عزيزي العربي

 عزيزي العربي
        

  • تصويب

عمرو.. وعمر

          جاء في موضوع د. علي القريشي الموسوم بــ«البصرة خلجات عائد من المنفى» في العدد (564)  نوفمبر 2005م. قوله: «وهي موطن الحسن البصري وأبي عمر بن العلاء...».

          وذكر (عمرو) بصيغة (عمر) وهو خطأ بيّن، ذلك أن الفرق بين عُمَر وعمرو، إنما هو هذه الواو، هي المسماة في كتب العربية (بواو عمرو) ومعلوم أن أبا عمرو بن العلاء اسمه العلم «عمرو» لا عمر.

          وهذه الواو أيضًا تزاد في الكلام بعد «لا» النافية في الجواب، إذا قيل لك: هل فعلت كذا؟ فتقول: لا، وعافاك الله.

          وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال لرجل عرّس: أكان كذا وكذا؟ فقال: لا، أطال الله بقاءك، فقال الإمام عمر- رضي الله عنه -: «قد عُلّمْتُم فلم تَتَعلّموا، هَلاّ قلت: لا، وعافاك الله!».

          وحُكي عن الصاحب بن عبّاد أنه قال: هذه الواو هنا أحْسن من واوات الأصداغ في وَجَنات الملاح.

مهند مجيد برع العبيدي
تكريت - صلاح الدين - العراق

دخول ثقافي للعصر

          حضرت الكويت في العصر الحديث كأهم المقومات الثقافية والعلمية للوطن العربي، ولعلها الدولة العربية الوحيدة، التي خطت وفق استراتيجية قويمة منذ بزوغ نجمها نحو المراهنة على واقع جمالي أكثر رحابة، وهي أيضًا من البلدات العربية، التي استشعرت أهمية المرحلة التاريخية، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الطويلة، التي ينام في خيامها الإنسان العربي المقهور، مضطربًا ويائسًا.

          وإذا كانت العقلية العربية في العصر الحديث قد اختارت النقل النظري لشكل «العصرنة»، فإن هذا الشكل لا يجرؤ أن يكون أكثر من ثقب آني ينكسر أمام الهالة الواسعة لامتداد الفضاءات والأكوان، والواقع أن هذا الغطاء الذي بدا في فترة من الفترات لامعًا وبرّاقًا - ولم تلبث جذوته أن خبت وذرته الرياح على العيون، هذا المشهد استقرأته الاستراتيجية الفاعلة في الكويت الشقيقة، فعملت على بلورته برؤية ثقافية تشتمل على الكثير من الحكمة التي تستــشرف تطلعات الأمة العربية والمثقف العربي المتنور الطامح إلى شكل جديد للحياة.

          ذلك الإنسان الذي تتبعته هذه الثقافة إلى أماكنه البعيدة.

          فمثلاً، لا أحد يستطيع أن يدير وجهه لمجلة «العربي» التي تأسست في أوج الاحتدامات العربية عام 8591م، وهذا التوقيت فجّرته الكويت في وقت واكب ذاك التصعيد الذي عُرف في المد السياسي والثوري. فقد عملت هذه المجلة على حفر ذاكرة جديدة احتملت التنوع في طريقة بنائها التراكمي الذي جعلها الآن أكثر المجلات العربية انتشارًا وتأثيرًا.

          والحق أن الكويت الآن أصبحت مضخة هائلة للمعرفة، حتى أن مطبوعاتها الأدبية والفكرية المهمة، تحط بشكل يومي في عواصم الدول العربية، ولا أحد يستطيع أن ينسى أو يتغافل عن إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، تلك الإصدارات التي تعد اليوم الصميم الوجداني للمثقف العربي.

جميل أحمد الهتار
صنعاء - اليمن

تحت سماء كوجرات

          طالعت متلهفًا موضوع غلاف العدد (568) مارس 2006 «تحت سماء كوجرات» لأني - ككثير من الناس - لا أذكر كوجرات إلا وذكرت معها المجزرة البشعة التي اقترفها الهندوس المتطرفون نحو المسلمين. وبعد مطالعة السطور الأولى لهذا الاستطلاع الجذاب رأيت أنه يزيح الستار عن أيدي السوء للصهيونية وراء هذه الكارثة المفجعة.

