عقارب الصيف

 عقارب الصيف
        

يوغل الصيف العربي في حرارته التي تدفع الناس إلى الخروج بعيدا عن بيوتهم التي اكتسبت أمانها من طول مكث الساكنين بها، وفي هذا الخروج ينبغي ألا نتجاهل خروج مخاطر أخرى من مكامنها، وبينها العقارب!

          كانت تعتقد أن فرحتها قد اكتملت بعد أن حققت حلمها بزيارة منطقة الشرق الأوسط التي طالما سمعت عنها وعن سحرها وشاعريتها، ولعل قراءاتها المتواصلة لكتب التاريخ واهتمامها بعلمي الأديان والآثار هو ما حدا بها على السفر إلى تلك البقاع.

          لم يكن قد مضى على وصولها إلى بلدها هولندا سويعات قليلة، أما غرفتها فكانت قد دخلتها للتو وهي تغني فرحة طربة، وسرعان ما تذكرت تلك التحف الشرقية التي ابتاعتها قبل عودتها من تركيا، فتحت حقيبتها ومدت يدها باحثة عنها كي تمتع بها بصرها، فإذا بها تجد نفسها تعدو في أرجاء الغرفة صارخة مولولة... إلا أن مجرد الصراخ لم يكن ليقدم أو يؤخر فيما حدث على الإطلاق، لقد حدث ما حدث بوتيرة مذهلة مفاجئة، فما كان منها إلا أن توقفت لتلتقط أنفاسها بعد أن خبرت رائحة الموت وأصابها الهلع من ذلك الألم الحارق الشديد الذي أصاب يدها التي كانت تتحرك باحثة ضمن الحقيبة..أخذت تجر قدميها من شدة الألم وقد نضح جسمها بالعرق، وانهمرت الدموع من مآقيها...

          أخذت عيناها تبحثان عن هذا الشيء الذي سبب لها كل هذا الألم... والذي قذفته بعيدا بحركة لاإرادية أثناء إخراج يدها من الحقيبة،.. فوجدته مركونا ممطوطا متوثبا وقد انحنى ذنبه فوق جسمه من الخلف وباتجاه الأمام وكأنه يستعد لمعركة فاصلة مما أضفى عليه منظرا يبعث الرعب والتقزز في النفس.

          ما حدث لم يكن سوى محض مصادفة... لسعة عقرب حملته معها دون علمها من تركيا، فكان ما كان... وكان عليها ألا تضرب بلسعته عرض الحائط، إذ سرعان ما راجعت أقرب مركز طبي لتلقي الإجراءات الإسعافية اللازمة.

عاشقة الظلام

          تنتمي العقارب إلى فصيلة العنكبوتيات، وهي ذات أربعة أزواج من الأرجل، ويقسم جسمها إلى قسمين رئيسيين: القسم الأمامي عريض ويعرف باسم (الرأس الصدري) وقسم خلفي يعرف باسم (البطن) ويتألف من ستة مفاصل تنتهي باللاسع وهو عبارة عن أنبوب مجوف منحنٍ يحتوي بداخله على غدتين سامتين تفرزان الذيفان السام.

          وهناك ظاهرتان بارزتان تميزان العقارب، الأولى مشاهدتها في البلاد ذات المناخ الدافيء والثانية حبها للعتمة والظلام، إذ تتوارى في كل مكان يقدم لها الظلام كما في الخزائن وضمن ثنيات الثياب وفي الأحذية وفي شقوق الجدران، وسرعان ما تنتشر عندما يسطو الليل ويأفل النهار ويغيب نور الشمس. ومن العقارب المعروفة في منطقة الشرق الأوسط العقرب المعروف باسم Buthus Gibbosus وهو مشاهد في تركيا، أما العقرب الأسود Buthus Occitanus فمعروف جيدا في كل من تونس والمملكة العربية السعودية، ويشتهر في مصر العقرب المصري المعروف باسم Buthus Quiquestriatus، أما عقربا Leirus Quiquestriatus وNebo Hierichonticus فهما من العقارب الصحراوية المشاهدة بكثرة في شبه الجزيرة العربية، ويمتاز الأول بلونه الأصفر الرملي، أما الثاني فيميل لونه إلى الأحمر الخمري.

          و يعتبر عقرب Androctonus Crassicauda أكثر الأنواع سمية في العالم، إذ تقدر الجرعة القاتلة من سمه بالنسبة للفئران المستخدمة في التجارب عن طريق الوريد بـ 23.0 (20.0 مغ / كغ، أما العمر النصفي لسمه فيصل إلى 42 ساعة مما يجعله أبطأ سموم العقارب طرحا من البدن، وهذا ما يفسر ازدياد خطورة سميته.

