كوريا.. على حافة المنطقة المنزوعة السلاح

 كوريا.. على حافة المنطقة المنزوعة السلاح
        

          منطقة صغيرة، لا يتجاوز عرضها أكثر من أربعة كيلومترات، تفصل بين الأشقاء الألداء. منزوعة السلاح حقا، ولكن السلاح المحتشد على أطرافها يفوق حجم أي كمية من الأسلحة على أي حدود، تبدأ من البنادق التي تصوب بدقة الليزر، ولا تنتهي إلا بالصواريخ والقنابل النووية، ولايفوق حجم السلاح إلا حجم الكراهية والاحتقان الذي استنفد جهد نصف قرن من حياة الكوريتين. لقد تغير الأمر قليلا، لم يتراجع السلاح، ولكن تغيرت نبرة الحوار، لم يعد الحديث عن مذابح الماضي، ولكن عن ذلك الضوء الذي يمكن أن يشرق في نهاية النفق.

          على حافة المنطقة المنزوعة السلاح توقف مرافقنا عند السور وهو يهتف منفعلا:

          - أنتم تعيشون معنا لحظة تاريخية. اليوم انتهت إحدى الحروب بيننا وبين الشمال، الحرب الإعلامية، وسترون ذلك بأنفسكم. أشار إلى أسفل، حيث يمد الوادي تلاله الخضراء، ينام عليها ضباب هش وصفوف متداخلة من الأسلاك الشائكة، كان هناك مبنى صغير مطلي بألوان العلم الكوري، معلق عليه عشرات الميكروفونات التي تتصل بعشرات أخرى على امتداد الجبهة، كانت هذه هي الإذاعة المحلية، التي كانت ترفع عقيرتها كل يوم بالشعارات المضادة للشمال. وبالطبع كان الجانب الآخر يرد عليهم. ويعج الوادي الساكن بالأغنيات و«المارشات» العسكرية والشعارات وكلمات التنديد والتفاخر على أمل أن تجتاز هذه الأصوات الأميال الأربعة التي تفصل بين الجانبين. وقد أسعدني أن أكون واحدًا من شهود هذه اللحظة، وأن أقف على الخط الأصفر الذي يجب ألا يتجاوزه أحد، وأشاهد البلدوزر الضخم وهو يقترب لينشب أظفاره المعدنية في جدران هذا المبنى، لقد بدأت واحدة من علامات العداء في التساقط، وبدأ المستقبل يتغلب قليلا على تجارب الماضي، بكل ما فيها من رعب وقسوة. الذهاب لزيارة المنطقة المنزوعة السلاح رحلة غاية في الجدية، ينفذ المسئولون تعليماتها بدقة ودون أي ابتسامة، إنها مكان الجرح العميق مهما تمت المداراة عليه، وهي لاتبعد عن العاصمة سيئول أكثر من 42 كيلو مترا وعلينا أن ننهض في وقت مبكر حاملين معنا جوازات السفر ليتم فحصها أولا قبل السماح بركوب الحافلة، ثم نستمع للإرشادات، كيف نتصرف في مواجهة الجانب الآخر، لا تحاول أن تتحدث بصوت عال أو تلوح أو تلقي حتى بالتحية، لا تتجاوز الخطوط الصفراء بأي حال من الأحوال، لا تلتقط صورا إلا في الأماكن المسموح فيها بذلك، لا تستخدم أضواء الفلاشات الساطعة ولا العدسات المكبرة، ولا.. ولا.. تعليمات تجعلك تعتقد أنك ذاهب إلى الاشتباك، وليس لزيارة جبهة باردة.

          ويزداد التوتر فور خروجك من العاصمة، ومع بداية ظهور مراكز المراقبة الثنائية المكونة من جنود أمريكيين وكوريين، يراقبونك بشدة عند كل معبر، ويعيدون فحص الجوازات، وتبرز الأسلاك الشائكة مكونة جدرانا مشرعة الأسنان، ندخل فعليا في أشد مناطق الحرب الباردة سخونة، فقد عبأتها الأيديولوجيات المتعارضة بالشعارات والسلاح، وكانت الولايات المتحدة في الجنوب، والاتحاد السوفييتي في الشمال يتواجهان فوق عظام الملايين من الضحايا الكوريين، الذين أصبحوا ساحة لصراع لا ذنب لهم فيه.

          تستغرق هذه الرحلة القصيرة حوالي الساعة والنصف بسبب زحام السيارات ونقاط التفتيش. وخارج العاصمة تمتد القرى الصغيرة وحقول الأرز التي تقسمها الأسلاك ترقد وادعة، تتوالى النصب التذكارية التي تذكرك بمدى بشاعة الحرب الكورية التي أشعلت عالم الخمسينيات، نصب للجنود الفلبينيين الذين ماتوا في هذه الحرب، وآخر للكوريين، وثالث للأمريكيين، ورابع للصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لنقل الأحداث، ولا تنتهي نصب تلك الحرب، التي يبدو واضحا أنها التهمت الكثيرين.