          وعلى الرغم من جانب المأساة الأخيرة فقد أثار هذا الاستطلاع اهتمامي أنا المسلم الهندي الذي أسكن في أكبر ديمقراطية عالمية وفي ثاني أكبر بلد في عدد سكان المسلمين في العالم. وهذا الاستطلاع جدير بالثناء وخليق بالإشادة بما يضمه من معلومات نادرة وحقائق مجهولة حتى لمواطني الهند، فضلاً عن سائر القرّاء من شتى أنحاء العالم. ومن الحقائق التاريخية المصرحة في هذا المقال والغامضة لمعظم القرّاء ما عثر عليه الكاتب أشرف أبو اليزيد من الجذور الإفريقية في هذه الولاية، حتى استدلّ له ببعض الصور النموذجية التي التقطها الأخ سليمان  حيدر بعدساته الفائقة.

          ولعل قرّاء مجلة «العربي» بما يملكونه من رفيع المستوى في تتبع أحوال العالم - يدركون عبر الوسائل الإعلامية ما يحدث في الهند بخصوص الأوضاع الـســيـاسيـــة والاضــطـــرابات الطائفية. أما مدى التعاطف والتسالمح الديني بين أهل الأديان المختلفة في الهند، ومآثر الثقافة الإسلامية العريقة في هذه الأرض، بالإضافة إلى الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمسلمين، فلاتزال غامضة لمعظم القرّاء، وهنا تظهر ميزة مجلة «العربي» وأهميتها بين سائر المجلات والوسائل الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة. ولاشك أن بيانات «العربي» واكتشافاتها تجعل المغتربين يدركون قدرًا كافيًا لإثارة اهتمامهم عن هذه الدولة كما أنها توسع آفاق المعلومات التاريخية للمواطنين عن أحوال بلدانهم. ناهيك عما يضيفه هذا الاستطلاع للسائحين المغتربين لمشاهدة عجائب التنوع الهندي.

          وقد أصبحت الهند معروفة لدى الجميع، ومن الناس من يسرع إلى أذهانهم عند ذكرها تاج محل والقلعة الحمراء وقطب منار وسائر المعالم المغولية التاريخية عند سماع هذه الكلمة. ومنهم من يتذكر هذه الدولة الكبيرة التي تفتخر  بديمقراطيتها ووحدتها بين مختلف الأديان واللغات والثقافات.

          ومنهم من يظهر في ذهنه أعداد الأطباء والمهندسين والعلماء وأصحاب المهارات الذين يخدمون في خارج الهند. ومنهم من يستحضر إلى ذاكرته الأفلام الهندية التي توزع عبر القارات الخمس. ومنهم من يرى العمّال الهنود الذين يشتغلون في البيوت والمكاتب والمطاعم والمحلات التجارية في دول الخليج خاصة وفي سائر الدول عامة. كما أن هناك من يتذكر  صراع مهاتما غاندي ضد الاحتلال البريطاني وعبوديته. أما «العربي» بشريحة كوجرات فقد لمست جميع جوانب الهند، حتى أنها لم تترك بابًا إلا طرقته في هذا الاستطلاع.

          وعقب هذا الاستطلاع نشرت «العربي» صفحات أدبية عن الشعر المعاصر في كيرالا إحدى ولايات الهند بإيراد أبيات من قصيدة الشاعرة المعروفة كامالا داس التي غيّرت اسمها إلى ثريا بعد اعتناق الإسلام، مع تمهيد موجز عن الطبيعة الخلابة لهذه الولاية. ولاشك أن طبيعة كيرالا بالأشجار الوارفة والأنهار الصافية والجبال الخضراء والسواحل الزرقاء مثيرة للشعر والخيال، ولكن أهل هذه الولاية تركوا هذا الجمال - ليسوا راغبين عنه - وهاجروا إلى شتى نواحي العالم لاكتساب لقمة عيشهم.

