معرض العربي: وليم بوغيرو فتاتان تجمعان البندق

معرض العربي: وليم بوغيرو فتاتان تجمعان البندق
        

          يشكل الرسام الفرنسي وليم بوغيرو حالة لا مثيل لها في تاريخ الفن من حيث تأرجح شهرته أكثر من مرة بين القمة والحضيض، بين اعتباره «أعظم رسام فرنسي على مر العصور..» وبين حذف اسمه من الموسوعات، ثم ردّه إليها مرة أخرى.
          ولد بوغيرو عام 1825، والتحق بمعهد الفنون الجميلة في مدينة بوردو، وراح منذ آنذاك يؤمّن عيشه من خلال رسم ملصقات لأوعية حفظ الأطعمة. ثم انتقل إلى معهد الفنون الجميلة في باريس حيث درس بشكل خاص رسم الملابس الكلاسيكية، ودخل ستديو فرنسوا بيكو الذي علمه الرسم وفق أكثر الأساليب الكلاسيكية تشددًا.

          في العام 1850، فاز بوغيرو بمباراة من خلال نسخه لإحدى لوحات رفائيل، وكانت الجائزة تمضية سنة في فيللا مديتشي في روما، حيث تعمق في دراسة الفنون الرومانية القديمة وأعمال أساتذة عصر النهضة. وعندما عاد إلى باريس، كان يمتلك تقنية مدهشة وإحساسًا فائقًا بالأناقة، سخّرهما في رسم مواضيع مستوحاة من الأدب الكلاسيكي وحكايات الأطفال الذين رسم الكثيرين منهم. فكانت لوحاته مجرد خطابات في «الجمال الخالد»، وذات طابع تزييني بالدرجة الأولى، فحظيت برضى برجوازية نابليون الثالث، التي كانت تريد فنًا تزيينيًا مطمئنًا، لا تعابير عن أزمات واضطرابات وتحولات...

          في هذه اللوحة، نرى فتاتين تفترشان الأرض بعدما جمعتا حفنة من ثمار البندق.. طفلتان جميلتان في محيط طبيعي جميل، مرسومتان بإتقان كبير، ولكن لا شيء غير ذلك. إنه عالم هادئ وأنيق لا يعكر صفوه شيء. حتى أن الفتاتين تبدوان وكأنهما من شمع، لن تتغيرا بمرور الزمن.. أليس هذا هو الاستقرار الذي كانت البرجوازية الفرنسية تبحث عنه آنذاك؟

          في العام 1870، أصبح بوغيرو عضوًا في الأكاديمية الفرنسية، وفي العام 1885، أصبح «كومندور» في جوقة الشرف، وتجاوزت شهرته الحدود لتكتسح بلجيكا وهولندا وإسبانيا ثم أمريكا التي اعتبرته آنذاك «أعظم رسام فرنسي على الإطلاق»!

          ولكن، على الرغم من أن بوغيرو استخدم نفوذه الكبير لفتح أبواب مؤسسات ثقافية عديدة أمام النساء، بما فيها الأكاديمية الفرنسية نفسها، فإنه كان من أشرس المتصدّين للانطباعية الصاعدة آنذاك. ولذا، بحلول العقد الثاني من القرن العشرين، راحت شهرة بوغيرو تذوي مقابل اعتراف العالم بالانطباعية. وبالوصول إلى أواسط القرن، لم يبق من هذه الشهرة شيء، واختفى اسم بوغيرو حتى من الموسوعات وكتب تاريخ الفن.

          ولسنوات وعقود طويلة، لم يكن اسم هذا الفنان يذكر إلا عند الحديث عن متاعب الانطباعيين خلال نشأتهم. الأمر الذي شكل نوعًا جديدًا من الشهرة لفنان لا يعرف العالم عنه شيئًا. ولهذا قامت بعض الجهات في أمريكا بعرض بعض الأعمال لهذا الرسام في أواسط السبعينيات، ولقي الأمر شيئًا من الاستحسان. وفي العقد التالي نظّمت فرنسا معرضا شاملا له، لقي اهتمامًا استدعى نقله إلى مونتريال في كندا. وفي العام 2005، عندما عرض متحف غيتي في نيويورك ثلاث لوحات لبوغيرو، اصطف عشرات الآلاف في طوابير امتدت لمئات الأمتار لمشاهدتها، في ما يشبه رد الاعتبار لرسام كبير فعلًا، وإن لم يكن أعظم من غيره من كبار الرسامين.
---------------------------------
* ناقد تشكيلي من لبنان.

 

 

عبود طلعت عطية*




وليم بوغيرو (1825-1905)، «فتاتان تجمعان البندق»، (34×52 سم)، 1889، معهد ديترويت للفنون