الثقافة والإصلاح... علاقة تبادل

 الثقافة والإصلاح... علاقة تبادل
        

          طالعت ما جاء في مقال رئيس التحرير الدكتور سليمان العسكري المنشور في مجلة «العربي» العدد (561) - أغسطس 2005 تحت عنوان «الثقافة في زحام الإصلاح». لقد انتقد ذلك اللغط العالي والمتواصل عن الإصلاح، وكيف أنه في وسط هذا الزحام يبدو صوت الثقافة خافتًا، وهــو يــرى فــي هذا الأمر إساءة بالغة لتقدير موقع الثقافة في النهوض البشري.

          أرى أن النقد الموجه إلى المثقفين، هو نقد بنّاء وموضوعي، والهدف منه تحريك حالة الجمود الراهنة، التي أصابت معظم النخب الثقافية ممن تناسوا في زحمة انشغالهم بالإصلاح السياسي القضية الثقافية، كما استهدف أيضًا توجيه اهتمام هؤلاء المثقفين نحو ما هو أكثر أهمية في منظومة أي إصلاح عربي، ألا وهي الثقافة، باعتبارهم المعنيين الأول بتبني وإعلاء ورفع هذا الشأن الثقافي، لذا فإن هذا النقد جاء من واقع ملاحظات وقراءات لمجمل ما تضمنته وثائق وتوصيات منتديات الإصلاح العربي، هذه المنتديات التي درجت على وضع الثقافة في أسفل القائمة، وكأنما هي موضوع استثنائي لا تستحق أن تكون على صدارة أجندة أي حديث عن الإصلاح.

          وأعتقد أن السبب الكامن وراء انشغال هذه المنتديات العربية بمطالب الإصلاح السياسي، ربما يعود إلى ذلك الشعور الطاغي والمسيطر على المثقف العربي، جراء حرمانه الطويل من ممارسة حقوقه السياسية، وتحت تأثير هذا الشعور الضاغط، يجد نفسه مدفوعًا دفعًا، وبحماسة مفرطة نحو التركيز على الإصلاح السياسي فقط، ونتيجة لهذا الانجذاب الشديد، تغيب عن بال وذهن وفكر هذا المثقف قضايا إصلاحية أخرى مهمة وجوهرية.

          وبخصوص إصلاح الخطاب الثقافي، أعطى الكاتب لهذا الخطاب عنوانًا أكثر انقسامًا، وأوضح مفهومًا، وذلك لكي يتوافق ويتلاءم مع معطيات الإصلاح الثقافي المنشود، بحيث استطاع أن يخرجه من دائرته الضيقة والمحدودة، لينقله إلى دائرة أعم وأشمل وأعمق، ومن ثم حوله في خطاب خاص مملوك في أيدي نخبة محدودة وقليلة العدد، هي «صاحبة هذا الخطاب المرسل»، ليصبح بالتالي خطابًا عامًا يلامس جميع أطراف وشرائح وفئات المجتمع، أي أن يصبح هذا الخطاب المراد إصلاحه، خطابًا تفاعليًا يشمل كل المرسلين والمتلقين على حد سواء، كما أن نجاح وإصلاح هذا الخطاب محكوم ومشروط بمدى قدرته على ابتكار وابتداع أساليب وطرق جديدة مغايرة ومختلفة تمامًا عن تلك الأنماط التقليدية السابقة. وهنا تكمن أهمية الدعوة إلى أخلاق الثقافة، التي يجب أن تكون مشرقة ووضاءة على خارطة الإصلاح الثقافي العربي، ولابد أيضًا من إعادة بناء شخصية وثقافة الإنسان العربي على أساس هذه القيمة الخلقية، يجب أن تصبح رديفًا لأي إصلاح ثقافي.

محمد عبدالرحمن العبادي
الضالع - اليمن