          وبما أنعم الله على هذه الولاية بكثير من الأنهار قيل عنها إنها «خير الله» ومن هذه التسمية جاءت كلمة كيرالا، ويمكن أن يقال عنها إنها جنة في الأرض ولكن هذا الوصف قد سبقت به كشمير.

          وقد كانت كشمير من قبل جنة في الأرض بلا منازع ولكن  الإنسان بحرصه على السلطان والسيطرة جعلها بؤرة تضج في جوانبها أصوات القنابل والبنادق وفقدت الأمن والسلام. وأغتنم هذه الفرصة وألفت أنظاركم لكي تنشروا استطلاعاً عن كيرالا الخضراء،  الولاية الوحيدة التي لم تــتلوث بعد بغول الإرهاب، حيث يسكن فيها كثير من المسلمين الآمنين مطمئنين في مستوى رفيع من التربية والتعليم والثقافة وبواسطته تــمــكــنوا من  أن يـــرتـــقوا إلـــى المنـــاصب الـــعالية في الوزارات والوظائف الحكومية.

          وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا العدد من «العربي» قد امتاز بحديث الشهر عن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الذي تم اختياره على المنهج الجليل للديمقراطية، وذكر فيه إنجازاته العظيمة في مجالات السياسة  والعلاقات الدولية مع طموحاته وتطلعاته وإصلاحاته تجاه المستقبل الباهر لهذه الدولة الأبية. وانني أتضرع إلى المولى عز وجل أن يوفق صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأن ينعم عليه بمزيد من الصحة والعافية لـخدماته الجليـلة للـدين والـــوطن، وأن تنـــعم الكـــويت بالأمــن والســــلام، وأن يحميها الله من كيد الغـاشمين ومن أيـدي الإرهابيين.

يوسف أبو بكر المدني
كيرالا - الهند
[email protected]  

الفضائيات وكسر حاجز اللغة

          من المتفق عليه لدى العرب وفي العالم بأسره أن البرامج التثقيفية وحدها هي التي تخدم المتفرج وتضفي على معارفه غنى، وقد شهدت السنوات الأخيرة كمًا هائلاً من البرامج التي تسعى وراء إشغال الناس بحياة غيرهم، بدلاً من أن ينشغل الناس بحياة جيرانهم أو أصحابهم أو من حولهم. أصبح شغلهم الشاغل هو حياة هؤلاء الذين يرشحون أنفسهم لكي يكونوا نجومًا شرط أن يعرضوا حياتهم الشخصية للملايين من العرب وغير العرب.

          قد يظن القارئ من خلال مدخلنا هذا أننا من هؤلاء الذين يؤمنون أن هذا النوع من البرامج هو فتنة للعرب، لكن سنعرض هنا زاوية نجدها إيجابية، علينا الانتباه لها إن لم نقل تسليط بعض الضوء عليها.

          من بين 22 دولة عربية نجد أن دولتين أو ثلاثًا لا أكثر استطاعت جعل لهجتها لهجة مفهومة عند كل العرب وذلك بما تنتجه هذه الدول من برامج وأفلام تهم العرب فيهتمون بها فيفهمون لهجة منتجيها، ونشير هنا للهجة المصرية والتي كانت أول لهجة تغزو بلدان العرب ويعود ذلك للإنتاج السينمائي المصري الغزير والمتنوع والذي يطغى على إنتاج كل العرب في هذا المجال. وبعدها جاءت اللهجة اللبنانية لتضيف للعرب لهجة أخرى وتعابير مختلفة عن تعابيرهم فقاموا بمجهودات عظيمة كي يفهموها من خلال البرامج اللبنانية، وباتفاق العرب، وقل ما اتفقوا، أصبحت تضاهي وتفوق كل برامج العرب في شكلها ونوعها وجودتها وما نحسه من خلالها من جهد مبذول، ولم تذهب تلك الجهود هباء بل انتشرت في بيوت كل العرب فأحبوها ثم فهموا لهجتها ثم شعروا بمدى احتياجهم لها. ولكن تبقى باقي الدول العربية مُهمشة أو لنقل مُهمِّشة نفسها بما أنه لا جهد مبذولاً لإبراز نفسها لباقي العرب، فبقيت لهجتها مبهمة في بعض الأحيان غريبة تمامًا لدى العرب.

