مائة عام من السينما الهندية
مائة عام من السينما الهندية
إذا أردت استخدام أفعل تفضيل بالنسبة للسينما، فتعال نتحدث عن السينما الهندية التي تبدأ هذا العام القرن الثاني من عمرها، حيث أثارت جدلا طويلا خلال عمرها الأول. هذه السينما، هي الأكثر أرقامًا، سواء في عدد الأفلام، أو المشاهدين أو دور العرض، وهو ما لا يحدث في الصين أكثر البلاد ازدحامًا، ولا في الولايات المتحدة التي تبهر أفلامها المشاهدين في كل أنحاء العالم. وفق الإحصاءات، فإن قرابة خمسة عشر مليون متفرج يذهبون يوميا إلى ثلاثة عشر ألف دار عرض لمشاهدة الأفلام الجديدة، المزدحمة بقصص عاطفية بأغنيات تدفعك إلى أن تتصور أن الشعب الهندي الذي يزداد عدده على 1.2 مليار نسمة يقضى يومه في حالة رقص وغناء لا تتوقف، والأرقام التي نذكرها ليس من بينها ملايين الأسطوانات التي يتم نقلها بشكل غير قانوني، ليشاهدها الناس في منازلهم، بالإضافة إلى ما يعرض في المحطات التلفزيونية يوميا من أفلام. ولعل المشاهد العربي قد أدرك مدى تغلغل هذه الأفلام في ثقافته، بسبب هذا العدد من الأفلام الهندية الحديثة بشكل عام، والذي يعرض في القنوات الفضائية المتخصصة وغير المتخصصة، ويعكس الإقبال على هذه الأفلام أن عدد المدبلج منها إلى اللغة العربية قد ازداد بشكل ملحوظ في هذه القنوات. مائة عام من السينما والأفلام، والقصص والمخرجين، والنجوم والأغنيات، فالوطن الكبير الذي ينتج سنويا قرابة ستمائة فيلم والرقم يزيد قليلا، هو بلا شك يتميز بهذا العدد من الأفلام، لدرجة أن الإحصاءات ترى أن الهنود في «بوليوود»، ينتجون ربع عدد أفلام العالم.. وعليه فإن هناك صناعة تساند الاقتصاد الهندي تتمثل في هذا الكم من الأفلام، بصرف النظر عن قيمتها الفنية، فالأمر يعكس أن هناك ازدهارًا ووجودًا قويًا. أهمية هذه السينما أن أفلامها مصنوعة بطريقة خاصة ومزيج يجعل المتفرج أيًا كانت ثقافته ينجذب للمشاهدة حتى تنتهي الأحداث، وعندما يتوقف العرض، قد تسأل نفسك عن قيمة ما شاهدت وترتبك الإجابة بالنسبة لك. حدث هذا بالنسبة لي منذ أكثر من ربع قرن حين شاهدت، بشغف وانتباه فيلم «مارد» بطولة أميتاب باتشان، وتكرر الأمر منذ عامين وأنا أشاهد فيلم «اسمي خان»، حيث إنه بعد انتهاء عرض الفيلم الذي شدني بقوة تساءلت: ما سر نجاح هذه السذاجة التي شاهدتها، وكان الأمر قد تم أيضًا في العام 1966 وأنا أشاهد فيلم «سنجام» المأخوذ عن الفيلم الأمريكي «جسد ووترلو»، وهو فيلم تم إنتاجه في الولايات المتحدة وفرنسا عدة مرات، لكن كل هذه الأفلام تم طيها في بئر النسيان إلا «سنجام». إذن، هناك مزيج ظلت الهند تصنعه طوال قرن بأكمله، بالوتيرة نفسها، ومع هذا، فهو قادر على الاستمرار بقوة تتجدد من خلال أجيال جديدة، أغلبها ورثت السينما عن الآباء والأجداد، سواء في مجال الإخراج، أو التأليف، أو التمثيل، أو الغناء. الهند، مثل أغلب الدول الشرقية التي وقعت تحت سلطة الاستعمار الغربي، ومنها مصر، عرفت العروض السينمائية الأولى، في العام نفسه الذي قام فيه الإخوان لوميير بعمل أفلامهما الأولى، وانبهر الهنود بهذا الفن المرتبط بالصناعة، وظلوا يحاولون تقديم أفلام قصيرة، ويجربون، حتى تم إنتاج أول فيلم روائي في العام 1913، وهو التاريخ الذي يحتفلون فيه بمئوية السينما، وليس مثلما حاول بعض النقاد في مصر فرض احتفالية بعيدا عن السينما الروائية في ما سمي بمئوية السينما المصرية بالعام 2007. من الواضح أن التجربة السينمائية الهندية الأولى كانت من الضخامة والأهمية لأن تجعل أصحابها يفخرون