من المكتبة العربية: النكبة نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود 1947 - 1949

تأليف: عارف العارف ووليد الخالدي
عرض: بيان نويهض الحوت


صدرت مجموعة «نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود» للمؤرخ المقدسي عارف العارف أول مرة، ما بين سنتي 1956 و1960، في سبعة أجزاء. وكان العارف من أوائل الذين أرّخوا للنكبة، على الرغم من نفيه صفة «المؤرخ» عن نفسه، واكتفائه بدور الراوية، والحقيقة أنه كان أكثر من راوية بكثير.

 في اعتقادي أن العارف كان يدرك في أعماقه جيدًا أهمية ما تركه للأجيال القادمة عن النكبة التي عاشها الأجداد. لكنه لحبه العظيم لفلسطين، ومشاعره الفيّاضة تجاه هول ما حدث، تجاه مأساة كل مدينة وكل قرية، بل تجاه ضياع كل شبر من الأرض، وذكرى كل شهيد، كأني به كان يرى جهده مهما يكن كبيرًا، فهو لا يكفي لتأريخ تلك الأيام الدامية العصيبة، وأنه سيبقى جهدًا ناقصًا لابد له من أن يُستكمل بجهود المؤرخين الكبار من بعده. فمن في استطاعته أن يؤرخ وحده أهوال تلك النكبة؟

حقًا، لا أحد يستطيع وحده.

لكن ما حصل هو أن العارف بقي وحده. فكثير من الحقائق والتفاصيل التي أوردها لم ترد في أي مرجع آخر حتى يومنا هذا، إلا نقلاً عنه. هو مَن سجّل يوميات المرحلة بكل مثابرة، وجمع الأخبار من رواتها، ولاحق كل معلومة رآها جديرة بالبحث في أكثر من مصدر، ثم كتب التاريخ بكل صدق وأمانة، كل هذا جعل منه «مؤرخ النكبة» عن جدارة.

لما قام المؤرخ الرحالة برحلته الأخيرة التي لا عودة منها، سنة 1973، عن عمر تجاوز الثمانين، ما كان ممكنًا لمثل هذا المؤرخ المتواضع أن يحلم بأن مجموعته سوف تصدر ثانية برداء القرن الواحد والعشرين تحريرًا وإخراجًا وجمالاً، وأنى له أن يعلم بأن الذي سيكتب مقدمة لمجموعته لن يكون سوى مقدسي آخر من الجيل الثاني من المؤرخين. هو من أمضى حياته في البحث والكتابة عن فلسطين قضية، وحضارة، وماضيًا، ونكبة، وحاضرًا، ومستقبلاً. هو المؤرخ ومعلّم الأجيال. هو وليد الخالدي الذي أعاد لهذه المجموعة الفريدة مكانتها قبل انتهاء سنة 2012.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يبعث فيها الخالدي نصًا يعلوه الغبار، فيصرف ما يصرف من جهد لبعث الروح في كتاب شبه مفقود أو مخطوطة مهملة. ولا تُحصى المخطوطات التي ما كان لها أن ترى النور لولا مساعيه الهادئة الحثيثة، وإرادته الصلبة، والمؤسسة الرائدة التي كان على رأس منشئيها، ومازال، ألا وهي مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

قبل الحديث عن الموسوعة العارفية القديمة الجديدة، نبدأ بصاحبها، فحياته ورحلاته ووظائفه كانت جزءًا لا يتجزأ من كتاباته، وليس العكس.

لم يولد عارف العارف لأسرة ثرية، وكانت ولادته في القدس، سنة 1892، وفي مطلع شبابه سافر إلى إستانبول للدراسة، وهو يعلم أن والده المتوسط الحال لن يتمكن من إرسال ما يكفي لتعليمه، فعليه الاعتماد على نفسه. وهكذا كان. فهو في مرحلة الدراسة الجامعية عمل في الصحافة ليلاً ليؤمّن تكاليف دراسته في الإدارة والاقتصاد، أما بعد الحرب الكبرى فدخل الكلية العسكرية تلبية لإرادة الدولة العليّة، وهناك درس ستة أشهر تخرج بعدها ضابطًا، ثم كان نصيبه التوجه مع الجيش الذاهب إلى القفقاس.