          إذن، فقد نبهتنا هذه البرامج التي يجدها معظم العرب تافهة إلى نقطة مهمة جدًا وهي ولاشك أهم بكثير من الرسالة التي تريد هذه البرامج إقناعنا بها والتي لا نكاد نلمسها حتى فكيف لنا بفهمها.

          ولنطرح أيضًا نقطة أكثر أهمية وهي كيف يمكن للعرب أن يتحدوا مادام  اتحادهم اللغوي هو في الأصل أسهل بكثير وأقرب إليهم من اتحادهم السياسي، وكيف أن باقي الاتحادات التي عرفها التاريخ كالاتحاد الأوربي مثلا وتلك التي يشهدها العالم الآن والتي هي قائمة بين الدول ذات مختلف اللهجات وحتى اللغات كيف برهنت على أنها قادرة على تجاوز كل الفروقات من أجل مصالحها السياسية والثقافية والاقتصادية فأصبحت الآن تعالج مسألة اللغة وصار تعليم اللغات هدفهم الأول والمتبادل بين الدول وصار الإسباني يدرس اللغة الفرنسية كلغة ثانية للدولة وأصبح الفرنسي يهتم بالألمانية ويذيع حتى برامج بهذه اللغة، وفي قنوات فرنسية. أما العرب الذين يملكون لغة القرآن ودينًا يعينهم على التغلب على المشاكل التي قد تطرحها المسائل التقليدية والعرقية يجدون صعوبة في التحدث فيما بينهم، وفهم الكلام البسيط الذي يفرضه التعامل اليومي فيلجأون للغات الأجنبية، لغات مستعمريهم سابقًا، ويتجاهلون اللغة العربية التي كان علماء الغرب يدرسونها حتى يكتسبوا بعض العلم والمعرفة من الكتب التي خطت بها، فكيف للغة أن ترقى إذا كان أصحابها لا ينطقون بها؟

          إن  للغة العربية علينا حقًا ولن ترقى إلا برقينا ولن تنتشر إلا بانتشارنا وإنما تبيد على أيدينا بتفرقنا.

          فلنوفها حقها ولنجعل اللهجات المنبثقة منها مفهومة غير غريبة لدى كل العرب وذلك بالعمل والإنتاج وتفادي التفرقة بين الثقافات العربية فلا ثقافة أفضل من غيرها ولا تقاليد أميز عن غيرها، وكفانا تبعية ولنجعل من العروبة فخرًا لنا ولنخدم لغتنا كي لا نزول ولا نذوب في مخاض العالمية.

بولدروع عواطف
أستاذة بجامعة عنابة - الجزائر

الحلم السعيد

          تحرك القلم من دون أمر وراح يخط خواطر العقل والوجدان، من دون تفكير راحت الصور تتناثر.

          تحرك القلم في ظلمة الليل الساكن ليعبر عما في نفسه وهو لا يرى ما يكتب، كل ما حوله شبه ساكن لكنه يحس بأشياء تتحرك في أعماقه.

          نهض من مكانه وأخذ يسير لعله يجد شــيئًا يشــغل تـفكيره.

          رأى أشياء وأشياء.. رأى نقيض النور، نقيض الحركة، نقيض الحياة، رأي أشد من ذلك... وفي تلك اللحظة تعثّر بشيء في قدميه، دنا إليه فوجده شمعة أشعلها فتحركت في شفتيه ابتسامة رقيقة.

          أخذ ينظر في هذا الضوء الخافت لحظات فرأى فيه منزلاً جميلاً عليه الألوان.. فتح بابه فخرج منه أطفال صغار يركضون بسعادة وفرح.

