الأمة.. والتعليم.. والمستقبل

الأمة.. والتعليم.. والمستقبل
        

          طالعت مقال الدكتور/ سليمان العسكري في العدد 643 يونيو 2012 تحت عنوان «التعليم في البدء كان وسيبقى» وأتفق مع طروحات المقال.. لكن هناك تساؤلاً: ما قيمة تعليمنا العربي والبلدان العربية ككل في موقع متأخر عالميًا في مجال التنمية البشرية؟

          والسنوات تتوالى.. والعلم له تأثيراته في كل مجالات الحياة، ونحن عربيًا دول نامية وكأن ليس لها أهداف تنموية حقيقية.

          والتعليم في العالم المتقدم حقق قيمة الحركة في الحياة الإنسانية بعلاقات متوالية التقدم والتطور.. ونحن عربيًا لا نجيد سياسة تعليمية تخطيطية متوازنة بالرغم من الطلب على التعليم، وهو طلب في كل البلدان المتقدمة والنامية.

          ومن هنا يمكن تعريف التعليم بمعناه الواسع على أنه كل أنواع التعليم الإنساني.

          وبمعناه الضيق بأنه العملية التعليمية في المؤسسات المتخصصة: المدارس والجامعات.

          الأمة العربية ما بين: التعليم والمستقبل تفتقد تعليمًا يفرز نجاحاً تكنولوجيًا.. وهو تعليم لا يجيد التعامل مع عصر المتغيرات بالثورات العلمية والمعلوماتية. والأمة تمتلك توحد اللغة والعقيدة والتاريخ، لكن هل تكاملت بعض مشاريع التعليم العربي.. ونموها السكاني نحو 5% من سكان العالم؟ وهل تعليمها حقق الإسراع في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. مما ساعد على الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة وتوسيعها.. وتحقيق النمو المتوازن داخل كل بلد عربي، وهل مخرجات التعليم العربي ساهمت في رفع الكفاءة الاقتصادية، ومستوى الإنتاج، وهناك عربيًا إنفاق عشرات المليارات وفق عملة أي دولة عربية على التعليم، وفي الوقت ذاته هناك تزايد البطالة بين المتعلمين من الشباب العربي، والبطالة تعني غياب فرصة العمل المستقرة للشباب، كما أن القطاع الخاص العربي، أو مسمى الاقتصاد الحر، لم يحققا فرص العمل المنشودة والبطالة عربيًا غالبيتها من الشباب.

          حتى أصبحنا عربيًا لا نعرف هل التعليم يتحكم في سوق العمل أم العكس، وتعليمنا العربي متنوع ما بين حكومي، وخاص، ولغات، وديني وبين هذا وذاك انخفضت قيمة الشهادات الدراسية العربية.

          الأمة العربية ما بين: التعليم والمستقبل.. هل تتناسى قيمة الإيجابية في العطاء الإنساني، وهي تحقق الإرادة والفعالية، ولغة الإبداع، وكشف القدرات والمواهب، والخطاب القرآني دعا للتزود من العلم.

          قال تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا  طه (114)

          ومن الإيجابية يتحقق العطاء الحضاري حتى في مجال الثقافة، والثقافة أصبحت صناعة في مجال التعليم والعمل والتثقيف، وبما يكفل تنمية العقل الإنساني وتنمية قدراته العقلية والاجتماعية والوجدانية والسلوكية.

          كما أن حضارة الإسلام قائمة على قواعد العلم وهدى العقل، والإسلام ربط بين التفكير المنطقي والشعور الذاتي، ودعا للانفتاح على علوم العصر وأفكاره وتطوراته وثقافته، ومع سمة الماضي نجد أن الأمة امتلكت أصالة العلم، وكانت قرطبة تضم مكتبة تحتوي على نحو 600 ألف مجلد (ستمائة ألف مجلد) في مختلف العلوم والفنون والآداب، ماذا يعني هذا؟ الجواب: اهتمام الأمة بالعلم.. ولو نظرنا لقيمة الخطاب القرآني في ماهية التقدم مقابل التأخر..

          قال تعالى: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ  المدثر (37)

          وقال الرسول: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله به طريقًا إلى الجنة  (رواه مسلم)

          وقال الشاعر قديمًا:

نعيب زماننا والعيب فينا
                              وما لزماننا عيب سوانا

          الأمة العربية ما بين: التعليم والمستقبل.. بتساؤل: أين تقدم الأمة في مختلف الأصعدة ومنها التعليم؟ وكيف نتعامل مع الأسباب.. وكيفية امتلاك سنن التغيير؟ ونحن نعاني من الأمية الأبجدية، والمناخ التعليمي الإيجابي هو الذي يحقق الفاعلية، ونسبة الأمية العربية أكثر من 50% للبالغين من أبنائها، وفي الوقت ذاته هناك هجرة للكفاءات العلمية والتقنية من بلدان الأمة العربية والإسلامية بسبب عدم الاهتمام بتلك الكفاءات.

          ألم ننظر لكيفية ارتباط الإنسان بالمعارف منذ عهد آدم عليه السلام لقوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا  البقرة (31)

          وآدم عليه السلام ورث نبوة العلم جيلاً بعد جيل، لأن القدرة على التعلم، بل واكتساب المعرفة ميزة أساسية في الإنسان، بل وضرورة من أجل استمرارية وجوده، والعلم والتقنية من روافد المعرفة الإنسانية، ومن ضرورات الوجود الإنساني.