          نعبر جسر الحرية، وهو الجسر الذي أقامته الأمم المتحدة لتسهيل الاتصالات الصعبة بين الجانبين، ونصل بعده مباشرة إلى مبنى صغير ذي درج مرتفع هو مبنى «لجنة الهدنة العسكرية»، المكان الذي يشهد دائما الاجتماعات بين الجانبين، تتوسطه مائدة مستطيلة موضوعة بالضبط فوق خط التماس، بحيث يكون نصفها في الجانب الجنوبي، والآخر في الشمال، ويجلس العسكريون إليها، كل وفد في الجانب الذي يخصه، ويحظر دخول رجال الإعلام، وإذا أرادوا التقاط صورة عليهم فعل هذا من النوافذ، ولا تتم هذه الاجتماعات إلا في حالات التوتر الشديدة، مثال ذلك ما حدث عام 1976 عندما قتل جنديان أمريكيان على يد قوات الشمال لمجرد أنهما كانا يقومان بتشذيب إحدى الأشجار. داخل معسكر الهدنة يوجد متحف يضم بقايا هذه الحرب الضروس، وتوضح الخرائط كيف يمتد خط الهدنة الفاصل بين الجانبين، وهو الخط الذي لم يعبره بشر ولا سيارات ولابضائع منذ الخمسينيات، فقط بعض الرسميين والجنود المغيرين. والشيء الإيجابي الذي حدث هو أن هذه الكيلومترات الأربعة - التي تفصل بين الجانبين، والتي يحرم على البشر الدخول إليها - قد تحولت إلى مرتع خصب للحياة البرية، لقد نمت فيها الأزهار والنباتات البرية وازدهرت الفراشات، ووجدت الحيوانات البرية مساحة حرة بعيدا عن جور البشر وتعلمت كيف تتفادى الألغام المزروعة والأسلاك الشائكة.

ثمن الاحتلال

          ولكن كيف تبلورت عناصر المأساة الكورية التي قادت إلى هذا الانفصال؟

          إن جذورها تمتد إلى نهاية الحرب العالمية الثانية التي غيرت العالم.

          في عام 1941 قامت اليابان بمهاجمة ميناء بيرل هاربور في المحيط الهندي ونشبت الحرب بينها وبين الولايات المتحدة، وكان على كوريا الواقعة تحت الاحتلال الياباني أن تدفع ثمن هذه الحرب، وأن تساعد اليابانيين رغمًا عنها. وقد تم نقل 4 ملايين كوري عبر البحار إلى اليابان ليقوموا بالعمل في المناجم والمصانع، وكل الأعمال القذرة، حتى يتفرغ الجنود اليابانيون للحرب.

          ولاقت النساء الكوريات خاصة الشابات منهن مصيرًا أكثر تعاسة، فقد تم إرغامهن على القيام بالترفيه عن الجنود اليابانيين، وأنشئت في خطوط القتال الأمامية «مواخير» تضم الآلاف من النساء، مهمتهن الخضوع لرغبات الجنود في أي وقت، اعتقادًا من المسئولين أن هذا يحسن من أداء الجنود في القتال. وقد ظفر الجنود اليابانيون بالحق في الاغتصاب، منذ أن قاموا بأكبر حفلة اغتصاب في التاريخ في مدينة «نان كينج» الصينية عام 1937 مكافأة لهم على احتلالها. وتحولت قضية اغتصاب النسوة الكوريات إلى قضية دولية في التسعينيات، واضطرت اليابان للاعتذار عنها.وقد روت العديد من النسوة العجائز كيف كان يتم اغتصابهن على مدار اليوم بأعداد لا تحصى من الجنود. وقد بلغت أعدادهن 150 ألف امرأة كورية منهن 50 ألفا من تايلاند والفلبين. و من تصاب منهن بالمرض كانت تترك دون علاج حتى الموت، والنساء اللاتي قاومن وبقين على قيد الحياة ظللن يعانين من الخجل لسنوات طويلة.

          وانتهت الحرب عندما ألقت الطائرات الأمريكية بالقنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي عام 1945، تحطمت اليابان وأعلنت استسلامها، وسمع الجميع صوت الإمبراطور الياباني في الراديو للمرة الأولى وهو يعلن الهزيمة، وأدركوا أنه ليس إلها كما كانوا يعتقدون. وفي كوريا ارتفعت الأعلام، التي كانت مخبأة طوال فترة الاحتلال الياباني، ولكنه كان انتصارًا حزينًا، فقد مات الملايين من الكوريين في معسكرات العمل وفي الجيش وفي السجون.

          دخل الأمريكيون كوريا من الجنوب ليحرروها من بقايا الاحتلال الياباني، وفي الوقت نفسه دخل السوفييت من الشمال من أجل الغرض نفسه، وبالرغم من أن السوفييت لم يعلنوا الحرب على اليابان إلا قبل أسبوع واحد من النهاية الفعلية للحرب، فإنهم وصلوا أسرع مما كان يتوقع الأمريكيون، واضطر اثنان من المسئولين في الجيش الأمريكي إلى رسم خط فاصل بين القوات الأمريكية والسوفييتية عند خط عرض 83 وهو المكان نفسه الذي أعلنت فيه اليابان استسلامها وانسحابها من كوريا.