بها، فنحن أمام فيلم تاريخي، أقيم عرضه الأول في مسرح أوليمبيا في مومباي، التي كانت تسمى بومباي.. ومنها جاء المصطلح المعروف «بوليوود» فهذه المدينة هي مركز صناعة السينما، كان فيلما ضخم الإنتاج يحمل اسم «راجا هاريشاندرا» من إخراج داوا صاحب بهالكي، يحكي أسطورة هندية قديمة حول ملك ضحى بأسرته مقابل كلمة شرف. بوليوود... صناعة جديدة وهكذا صارت هناك صناعة جديدة، تجمع بين الفن والاقتصاد، بدأت صامتة، أسوة بكل السينمات التي كانت في كل أنحاء العالم في تلك المرحلة.. وتتابعت الأفلام الصامتة تعرض على المشاهد الذي شغف بها طوال ثمانية عشر عاما، حيث نطقت السينما الهندية لأول مرة في العام 1931 من خلال عرض فيلم «أضواء الحياة» إخراج شيرايراني. وهنا بدأت مشكلة جديدة، كي نعود إلى ما ذكرناه قبل قليل، من ناحية كثرة العدد، فحينما نطقت السينما الهندية، كان السؤال، ترى بأي لغة تنطق الأفلام، ويتكلم الممثلون؟ فالسينما صاحبة أكبر عدد من اللغات الناطقة، وهكذا تعددت اللغات من الهندية إلى التاميلية، والكاندا، والتيلوج، ولغات أخرى. وبدأت أقاليم الهند في التنافس لإنتاج أفلام جديدة، ناطقة بلغات متعددة، ولعل هذا التنافس يشرح العدد الضخم الذي يتم إنتاجه سنويًا من الأفلام، وهذا ما شرحه الباحث الفرنسى إيف تورو في كتابه عن السينما الهندية بين عامي 1896 و2000. في هذا الكتاب يقول تورو إن اللغة تلعب دوراً في تحديد هوية الأفلام المنتجة لعمل سينما بوليوود المصنوعة في بومباي، والناطقة بالهندية هي الأكثر ذيوعًا، وحسب الكاتب فإن هناك ما لا يقل عن 1600 لغة في البلاد، وهناك أربع لغات يتم التركيز عليها عند إنتاج هذه الافلام. السينما تغني ومثلما حدث في كل أنحاء العالم، فالسينما عندما نطقت صار عليها فورا أن تغني، ومن هنا ازدهرت أفلام الكوميديا الموسيقية، والأفلام الاستعراضية طوال عمر السينما الهندية، طوال ثمانين عاما، حتى الآن، وقد بدت بومباي مركزا لصناعة السينما، ونجحت الأفلام في تجميع مشاعر الهنود الوطنية، إبان الاحتلال البريطاني وفي البداية كانت قيمة الفيلم لدى المشاهدين تتمثل في ارتفاع المشاعر الوطنية في موضوع الفيلم. وعلى غرار هوليوود، صار لدى الهنود «بوليوود» وهو مصطلح يشير بشكل غير صحيح أحيانًا إلى صناعة السينما الهندية، والغريب أن السينما لم تزدهر للتو عندما نطقت، حيث تأثرت الهند بالأزمة الاقتصادية العالمية، كما وجدت نفسها تدخل بشكل غير مباشر في الحرب العالمية الثانية، ثم جاءت الأحداث التي أسفرت عن استقلال الهند وانفصال الباكستان. المخرج شيرايراني، كما أشرنا، هو الذي جعل السينما تنطق بومباي، كما أنه قام بعمل أول فيلم ملون، ورغم جمال الفيلم الملون، فإن أجمل الأفلام التي شاهدها الهنود كانت من نوع «الأبيض والأسود» وظل الأمر على هذه الحال حتى نهاية الخمسينيات، وبرز نجوم كبار، وبكى الناس وهم يشاهدون الممثلة نرجس في فيلم «من أجل أبنائي»، وكان هناك مخرجون وراء الأفلام الناجحة مثل مريفال سن وتابان سنيحه، وهناك ثلاثة أجيال من صناع الأفلام قدمت المئات من الأفلام التي تمثل الثقافة الهندية، حيث اعتبر أن «سن» صاحب رؤية سياسية واجتماعية، وقد عكس رؤيته في العديد من الأفلام، منها «الفجر» بالعام 1956، وهو الفيلم الذي أسس للواقعية الجديدة، ومن بين هذه الأفلام «يوم الزفاف» في العام 1960، وفيه صور المخرج تفاصيل المجاعة الكبرى التي عرفها إقليم البنغال في العام 1943. السينما بين التجاري والاجتماعي صار هناك نوعان بارزان في السينما الهندية، الفيلم