أرقام محمود المراغي
نساء الشرق الأوسط وإفريقيا وخطر زاحف
يقول الكثير من العلماء: نحن في زمن آخر، النصف الأول من القرن العشرين يختلف عن النصف الثاني، والقرن المقبل سوف يكون شيئا ثالثا. لقد كان منتصف هذا القرن - كما يقول علماء السكان - خطا فاصلا في حياة العالم، ففي ذلك التاريخ بلغ النمو السكاني في البلدان النامية معدلا غير مسبوق، فلما جاءت السنوات (1965- 1970) حدث أسرع معدل للزيادة السكانية في التاريخ. بلغ المعدل 1 ، 2 بالمائة. ثم - ومع الانتباه لخطر التزايد وجهود التصدي لذلك تراجعت النسبة حتى بلغت 7 ،1 بالمائة في الوقت الراهن.
في العام الماضي بلغ العالم 5.3 مليار نسمة، ولكن ماذا عن المستقبل؟.. إلى أين تتجه البشرية؟.. تتوالد كالأرانب، أم تتباطأ كالسلحفاة؟
والسؤال مهم، قضايا الرفاهية والفقر، الصحة والمرض، الموارد والإنسان.. كلها معلقة حول رقم يقول: سوف يصبح العالم كذا أو كذا. لكن إجابة السؤال ليست سهلة، فالتنبؤ بالمستقبل وبصفة عامة أمر صعب. والتنبؤ بالسكان يتطلب التنبؤ بحالتهم الاقتصادية والصحية والثقافية، ومدى نجاح تكنولوجيا تنظيم الأسرة أو منع الحمل.
وقد استقرت الدراسات إلى أن الأكثر فقرا أكثر إنجابا، فالأبناء قد يكونون في هذه الحالة قوة عمل ووسيلة ارتزاق للأسرة.
كذلك فقد ذهبت المؤشرات إلى أن التمتع بصحة أفضل وعمر أطول، يساعد على الحد من الخصوبة والإنجاب، فالصحة الجيدة والعمر الطويل لا يعنيان زيادة البشر بقدر ما يعنيان الاكتفاء بعدد محدود من الأبناء.
الشيء نفسه في مجال التعليم والثقافة، فقد أثبتت دراسات البنك الدولي على عدد من الدول النامية أنه حيث يغيب التعليم الثانوي للنساء، تلد المرأة العادية سبعة أطفال في المتوسط، فإذا أتيح ذلك التعليم لـ 40 بالمائة من النساء انخفض متوسط الإنجاب إلى ثلاثة أطفال فقط.
3 سيناريوهات
الإجابة إذن ليست سهلة، لذا عندما حاول خبراء من البنك الدولي دراسة التقنية السكانية للتنبؤ بمستقبل العالم ومحاولة التأثير فيه، انتهوا إلى ثلاثة سيناريوهات مختلفة، وفقا لمعطيات وملابسات مختلفة.
هناك الاحتمال الأول، وهو أن تستمر حالة التراجع التي شهدها العالم في الفترة الماضية فيصل النمو عام 2030 إلى 1 بالمائة سنويا مقابل 1.7 بالمائة حاليا. ويذهب هذا الاحتمال إلى أن يصل العالم إلى حالة التثبيت، حيث لا زيادة أو نقصان في منتصف القرن الـ 22 وتعداد سكان يصل إلى 12.5 مليار نسمة.
وهنا نلاحظ كما تشير أرقام البنك الدولي المنشورة في آخر تقرير له عن التنمية في العالم 1992، أن معظم الزيادة سوف تكون في النصف الأول من القرن الجديد، والأهم أن 95 بالمائة من هذه الزيادة سوف تحدث في البلدان النامية، بينما لن تمثل الدول المتقدمة أكثر من 5% من الزيادة المتوقعة.
ذلك هو الاحتمال الأول، لكن تجربة بعض البلدان - مثل تايلاند والمكسيك وهونج كونج - تشير لبديل آخر هو الانخفاض السريع في النمو السكاني.
في هذه الحالة سوف يستقر العالم عند رقم أكثر تواضعا وهو 1. 10 مليار نسمة.
أما السيناريو الثالث - وهو الانخفاض البطيء - الذي تبرز منه حالات مثل: باراجواي - تركيا- سيرلانكا - فإنه يعني أن يقفز العالم إلى 23 مليارًا وألا يستقر في نقطة ثبات إلا في نهاية القرن الثاني والعشرين.