مذبحة في الفردوس

          الزائر لجزيرة «جاجو» سوف يدهش حتما من جمال الطبيعة فيها، وربما كانت لوحات الفن التشكيلي في معظمها مستوحاه من تضاريس هذه الجزيرة،، إنها الفردوس الشرقي الذي تخيلته الأساطير، وعندما كنت أتجول في شوارعها النظيفة كان يدهشني حجم الاحساس بالأمان فيها، وقالت لي المرافقة التي كانت من أهل الجزيرة: «إن السكان لا يغلقون أبواب منازلهم إلا نادرا، إنهم يكتفون فقط بوضع واحد من أغصان الشجر أمام بوابة البيت إذا كانوا غائبين، ويكتفون بإنزاله عندما يكونون بالداخل». إضافة إلى فنونهم وتقاليدهم الخاصة، وقد شاهدت على الشاطئ مجموعة من النسوة يقمن بالغطس بحثا عن المحار، وهم غاطسات ماهرات يبقين تحت الماء لفترات طويلة، وكانت الجزيرة ممتلئة بالكهوف التي نحتتها الطبيعة، الصخور المتبلورة التي تكون أشكالا جميلة إضافة للشلالات ومساقط المياه، وكان من الصعب التصور أن هذه الجنة الآمنة كانت مسرحا لواحدة من أكثر المذابح في التاريخ، ففي الفترة من عام 1949 كانت كوريا الجنوبية تعيش حالة من الفوضى الشديدة، وبالرغم من أن الأمريكيين كانوا يدعمون الرئيس «يون هونج» باعتباره رئيسا عصريا لدولة متخلفة، فإن الأحزاب الموجودة في ذلك الوقت كانت أميل إلى الأفكار الشيوعية، وكانت ترفض هذه الجمهورية التي يريد الأمريكيون فرضها، واستطاعت أن تثير حالة من العصيان والتمرد في العاصمة سيئول، بحيث أصبح نزول الطلاب والعمال شبه يومي، وكانت حالة البطالة متفشية، وكانت معظم المشروعات الصناعية التي أقيمت في أيام الاحتلال الياباني قد أصبحت من نصيب الشمال، ولم تجد الحكومة حلا غير تكسير عظام المتظاهرين في الشوارع.

          وابتعدت حركة العصيان عن الشوارع المدججة بالشرطة لتذهب إلى جزيرة «جاجو» المنعزلة التي تبعد عن الأرض الأم بحوالي 50 كيلو مترا، وانتشر المسلحون الشيوعيون في الجزيرة، وانضمت إليهم قوات الشرطة واستطاعوا أن يستولوا على كل المرافق، ولم تسكت الحكومة المركزية، ولكنها سارعت بإرسال فرق من الجيش تعاونهم أعداد ضخمة من المتطوعين المناهضين للشيوعية، وكانت أوامرهم هي قمع التمرد بكل قسوة وبأي ثمن، وعندما بدأت المعارك لم تكن القوات الحكومية تفرق بين الموالين للشيوعيين أو الذين وقفوا على الحياد، لذا فقد حل القتل الجماعي بالعديد من القرى، وأبيد البعض منها دون أن يأبه أحد بسؤالهم عمن يؤيدون.

          ومن الحكايات المتداولة في الجزيرة، أن رجال الحكومة استولوا على إحدى القرى، وأخرجوا كل ما فيها من رجال ونساء وأطفال وأوقفوهم في صفين كل واحد منهم في مواجهة الآخر، كانت القوات الشيوعية قد سبق لها أن استولت على هذه القرية لفترة قصيرة، ووقف الضابط أمام الصف الأول وهو يقول لهم:

          ـ أريدكم أن تشيروا إلى كل من كان يتعاون مع الشيوعيين من الصف الثاني.

          ورد عليه أكثر من صوت وهم يقولون:

          ـ لم يتعاونوا، لقد اغلق الجميع أبوابهم ولم يشاركوا في أي شيء.

          وصرخ الضابط في وجوههم:

          ـ إذا لم تدلوني فسوف اقتلكم جميعا.

          ولم يدر أحد ماذا يقول، وكيف يمكن أن يختاروا أحدا من أقاربهم أو أخواتهم ليدلوا عليهم القوات ويخلصوا أنفسهم، وعندما طال الصمت أمرهم القائد أن يسيروا جميعا إلى أحد الحقول الخالية ليتم قتلهم، وبكى طفل صغير وهو يمسك بثوب أمه التي كانت مساقة إلى الموت، التفت اليه القائد وهو يوجه مسدسه إليه وهو يقول:

          ـ إذا لم تترك امك الآن فسوف أطلق عليك النار.

          وأسرع الطفل بالهروب، وبهذه الطريقة عم السلام الجزيرة بعد أن بلغ ضحايا هذا التمرد 300 ألف شخص، أي 10% من سكان هذه الجزيرة.

          وتقول مرافقتي معلقة على هذه القصة:

          ـ لقد كانت أياما صعبة، لقد جعل الخوف هذا الطفل يتغلب على محبته لأمه.

          وفي الوقت الذي كان الأمريكيون يخططون للبقاء طويلا في اليابان اعتقدوا أنهم يجب أن يتركوا الطبيعة لتقوم بعملها في كوريا، وبدأوا في سحب قواتهم خارجها مع نهاية عام 1948 في إشارة واضحة على أنهم ليسوا على استعداد للدفاع عن كوريا ولكن في 25 يونيو 1950 حدث الغزو من الشمال.

          كانت الحرب الكورية التي استمرت على مدى ثلاث سنوات هي أكبر صدام عسكري بعد الحرب العالمية الثانية، وكان الخوف أن تكون هي بداية الحرب الثالثة بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الديمقراطي. وقد اندفع الشماليون إلى الجنوب مستغلين ضعف جيشه واستولوا على سيئول في ظرف ثلاثة أيام. ثم واصلوا الاندفاع نحو الساحل، وقتلوا عشرات المعارضين، وقبضوا على المثقفين وهربت الحكومة الكورية جنوبًا إلى بوسان التي تم حصارها.

          عاد الأمريكيون إلى جنوب كوريا بعد بداية الغزو بعشرة أيام، ثم تبعهم بقية دول الحلفاء، وعدد من جنود الدول الموالية للغرب، حتى أثيوبيا واليونان ولوكسمبورج وتركيا، كان لها جنود في كوريا، وتشكل جيش متعدد الجنسيات تحت قيادةالجنرال الأمريكي ماك أرثر، وعرف العالم عددًا من المعارك، كانت أشهرها معركة «إنكون» وهي جزيرة صغيرة بالقرب من العاصمة - مقام فوقها حاليا المطار الجديد - ففي هذه المعركة قاد ماك آرثر قواته فوق مد من مياه البحر يبلغ ارتفاعه 35قدمًا، واستطاع أن يباغت قوات الشمال ويستولي على العاصمة سيئول.