شارك العارف في معركة أرضروم التي خسرها العثمانيون أمام الروس ولم ينج منها إلا قلائل، ثم تعرض للأسر في معتقلات سيبيريا، لكنه على الرغم من ظروف تلك المرحلة البالغة الصعوبة لم يفقد رغبته في التعلم، إذ تعلّم الروسية، وكذلك الألمانية، إلى حد مكّنه من الترجمة عنها. أما بعد قيام الثورة البلشفية وتفاقم الفوضى في المعتقلات، فقد اتخذ صاحبنا مع عدد من رفاقه قرارهم بالفرار من المعتقل، ولم يجدوا من سبيل أمامهم سوى التوجه نحو الشرق الأقصى، ومن هناك العودة إلى بلادهم، وكانت حصيلة العودة التي امتدت خمسة أشهر كتابه «رؤياي».

استقر العارف في مدينته القدس سنة 1919، وبرز اسمه في صفوف الشباب المؤمنين بالعروبة، وكما كان من روّاد المنتدى الأدبي في إستانبول، أصبح من روّاد النادي العربي في القدس. وتوثقت علاقته بالشاب الحاج محمد أمين الحسيني. أما بعد أن وجّهت سلطة الانتداب إليهما التهمة بالتحريض على الاضطرابات التي جرت في موسم النبي موسى سنة 1920، فقد تمكّنا من الهرب إلى الأردن فسورية، ثم عادا بعد صدور العفو عن جميع المتهمين.

عمل العارف قائمقامًا، واحتل مناصب أخرى في السلك الإداري في مناطق متعددة من فلسطين، كان أولها في بئر السبع. لكنه، مهما تكاثرت مسئولياته ومشاغله، لم تكن عائقًا له عن مواصلة البحث والتنقيب والكتابة، بل استفاد من تنقلاته، فألف كتبًا عن تاريخ المناطق والمدن التي عاش فيها، كغزة وعسقلان، ونشر أبحاثه في القضاء والمجتمع والعادات والتقاليد.

استقر في رام الله منذ عمل مساعدًا لحاكم لواء القدس حتى نهاية الانتداب البريطاني، ثم بقي في وظيفته، بحكم الاستمرار، حتى سنة 1949، حين عيّنه الملك عبدالله رئيسًا لبلدية القدس، ثم انتخب في المنصب نفسه بعد عامين، وبقي فيه حتى سنة 1955. وقد أتاحت له تلك السنوات القيام بعمله الموسوعي عن النكبة، والقيام بدراسات أخرى متعددة عن بيت المقدس، أدت إلى نشره سلسلة كتب في تاريخ القدس والمقدسات. وتولّى بعد ذلك مناصب متعددة في الحكومة الأردنية، لعل أهمها بالنسبة إليه، كباحث، كان عمله مديرًا للمتحف الفلسطيني في القدس، سنة 1963.

 

سيرة النكبة

ذكر الخالدي في مستهل مقدمته أن مجموعة العارف بأجزائها السبعة أصبحت تتألف في إصدارها الجديد من ثلاثة أجزاء/مجلدات: يحتوي المجلدان الأول والثاني على القسم التاريخي كاملاً، وبتعبير آخر، على «سيرة النكبة» التي رواها العارف في الأجزاء الأربعة الأولى سابقًا. ويضم المجلد الثالث الوثائق والإحصائات التي احتواها الجزء الخامس سابقًا، كما يضم أسماء الشهداء الذين سقطوا في المعارك من فلسطينيين وعرب ومسلمين غير عرب وفدوا للدفاع عن فلسطين، كما وردت في الجزء السادس سابقًا. أما الجزء السابع الذي احتوى على مجموعات من الصور، فقد تم اختيار الصور المناسبة منه وأضيفت إلى المجلدين الأولين. وأما عن الإضافات الجديدة، فهي مجموعة من الخرائط المنتقاة، وعدد من الفهارس، ومقدمة الخالدي.