التجاري، الذي يقوم على الغناء، والاستعراض، في إطار قصص ساذجة ميلودرامية، وهي السينما السائدة، كما سوف نتوقف عندها، أما النوع الثاني فهو أفلام اجتماعية بالغة الرقي فنيًا، تناقش حيوات الناس، كيف يعيشون، ويعانون، مثل فيلم ساتيجيت راي الأول، (أغنية الطريق)، الذي يدور حول عائلة هندية، تضطر فيها الزوجة أن تخرج للعمل بعد أن أقعد المرض زوجها، فصارت هي التي تتولى الصرف على منزلها، وهو موضوع شائك في الثقافة الهندية. راي، يمثل ثقافة البنغال، وهي الثقافة التي أنجبت الكثير من عباقرة هذا النوع من المبدعين في الأدب والسينما، حيث يعد راي الأب الروحي للسينما في هذه المنطقة، هو مبدع عبقري اعترف العالم بمكانته، وعرضت أفلامه، والكثير منها عن نصوص أدبية، في مهرجانات العالم، وحصل على الجوائز الكبرى عن أفلامه التي استجمع فيها قصصا حقيقية من نبع الشعب الهندي، فكان صادقا في ما قدمه. أما السينما التجارية، فقد وجدت في الخمسينيات والستينيات نجومها البارزين من الرجال، وعلى رأسهم ديليب كومار، وراج كابور، وديف أفاند، وكانت البطولة المطلقة للرجال، إلا أن هناك نجمات لمعن في التمثيل والغناء.. هذا الجيل الذي قدم أفلامًا من طراز «الرسالة» و«سنجام» و«سوراج» صار عليه أن يترك الساحة لجيل جديد، هو في أغلب الأحوال من أبناء نجوم الأمس. رغم قوة بوليوود، فإن إيف تورو في كتابه عن السينما الهندية خصص أكبر عدد من الصفحات عن السينما المصنوعة في البنغال، حيث برز ما سمي بـ«سينما المخرج»، ومن أبرز هذه الأسماء سيكات باتا شاريا الذي درس في ألمانيا، قبل أن يتحول إلى الأفلام الوثائقية، حيث قدم فيلمه «دوليا»، أما المنطقة الثانية، التي اهتم بها تورو فهي الناطقة بلغة التاميل، حيث يقع ستديو «مدراس» الذي كان له دور كبير في صناعة السينما الهندية وتطويرها إبان الحرب العالمية الثانية، وقد ظهر في هذه السينما مخرجون كبار من طراز كان ناتيكا اندهرابراد. النجوم الجدد فى السبعينيات، في السينما التجارية، ظهر نجوم جدد من الشباب على الشاشات استطاعوا البقاء في أدوار البطولة لأكثر من أربعين عامًا، لعل أبرزهم أميتاب باتشان ومينون تشاكر أبورتي، وأنيل كابور.. ومن الممثلات اللاتي برزن في هذه المرحلة هيما ماليني، وهيلين ريتشاردسون، وجايا باتشان، وقد تم النظر إلى هذا الجيل باعتباره الشباب الغاضب، حيث سادت أفلام الحركة، والمطاردات، والقصص البوليسية، وفي هذه الفترة زاد وجود الأفلام الهندية في دور العرض العربية، ليس فقط في دول الخليج، حيث يعيش الكثير من العاملين الذين ينتمون إلى الثقافة الهندية، بل امتد الأمر إلى دور العرض في مصر. مثلما أشرنا في حديثنا عن فيلم «مارد»، فإنه يمكن اعتباره نموذجا للقصص التي شاهدها الجمهور بشغف: قصة حب تضحية من أجل الأم والأب مهارة في المطاردة إنقاذ الأبرياء في اللحظة الأخيرة القسوة المتناهية للأشرار غناء واستعراض وبهارات أخرى.. فى العقود الأخيرة من القرن العشرين، وأمام ازدهار الفيلم التجاري فإن الدولة صارت تدعم ما يمكن تسميته بالسينما الموازية، أو الأفلام غير التجارية، هذه الأفلام وجدت طريقها إلى المهرجانات ودور العرض، وأيضا شاهدها الناس في القنوات التلفزيونية. عندما نكتب مقالا عن مئوية السينما الهندية، فإننا نتحدث عن المسيرة، وماذا يشاهد الناس، وماذا تم إنتاجه، فالظاهر أمام الناس هو ذلك العدد الكبير من الأفلام التجارية، هذه الأفلام يذهب الناس لمشاهدتها كما أشرنا، لكنها لا تعرف الطريق إلى المهرجانات السينمائية المحلية