جمال العربية: قراءة في المعجم الكبير

جمال العربية: قراءة في المعجم الكبير
        

          والمعجم الكبير هو المشروع الضخم الذي يقوم بإنجازه مجمع اللغة العربية بالقاهرة، منذ عدوله عن إخراج معجم «فيشر» التاريخي الذي ضاعت أصوله وتبددت بسبب قيام الحرب العالمية الثانية، ووفاة فيشر في بلده ألمانيا. وقد صدر المجلد الأول من هذا المعجم الكبير منذ اثنين وأربعين عامًا، أُنجزت خلالها مجلداته العشرة ابتداءً من حرف الهمزة حتى حرف الراء، وهو أمر يكشف عن حجم الجهد المتأني المبذول في صنع هذا المعجم الذي سيفوق في حجمه عند الانتهاء منه كل المعاجم العربية السابقة. بالإضافة إلى اتساع متنه لمادة لغوية حديثة وعصرية، ممثلة لشتى المعارف والعلوم والفنون والآداب، وهو ما يجعل منه معجمًا متسعًا لشتى الأزمنة والعصور، معبرًا عن تطور اللغة واتساع آفاقها واستخدامها في كل الميادين.

          والمتأمل في نهج هذا المعجم الكبير وأسلوب صنعه، يرى أنه قد حظي بما لم يحظ به أيّ معجم سابق من درس متصل ومراجعة دقيقة ومتابعة واعية. يُعدُّ مادته محررون دُرِّبوا في كنف المجمع وتحت إشرافه، ويراجعها خبراء متخصصون، لهم قدم راسخة في اللغة وعلومها، وفي اللغات السامية والفارسية والتركية. ثم تعرض هذه المادة على لجنة المعجم الكبير، وأعضاؤها من كبار رجال الأدب واللغة والعلم والفلسفة، وأخيرًا تعرض على أعضاء مؤتمر المجمع السنوي الذي يحتشد له المجمعيون من علماء العربية في شتى الأقطار العربية والأجنبية.

          من هنا كانت إشارة المجمعي العربي الكبير الدكتور إبراهيم بيومي مدكور - الرئيس الأسبق للمجمع - إلى كون هذا المعجم لونًا جديدًا في عالم المعجمات العربية، فيه تأصيل وتدقيق، وجمع واستيعاب عني فيه عناية خاصة بالوضوح والدقة، والترتيب الدقيق والتبويب السهل، والتزام الترتيب الحرفي مراعاة لطبيعة العربية وكونها لغة استخفافية، ووضعت النصوص المأثورة والشواهد المعقدة. واستخدمت - بقدرٍ - الرسوم والصور والخرائط.

          ولا بد من الإشارة إلى رأي المجمع الذي يردده دائمًا، وهو أن العربية ليست مقصورة على ما جاء في المعجمات وحدها، بل لها مظان أخرى يجب تتبعها والأخذ عنها. وفي مقدمتها كتب الأدب والعلم. وبناءً على هذا الرأي فإنه من الخطأ أن يرفض لفظ لمجرد أنه لم يرد في معجم لغوي، وأن اللغة فيه كلٌّ متصل الأجزاء يرتبط حاضره بماضيه وهما معًا يعدان لمستقبله. فمن الظلم إذن الوقوف بها عند حدود زمنية معينة، بل ينبغي أن يعبِّر المعجم الحديث عن عصور اللغة جميعها وأن يستشهد فيه بالقديم والحديث على السواء. وفي رأي المجمع أن من حقنا أن نقيس كما قاس القدماء وأن نشتق كما اشتقوا، وأن نعرّب كما عرّبوا. فقال بقياسية أمور كانت مقصورة على السماع، وقرر تكملة المادة اللغوية كلما دعت إليها الحاجة، وأخذ بالتعريب عند الضرورة، وأفاد من كل هذا في معجمه الكبير الذي يحرص على متابعة العمل في سيره وتطوره، وتسجيل لغته الخاصة التي هي جزء من اللغة العامة، من هنا كان اشتماله على قدر من المصطلحات العلمية والفنية مشروحة شرحًا دقيقًا في إيجاز، بالإضافة إلى أعلام الأشخاص والأماكن. وهو ما يمكن تسميته بالجانب الموسوعي الذي يقدم ألوانًا من العلوم والمعارف تحت أسماء المصطلحات أو الأعلام بالإضافة إلى جانبه المنهجي المتمثل في دقة الترتيب ووضوح التبويب، وجانبه اللغوي الذي عني بتصوير اللغة تصويرًا كاملاً.

