من المكتبة العربية: محطات في المسرح العربي

من المكتبة العربية: محطات في المسرح العربي
        

عرض: عواطف الزين*

          «محطات في المسرح العربي» كتاب صادر حديثا عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة للدكتور هيثم يحيى الخواجة.. وهو عبارة عن دراسة لأحوال المسرح في عدد من الدول العربية من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت..

          يتكون الكتاب من ستة فصول ومجموعة عناوين على النحو التالي: «النص المسرحي الإماراتي»، «توظيف التراث في المسرح الإماراتي»، «مراجعات ومقاربات مسرحية»، «المسرح رؤى وقراءات» ،«المسرح في الكويت» و«القدس في المسرح الخليجي».

          في الفصل الأول نقرأ عن محاولات تأليف النص المسرحي الإماراتي في البدايات ومن ثم نتعرف على جانب من تجربة «الشيخ سلطان بن محمد القاسمي» كنموذج.. حيث بدأت ملامح النص المسرحي المتماسك تظهر في أواسط السبعينيات وإن وجد قبل هذه الفترة فهو قليل «لأن أغلب النصوص التي عرضتها الفرق المسرحية المحلية هناك إما معدة عن نصوص عربية معروفة» واما محلية يشوبها بعض الضعف في البنية الفنية للنص أو الموضوع والرؤية الإخراجية.. ويستشهد المؤلف بما جاء في تقرير النشاط المسرحي في الإمارات بين عامي 1980 و1986.

          حيث يقول معد التقرير د.فاروق أوهان إن وزارة الإعلام والثقافة وضعت اللبنات الأساسية للحركة المسرحية منذ بداية الاتحاد وحتى الآن.وجاء ذلك على شكل متتابع منذ مرحلة البحث الميداني عند إنشاء قسم المسرح، ووجود مخرجين وباحثين مسرحيين عرب كموظفين لديها، وقد عزز ذلك كله في تأهيل عناصر الحركة المسرحية، وتوعيتها على مقومات الحرفة فقادها ذلك إلى حدود الاحتراف عبر قنوات التكوين والتنشيط والتنظيم ومتابعة الإنتاج في الفرق. من هنا.. يرى د.الخواجة أن ملامح المسرح الإماراتي تبدت حقيقة في الثمانينيات خاصة «أن ايام الشارقة المسرحية كانت داعما كبيرا لهذه الملامح.. وتعميق مجراها ويكفي أن نذكر الدورة التدريبية الأولى للمسرح التي أقامتها وزارة الإعلام والثقافة في الشارقة عام 82 ولمدة أربعة أشهر ونصف الشهر وأن عدد العاملين في الحركة كان ما بين مائة وعشرين ومائة وخمسين عضوًا والأغلب من الممثلين.. وأن عدد الفرق المسرحية هو ثماني فرق مستقلة بالإضافة إلى فرقة مسرح الإمارات القومي..إلى جانب خمس فرق تابعة لجمعيات الفنون الشعبية وفرقة المسرح بجامعة الإمارات».

          هذه الفرق قدمت مجموعة من النصوص لعدد من المؤلفين العرب من بينهم معين بسيسو وممدوح عدوان وعبدالله ونوس وغيرهم، مما يؤكد غياب التأليف المسرحي المحلي باستثناء المسابقات التي اجريت للاهتمام بالتأليف المسرحي على مدى ثلاثة أعوام هي 79 و81 و85.

          ولم يتم رصد أي نص مسرحي مطبوع في الإمارات في فترة الثمانينيات ولكن صدر العديد من الكتب التي تتناول المسرح من بينها كتاب «الإعلام والتنمية لعبدالله النويس «المسرح بدولة الإمارات - إمارة رأس الخيمة لعبدالله الطابور» وكراس عن المسرح المدرسي لظاعن جمعة عام 1985.. ورؤية نقدية للمسرح في الإمارات لعبدالله عبد القادر.