          رأى نفسه بينهم وأخذ يجري معهم وجد شجرة كبيرة مليئة بكل أنواع الفواكه فأكل منها ووجد بجوارها نهرًا عذبًا فشرب منه.  أخذ يسابق الخيال وهو في قمة السعادة وبينما هو منهمك في حلمه عادت الأضواء إلى المنازل فانطفأت تلك الشمعة، انطفأ ناقوس حلمه فأصبح كل شيء سرابًا إلا أنـه أبـــقى شـــيئًا في نفــسه لــم يتــــحول إلــى سراب.

          إنها السـعادة، الراحة التي ملأ بها عقله وقلبه في تلك الدقائق القليلة، لقد شاركه كل من كان معه الظلام، لكنهم لم يشاركوه في حلمه السعيد.

أفراح الساري
الحديدة - اليمن

  • مصافحة

«العربي» مرجعًا

          «أنا مدين لمجلة «العربي» كثيرًا، فهي التي أمدتني بالكثير من العلوم والمعرفة، ومكنتني من خلال استطلاعاتها الرائعة من التجول - وأنا في البيت - عبر مناطق عديدة من العالم لم أكن أحلم يومًا بمعرفة ما أنا أعرفه عنها الآن، وقد زادها جمالاً أناقة أسلوبها وجمال موضوعاتها، الأمر الذي يروي الظمأ إلى المعرفة.

          والحمد لله أنا أملك منها أعدادًا لا بأس بها، ومن كثرة حبي لها تجدني أنتظرها بصبر نافذ مع بداية كل شهر، وإن كانت لا تصلنا إلا في الأيام الأخيرة من كل شهر، وليكن في علمكم أيها الإخوة أن الكثير من الطلبة عندنا في الجـــزائر يستعملها كمرجع أساسي لإعداد مذكرات تخرّجهم الجامعية.

بن عامر العيد
وهران - الجزائر

  • تعقيب

تحديد المفهوم.. الواجب الحضاري

          تعقيباً على مقالة د. سليمان العسكري في حديث الشهر بالعدد 557 أبريل 2005 والمعنونة «ذلك العنف الأعمى.. محاولة لتحديد المفهوم».

          أقول إنها وإن كانت واحدة من المحاولات في هذه القضية إلا أنها كانت ناجحة وموفقة وموضوعية وكان العرض فيها هادئاً ومقنعاً. وكأن د. العسكري أراد أن يحسم أمر التعريف أو هكذا حاول لينصرف إلى مناقشة أمور وقضايا متفرعة عن هذا الموضوع.

          وبقدر ما أثمن تلك الجهود وأعتبرها جهادًا علميًا وحضاريًا، أود أن الفت الانتباه إلى أن مسألة الخلط الأعمى في المصطلحات والمفاهيم ليس في هذه القضية بالذات، المقاومة والإرهاب، وليس في الجانب السياسي فقط (وإن اقتصر موضوع د. العسكري على هذه القضية) إنما هو ممتد في كل مناحي الحياة سياسية واقتصادية واجتماعية. وأخذ يستقر في الوجدان العربي حتى تاهت الحقيقة، وأصبحت المشكلة الحضارية الأولية لدينا هي تحديد المفهوم والمصطلح.

          فلازلنا نعيش في المساحة الوجدانية العاطفية الضيقة التي تربط بين المصطلح ونقيضه، ولازلنا نستطيع أن نقفز سواءً بالإكراه أو تحت ضغط الحاجة أو المصلحة من مفهوم إلى آخر دون أن يشكل ذلك لنا حرجًا.

          وصحيح أن العرب خذلتهم لغتهم الواسعة الثرية في التوسع في المصطلحات لتستغل سلباً في هذا الإطار ولم يقتصر هذا الخلط مع الأسف على حقبة دون أخرى ولم يقتصر على الوقت الحاضر. بل إن فيه ما ورثناه مع التاريخ الحافل بعدم التفرقة بين ما هو رجل صالح ورجل سياسة وبطل وأفاق ومغامر ومستثمر لعواطف المسلمين وبين من قام بالعمل الجليل لإضفاء الشرعية على وجوده اللاشرعي.