والدولية، ومنها مهرجان دلهي الذي تم عقد دورته الأولى في العام 1952 في بومباي، وكان له دور كبير في تقديم السينما الموازية. السينما الموازية سارت بطيئة، أما الفيلم التجاري، فقد قفز قفزات واسعة في العقود الأخيرة، وجدد نفسه من خلال النجوم، وأماكن التصوير بحيث كانت هناك رغبة دائمة في أن تدور الاحداث في ربوع أوربا، وبدا أن المشاهد الفقير يتوق دوما إلى رؤية كل ما هو فخم وزائد عن الحد في موضوعات الأفلام، ومنذ أوائل التسعينيات والأسماء في ازدياد، ولا شك في أن من يتتبع هذه السينما سوف يلاحظ النمطية والتكرار، بالإضافة إلى التنوع. وفي بومباي، تم الاعتماد على مناظر خلابة، رائعة الجمال، تكسوها المروج والأدغال، والخضرة، تناسب العشاق الملتاعين الذين تنبض قلوبهم بمشاعر الحب، يغنون في حشاياها، أما القصور التي يعيش فيها أغلب أبطال هذه الأفلام فإن ديكورها من الفخامة ما يشد الانتباه، وينعكس ذلك على ضخامة الاستعراضات وفخامة الملابس، وحسب المصادر فإن في بومباي ستة عشر ستديو للتصوير، منها ثلاثة استديوهات مغلقة ومكيفة الهواء والبقية ستديوهات مفتوحة. أغرب وأبرز ما في هذه السينما التجارية السائدة أن عدد الأفلام التي يتم إنتاجها سنويا يتراوح بين ثمانمائة وألف فيلم، وعلى النجوم الذين يلمعون أن يجيدوا الرقص والحركة وليس شرطًا أن يكونوا أصحاب أصوات مميزة، فهناك فريق يعيش في الظل، من الرجال والنساء هم أصحاب الأصوات التي نسمعها في الأفلام، لذا، فإن الأغنيات مسجلة مسبقا من قبل مغن محترم، وقد حاول أميتاب باتشان مثلا، إثبات موهبته فقام بالغناء والتمثيل، وأداء الحركات الصعبة، وقد استمر الرجل نجما حتى اليوم، ونراه مصرّا على الغناء في بعض الأفلام، حتى وإن ظل واقفا في مكانه، حسب تقدم السن، وهذا الرقص تقليدي لدى الهنود، وله تأثير أمريكي وعربي، وهو رقص مرح مليء بالبهجة. وفي بعض هذه الأفلام نوقشت العادات الهندية المتوارثة منذ قرون، مثل عدم الموافقة على أن تتزوج الأرملة من جديد مهما كانت صغيرة السن. وفي العقد الأخير، عرفت السينما التجارية في الهند، نجومها الجدد الذين ملأوا الشاشة بالقصص التي أحبها الناس، ومنهم شاروه خا، وسلمان خان، وعامر خان وأسماء أخرى من عائلة كابور من الجنسين معا، مثل اشوارياراى باتشان التي لمعت في السينما الأمريكية، كما أن بعض المخرجين وجدوا طريقهم إلى الولايات المتحدة، خاصة المخرجة ميرانايير التي لفتت إليها الأنظار بفيلمها الأول «سلام بومباي» في العام 1994، وهناك عكفت على عمل أفلام عن كيفية معيشة الهنود بين الوطن والمهجر. الآن، ماذا عن القرن الثاني في تاريخ السينما الهندية الذي ينبلج الآن؟ لا شك في أن مستقبل أي سينما في القرن العشرين، وحتى الآن، قد ارتبط في المقام الأول بشركات التوزيع الأمريكية الكبرى، فعندما قامت هذه الشركات بتوزيع الأفلام الفرنسية أو الإيطالية في ستينيات القرن الماضي، فإن هذه السينما قد ازدهرت بشكل ملحوظ، وشاهد المتفرجون أفلامها في كل أنحاء العالم، ثم انحسرت عندما رفعت شركات السينما يديها عن توزيع أفلام هذه الدول، وفي الفترة الماضية، بدأت شركات التوزيع الأمريكية، ومنها فوكس، وآرثر، وبارامونت، في فتح مكاتب لها في الهند، وبدأت المراهنة على الكثير من نجوم ونجمات السينما الحالية، وبدأت شركات بوليوود في الاستعداد لأن توجد أفلامها في دور العرض العالمية، وكان من أبرز هذه النماذج فيلم «اسمي خان» من إخراج كاران جوهر وتمثيل شاروه خان وكاجول، أبرز نجوم السينما الهندية على الإطلاق الآن.
|