          في القصر الرئاسي المهدم قام الجنرال ماك آرثر بإعادة السلطة إلى الرئيس الكوري، وفي وسط مراسيم التسليم سقطت القبة الرئاسية الزجاجية، ولكن ماك آرثر واصل المراسيم في هدوء، وهتف الرئيس الكوري «ري» متأثرًا: «لقد أنقذت جنسًا من الانقراض»، ولم تتوقف القوات الأمريكية ولكنها واصلت تقدمها داخل أراضي كوريا الشمالية نفسها، واستولت على العاصمة «بيونج يونج» وواصلت سيرها حتى نهر «يالو» الذي يفصل كوريا عن الصين، ولكن الأخيرة دفعت بآلاف من «المتطوعين» الذين دخلوا الحرب للدفاع عن التجربة الشيوعية في كوريا الشمالية، واستطاعوا بالفعل أن يدفعوا بالقوات المتحالفة إلى الوراء.

          خلفت الحرب الكورية مئات آلاف من القتلى واللاجئين والموتي، كان الآلاف يموتون جوعًا، وامتدت صفوف متدفقة من اللاجئين لم تتوقف إلا عند حدود بوسان في أقصى الجنوب، ويقول الأستاذ يونج بارك في جامعة سئول: «إن أقسى نتائج الحرب هي أن إحساس الأخوة مع الشمال قد زال. وتحول الشماليون إلى عدو مباشر.انتهت مشاعر الأمة الواحدة التي عاشت داخل حدودها لآلاف السنين، وأصبحنا دولتين متباعدتين، وكان ثمن الحرب باهظا». في بداية الأمر كان الجميع يعتقدون أن هذا الانقسام مؤقت، وأن الوحدة بينهم سوف تعود بعد فترة قصيرة، وعلى مدى ثلاث سنوات بذلت العديد من الجهود في هذا الشأن، وضع السوفييت خطة لبناء الثقة بين الجانبين، وكانوا يعتقدون أنها مقدمة للوحدة، ولكن الجنوب رفضها، وقامت الأمم المتحدة بوضع خطة أخرى، ولكن الشمال رفضها، ولكن مع حدوث الغزو لم يعد هناك أي كلام على الوحدة، بل إن العلاقات بين الجانبين تحولت إلى نوع من العداء السافر والمتأجج. وقد شاهدت على الطبيعة جزءا من هذه المشاعر في المنطقة المنزوعة السلاح.

رحلة داخل النفق

          كانت أشد اللحظات إثارة في هذه المنطقة هي دخول النفق بواسطة قطار صغير، وهو نفق يمتد تحت الأرض على عمق 240 قدما، ويبلغ طوله حوالي 6 كيلومترات، وقد تم اكتشافه عام 1978 وهو واحد من أربعة أنفاق تم اكتشافها حتى الآن، ويقال إن هناك 16 نفقا آخر مازال البحث جاريا عنها. على باب النفق قفص معلق بداخله عصفور صغير من الكناريا، تماما كما يحدث عند فوهات المناجم للدلالة على أن الهواء في الداخل صالح للتنفس، ونركب القطار الصغير، الذي قامت بصنعه شركة «هونداي» لنندفع فجأة إلى جوف الصخر، كان النفق ضيقا ولكنه يسمح بمرور أربعة جنود معا، كان الصخر ينشع بالماء كلما تقدمنا للأسفل، والهواء يصبح أكثر ثقلا، ودعامات كبيرة من الحديد تمنع السقف من الانطباق علينا، وفي النهاية توقف القطار عند الفتحة المغلقة والتي يوجد بعدها أراضي كوريا الشمالية.

          قضت كوريا الشمالية أكثر من عشرين سنة وهي تحفر أمثال هذا النفق، وكانت تحلم أن يمتد هذا النفق ـ الذي نتجول فيه الآن ـ دون أن يلحظه أحد إلى قلب العاصمة سيئول، إلى داخل القصر الرئاسي نفسه، كان هذا واحد من أشد الأحلام جنونا للرئيس المبجل كيم إيل سونج، من أجل إعادة توحيد الكوريتين من وراء ظهر الأمريكيين،، فبعد أن فشل في ممارسة السلاح، كان يتخيل أنه سوف ينجح بواسطة المفاجأة، كان مازال مصرا على أسلوبه القديم، وكان العالم قد تغير وهو مازال يدفع بجنوده داخل الأنفاق.

          خارج النفق كان يجلس العجوز «هون»، لم أعرف سنوات عمره بالضبط، ولكن كان وجهه ممتلئا بالتجاعيد، ومعظم أسنانه متساقطة، ولم يكن يتوقف عن الكلام، كان يتعيش على ترديد القصة نفسها التي خبرها منذ أكثر من خمسين عاما، عن اللحظة التي فقد فيها العالم براءته، كأنه كان يريد التخلص من الرعب الذي تركته في داخله فأخذ يرددها آلاف المرات لعله يبرأ منها دون أن يتأتى له ذلك، كان يردد القصة ويسمعها عشرات الزوار في كل مرة عن طريق مترجم مختلف، وسواء تركت له بعضا من النقود أو لا فهو يردد القصة:

          «عندما اقتحم الشيوعيون من الشمال كنت شابا صغيرا، القوا القبض علي عام 1950 ضمن آلاف من الناس. وضعونا داخل سجن أقيم من الحواجز العسكرية. ثم أخذوا يعدمون السجناء بطريقة عشوائية. كانوا يربطونهم في الصخور، ثم يلقونهم في البحر. ولكن بعض الأجساد كانت تطفو مرة أخرى. لذلك قرروا أنه من الأفضل إطلاق النار عليهم واختاروا لذلك نفقًا في أحد التلال القريبة.