          الأمة العربية ما بين: التعليم والمستقبل.. وغياب التعليم الإيجابي أفرز فجوة هائلة ما بين الإنتاج والاستهلاك وكأننا نتجاهل أن الله عز وجل ميز الإنسان بالعقل، ودعاه لتحمل المسئولية، وأثنى على العلماء.

          قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  الزمر (9)

          وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ  المجادلة (11)

          وبيّن أن من يخشاه حق الخشية هم العلماء.

وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ  فاطر (28)

          قال الرسول: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع  رواه الترمذي.

          ولو عدنا للوراء في تاريخ العلم والعلماء نجد أن القرن الخامس الهجري شهد انتشار المدارس التعليمية.

          الأمة العربية ما بين: التعليم والمستقبل.. دعوة لمعرفة سر تخلّف الأمة؟ فهل ذهنية العقل العربي تختلف عن ذهنية العقل الآخر؟ الجواب: لا.. إنما الفارق هو كيفية التحرك بالخطط التعليمية البناءة.. ولو نظرنا عربيًآ لنسب النجاح في الشهادات التعليمية العربية نجد نسبة نجاح تصل لنحو 90% وكأن العقل العربي يمتلك الذكاء الحقيقي، وذات النسبة تذكّرني بنتائج الانتخابات العربية بنسبة 99%، وهذا وذاك نجاح اصطناعي، حتى أننا لو نظرا لشكل الثانوية العامة في مصر نجد أن النتيجة للعديد من الطلاب تخطت نتيجة نسبة الـ100%، والثانوية العامة في مصر على مدار عقدين من الزمان حقل تجارب ما بين ثانوية التحسين.. والعامين.. والعام الواحد أخيرًا عام 2012 / 2013.

          وليت منظومة التعليم المصري حققت تطورًا في مجتمع المعلومات، والبلدان المتطورة تسارع بين الحين والآخر لإجراء تعديلات جذرية على النظام التعليمي، ضمن برامج محددة طويلة وقصيرة الأجل، لرفع وتطوير مناهج الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا، والاهتمام بدور المعلم، وتعليم الرياضيات والعلوم عنوان لقاعدة التقدم التكنولوجي الذي يغذي اقتصاد المعرفة.

          الأمة العربية ما بين: التعليم والمستقبل، أليس هناك دعوة لامتلاك الأمة العربية المعلومات بواقعها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي لعبور مجتمع البلدان النامية، لمجتمع البلدان المتقدمة، ومجتمع المعلومات يساهم في نقل المعرفة، وامتلاك لغة الإبداع، وهذا وذاك يتطلبان تحديث وتطوير المناهج التعليمية، وتفعيل دور المدرسة، وبكلمة حق تعليمنا المصري والعربي يفتقد بناء مجتمع المستقبل، حتى أن الاقبال على التعليم الأدبي يفوق التعليم العلمي، ويجد إقبالاً من الطلبة.

          والتساؤل: أليس التعليم يمثل صناعة بتطوير المناهج التعليمية بحيث تكون أكثر تجاوبًا مع احتياجات التنمية والمجتمع وبحيث تواكب كل تقدم تم تحقيقه في البلدان المتقدمة.

          الأمة العربية ما بين: التعليم والمستقبل.. نجد أن العملية التعليمية في جميع مراحلها تمثل مسئولية الدول، وإن تفاوتت المسئوليات، وفق الدخل والتخصيص المادي، حيث يتحرك كل بلد بما يتناسب مع إمكاناته، ومن هنا بقدر ما تتكامل الأدوار التي يقدمها كل بلد نضمن للتعليم العربي نموًا حقيقيًا يفيد كل مجالات التنمية.

          كما أن فهم الحاضر والتطلع للمستقبل يمكن من وضع استراتيجية تعليمية بناءة، ونحن عربيًا بحاجة لتنمية روح الإقدام والتفاؤل، وتعلم المثابرة من أجل تخطي الصعاب، ولو نظرنا بتأمل للعملية التعليمية في بلدان العالم المتقدم نجد هدفها إعداد الإنسان ليصبح على قدر كبير من الدراية والمهارة والإتقان في التخصص الذي درسه، أما في بلداننا العربية، فمازال الهدف من التعليم هو منح الطالب شهادة تؤهله للالتحاق بإحدى الوظائف لا أكثر.

          في الخارج يعدون الطالب للتعليم الجامعي بدراسات خاصة تؤهله للالتحاق بالتخصص الذي يتقنه ويميل إليه بقدراته ومواهبه، أما في نظم تعليمنا العربي فأصبح الهدف حشو رأس الطالب بالمعلومات التي ينساها بمجرد تفريغها في ورقة الامتحان.

          بين هذا وذاك أين الأمة من قيمة التعليم الزراعي، وهو ضرورة من أجل تحقيق الأمن الغذائي العربي، بل وقهر الصحراء لكسب أراض زراعية جديدة بالاستصلاح، ولقد سبق العرب دول كثيرة في هذا الميدان منها الهند، السويد، الولايات المتحدة الأمريكية، الدنمارك، تايلاند.. إلخ، ووصل فيها المزارع إلى مستويات متقدمة بالإنتاج الزراعي.

          لذلك أرى لكي نطوّر من عقلية المزارع العربي علينا التوسّع في التعليم الزراعي لتزويد الطالب، والخريج فيما بعد بالمعلومات، والمهارات.. إلخ، لذلك علينا أن نحدد الهدف ونضع السياسات التعليمية كمنتج استثماري مستقبلي، والله الموفق.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يحيى السيد النجار
دمياط - مصر