عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

ضد الكراهية

لم تكن الحضارة الإسلامية في يوم من الأيام صانعة للكراهية، ولا داعية للحرب والغـــزو، وما مبدأ الجهاد الذي تؤمن به إلا وسيلة للدفاع عن النفس ضد المذلة والامتهان. فبعد أن انتهت موجة الفتوحات الأولى ـ التي كان هدفها الرئيسي تخليص العالم من بطش الفرس وجبروت الروم - ساد المنطقة التي فتحها العرب نوع من السلام الإسلامي استمر لقرون طويلة، ولم تنشر الدعوة الإسلامية بعد ذلك إلا عن طريق القدوة والموعظة الحسنة، ومعظم الدول الإسلامية الموجودة في أقصى آسيا وعمق إفريقيا، لم تشهد سيوفًا إسلامية، ولكنها شهدت عدلاً وتسامحًا إسلاميًا، فقد سمعت ووعت كلمات القرآن، واهتدت بخصال المسلمين الذين كانوا يتعاملون معهم. من أجل ذلك يستغرب المرء من حملات الكراهية، التي تشن ضد الإسلام، خاصة بعد أن ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وزادت أيضًا فلتات اللسان، التي يقع فيها المسئولون في الغرب، بالرغم من مناصبهم الروحية والسياسية، إنها نوع من حروب «الصدع» المفتعلة، كما يؤكد رئيس التحرير في افتتاحيته لهذا العدد، وهو التعبير الذي استخدمه المفكر الأمريكي صمويل هنتنجتون في كتابه «صدام الحضارات»، والذي يتنبأ فيه بصراعات دامية بين الحضارات، التي تقع عند خطوط الصدع الثقافي الفاصل بين الحضارات المختلفة، وأشدها سوف يكون بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وتحذر المقالة من الانسياق إلى هذه الحروب، التي تفتعلها القلة لقع فيها الكثرة، و يوجه دعوة للمسلمين بعدم الانجرار للخوض في مستنقع هذه المواجهات.

وغير بعيد عن هذه القضية، تقوم «العربي» بزيارة لجزيرة زنجبار الإفريقية القلب، العربية الطابع، لترصد بقايا تجربة إنسانية غنية، تعايش فيها العرب والأفارقة على هذه الجزيرة، لولا تدخل القوى الأجنبية ومحاولتها لتشويه التاريخ. كما ترحل «العربي» أيضا إلى المدن اللبنانية، التي اكتوت بنيران العدوان الإسرائيلي، من خلال ثلاثة من النصوص الأدبية، تقدم فيها صورة للمقاومة والتمسك بالأرض، بالرغم من صنوف الإبادة، التي تعرضت لها هذه المدن . وتواصل «العربي» رحلتها لتتوقف عند منزل الموسيقار العالمي بيتهوفن في مسقط رأسه في مدينة بون الألمانية، لتستمع لأصداء من أنغام هذا المبدع الغاضب، والذي عكس غضبه في موسيقاه بطريقة فذة.

وتقدم «العربي» أيضًا في هذا العدد ملفًا عن الأديب الكويتي الكبير عبد الله زكريا الأنصاري، الذي افتقدته الثقافة العربية منذ شهور قلائل، يحتوي على آخر حوار مطوّل أجري مع هذا الفقيد العزيز، كما تلقي نظرات على شعره، وتذكّر «العربي» قرّاءها بأنها تجهز ملفًا موسعًا عن الأديب الراحل نجيب محفوظ، الذي ودّع عالمنا في شهر سبتمبر الماضي وسوف ينشر في عدد قادم .

ولا تتوقف «العربي» عن الرحيل بين ضفاف الفكر والفن، وبقية الأنشطة العربية والعالمية، لتقدم لكم كعادتها عددا حافلا بكل ما هو جديد وممتع.

 

المحرر