جورج رومني.. صورة الآنسة ويلوبي

جورج رومني.. صورة الآنسة ويلوبي
        

          في عام 1784م، دفع والد الطفلة ويلوبي للرسام الإنجليزي جورج رومني (1734 - 1802م) مبلغاً يساوي واحداً على ألف من المبلغ الذي دفعته «الناشيونال جاليري» في القرن العشرين ثمناً لهذه اللوحة. ولو كان بمقدورنا معرفة الرسامين الذين سيعتبرون في المستقبل من كبار أساتذة الماضي، لسلكنا جميعاً مسلك آل ويلوبي فتمتعنا بصورنا الشخصية وصور أولادنا، وأمَّنَّا في الوقت نفسه ثروة لأحفادنا. فالكثير من العائلات الأوربية اليوم تدين بثرواتها الحالية لحسن الاختيار عند أجدادها، عندما كان هؤلاء ينتقون رسامي صورهم الشخصية.

          ولكن كيف لنا أن نعرف أن لوحة معينة ستكتسب مزيداً من الأهمية بمرور الوقت؟ ولماذا أصبحت صورة تقليدية لطفلة عادية كهذه غالية على قلوب المتاحف؟ وأكثر من ذلك، يرجّح الخبراء أن رومني شعر على الأرجح بالضجر من العمل على هذه اللوحة، لأننا نعرف أنه لم يكن يحب الصور الشخصية، باستثناء صور الليدي إيما هاملتون التي كانت تثير اهتمامه وشغفه برسمها بسبب شخصيتها الفريدة من نوعها. وعندما كان يرسم غيرها، فإن اهتمامه كان ينصب على معالجة مسائل لونية وشكلية أكثر بكثير من اهتمامه بأن يكون الرسم مشابهاً للنموذج.

          واليوم، لم يعد يهمنا ما كانت عليه فعلاً ابنة آل ويلوبي أو كيف كان شكلها فعلاً. فأهمية هذه اللوحة تعود إلى تجسيدها لعبقرية رومني كملوِّن وكمصمم. في هذه اللوحة، استخدم الرسام ثلاثة ألوان فقط، الأحمر، الأصفر، والأزرق.. ولكن تجانسها يكاد أن يكون درساً في سلامة اعتماد الألوان قليلة العدد. وفي حين أن وضعية الطفلة تبدو عفوية ولا تتصنع شيئاً أمام الرسام، فإن انحناء الرأس قليلاً إلى الأمام، يعطي انطباعاً بوجود تخطيط لتركيب يقوم على قطر المستطيل، إذ يتقاطع هذا القطر (الذي يمر به رأس الطفلة) بزاوية قائمة تقريباً مع الخط الذي يتبعه المنظر الطبيعي من خلفها. ولو تخيلنا مثلاً هذه الفتاة ترفع رأسها بشكل مستقيم، للاحظنا فوراً أن اللوحة تفقد كل توازنها وتناغم عناصرها. ولو حذفنا أيضاً ذيل الحزام الوردي، بالرغم من بساطته الشديدة، لفقدت اللوحة عنصراً أساسياً من عناصر اعتدالها واكتمالها.

          وتتجلى البساطة أيضاً في رسم الطبيعة التي أصبحت مثل السماء، مجرد مساحات لونية داكنة نسبياً، يظهر من خلالها بياض ثوب الفتاة رمزاً للطهارة والبراءة. هذا التناغم في اللون والتصميم من الصفات التي ميّزت الرسم الإنجليزي خلال القرن الثامن عشر، وهو ما يمدّ هذه اللوحة بقدرتها على إثارة اهتمام الذواقة لأجيال وأجيال.

 

عبود عطية   




جورج رومني: «صورة الآنسة ويلوبي»، 1784م، (91 × 71 سم)، متحف الناشيونال جاليري