديدة للمدن والتجارة والصناعة والتعدين، وخطت بكل هذا خطوات جبارة.

تنازلت كريستينا عن العرش، طوعا، بعد عقد من الزمان، فأصيب العالم المسيحي بالصدمة والارتباك، وقد ترافعت بالحجة عن نفسها قائلة: «إنني مريضة وأعباء الحكم مما ينوء به أولو القوة من النساء»، لكن كان السبب الحقيقي، على الرغم من كل هذا، هو عزوفها عن الزواج، وتحولها السري إلى الكاثوليكية الرومانية، وهذا محرّم في السويد.

اختارت ابن عمها، تشارلز جوستاف العاشر، خليفة لها، وعندما نُصّب ملكًا في ذكرى مرور عشر سنوات على تنازلها عن العرش، غادرت كريستينا السويد في التو.

كانت مبذرة متلافة، وعانت صعوبات مالية معظم حياتها، فدخولها المستحقة لها من السويد تأتيها ببطء ، أو ربما لا تصل أبدًا إليها، زارت السويد مرتين في عامي 1660 و 1667، وفي رحلتها الثانية مكثت في هامبورج. عاضدها البابا كلمنت التاسع في محاولتها لاستعادة عرشها وتاجها مرة أخرى من ابن عمها الثاني كاسيمير Casimir، الذي تنازل عن عرش بولندا، لكن إخفاقها يبدو أنه أدخل السرور عليها حتى تستطيع العودة إلى وطنها المحبوب روما، وهناك كوّنت صداقة وطيدة مع الكاردينال Decio Azzolino الذي كان زعيمًا لمجموعة نشطة من الكاردينالات لوضع الكنيسة السياسية، نظرًا لشخصيته الجذابة والحكيمة.

ومن المعتقد عمومًا في روما أنه كان محبوبها الأثير، وقد ثبت هذا الرأي من خلال خطاباتها بعد أن تم فك رموزها السرية بعد وفاتها بقرنين من الزمان، وبمعيته أصبحت أكثر انكبابا على أمور الكنيسة السياسية، مصممة ولسنوات عدة على مواصلة الحرب المسيحية ضد الأتراك، والتي زج بها إلى أتونها البابا أثوسنت الحادي عشر، حتى وصلت إلى نهايتها المظفرة.

أوقفت معاشها بطلب عاجل منها حتى يضاف إليه (خزينة الحرب)، ولكونها قيّمة ومؤتمنة على أراضيها التي تركن إليها في السويد، أصبحت كريستينا في أمان من الناحية المالية.

فوّضت المؤرخ Filippo Baldinucci أن يُؤرخ لسيرة حياتها، ومجموعة كتبها ووثائقها محفوظة الآن في مكتبة الفاتيكان، ويحسب لها في النهاية ليس فحسب جودها لأعمالها الخيرية، بل أيضًا حمايتها الناجزة للحريات الشخصية.

ماتت كريستينا في قصر Riario في 19 / 4 / 1689، عن عمر يناهز ثلاثة وستين عامًا، بعد أن هدأت خطوب الأيام من سورتها، وخففت السنون من غلوائها ونزقها.

جعلت الكاردينال Azzolino وريثًا لها، لكن المنية أنشبت أظفارها فيه بعدها بشهرين! ومقبرتها في سان بيتر بروما.

تبقى الإشارة إلى أن المؤلفة فيرونيكا بيكلي كتبت هذا الكتاب بتعاطف شديد مع كريستينا، وحياتها الطويلة، ومحاولاتها المجهضة، لتجد عوضًا عن الزواج والأمومة وقدرها الملكي.

 

فيرونيكا بيكللي