استطاع الخالدي في مقدمته الشاملة بمعانيها، والشائقة بأسلوبها، أن يأخذ القارئ إلى أعماق شخصية المؤلف، وإلى أيامه وزمانه. وأما عن أهمية المرجع العارفي، فكان أوضح ما قاله الخالدي هو ما لم يقله، بل ما أوحى به من خلال استناده المتواصل إلى ما ورد في هذا المرجع الذي لا غنى عنه لمن يبحث عما جرى في زمن النكبة، وعن أسبابها، وعن المسئولين عنها.

ومن إيحاءات الخالدي، على فرادة هذا المرجع، كانت وقفته إزاء جهد المؤلف الكبير من أجل جمع أسماء الشهداء، فقال نقلاً عن العارف:

«أما كيف حصل العارف على هذه الأسماء فيخبرنا: منهم من رأيته بعيني وهو يلفظ نفسه الأخير إثر إصابته برصاصة من رصاص العدو الغادر، أو كان مسجى على فراش الموت يقص على أهله وصحبه ما أصابه.. ومنهم من أذاعت اسمه صحيفة من الصحف المحلية، أو محطة من محطات الإذاعات العربية، وقد اعتدتُ من صغري تتبّع الأخبار وتدوينها.. ومنهم من ذكره أمامي لاجئ من اللاجئين أو رفيق من رفاقه المناضلين الذين خرجوا من المعركة سالمين، ومنهم من عثرت على اسمه في تقارير الأطباء والممرضات وفي سجلات المستشفيات.. ومنهم من رأيت اسمه على ضريحه في إحدى المقابر، أو على نصب من النصب التذكارية التي أقيمت في بعض أنحاء البلاد بعد وقف القتال».

ويشرح الخالدي كيف حصل المؤلف على أسماء الشهداء العرب من دولهم، ثم يكمل: «ويعود العارف إلى القدس لإكمال مسعاه فيتوجه إلى مقبرة في جوار «قبة راحيل» عند مفترق الطرق المؤدية إلى القدس وبيت لحم وخليل الرحمن ويقف عند نصب تذكاري مثلث الأضلاع مصنوع من الرخام الأبيض، نقشت على ضلعه الغربي أسماء الشهداء اليمنيين والسوريين والفلسطينيين، وعلى ضلعه الآخر من الشمال أسماء الشهداء اليمنيين والسوريين، فيدوّن ما قرأ بكل دقة وإخلاص».

 

التوثيق

أترى مازال هناك ذلك النصب الرخامي الذي نقل عنه العارف أسماء الشهداء؟ أم أصبح من ضحايا العنف الصهيوني كاقتلاعهم الزيتون، أو هدمهم البيوت، أو محوهم آثار قرية بكاملها؟ فما بالك بنصب رخامي عليه أسماء «مخرّبين» أو «إرهابيين»؟

ولنعد إلى العارف لنتعرّف عليه أكثر من خلال مقدمته هو قبل أكثر من خمسين عامًا:

«.. إنني في كتابي هذا راوية يريد أن يروي للناس ما حدث. وقد آليت على نفسي ألا أروي إلا ما رأيت بأم عيني، وما رواه لي العدل الثقات، مستهدفًا في الحالتين أن أدوّن الوقائع قبل اندثارها، وأن أحفظها لأبناء الأجيال القادمة، فإن من حق تلك الأجيال أن تعلم: ما الذي جرى، وكيف جرى، ولماذا ألمّت بنا هذه النكبة، وكيف انقلبت الأوضاع، فغُلب الذين كانوا في الأمس القريب يطاولون الثريا بعزّتهم وأنفتهم وشجاعتهم وكرمهم وفروسيتهم، وانتصر أولئك الذين كنا إلى زمن قريب ننعتهم شذاذ الآفاق، وقد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله منذ قرون وأجيال؟».

