مرة أخرى... لماذا نكتب؟
شعرت عند قراءتي لمقال القاصة الكويتية فاطمة يوسف العلي المنشور في العدد (567) فبراير 2006 من مجلة «العربي» بأنها قد وضعت يدها على جرحي وعلى جراح كثيرين مثلي لا تخولهم مؤهلاتهم العلمية خوض غمار الكتابة الأدبية، وإن كانوا يمتلكون المواهب إلا أن زحمة الحياة والبحث فيها عن لقمة العيش قتلت لدى غالبيتهم هذه المواهب. «لماذا نكتب» أعادني للوراء سنوات. لقد لامس هذا المقال جرحًا قديمًا لم يبرأ، وهو جرح الكتابة، فالكتابة تمثل حياة أخرى، وبالرغم من مشاغل الدنيا ومتاعبها فإنه لابد أن يختلي المرء بنفسه أحيانًا بعض الوقت ليمارس طقوس هوايته، التي هي الهواء الذي يستنشقه والقوت اليومي لروحه التي تعشق القراءة.
أعود إلى المقال الذي استهلته صاحبته بالإجابة عن السؤال عنوان المقال، وبعد أن وصفته، أي السؤال بالبساطة أوردت إجابة بسيطة أيضًا بقولها إن الكتابة نوع ولون من التعبير عن الذات. وهذا كلام صحيح وحقيقي لأن الكتابة صوت قوي ينبع من الأعماق، لا يمكن إسكاته إلا بالقلم، وقولها أيضًا «إن الكتابة حياة» أجزم أنني لا أجد تعبيرًا أجمل من هذا التعبير، فالكتابة حياة، وأيّ حياة، إنها حياة يمتزج فيها الواقع بالخيال، فأنت عندما تكتب لك أن تتخيل كل ما لا تملكه في الواقع، ولأنها - أي الكتابة - تعبير عن الذات، فهي تكشف وتنم عمّا تحمله الذات من خير أو شر، وهذا يظهر جليًا من الأسلوب الذي نتناول من خلاله فن الكتابة، ثم تطرقت القاصة إلى فوائد الكتابة، ولأنها قاصة، فقد أفاضت في التعريف بفن القصة القصيرة، الذي أراه - من وجهة نظري - من أجمل الفنون، لأنها حبكة أدبية تحرّك وجدان القارئ، وتجعله يعمل عقله في البحث عن نهاية للعقدة أو الحبكة أو الحدوتة، التي أراها أقرب في الوصف، وأميل إلى القول بأن الكثيرين من كتّاب القصة القصيرة مازالوا يحتفظون منذ طفولتهم بكم من الحواديت، التي لم يكن يخلو بيت منها في الماضي، حواديت الجدات والأمهات، التي كان الصغار ينامون على وقع أحداثها، ولكن الكاتبة قد تغاضت عن هذه الجزئية، وأتت بأعظم منها، فاستشهدت بالقرآن الكريم الذي ساق الكثير من القصص. تبقى كلمة أعود بها إلى العنوان مرة أخرى «لماذا نكتب»؟ وأجيب أن الكتابة أمانة في أعناق ممتهنيها، وهي مرض يصيب بعض الناس، وأظنهم لا يتمنون الشفاء منه، وهي بالنسبة للكاتب أو حتى الهاوي صديق يمكنه البوح له بما يود في زمن ندر فيه الصديق.