          أخذونا من الزنزانة، وقيدوا أيدينا خلف ظهورنا، كل أربعة سجناء تم ربطهم معا، أتذكر الثلاثة الآخرين الذين كانوا معي، مهندس كهربائي وطبيب عجوز وفلاح طويل القامة، بعد ساعات من الانتظار، أمرونا بالسير إلى التلة. وكان صف المساجين طويلاً وأنا لا أفهم ماذا يحدث. ولكني كنت لا أتوقع الأسوأ. كان البرد شديدًا، واعتقدت أنهم سيأخذوننا للكهف من أجل التدفئة. كان الكهف مضاء بمصابيح من الغاز، وما أن دخلنا من الفوهة حتى رأيت صفًا من الجنود، وهم يواصلون إطلاق النار والأجساد تتساقط أمامهم. وجاء جندي وأخذ يدور حول الأسرى، ويقتل كل أربعة واحدًا بعد الآخر في مؤخرة رءوسهم. واحد.. اثنان.. ثلاثة، شعرت بألم مبرح، سقط الدكتور المهندس أولا، ثم الطبيب، وانتفضت رأس الفلاح وغمر الدم المنبعث منها وجهي كله، وضحك الجندي من المشهد وهو يوجه مسدسه إلى رأسي، سمعت صوت التكة، ولكن الخزان كان خاليا من الرصاص، تركني قليلا وأخذ يحشو المسدس ثم عاد وأطلق النار على الفلاح مرة أخرى، كان الدم ينساب على جسدي كله، ويبدو أن الجندي حسب أن هذا دمي لأنه توجه لقتل أربعة آخرين، ولم يأبه بالنظر إلي.

          تواصلت عمليات القتل حتى امتلأ الكهف بالجثث، كنت ساقطا على الأرض، كان بعض الضحايا يغنون بشجاعة قبل أن يقتلوا، وكانت هناك أصوات لنساء يبكين، كن آخر من تم إطلاق النار عليهن، ثم حدث انفجار عند فتحة الكهف، كان الجنود يمزحون مع بعضهم، ويحذرون الذين يعدون الديناميت من أن يفجروا أنفسهم، أغلق الانفجار باب الكهف علينا، ظللت راقدا وسط عشرات الجثث، كان هناك خمسة آخرون مثلي نجوا هم أيضًا من الموت من هذه المذبحة، ظللنا محبوسين داخل الكهف حتى جاءت القوات الأمريكية بعد يومين، وفجرت الكهف مرة أخرى كي تصنع فيه فتحة صغيرة. اثنان من الناجين تسلقا الفتحة، وظللت أنا والثلاثة في الداخل خائفين من أن يكون الشيوعيون مازالوا في الخارج، وعندما سمعت قوات الأمم المتحدة أنه كانت هناك مذبحة، قامت بعمل فتحة أكبر في النفق، وعندما أحصي القتلى كان عددهم 982 قتيلاً من بينهم 82 امرأة وعدد من الأطفال، لقد أدركت في هذه اللحظة أن هؤلاء الشيوعيين ليسوا أخوتنا، ولا يمتون لنا بصلة».

ثمن الحرب

          انتهت الحرب في يوليو 1953، وكانت الأكثر دموية في التاريخ الكوري. قضى فيها حوالي 3 ملايين كوري، و99 ألفا من الصينيين و33 ألفا من الأمريكيين و4 آلاف من جنسيات أخرى. وخلال فترة احتلال الشمال للجنوب قتل حوالي 129 ألفا من المدنيين، الذين ليست لهم أي علاقة بالحرب، وتم تدمير البنية الاقتصادية في الدولتين معا. في الشمال قامت الطائرات الأمريكية بقصف وتدمير كل المصانع والمناجم والمدارس والمؤسسات، وتشرد حوالي 5 ملايين، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الأرامل واليتامى. كما أن الانقسام الذي أصبح مكرسًا بالحرب والدم قد تسبب في فصل آلاف الأسر.

          تنصل كيم إيل سونج من أي مسئولية، ومثل كل الأنظمة الشمولية، استطاع أن يحول الكارثة إلى انتصار له، وأذاع على شعبه أن أمريكا هي التي بدأت الحرب. وأنه استطاع أن يجعل هذه القوة العملاقة تركع على ركبتيها وتتوسل طالبة السلام. كما أنه ألقى باللوم أيضًا على الشيوعيين من الجنوب الذين زيّنوا له مدى قوتهم، وتسببوا في قتل قادته وتبين في النهاية أنهم عملاء للأمريكيين.