النص حالة اجتماعية

          وفيما يخص موضوع التأليف المسرحي الإماراتي فإن النص في الغالب يدور في فلك القضايا الاجتماعية والتراث.. بينما هو مفتوح على شتى الموضوعات في الدول العربية الأخرى ذات الباع الطويل في عالم المسرح.. ويعتبر صاحب السمو د. سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أهم كاتب يخترق الواقع السياسي فيحلل ويكشف ويصور وينمي الوعي، ويأخذ بيد المتلقي إلى عمق الأحداث ويشير المؤلف إلى أن التعريف الحقيقي لكاتب النص المسرحي ليس الذي يكتب مسرحية أو اثنتين ثم يتوقف وإنما هو الذي يستمر في الكتابة وفي تقديم العروض عبر الفرق المسرحية.. وفي هذا الإطار يذكر المؤلف أسماء عدد من كتاب المسرح الذين توقفوا مثل ماجد بوشليبي وجمال مطر وسليمان الجاسم وأحمد راشد وغيرهم.

          أما المشكلات التي عانى منها النص المسرحي الإماراتي باستثناء الذين توقفوا عن كتابته، فتتعلق بالنضج المسرحي حيث يختلف العرض عن النص الأصلي.. ويكون للمخرج في العادة لمساته الإبداعية التي تحسن من مستواه عند العرض.أما المشكلة الأخرى فهي الاتكاء على التراث بشكل كبير مما جعل النصوص المسرحية متشابهة.

          والمشكلة الأخيرة تتمحور حول الابتعاد عن الواقع ومناقشة قضايا اجتماعية معاصرة مثل العنوسة والطلاق «والزواج المتكرر» وأثر الثراء ومنعكسات الدراسة في الخارج، والدين من البنوك وخسارة الأسهم، وغير ذلك.

          لكن هذه المشكلات لا تصيب نصوص المسرحيين جميعًا لذلك لا يمكن أن نغفل أهمية اسماعيل عبدالله وسالم الحتاوي ومرعي الحليان وناجي الحاي وحبيب غلوم، وعبدالله المناعي، وابراهيم سالم، وباسمة يونس، وعبدالله صالح، وصالح كرامة.

          ويتحدث د. الخواجة عن ميزة كل كاتب منهم واهتماماته والموضوعات التي يتضمنها نصه أو يعالجها.

البنية الفنية

          وتحت عنوان «البنية الفنية والاتجاهات في مسرحيات د. سلطان بن محمدالقاسمي» يستعرض المؤلف بعض العوائق والعراقيل التي تقف أمام وجود نصوص تثبت حضورها على صعيدالنضج المسرحي او القراءة والإخراج.. فمهمة المبدع مؤلفًا أو مخرجًا مهمة صعبة وعظيمة لما للمسرح من قدرة فائقة على الدخول في الأوردة وولوج النسيج الإنساني.. وبهذا يظل المسرح فن التثاقف والوعي والتحريض والتقارب بين الشعوب والأقوام..ويظل المسرح يحمل بوحًا فكريًا عميقًا وقادرًا على خلق التوازن مع الفنون الأخرى، ويذكر المؤلف عددًا من التجارب في المسرح الوثائقي الذي يقدم حدثًا تاريخيًا أو سياسيًا أو قصة أو واقعة بأسلوب درامي وقد عرف الغربيون مسرح الوثائق باعتباره شكلاً من أشكال المسرح السياسي.. وبالعودة إلى التاريخ نجد أن هناك ملامح للمسرح الوثائقي تعود إلى المسرح الإغريقي ومسرحية الفرس لأسخيلوس قد تكون بداية هذا المسرح.

          وكان اتجاه القاسمي إلى المسرح التسجيلي قد سمح للعرض بأن يكون الفضاء مفتوحًا فقد كسر الجدار الرابع كما فتح المجال للمخرجين لكي يبدعوا في الفرجة المسرحية والتجريب المسرحي.. وعندما ننظر إلى أعماله يتضح لنا أن التاريخ يتحول إلى ملحمية وتعبيرية ومسرح داخل المسرح.. وقوة وتجارب نفسية واجتماعية تقول بضرورة التحول بمرايا الذات إلى مرايا المجتمع.. لأجل التحول إلى السوية قيمة وفعلاً وأخلاقًا وثقافة جديدة، لمجتمع يتجدد ويذهب إلى الرشد، الذي هو كل شيء.