          وفي مناسبة إطلالة عام جديد، وجدت أنه من المناسب تقديم هذه القراءة في المجلد الأخير من المعجم الكبير، تطويرًا لباب «جمال العربية» وإثراء له بمادة مغايرة.

          يقول المعجم الكبير في مادة (رود) الموجودة في العبرية والسريانية والحبشية، أنها تتضمن معاني: المجيء والذهاب والطلب والرّفق والمُهلة والميل إلى الشيء.

          قال ابن فارس: «الراء والواو والدال معظم بابه يدلَّ على مجيء وذهاب من انطلاق في جهة واحدة».

          راد فلانٌ يرود روْدًا وريادًا وريادةً: طلب.

          وقيل: طلب واختار الأفضل.

          قال أبو خِراش الهُذليّ (نحو 15هـ = 636م):

ولا يبقى على الحدثان عِلْجٌ
                              بكلّ فلاة ظاهرةٍ يرودُ

          (الحدثان: صروف الدهر ونوائبه، العلج هنا: حمار الوحش القويّ، ظاهرة: ما ارتفع من الأرض).

          وروْدًا، ورودانًا، وريادًا: جاء وذهب ولم يطمئن.

          فهو رائدٌ، وروّادٌ للمبالغة. قال حُمْيد بن ثوْر - وذكر إبلاً-:

وجاء بها الروادُ يحجُز بينها
                              سُدًى بين قرقار الهدير وأَعَجما

          ( يحجز بينها: لئلا يدقُّ بعضُها بعضا، سُدًى: مهملة في مراعيها، قرقار: صافي الصوت في هديره، يقول: بعضها يقرقر وبعضها أعجمُ لا يُهدّر).

          يقال: مالي أراك ترودُ منذ اليوم.

          ويقال: راد وسادُه من همٍّ أو مرضٍ: إذا لم يسْتقرّ، كأنه يجيء ويذهب.

          قال عبدالله بن عنمةَ الضَبّىُّ (وهو جاهلي):

تقول له لما رأت خَمْعَ رِجْله
                              أهذا رئيسُ القوم؟ راد وسادُها

          ( الخَمْع: العرَج، دعا عليها بألا تنام فيطمئنّ وسادُها).

          وقال المعرّى (449هـ = 1057م):

دعا رجبٌ جَيْش الغرام فأقبلت
                              رِعالٌ ترود الهمِّ بعد رِعالِ

          (يريد لما أهلّ شهر رجب دعا جيش الغرام فأقبَلت رعاله، الرّعال: قطع الخيل واحدها رعْلة ورعيل).

          ويقال: رجلٌ رائدُ الوساد: إذا لم يطمئن عليه لهمٍّ أقلقه.

          والدوابُّ: رعت واختلفت في المرعى، مقبلة ومدبرة.

          قال حُميْد بن ثور:

ترودُ مدى أرسانها ثم ترعوي
                              عوارف في أصلابهنَّ عتيقُ

          (أرسانُها: ما كان من الأزمّة على أُنوفها، ترعوي: ترجع، عوارفُ: يريد عارفًة مكانها، العتيق هنا: الشحم).

          وقال الحطيئة (نحو 45هـ = 665م):

كأن لم تقُمْ أظعان ليلى بمُلْتوًى
                              ولم ترْعَ في الحيِّ الحِلالِ ترودُ

          (الحِلالُ: جماعةُ بيوت الناس، أو الحالّون في مكانٍ وهم كثير).

          وــ الرّيح روْدًا، ورُءُودًا، ورَوَدَانًا،: تحركت وجالت وقيل: تحرّكت تحرُّكا خفيفًا. فهي رادةٌ، وروْدٌ، ورُوَاد، ورائدة.

          ويقال: راد الزمانُ: جال. قال أحمد شوقي (1351هـ = 1932م):

ونحن بنو زمانٍ حُوّليٍّ
                              تنقّل تاجرًا ومشى ورادا

          (حُوّليٌّ: كثيرُ التقَلُّب).

          وــ المرأةُ إلى بيوت جاراتها: أكثرت الاختلافَ إليها. فهي رادٌ، ورَوادٌ، ورُوّادة، ورائدة، وَرؤود.