          في الجنوب كانت الحياة صعبة، وكان الطعام نادرا، وحتى بداية الستينيات، كان الفلاحون يغلون جذور الأعشاب ولحاء الشجر ليتغذوا عليه طوال فترة الربيع. في كل عام كانت هناك أعداد كبيرة من الناس تموت جوعًا. وحتى اليوم مازال العجائز يتذكرون كيف أنهم كانوا جوعى باستمرار، وكيف أن التحية التقليدية تحولت من «هل نمت جيدًا في الليلة الماضية؟» إلى «هل أكلت أرزًا اليوم؟»

          خلال فترة الخمسينيات، أصبح الرئيس ري معزولاً، وأصبح نظامه قمعيًا. لم تتم معالجة الأزمة الاقتصادية وتحكمت النظرة القاصرة والفساد المتفشي. وتجمع الشحاذون في زوايا الطرقات. وقد اعتمد الجميع ـ من الشحاذين في الشوارع حتى رئاسة الجمهورية ـ على مد اليد للأمريكيين. نصف ميزانية الحكومة كانت تأتي من المعونات الخارجية، وكانت أمريكا تعتمد على هذه المعونات في فرض السياسة التي تريدها.

          هل كان الكوريون يستطيعون منع هذا الانقسام؟ سألت أكثر من خبير وأستاذ جامعي حول هذا الأمر، البعض قال إنهم يتحملون بعض المسئولية، والبعض الآخر قال إنهم يتحملون عبء تاريخهم. لقد كانوا يشعرون - وهم على حق في ذلك - أنهم كانوا ضحايا للقوى المتنافسة، وكما يقول أحد المؤرخين الألمان: لقد انقسمنا بعد الحرب من أجل خطايانا، ولكن الكوريين انقسموا من أجل براءتهم، والبراءة في السياسة هي تعبير عن الضعف، وقد كان سر ضعف كوريا، عجز قادتها على العمل يدًا بيد.

          عندما انتهت الحرب، كان الاقتصاد الكوري في ذلك الوقت في أسوأ حالاته، تضخم زائد، ونقص في الطعام، واقتصاد أوشك على الانهيار، كانت 70% من المشاريع الصناعية التي بنيت أيام الاحتلال الياباني قد أصبحت في الشمال، ودمرت هي أيضا أثناء الحرب، وكذلك نصف مصادر الطاقة الكورية قد أصبحت أيضًا في الشمال وقد تم قطعها منذ مايو العام 1948، كان معدل دخل الفرد لا يتجاوز 68 دولارًا. ووفق تقديرات الأمم المتحدة كانت كوريا منخفضة في الدخل عن الهند وباكستان. وقد كتب أحد الملحقين العسكريين الأمريكيين الذين كانوا يعيشون في سيئول «إن كوريا لن تستطيع أبدًا أن تصل إلى مستوى مرتفع من المعيشة»، ففي الحقيقة لا يوجد كوريون مؤهلون بدرجة عالية، ولا يمتلكون الخبرة التكنولوجية لتحسين مستوى الإنتاج، وكان ما يملكونه اقتصادا قائما على زراعة الأرز. عندما كنت أقوم بزيارتي القصيرة، كانت الصحف التي تصدر باللغة الإنجليزية تعلق في فرح أنه للمرة الأولى تبادلت السفن الشمالية والجنوبية التحية بواسطة الأضواء وإشارات موريس، وليس بتبادل طلقات النار، كان التوتر قد خف قليلا وبدأت ريح الانفتاح تهب على الكوريتين.

          وفي الحقيقة فقد شهدت هذه المنطقة أسوأ مظاهر الحرب الباردة، ففيها أكبر حشد عسكري متأهب للقتال، ويقدر المحللون أن تعداد جيش كوريا الشمالية يبلغ 5ر1 مليون. بينما يصل عدد الجيش الجنوبي إلى 600 ألف، إضافة إلى 73 ألفًا من الجنود الأمريكيين.

          وعلى مدى الأعوام، لم تتحول كوريا الشمالية عن رغبتها في القتال. وبالرغم من فشلها في الحرب، فإن حلم التوحيد بواسطة القوة لم يبرح مخيلتها. كما رأينا في فكرة الأنفاق السرية، ولدى كوريا الشمالية حوالي عشرين فرقة من قوات العمليات الخاصة، وهو أكبر عدد من الفرق، ويعتقد أنها مزودة بأسلحة كيميائية وبيولوجية. وتسعى كوريا الشمالية الآن لتعزيز قوتها النووية، الأمر الذي يسبب قلقًا شديدًا لكوريا الجنوبية وأمريكا واليابان أيضًا.

          ويعتقد أيضًا أن كوريا الشمالية لها عدد كبير من الجواسيس داخل الجنوبية. ويصل عددهم - على حد قول مسئول كوري رفض ذكر اسمه - إلى أربعين ألفًا. ولا ينطلق هذا الاستنتاج من فراغ - ولكنه يعتمد على عدد الذبذبات والإشارات المجهولة التي يتم التقاطها. ويعتقد الخبراء أن هذه الإشارات هي رسائل مشفرة يقوم الجواسيس بإرسالها إلى أسيادهم في كوريا، وأن كل خلية من الجواسيس مكونة من ثلاثة أفراد وتقوم بإرسال رسائلها مرتين كل شهر. في عام 1996 أعلنت الصحف في كوريا الجنوبية أن مسلما من اصل فلبيني يدعى محمد كانسو كان يقوم بتدريس مادة الشرق الأوسط في جامعة «وان جوك» قد تم القبض عليه بتهمة التجسس لحساب كوريا الشمالية، ومع التحريات اكتشف الجميع شخصية مخالفة لكل ما اعلنته الصحف، فلم يكن فلبينيا ولا مسلما، ولكنه كان مواطنا كوريا من أصل صيني، وقد رحل من كوريا الشمالية إلى الصين حيث عمل مع الدبلوماسية الصينية وتعلم على أيدي خبراء اللغة العربية فيها كيف يتكلم هذه اللغة بطلاقة، واستطاع ان يتسلل إلى الجنوب وان يلتحق بالجامعة، وكانت مهمته هي جمع كل مايقدر على جمعه من معلومات عن النظام التعليمي في الجنوب، ومن الواضح من كل هذه الأخبار أن كوريا الشمالية كانت فخورة بهذا الجاسوس قبل ان يتم الإمساك به.