          يمكن القول إن المسرح الملحمي والمسرح التسجيلي يلتقيان في كثير من العناصر وأن الكاتب المسرحي الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي أنجز مجموعة من المسرحيات تنتمي باقتدار إلى المسرح الحديث ومن الظلم أن نقول إنها تنتمي إلى المسرح التاريخي ولا يمكن أن نطلق على مسرحه أنه مسرح بلا هوية فهو أشبه بمسرح الجريدة وفيه شيء من مسرح البوستر وفيه مفردات المسرح الملحمي لكن سياقات هذا المسرح تتماهى مع سياقات مسرح الوثائق والمسرح التاريخي.

مسرح التراث

          أما عن توظيف التراث في المسرح الإماراتي فيتحدث المؤلف عن أهمية وضرورة توظيفه في المسرح من دون أن يقحم في العرض أو نبالغ في الاتكاء عليه، أو يقدم كما هو، أو يفشل البعض في توظيفه بشكل سليم وصحيح.

المسرح في الكويت

          في الفصل الخامس يتناول المؤلف جانبًا من الحركة المسرحية في الكويت عبر ثلاثة عناوين رئيسية هي فؤاد الشطي مقاربة لإنجازه المسرحي «المسرح في الكويت سمات وتطلعات» الكويت تدعم المسرح العربي.

          يتحدث المؤلف بداية عن معرفته الشخصية بالمخرج فؤاد الشطي ويتناول تجربته كمخرج ويقول إن أول ما يلفت النظر في عروض فؤاد الشطي المسرحية، إن هذا المخرج لم ينشأ من فراغ وأنه يريد أن يكون حالة مسرحية لا ظلاً مسرحيًا ولا سحابة عابرة لذلك اهتم بمسرحه اهتمامًا كبيرًا لإيمانه بأن «البرولوج» الذي يضع المتلقي في صلب العرض ويظل مشدودًا إلى الخشبة هو جزء لا يتجزأ من عروض الشطي من حيث المتعة البصرية أو الإثارة الذهنية وهو في مدرسته المسرحية يميل إلى الواقعية الفنية كقاعدة ينطلق من خلالها إلى عرض مليء بالإقناع فهو يؤمن بأن المسرح جانب من جوانب الحياة وقد شعرت من خلال رؤيتي لعروضه المسرحية بأنه يشذب الزوائد في هذه الحياة ويبقي على المسرح وبناء على ذلك فهو يعتمد الكل في عرضه ويستند إلى المجاميع ويسعى إلى مزج الغناء والتمثيل ولعله بذلك يؤكد أن المسرح ليس فكرًا مجردًا خاليًا من النبض وإنما هو ما يجري في الحياة فعلاً وغناءً وبكاءً وأملاً، وحلمًا، وحياة بلا حدود.

سمات وتطلعات

          ويسلط المؤلف الضوء في عنوانه الثاني عن المسرح في الكويت (سمات وتطلعات) الضوء على الرموز المسرحية التي نهضت بالحركة المسرحية في الكويت مثل حمد الرجيب ومحمد النشمي وعبدالعزيز السريع وصقر الرشود وخالد النفيسي ومحمد المنصور وسعاد عبدالله وعبدالحسين عبدالرضا وحياة الفهد وغيرهم الكثير.. ويقول إن ما وصل إليه المسرح في الكويت هو نتيجة للتراكمية التي تبلورت من التاريخ المديد والكيفية التي صاغت التوجه والنوع ذلك لأن المسرح في الكويت هو أقدم المسارح في منطقة الخليج العربي.. وهو أول مسرح خليجي يرفع قامته منذ الخمسينيات بسبب نهضته المبكرة ثقافيًا وتعليميًا وبسبب تعرفه إلى هذا الفن على يد كبار المسرحيين في مصر.. إن فترة الثمانينيات تشكل قاعدة انطلاق ثالثة للمسرح الكويتي فالأولى ما قبل الخمسينيات والثانية حتى الثمانينيات ولكل فترة سماتها وظروفها.. وفيما بعد الثمانينيات قدمت مسرحيات متعددة الاتجاهات السياسية والاجتماعية والتاريخية الجادة والهازلة والمباشرة والرامزة.. وكلها تتجه إلى إظهار معاناة الإنسان الكويتي خاصة والعربي عامة وإلى طرح القضايا العربية المعاصرة ونذكر من بين تلك المسرحيات «دقت الساعة» و«ممثل الشعب» و«حرم سعادة الوزير» لسعد الفرج، و«كماشة» لعبدالعزيز الحداد و«بيت بو صالح» لغانم الصالح و«السيف» لمحمد خضر و«أرض وقرض» لمحمد الرشود و«ردوا السلام» لمهدي الصايغ» ومسرحية «عشاق حبيبة» لحسن يعقوب العلي وغيرها الكثير إلى جانب مسرحيتي عبدالحسين عبدالرضا «باي باي عرب» و«باي باي لندن» إضافة إلى أن هذه الفترة شهدت اعداد مسرحيات عن نصوص عالمية لـ «جوجول» و«أغاثا كريستي» و«بريخت» «وموليير» و«تشيكوف» وغيرهم، أو تقديم مسرحيات لعدد من المسرحيين العرب أمثال قاسم محمد وعبدالرحمن صالح وعبدالرحمن المناعي ومن ملامح المسرح الكويتي في هاتين الفترتين.. أن المخرج المسرحي تناوب في أسلوبه بين التقليدية والكلاسيكية والاتجاهات الجديدة التي بدأت تثبت مواقعها في الغرب.