          أما العقرب الهندي (الأحمر) Buthus Tumulus فهو من أخطر العقارب على الإطلاق إذ تنجم عن لسعته نسبة وفاة عالية ناجمة عن أذية قلبية (التهاب عضلة قلبية سمي).

          ويمتاز ذيفان العقرب بتأثيراته السامة على القلب والأعصاب والرئتين والكلى وذلك باختلاف نوع العقرب، فالعقارب الصحراوية أشد خطرا من الجبلية والريفية، وبحسب عمر الشخص الملسوع، فاللسعات عند الأطفال أشد خطرا مما هي عليه عند البالغين، كما يلعب مكان اللسعة دورا في تحديد الإنذار فاللسعات التي تحدث في الرقبة مثلا تعتبر أشد خطرا من اللسعات التي تصيب النهايات البعيدة للأطراف. وغالبا ما يصاب المريض بألم شديد مكان اللسع (مكان حقن الذيفان) وقد يكون الألم على درجة من الشدة مما يسبب الغثيان والإقياء والتعرق الغزير. وتتفاوت الفترة التي تظهر فيها الأعراض عند الشخص الملسوع فهي تمتد من دقائق إلى ساعات عقب اللسعة. كما تتفاوت الأعراض التي يعانيها تبعا لعوامل عديدة أهمها نوع العقرب ومكان اللسعة وعمر الشخص الملسوع وبنيته الجسدية، وتتضمن الأعراض بعضا مما يلي:

          ألم موضعي مكان اللسعة، وقد تحدث حكة موضعية وضخامة في العقد البلغمية المنطقية، وقد يصاب المريض بتسرع في النبض مع هبوط في الضغط، وأعراض تنفسية تتضمن الضائقة التنفسية أو قصور التنفس ووذمة الرئة، أما الأعراض القلبية فتتضمن التهاب العضلة القلبية وشواشات النظم والحصارات القلبية، وقد يصاب المريض بقصور القلب، وقد يصاب بالصدمة الدورانية مع برودة وزرقة في نهايات الأطراف ويكون جلده باردا ورطبا، كما تتأذى الكلى والأعصاب وأعضاء الجسم الأخرى.

كيف نتعامل مع الشخص الملسوع؟

          بما أن أغلب حوادث لسعات العقارب تحدث في مناطق نائية وبعيدة عن المراكز الصحية التي تقدم تسهيلات صحية أو عونا طبيا إسعافيا، لذلك فإننا ننصح هؤلاء المصابين باللجوء إلى بعض الإجراءات الملطفة والمخففة لشدة الإصابة ريثما يتمكنون من مراجعة أقرب مركز صحي أو طبيب، فإذا كانت اللسعة في أحد الأطراف ينصح المصاب بوضع رباط عريض على بعد بضعة سنتمترات من مكان اللسعة من الناحية القريبة من القلب وذلك للحد قدر الإمكان من انتشار سم العقرب مع الدوران الدموي. كما ننصح بتخفيف حركة الطرف المصاب قدر الإمكان.

          ويفضل أن يقوم الشخص الملسوع بغمس مكان اللسعة بالماء العادي أو الماء المبرد إن أمكن ثم تطبيق الملح مكان اللسعة، وكان ابن سينا -في قانونه - قد نصح باللجوء إلى هذا الإجراء حيث إن للملح قوة جاذبة محللة تجذب السموم وتحللها، أما الماء المبرد فيبرد اللسعة ويخفف من حدة ألمها الحارق. وعند الألم الشديد ننصح المريض بتناول المسكنات كمركبات الساليسيلات والباراسيتامول. وفور وصول الشخص المصاب إلى أقرب مركز صحي تقدم له الإجراءات الإسعافية الضرورية وذلك بحسب حالته الصحية وبحسب نوع العقرب اللاسع وبحسب الأعراض المرضية التي راجع بها المصاب المركز الصحي.

          وفي كل الأماكن حيث توجد العقارب لاتزال الوفيات التالية للسعاتها مشاهدة وتنجم الوفاة عند الأطفال عن الصدمة التالية للإصابة باللسعة حيث تحدث عادة مشاركة بين السبات والقصور التنفسي والصدمة وبطء القلب وهي حالة غير قابلة للعكس وقد تكون مستعصية على العلاج. أما عند البالغين فتنجم الوفاة غالبا عن تسمم الجهاز القلبي الوعائي وما يعقبها من وذمة رئة مميتة.

 

عمر فوزي نجاري