          لقد قامت كل من الدولتين بإشعال حروب المخابرات عن طريق دول ثالثة. وقامت كل منهما باختطاف مواطنين تابعين للدولة الأخرى، وعلى سبيل المثال فقد اختفى شخص من كوريا الجنوبية من أسلو عام 1970 عندما أخذه سائق التاكسي إلى سفارة كوريا الشمالية بطريق الخطأ. ويعتقد أيضًا أن الشماليين قد قاموا باختطاف عدد من اليابانيين وقتلوهم من أجل استخدام جوازاتهم. لسنوات طويلة، كان هناك كثير من المنشقين يعبرون من جانب إلى آخر، ولكن كل جانب لم يكن يعلن إلا عن القادمين إليه فقط. ولكن مع بداية التسعينيات والازدهار الاقتصادي الذي عرفته كوريا الجنوبية، بدأ التدفق يزداد إليها أضعافًا مضاعفة. ويمثل هؤلاء المنشقون دعاية سياسية جيدة، ولكن ليس لهم أهمية تذكر. إنهم يهجرون عائلاتهم ويتركونهم عرضة للعقاب من السلطات الشمالية. ولكن - بالطبع - لا يوجد منشق منهم في وزن الروائي الروسي سولنجستين أو العالم زخاروف اللذين انشقا عن الاتحاد السوفييتي.

          وبالطبع فإن كلا من الحكومتين تبقي مواطنيها تحت درجة كبيرة من التحكم، ويقال إن كوريا الشماليه لديها حوالي 150 ألف سجين، وهي تقوم بالقبض على اي احد فور أكتشافها أن له أقارب في الجنوب، وكذلك الأمر في كوريا الجنوبية، فإن تهمة مناصرة الشيوعية هي تهمة أبقت العديد من المثقفين داخل السجون لأكثر من أربعين عاما.

          لقد كانت المنطقة المنزوعة السلاح أكثر من منطقة غير مأهولة، لقد كانت جدارا حاجزا يفوق في قوته جدار برلين بالرغم من أنه لم يكن مرئيا،فلم يقدر على عبوره أناس او رسائل أو سيارات أو بضائع، أو قطارات، لم يعبره إلا رجال الكوماندوز والمخربون وأصوات الدعاية الصاخبة والطيور المهاجرة والحيوانات البرية وبعض طلقات الرصاص وأحيانا بعض الوفود المفاوضة.

إلى أين السبيل؟

          يقول الكاتب ميشيل برين مؤلف كتاب الكوريتين: «إن لكل واحدة من الحكومتين أسبابها للخوف من الأخرى. لأن كل واحدة منهما تقدم خيارًا مختلفًا عن المستقبل. لقد بنت كوريا الشمالية نظامها على خرافة «جنة العمال» و«المجتمع المثالي» ولسنوات عدة كانت هناك شعارات موضوعة فوق البنايات العالية في بيونج يانج تقول نحن سعداء، وكذلك ترفعها على خطوط المنطقة المنزوعة السلاح، وكان الخوف الحقيقي هو أن تنكشف كل هذه الأكاذيب. لذلك فقد كان هناك خوف من أي منشق يعبر الحدود، لأن هذا يعتبر تشققًا في جدران النظام. وكان من يقرأ مجلة «التايم» مثلا دون إذن يعتبر جاسوسًا، لأنه سوف يتعلم شيئًا عن العالم الخارجي يمكن أن ينتقد النظام.

          أما في الجنوب، فقد كان دافع الخوف مختلفًا، وهو أن يبتلع الناس أكاذيب الشمال، ليس لأنها كاذبة كلية، ولكن لأنها نصف حقيقية. فقد كان الكوريون يعانون من إحساسهم بالهوان والضعف أمام صراعات القوى الكبرى، واعتقد الكثير منهم ـ خاصة المثقفين ـ أن الخلاص الحقيقي لن يتأتى إلا بالتخلص من الهيمنة الأمريكية، كما تم التخلص من الهيمنة الصينية في الزمن القديم، وأن الشمال يقدم نموذجا لذلك الحل. كانت كوريا الشمالية من الخارج نظاما براقا، لا أحد يعلم عن المجاعات المتواصلة ولا آلية القمع التي لا تتوقف، كل ما يعرفونه أنه بينما كان الجنوب يعتمد في كل شيء على أمريكا من أجل توفير الأمن والحماية، كان الشمال يتبنى طريقته الخاصة في تطبيق الشيوعية.

          لقد تغيرت الظروف الآن، ولم تحقق المعجزة الاقتصادية أثرها في النمو فقط، ولكنها نزعت الخوف من نفوس الجنوب. لقد جعلتهم أكثر قدرة على رؤية أنفسهم بصورة أفضل، وفي الوقت الذي غرق فيه الشمال في مزيد من العزلة والفوضى والجوع، كان الجنوب يمضي بثبات ليصير القوة العاشرة اقتصاديًا وتجاريًا على مستوى العالم.

          وفي الوقت الذي ارتفعت فيه صيحات الشمال باستخدام الصواريخ والقنابل النووية، كان الجنوب يملأ العالم بالسيارات والمنتجات الصناعية، ويتحول ليصبح عضوًا فعالاً في معركة التقدم.