فضاءات مدهشة

          لا أبالغ إذا قلت إن بعض المخرجين في الكويت استطاعوا خلق فضاءات مدهشة في عروضهم كما تمكنوا باقتدار من إعادة تشكيل الفضاء المسرحي ومنحه حياة حقيقية على الخشبة، كما تمكنوا من اكتشاف النصوص وإزاحة المخبوء منها من خلال قراءات إخراجية تنتمي إلى الابداع.

          وفي الخلاصة يقول د. هيثم يحيى الخواجة إن بداية المسرح في الكويت تشبه وتماثل بلدانا عديدة.. وتطوره كان مبنيًا على التصميم والإرادة والاستقطاب والإيمان بقيمة هذا الفن.. وعلى الرغم من كل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على الكويت إلا أن أهل المسرح ظلوا مخلصين له وعكسوا الواقع من خلاله، ويقول د.سليمان الشطي في دراسته «صراع الأجيال في المسرح الكويتي» أن غانما «في مسرحية أنا والأيتام يرى أنه من الظلم أن يدفن الإنسان نفسه وهو شاب وإذا كان الحزن يصيبه فمتى الفرح؟ فعليه أن يستغل هذا الشاب الشباب قبل أن يضيع بل يدعو أمه إلى أن تمسك يده لترى نبض الشباب فيه اندفاع وحماس».

          إن المد الثقافي الذي طال معمارية الحياة في الكويت جعل المسرح نابضًا بالخضرة والعطاء.

مهرجانات وأنشطة

          وفي العنوان الثالث «الكويت تدعم المسرح العربي» يقدم المؤلف نماذج من هذا الدعم المادي والمعنوي من خلال إقامة المهرجانات المسرحية والندوات التطبيقية والعروض الزائرة وإصدارات الكتب أو الدوريات الخاصة بالمسرح. إلى جانب وجود المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يخرج دفعات من دارسي المسرح بكل مجالاته من دون أن نغفل واقع النقد وحركة المواكبة للصحافة الكويتية لكل نشساط مسرحي وهناك عدد كبير من النقاد أسهموا في تنشسيط وتقويم حركة المسرح في الكويت وبصورة خاصة في ثمانينيات القرن الماضي.. إلى جانب العديد من الأنشطة التي تدعم وترسخ وتنهض بالمسرح في العالم العربي.

القدس مسرحيًا

          في الفصل السادس والأخير من الكتاب وتحت عنوان «القدس في المسرح الخليجي» يستعرض المؤلف عددًا من المسرحيات التي تتحدث عن القدس من بينها «باب الفتوح» لمحمود دياب و«حفلة سمر من أجل 5 حزيران» لسعد الله ونوس «وثورة الزنج» لمعين بسيسو وهيثم يحيى الخواجة ونور الدين الهاشمي و«مازال الرقص مستمرًا» ليسري الجندي وغيرها. ويتحدث في هذا الفصل بإسهاب عن عدد من المسرحيات المذكورة ومضامينها برؤية نقدية لعدد من المتخصصين.
-----------------------------
* صحفية وكاتبة من لبنان.

 

 

تأليف: د. هيثم يحيى الخواجة