هذا الراوية هو في حقيقته من أكثر المؤرخين دقة وأمانة علمية، ويكفي أن نتوقف إزاء المصادر المتعددة التي لم يصل إلى بعضها إلا بصعوبة فائقة. ولا ننسى أننا نتحدث عن منتصف القرن العشرين، في زمن لم تكن فيه وسائل الإعلام متوافرة كما هي اليوم. لم تكن هناك يومذاك الفضائيات أو شبكة الإنترنت أو البريد الإلكتروني. ومع ذلك، فالعارف بجهوده الفردية وحدها تمكّن من التوصل إلى أهم الوثائق والتقارير العسكرية والمخطوطات، كما اطلع على أبرز المراجع والمؤلفات المتداولة في زمانه، عربية كانت أو عبرية أو أجنبية. واعتمد كثيرًا على لقاءاته العفوية التي كانت تحصل يوميًا، كما اعتمد على مقابلاته مع المسئولين والدبلوماسيين والعسكريين، ومن لم يكن قد تمكّن من لقائه في فلسطين سافر إليه والتقاه في بلده بعد انتهاء الحرب. وتمكن في رحلاته تلك من الحصول على الصحف العربية التي كانت تنشر تصريحات العسكريين والسياسيين في حينه، كما تنشر مذكراتهم.

والأهم من ذلك أن العارف كان منصفًا وحكيمًا ومدركًا أهمية ما بين يديه من معلومات لم تصل إلى أي سواه، ولذلك، فهو في القضايا الحسّاسة ما كان ليكتفي بمصدر واحد، بل يسعى جاهدًا لتأكيد هذا الحدث أو ذاك من مصادر أخرى. ولا أعرف مؤرخًا سواه توقف إزاء الحروب والاشتباكات في كل أنحاء البلاد، مسجلاً ما حدث بالتفاصيل والأسماء، وشارحًا كيف استولى الإسرائيليون على كل بقعة من الأرض، أو كيف كان النصر حليف العرب.

نتوقف إزاء مثل واحد، عن سقوط اللد والرملة، فالقارئ يعيش ما جرى عبر صفحات مليئة بالحقائق والأرقام والأسماء من دون مبالغات أو تهويل، يعيش وكأنه في الحادي عشر والثاني عشر من يوليو 1948 وما تلاهما. ومن أبرز ما يلفت الانتباه في نهج العارف، أنه حين ينقل خبرًا يصعب تصديقه لغرابته أو فداحته لا يكتفي بمصدر واحد، ولنقرأ هذا الخبر:

«وكانت ثالثة الأثافي في سقوط اللد والرملة، أن القائد الذي هاجمها وكان يقود القطعات اليهوية كان إسرائيليًا بريطانيًا، وأن اتصالاً لاسلكيًا بينه وبين الكولونيل لاش «البريطاني» الذي كان يقود القطعات الأردنية قد جرى والمعركة قائمة، وقد اتفقا على سحب القوات العربية، فسحبت هذه بالرغم من إرادة الضباط العرب». (المجلد الثاني، ص 55 - 56 = 2 / 55 - 56).

ويقول في الحاشية: «هذا ما قرأته في الصفحة 138 من كتاب «الإخوان المسلمون في حرب فلسطين» لمؤلفه كامل الشريف، نقلاً عن الزعيم منير أبي فاضل من كبار رجال البوليس ومصلحة الاستخبارات في عهد الانتداب بفلسطين». ولا يكتفي المؤلف بإسناد الخبر إلى الشريف عن أبي فاضل، بل يكمل: «وقال قائل إن مأمور اللاسلكي الأردني في مركز اللد شهد بالاتصال الذي جرى بين القائدين». (2 / 56 حاشية 1).

ونظرًا لفداحة كارثة ضياع اللد والرملة، سعى العارف إلى شهادة من كان على قمة المسئولية، فبعث برسالة إلى الملك عبدالله وأخرى إلى غلوب باشا قائد الجيش، يسأل عن أسباب السقوط، وأتاه رد الملك على الهاتف في اليوم التالي، ونشره المؤلف (2 / 58-59). كما جاءه رد غلوب باشا في رسالة رسمية، ونشرها (2 / 61-62). أما تحليل الردّين فعملية يطول شرحها. وأما تحليل أسباب سقوط فلسطين، فتطرّق إليه المؤلف في أماكن مختلفة.