          ولكن يبدو أن أمل توحيد الكوريتين مازال أملا بعيدا، فما زال الشمال متمسكا بأن الوحدة لن تتم إلا عن طريق القوة، بينما يرى الجنوب أن الوحدة هي عبء مالي وتكلفة اقتصادية لا يريد أن يتحملها في الوقت الراهن، وشاهده على ذلك هو تجربة الوحدة الألمانية التي مازالت تمثل عبئا كبيرا على الاقتصاد الألماني.

 

محمد المنسي قنديل   




صورة الغلاف





كوريا المشطورة إلى قسمين.. من يلئم شرخها ويعيدها إلى صورتها التاريخية القديمة؟ نصب تذكاري رمزي على حافة المنطقة المنزوعة السلاح





الأسوار والأسلاك الشائكة التي تفصل بين شطري كوريا في كل يوم يأتي آلاف الزوار ويعلقون الإشارات الصفراء والأعلام ويكثر الزوار في الأعياد والمناسبات الدينية، حيث تتذكر الأسر التي انقسمت والأهالي الذين تفرقوا أقاربهم على الجانب الآخر من الحدود





خط التقسيم الدولي الذي يفصل بين الكوريتين وضعته القوات الأمريكية بنفسها عند خط 38 حتى توقف القوات السوفييتية عن التقدم في اتجاه سيئول





جسر الحرية الذي أقامته الأمم المتحدة والذي يصل إلى حافة المنطقة المنزوعة السلاح وهو طريق الوصول الوحيد إلى منطقة الهدنة، وقد تم خلاله تبادل الأسرى بين الجانبين





مبنى الإذاعة الذي كان يبث النشرات والأغاني والنداءات إلى الجانب الآخر في كوريا الشمالية وهذه هي الصورة الأخيرة له قبل أن يتم هدمه تنفيذًا لاتفاقية إنهاء الحرب الإعلامية بين الجانبين





مبنى لجنة الهدنة المؤقتة أو باغون جوم، وهو مكان المحادثات المستمرة للجنة الهدنة العسكرية التابعة للأمم المتحدة (MAC) ويوجد بجانبه خط التماس العسكري في المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الكوريتين





أجيال جديدة من الفتيات الكوريات يقمن بزيارة الجبهة. إنهن لا يعلمن شيئًا عن المآسي التي عاشتها جداتهن أثناء الحربين العالمية والأهلية





أحد أبراج المراقبة التي يتناوب عليها الجنود الأمريكيون والكوريون وهي مزودة بأحدث أجهزة الرؤية الليلية، وعلى الرغم من انتشارها فهي لا تستطيع منع عمليات التسلل بين الجانبين





الغناء الكوري المليء بالتفجع يحكي تاريخًا طويلاً من الحروب والمجازر. إن كوريا بلد الفن والحضارة وقعت دائما فريسة لانقسام الرأي





آخر نقاط الحدود. هنا توقف خط السكة الحديد الذي كان متواصلاً بين الجانبين، تم اجتثاث القضبان ووضعت الأسلاك الشائكة بدلاً منها. سيئول تبعد 56 كلم وبيونج يانج تبعد 205 كلم





شعلة دائمة الاحتراق لأرواح الضحايا، ومنظار لمراقبة الجانب الآخر، والزوار ينظرون بحسرة إلى جانب التلال الذي أصبح معاديًا





واحد من أربعة أنفاق ضخمة تم اكتشافها وقام بحفرها جيش كوريا الشمالية. يعتقد أن هناك 16 نفقًا لم يتم اكتشافها بعد، وكانت كوريا الجنوبية تنوي مواصلة حفرها حتى تصل إلى قلب سيئول نفسها وهي تعتقد أنها بذلك تعيد توحيد كوريا بالقوة





قطار صغير أنشأته حكومة كوريا الجنوبية يسير لمسافة 6 كيلو مترات في جوف الأرض هو طول النفق الذي حفره الجانب الآخر قبل أن يتم اكتشافه





اشترك في الحرب الكورية جيوش من كل أنحاء العالم، ومات فيها جنود من كل الجنسيات. هذه النصب التذكارية تمثل الجنود الفلبينيين وهي واحدة من أنصبة عديدة لكل البشر الذين استهلكتهم هذه الحرب





العجوز هون شاهد على واحدة من أكبر مذابح الحرب الكورية، مازال يتذكرها ويطالع أسماء الضحايا الذين سقطوا فيها، ويشعل لهم نارًا لا تخبو





جزيرة جاجو، أكبر جزر كوريا من أصل 3 آلاف جزيرة كورية. «جزيرة الآلهة» - كما يسمونها - لأنها زاخرة بأجمل المناظر، وعلى الرغم من ذلك شهدت من مذابح الحرب ما أباد عشر سكانها





النساء الغواصات في جاجو، إنهن أشد النساء قوة في العالم، ويغصن بحثًا عن الأعشاب والأصداف البحرية، وكان من المعروف عن هذه الجزيرة أن النساء يخرجن للغوص بينما يبقى الرجال في راحة داخل البيوت





في عام 2002 عقدت قمة بين الرئيس الأمريكي بوش والرئيس الكوري كيم دي جونج في مدينة دورسان آخر نقطة على الحدود بين الكوريتين وقاما معًا بافتتاح محطة القطارات، التي من المأمول أن تصل بين الجنوب والشمال





لوحة فنية لآخر قاطرة كانت تسير بين البلدين. لقد أتمت كوريا الجنوبية الآن مد الخطوط الحديدية من جانبها وهي تأمل أن يقوم الشمال بمد خطوطه وأن يتم افتتاح خط يخرج من سيئول ويعبر الصين ومنشوريا وأوربا حتى يصل إلى باريس، وأن تصل دورسان بين (سيئول وباريس)