خطوط في جدار الزمن

 

خطوط في جدار الزمن

شعر

أفهل رأيت!
كما انتشت أضواء شارعنا
القديم
تواعدت كل الخطى
وتوافدت بدع من الأزمان
والأصوات من أفق بعيد...
تأتي، يدف شراعها الغجري، لا يطوى
وينثر في المواني كركرات الريح
يبحر من جديد!
إني لأسمع: زمزمات الشوق في وله
أضم عناق كل العائدين
وألم من قبلاتهم جمرا تناثر في دروب السائرين
وسؤال مغترب يتعتع:
كم ترى كان ازدحام الليل في درب اليقين!
كم كنت تمخر من عباب الصيف
أو تصلى وراء البحر، ترقب أن تعود!
فلا يجيب سوى الحنين

***
إني لأسمع دندنات الغيب، والأمس
البعيد يدنو يثرثر كلما انسرحت مياه البحر
أو دقت على الأبواب أجراس الرحيل
هذي هي الأصوات ينقر همسها بابي
فتفزع كل غيمات الشتاء
وصمت ذاك الثلج في الليل الطويل
هذي هي الأضواء تمرح في المرايا السود
تنضج مرة أخرى
وذاك الطيف يبحر من جديد
***
أفهل رأيت!
عبرت أرصفة الموانئ، والشوارع، والزحام!
ومشيت والطرقات تزهف
والسرى وسط ازدحام الشوق يهرع
إذ تلوح من على بعد مناديل النهار
وكما الأوز فراخها انحدرت على جرف البحيرة
ليس يفزعها الظلام
تزهو، تلون أينما سرحت هشاش الأرض
والعتمات تنحسر انكفاء من دهاليز المغيب
***
أفلم يجيرك من حميم الخوف
صف من زغاليل الحمام!
تصحو، تمسد زهوها، لا شيء يستر عربها
حلم تزلق فوق منحدر الغمامة في سلام
كانت معي كالشمس!
كنت أشمها، وأعبها كأسا من الإكسير
أو أدنو فألمس وهجها
فأغيب لا يدري الزمان متى أتيت
ولا أنا أدري متى ولد الزمان!
وأضج، أرحل في صراخ الشوق
فوق شعاعها
ولسدرة أغفو على شغف الذرى فيها
تصعدني الرياح
فتحج من بعد إلي على حفيف
خطى الصباح
زمر الطيور ولا تحن إلى الرواح
***
أنا ما تبقى من هناك
فلا تلومي ذلك الشيخ الغريب
لا شيء أذكر من حروفي غير ما خط
تململت النقاط عليه من ضجر العهود
لا شيء أحمل في زوايا الصمت غير صدى
تكسر في عراء الصيف
في غرفات آهاتي وبحران المشيب
هذا سراب الصحو يحملني
كريش في مهب الريح في زمن رتيب
لا تسألي عني المساء
فربما تنأى بك الشرفات، تمعن في المغيب
وتصدك الأسوار تسهب في اعتساف البين
أو تحدو صرير الليل أبواب الحديد

 

أحمد محمد المعتوق