والحق أن العارف ما كان بحاجة إلى كثير من التحليل، نظرًا لما قدمه من الوقائع والوثائق وأقوال الثقات والشهود، بحيث يستطيع القارئ أن يعرف من تلقاء نفسه كيف حدث ما حدث، ولماذا حدث ما حدث، ومَن المسئول عمّا حدث.

 

ميزات موسوعية

وننتهي إلى أهم ما يميز هذا المرجع الموسوعي عن نكبة فلسطين والعرب:

  • الرأي الصريح المباشر: قال المؤرخ رأيه الصريح في مواطن لا تحصى، ومنها:

وجود قائدين في مكان واحد، أحدهما عينه الحاج محمد أمين الحسيني، والثاني عيّنته الجامعة العربية، تسليم الملك عبدالله القيادة العامة من قبل العرب، على الرغم من وجود غلوب باشا قائدًا لجيشه، ومن كون سلاح الجيش بريطانيًا، ومعظم الضباط بريطانيين، الخلافات بين الزعماء العرب، ما انعكس على سير المعارك، وأدى إلى منع تقدّم بعض الجيوش العربية: فالجيش المصري - مثلاً - مُنع من التقدم نحو القدس.

  • الرأي الصريح غير المباشر: قاله من خلال المستندات وشهادات الآخرين وأقوال الزعماء العرب أنفسهم، ومنها ما سمعه المؤلف بنفسه. ونضرب مثلاً عن مواقف الملك عبدالله، فالملك الذي ارتبط المؤلف معه بمعرفة وثيقة، لم تُحل هذه المعرفة دون تعرّض المؤلف للموقف الحقيقي للملك تجاه التقسيم، أو موقفه إزاء اتصالات الملك مع العدو الإسرائيلي، أو سرده أقوال الملك المتناقضة مع أعماله، وكان يروي تلك التصريحات والأحاديث نقلاً عن زعماء ومسئولين عرب اجتمعوا مع الملك.
  • الوعي التام بالقضية: تميّز العارف بوعيه التام بالنقاط الحسّاسة في تاريخ المرحلة، فكان يولي هذه النقاط جهدًا مضاعفًا من حيث المصادر والشرح المستند إلى الوقائع وأقوال الآخرين المثبتة.
  • الأسلوب العارفي: تميّز العارف بأسلوبه السلس المبسّط إلى حد لا يبدو معه أنه صرف اهتمامًا للأسلوب، غير أن روعة أسلوبه تتجلى في سرده الأحداث ببساطة وصدقية وشفافية، وكأن هذه الغزارة في المعلومات والحقائق ليست بحاجة إلى أسلوب لسردها. لذلك، فالقارئ العربي لا يجد نفسه إلا غاضبًا أو حزينًا غير مصدّق ما يقرأ.
  • عروبة مؤرخ النكبة: تجلّت عروبة العارف حين كان لا يكتفي بسرد السلبيات كسواه من المؤرخين، بل يتوقف لسرد الإيجابيات، فهو كما توقف إزاء الإيجابيات على أرض المعارك في فلسطين، فأنصف العسكريين من قادة ومن ثوّار ومجاهدين سواء عُرفت أسماؤهم أم لم تُعرف، توقف كذلك إزاء الدبلوماسيين العرب في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، فأنصفهم، وهو المدرك أن جيل النكبة لم يُلقن سوى أن الوفود العربية لو أحسنت التصرف وكثّفت اتصالاتها لاختلف الميزان، وأما بعد قراءة تاريخ عارف العارف، فالقارئ يقتنع بالصورة معكوسة، فالعرب - قبيل صدور قرار التقسيم - حاولوا ما استطاعوا، لكنهم غُلبوا على أمرهم.

وهكذا.. عارف العارف هو أول من أرّخ لنكبة فلسطين بتفاصيلها وخفاياها وأهوالها من مصادرها الأولية، وبوجدان الإنسان الشاهد صاحب الضمير الحي. وتكمن أهمية موسوعته بنهجه التأريخي الذي يتميّز به وحده على الرغم من تقمّصه شخصية «الراوية».
-----------------------
* باحثة أكاديمية من لبنان.