فاطمة

 فاطمة
        

أمشي إلى الميناءْ أمشي إلى سفني
وأرى وراءَ الماءْ ما ضاعَ من زمني
سَكَني هو الأسماءْ والمُنتهى بدني
يا حارس الأحياءْ هيئْ معي كفني


          وأمام البابِ المفتوحِ استلقتْ فاطمةُ، رأيتُ يديها ترتجفانِ رأيتُ على عينيها نورًا لاأعرفُه، هِئتُ، اتّخَذتْ روحي متكأً، ولجأتُ إلى أغنيةِ شيخي الأكبر، فاستلقيتُ، هدأتُ، نظرتُ إلى مرساي ورايتِه، أصغيتُ إلى صوتي يتداعى في الناحيةِ الأخرى، صرتُ بعيدًا، كنتُ أنامُ ويعلو الصوتُ، أنام ويعلو الصوتُ، يداي كساريتينِ تصيرانِ، وحنجرتي مثل الموج تصيرُ، وروحي تصبحُ نورسةً بيضاءَ، وأمي تظهرُ لي.

أقبلتُ مثل الريحْ أدبرتُ مثل اليمّْ
في بابِها المفتوحْ كانت تنامُ الأمّْ
أكْثِرْ من التلويحْ وارشفْ رحيقَ الفمّْ
ليس افتراقُ الروحْ إلاّ اشتياق الدم


          فاطمةُ امرأةٌ جلستْ تغسلُ ثوبَ ملاكِ الموتِ، وعرفت بغريزتها أنَّ الشمسَ ستعجزُ عن تجفيفِ الثوبِ، فنفخت فيه هواءً حارًا ليس شهيقًا، ليس زفيرًا، ليس سوى روحٍ ساخنةٍ، لمّا جفَّ الثوبُ، ابتسمتْ، جلست تفتلُ أغنيتها حتى جاء ملاكُ الموتِ، بإصبعِها أمرته أنْ انصرف من الغرفةِ، والبسْ ثوبك، لمّا خرجَ، ابتسمت، جلستْ تسحبُ أغنيتها، تسحبُ معها الروحَ وما يتبقَّى، فإذا فَرغَتْ ممّا ترغبُ في رؤيتهِ، سكتت أغنيتُها، وانكمشت وتولَّت عنها الروحُ، وصارت أبردَ من جسدٍ ممدودٍ فوق حصيرٍ، بعد قليلٍ دخل ملاكُ الموتِ، اقتربَ ليعملَ، وَجَمَ وأنزلَ يده، خرجَ على أطرافِ أصابعه، كسرابٍ يسعى خلف سراب آخر، أو كهواء عاطل.

سقفٌ بلا سيقانْ أرضٌ بغيرِ غطاءْ
شمسٌ بلا أغصانْ قمرٌ بغيرِ سماءْ
ليلٌ هو السجَّانْ روحٌ هي الإسراءْ
يا سيّد الأكوانْ ما شئتَه سأَشاءْ


 

عبدالمنعم رمضان