وتنتهي دراسة البنك إلى أن العالم على الأرجح سوف يشهد السيناريو رقم 1 أو رقم 2 ، أما السيناريو الثالث فهو الأضعف والأبعد احتمالا.
إفريقيا والشرق الأوسط
تتوقف الدراسة عند فكرة "الانتقال" من حالة إلى حالة، من حالة شعب كثير التناسل إلى حالة شعب محدود النسل والتكاثر. وتتوقف الدراسة أيضا أمام حقائق مهمة ومثيرة، فإفريقيا والشرق الأوسط سوف يحسمان كل شيء، حيث إنهما وحدهما يمثلان 85 - 90 بالمائة من الفروق بين السيناريوهات المختلفة.
هذه مناطق متفجرة بالسكان، متفجرة بالمشاكل، ووفقا لآخر الإحصاءات فإن معدل خصوبة المرأة الذي يقاس بعدد مرات الولادة بلغ في إفريقيا جنوب الصحراء 6.5 مرة للأم الواحدة. وقد فاقت بعض البلدان هذا الرقم فكان المعدل في كل من كينيا وزيمبابوي ثماني ولادات في عمر المرأة (طبقا لمعدل 1965). وبإجراءات تحول في السياسات والظروف انخفض المعدل في كينيا إلى 5. 6 ، وفي زيمبابوي إلى 4.9 عام 1990.
في الوقت نفسه فإن معدل الخصوبة أو عدد الولادات للمرأة في دول الشمال لا يتجاوز كثيرًا طفلاً واحدًا. وبعض البلدان وصلت فعلا إلى معدل التثبيت حيث لا يزيد السكان أو ينقصون.
نتيجة ذلك فإن إفريقيا جنوب الصحراء، وطبقا للسيناريو الأول سوف يزيد عددها من 500 مليون نسمة إلى 1.5 مليار نسمة عام 2030، و 3 مليارات عام 2100، ذلك بالرغم من خطر الإيدز الذي يمكن أن يؤدي لتناقص كبير في السكان.
والنتائج بعد ذلك- وعلى مستوى العالم الثالث كله- نتائج متعددة وسالبة، فالزيادة السكانية تعني ضغطا على الموارد، وطلبا أكثر على السلع والخدمات. وبينما كانت موجة التشاؤم في الماضي تنحصر في أن موارد العالم لن تكفي البشر في لحظة من اللحظات، أصبحت الأنظار الآن تنظر للخطر من زاوية أخرى هي تلوث البيئة، فسكان أكثر يساوي استهلاكا أكثر، واحتراقا لمواد الطاقة بمعدلات غير مسبوقة، واستنزافا للأرض وكل الموارد الطبيعية.
يساعد على ذلك نمو الحضر، ففي عام 1990 كانت أغلبية سكان العالم تقطن الريف، ولكن بعد 40 عاما من هذا التاريخ (أي عام 2030) سوف يصبح الحضر ضعف الريف من حيث السكان، بل وفي تاريخ سابق هو عام 2000 سوف يشهد العالم 21 مدينة يزيد عدد سكان كل منها عن 10 ملايين نسمة. وبين هذه المدن سبع عشرة مدينة في البلدان النامية. يقولون، ولمواجهة كل ذلك فإنه لابد أن يرتفع دخل الفقراء فيقنعون بأطفال أقل، ولابد أن تتحسن الصحة، فوفيات الأطفال الكثيرة تدفع الأمهات للتمسك بالإنجاب. أيضا فإنه لابد أن تزيد فرص العمل والتعليم للمرأة، فالمرأة المتعلمة والعاملة تختلف بالضرورة.
ويبقى التدخل المباشر، وتسجل الأرقام أن نصف نساء العالم - في سن الإنجاب - يستخدمن وسائل مختلفة لمنع الحمل. والمطلوب أكثر من ذلك.
إنها معركة تشارك فيها منظمات دولية وحكومات وجهود علمية، لكن نقطة البدء في أي ظروف أسرية يتم الإنجاب. وأي ظروف اقتصادية تسود المجتمع. ولأن أحدا لا يستطيع التحكم في هذه الظروف، لذا لزم التنبؤ ثلاث مرات، على سبيل الاحتياط.