          لقد أصبح التلاعب بالمفاهيم والحدود والخلط بينهما طريقة جديدة لغسل الأدمغة وتزييف الوعي،  وبات ضمن أدوات الحرب الإستراتيجية. وقد دأبت القوى الدولية ضمن هذا التوجه على تفسير الأمور تفسيراً سياسياً محدداً حسب المصلحة والرغبة، وفرض هذا التفسير على الآخرين واعتماده في المحافل الدولية الرسمية كما في موضوع الإرهاب الذي لم يحدد مفهومه بعد.

          وذهبت إسرائيل أبعد من ذلك إلى حيث الأمم المتحدة ومجلس الأمن واستصدار قرارات حدية لتثبيت وتحديد بعض (الحقائق) رسمياً ودولياً خشية التشكيك بها وخشية، أن يدخل تحديد المفهوم في محادثات مستقبلية فصدرت عن الأمم المتحدة قرارات مثل إثبات مذبحة النازية، وقرار منع معاداة السامية وهناك مشاريع قرارات أخرى تعفي إسرائيل بموجبها نفسها من مغبة العودة إلى مناقشة هذه المصطلحات أو محاولة الرد على المشككين بها. وبالمقابل لم يصدر قرار سياسي ولو على مستوى دولة بتحديد حق من حقوقنا التاريخية أو البديهية.

          لذا أصبح لزاماً أن نحدد المفاهيم ونقننها ونؤطرها ونجعلها تمضي عبر قنوات رقابية ومرجعيات لغوية وسياسية واجتماعية ودينية للتصحيح والتثبيت ولكي نمنع التفسير المزاجي للمفهوم أولاً، ونمنع القفز إلى المفاهيم الأخرى ونمنع أحداً من أن يضفي الشرعية على نفسه وكيانه عبر هذا الأسلوب. ومن ثم لنحصر التحديد والتفسير بجهة مخولة مؤهلة لذلك.  أصبحت دعوة د. سليمان العسكري في نهاية مقاله هنا تجب المحاولة، بل هي دعوة إلى المفكرين والفقهاء الاجتماعيين والسياسيين والاقتصاديين إلى أن يثيروا مثل هذا الموضوع بالرغم من العراقيل.

          وشكراً لمجلة «العربي» حيث تنطلق منها دائماً الدفعة الأولى.

أسامة غاندي
Email:
[email protected] 

  • وتريات

ثلاث قصائد

حصان جموح

سلامٌ على الطيّبينَ
على الريح تعبرُ فوقَ المنازلِ
ليست تنامُ ولا تستريحْ
ولي يا الصديقُ الذي بيننا موعدٌ
أن أبوحَ، وقد لا أبوحْ
ولي قُبراتٌ على الغصنِ، نهرٌ
حصانٌ جموحٌ
ولي نرجسٌ فوق بطنِ الحديقة يحبو
كطفلٍ جريحْ
سلامٌ على الريحِ تعبر فوقَ الأحبةِ
فوقَ السطوحْ.

طيف

أطلقتُ روحي من إسارها
زرعتُ على الثغر بسمةً باهتة
وظلّ الطيفُ الذي مرّ بي قبل عامٍ
يلوحُ على الذاكرة
رصيفٌ تبلّل من غيمةٍ هاطلة
جسدُ الرصيفِ يُنعشهُ المطَر
ملساء، ملساء
كانت شوارعُ تلكَ المدينة
الشوارعُ مطفأة
والمساءُ هو المساءْ

حزن

مُدجّجٌ
بحزنِه وخوفِه القديمْ
فعندما أراه أنحني
يا وجهَهُ الندّيَ
يا عيونَهُ
ويا...
غناءهُ الجميلْ
لكنّه
غريبةٌ أطوارُه
فحزنُه طويلْ
مهشمٌ... مهشّمٌ
وعودهُ نحيلْ

نضال القاسم
إربد - الأردن