اتصالات فضائية لقرن جديد

اتصالات فضائية لقرن جديد
        

يبشر العلماء بأن هذا القرن الواحد والعشرين سيشهد ثورة حقيقية في في نظم الاتصالات الفضائية تؤدي إلى تغيير مفاهيم الحياة البشرية بصورة جذرية خلال العقدين القادمين.

          فالتعليم والصحة مثلا، وغيرهما من الخدمات الضرورية ستتم بسرعة وكفاءة عالية بفضل الاتصالات الفائقة عبر الأثير. أما شبكة المعلومات فستنتشر إلى آفاق أبعد وأشمل لتغطي جميع الميادين التجارية والصناعية والزراعية والعلمية والترفيهية . فخلال السنوات الخمس القادمة ستنتشر في الفضاء شبكة من الأقمار الصناعية يصل عددها إلى الألف وتعمل في مدارات مختلفة، فقسم منها سيكون على ارتفاعات منخفضة لا تتجاوز بضع مئات من الكيلومترات عن الأرض وتعرف بـ ((LEO، لكن قسما منها سيحلق في مدارات عالية تصـل إلى 36000 كيلومتر ويطلـق عليها GEO ))

المواصفات

          تتمتع الأقمار المنخفضة المدار (LEO ) بخواص تمنحها القدرة على استقبال وإرسال الإشارات بزمن قياسي لا يتعدى الواحد بالمائة من الثانية. لكن الأعداد المطلوبة من هذه الأقمار لتـغطية أعمالها الشاملة تصل إلى عشرين ضـعفا مقارنة بأداء الأقمار العاملة على المدارات البعيدة (GEO ) أو خمسة أضعاف لمثيـلاتها من الأقمار المتوقع عملها في ارتفاعات متـوسطة MEO. ويخطط العلماء في زيادة كـفاءة الاتصالات خلال هذا العام  باستخدام طائرات مسطحة تعرف بـ (HALE ) يمكنها التحليق بارتفاعات شاهقة وعلى مواقع ثابتة ولفترة طويلة لضمان نقل المعلومات بسرعة فائقة. وهذه الطائرات العاملة من دون طيار والموجهة إلكترونيا تستطيع الطيران والطوفان في السماء لأيام طويلة وعلى ارتفاعات تقدر بـ 20000 متر فوق سطح الأرض.

خدمات مباشرة

          والجديد في هذه التكنولوجيا هو في قدرة هذه الأقمار الصناعية على إيصال المعلومات إلى المستخدمين مباشرة، دون الحاجة إلى الرجوع للمحطات الأرضية التي تستقبل الإشارات الواردة من الفضاء وتوزعها على المشاركين في شبكة الخدمات.  

          أما الأقمار الصناعية للقرن الواحد والعشرين فستتضاعف طاقاتها لعشرات المرات بفضل إعادة استعمال الأطياف المتداولة لـ (100 ـ 1000) مرة، وذلك بفـضل النـظام الجـديد الذي يتمكن من الاتصال بالأقـمار الصناعية وفي نفس الوقت يكيـف وضعه بترتيب يتـناسب مع موقع الطائرات أو الـسفن التي تسترشد بها للوصول إلى أهدافها.

الألياف الضوئية

          تسعى البلدان الصناعية لتسخير الطاقة الهائلة للألياف الضوئية في توسيع خدمات الاتصالات ونقل المعلومات أضعافا مضاعفة وبأرخص التكاليف من خلال الأقمار الصناعية التي تسير في مدارات متفاوتة حول الأرض، ويتخوف العلماء من أن تؤدي هذه النظم المتعددة من الاتصالات في المستقبل إلى حدوث إرباك وتشابك بين الخدمات عبر الأقمار الصناعية والاتصـالات اللاسلكية ومثلها بالأليـاف الضـوئية إضافة إلى القـابلوات الأرضية. لذلك يتـطلب الحال عقد بروتوكولات فنية لتنظيم هذه الفعـاليات في نقل المعـلومات بكفاءة وجودة. ولتوفير متطلبات القرن الحالي  أيضا يسعى المهندسون لابتكار أقمار صناعية جديدة تعمل بآفاق واسعة يمكنها من اعتماد الألياف الضوئية والقابلوات الأرضية معا في خدمات الاتصالات لتوسيع قدراتها وسرعتها إلى 1000 ضعف مما هو متوفر في عقد التسعينيات من القرن الماضي.

          وبين الخبراء أن هذه التقنيات الحديثة ستمكن الشركات من توفير اتصالات هاتفية رخيصة لا تتعدى 1،0 سنت في الدقيقة الواحدة. أما الخدمات المتلفزة فهي مقبلة على طفرة كبيرة بفضل أقمار الاتصال المباشر التي يؤمل من ورائها مضاعفة المشاركين في خدماتها لثلاثة أضعاف عند سنة .2005

كفاءة عالية بفضل الطاقة الشمسية

          يتجه العالم اليوم لاستخدام الأجهزة النقالة الصغيرة الحجم التي تعتمد في بث واستقبال المعلومات على هوائي صغير يلتقط الإشارات ويرسلها بدقة كبيرة. وهذا الإنجاز لا يمكن تحقيقه دون رفع كفاءة الأداء للأقمار الصناعية لتتمكن من التعامل مع الإشارات الضعيفة الواردة من تلك الهوائيات الصغيرة وذلك بتصميم نظام خاص للطاقة الشمسية مصنوع من مواد الجاليوم آرسنيد والجرمانيوم بدلا من المواد السليوكونية، حيث يتوقع العلماء أن ترتفع الكفاءة بنسبة 30%

          ويمكن تحقيق ذلك بتركيب هوائيات كبيرة على الأقمار الصناعية يصل قطرها إلى 10 أمتار قابلة للزيادة إلى 20 أو 30 مترا لتزيد من طاقتها المعلوماتية وسرعة الاستجابة لالآف النداءات الواردة من الأرض في آن واحد. ويتوقع الخبراء أن تصل إمكانات هذا النظام في استقبال وإعادة بث الإشارات لـ 27000 وحدة إلكترونية أو هوائي يطلب معلومات مستعجلة في آن واحد، ليتحقق بذلك نـظام الشـمولية في خدمات الاتصالات التي ستـكون بأرخص التكاليف في المستقبل القريب.

تكنولوجيا المستقبل

          تطلع العلماء إلى المستقبل بتفاؤل كبير لتحقيق هدفهم السامي في بناء شبكات للاتصالات الشاملة بأقل التكاليف، وذلك بإرسال أقمار صناعية إلى الفضاء يمكن إعادتها إلى الأرض لصيانتها وبرمجتها ثم إطلاقها للفضاء مرة أخرى. وهذه التكنولوجيا المستقبلية التي يخطط لها العلماء يؤمل تنفيذها من خلال أربعة مشاريع مختلفة:

           الأولى: بإرسال مركبات فضائية تعمل بغاز الهيليوم ويقودها الرجل الآلي.

            الثانية: تسيير أقمار تعمل بالخلايا الشمسية.

            الثالثة: تشغيل مركبات فضائية تعمل بالدفع النفاث.

            الرابعة: إرسال أقمار صناعية بقوة الإطلاق المباشر.

          لنوعان الأول والثاني يمتازان بطاقتهما العالية وقدرتهما على البقاء في الفضاء لفترة طويلة. لكن الصنفين الثالث والرابع يفتقران لهذه الخاصية لعدم قدرتهما على الاستمرار في الخدمة لفترة تزيد على بضعة أيام.وهناك أفكار لمشاريع مستقبلية أخرى لتوسيع الخدمات الشاملة برفع قدراتها في الذبذبات الموجية إلى أقصى حد، لكن هذه التقنية المتطورة تعترضها مشكلة الأمطار المتساقطة التي تؤدي إلى بعثرة هذه الموجات لدى اصطدامها بقطرات الماء المنهمرة. لذلك يستوجب الأمر بناء محطات أرضية أكثر لتأمين إصلاح الأخطاء المتوقعة في مسارات الموجات والإشارات التي تبعثها شبكة الاتصالات الفضائية مما سيضيف تكاليف إضافية على أجور هذه الخدمات.

          هناك محاولات جادة لتوظيف الليزر في الاتصالات الفضائية وهي في مراحلها الأولية وتستوجب إيجاد حلول لمشاكل أساسية تعترض سبيل استخدامها.

          ن طموحات العلماء للسنين الـ 20 القادمة لا حدود لها، فهي تسعى لتسخير مزيج من الطاقات والتكنولوجيا المتنوعة لتوفير أفضل خدمات شبكية للاتصالات حول العالم تمتاز بالسرعة والجودة وقلة الأجور، حسبما أوردته مجلة (أمير كان ساينتست). لكن ذلك يتطلب جهودا حثيثة من قبل الجامعات والمعاهد العلمية والشركات المختصة في جميع أنحاء العالم، فالمنفعة ستكون شاملة، وأن أحسن وسيلة لتحقيق ذلك هي إنشاء معهد علمي وعالمي يتخصص في هذا الميدان سعيا لخدمة البشرية.

 

لطيف إبراهيم علي