          وــ فلانٌ الشيءَ روْدًا، وريادا، وريادة: طلبه. وقيل: طلبه واختار أفضله، فهو رائدٌ (ج) روّادٌ، ورادةٌ، وهي رائدة. يقال راد الكلأَ. ويقال: بعثنا رائدًا يرود لنا الكلأ والمنزل. ويقال: راد أهلَهُ منزلاً وكلأً.

          قال حُميْد بن ثوْر - يصف حُوارَ ناقته -:

فلما أتى عامانِ بعد فصالهِ
                              عن الضَّرُع واحلوْلَى دمِاثًا يرودُها
رماهُ الممُارِي بالذي فوق سِنِّه
                              بسنٍّ إلى عُليا ثلاثٍ يزيدُها

          (احلوْلى هنا: استمرأ، الدِّماث: الأرض السهلةُ الكثيرةُ النبات، المُماري: الذي يشكّ في سنِّ الحيوان لضخامته فيزيده على حقيقته).

          وقال أبو النجم العِجْليّ (130هـ= 748م):

حدائقُ الأرض التي لم تُحْللِ
                              يقلن للرائد أعشبْتَ انْزلِ

          وفي كتاب «الحيوان» أنشد الجاحظ قول الشاعر:

سقى الله أرضا يعلم الضبُّ أنها­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­
                              عذِيّةُ بطْن القاع طيّبَةُ البقْلِ
يرود بها بيتا على رأس كُدْيةِ
                              وكلُّ امرئٍ في حرفة العيش ذو عقْلِ

          (العَذِيّة: الطيبة، الكُدية هنا: الأرض الغليظة المرتفعة، الحِرْفة: الصناعة وجهةُ الكسْب).

          وــ الدّابةَ: جعلها ترود.

          وــ الدار والرَّبْعَ بعد رحيلِ أهله: تردّد فيه مُتحسّرًا يسائله. وفي «مجالس ثعلب» قال الراجزُ:

          هل تعرفُ الدارَ غدًا صعيدُها
          واشتبهت غيطانُها وبِيدُها
          وعاد بعدي خَلقًا جديدُها
          وقفتُ فيها رائدًا أرودها

          ويقال: رادَ الشيءَ على الشيء: عرضه. قال علقمة بن عَبَدة (نحو 20ق.هـ= 603م) وذكرنا ناقته التي حملته إلى ممدوحه-:

تُرادُ على دِمْنِ الحياضِ فإن تَعفْ
                              فإنّ المُندّى رحلةٌ فرُكوبُ

          (دمن الحياض: ما تدمّن من الماء بسقوط الندى فيه، تَعفْ: تأبى، المُندّى: العرض على الماء مرةً أخرى. يقول: يعرض عليها الماء الموجود فإن كرهته لم يعرض عليها ثانية، ولكنها تُرْحَلُ وتُرْكَبُ).

          أرادت الإبلُ: رادتْ.

          وــ فلانٌ: أحبَّ ورغب.

          قال أبو العلاء المعرى:

ولمّا أن تجهّمني مُرادي
                              جريتُ مع الزمان كما أرادا

          (تجهمني: كرِهني).

          وقال أيضًا:

فإن تجدِ الديارَ كما أراد الـ
                              غريبُ فما الصديقُ كما أرادا

          ومن المجاز قولهم: أرادت السماءُ أن تُمطر: قاربت وتهيأت.

          ومنه أيضًا: أراد الجدار أن ينقضّ: أشرف على السقوط.

          وفي القرآن الكريم: فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ .

          ومن المجاز قولهم: أرادتنا حاجتُنا: إذا لبَّثتهم وأخَّرتهم.

          وفي «اللسان» قال الشاعر:

إذا ما المرء كان أبوه عبسٌ
                              فحسْبُكَ، ما تريد إلى الكلامِ؟

          ( كان هنا: تامة، أو زائدة، ما تريد إلى الكلام أي ما الذي يُحوجك إلى الكلام).

          والمُرودِ: يريد حسن الإسراع والتمهل).

          وقال ابن دريد (321هـ= 932م) في مقصورته -:

يا دهر إن لم تكُ عُتبى فاتئد
                              فإنَّ إروادَكَ والعُتْبَى سَوا

          وقال المعرِّي:

أرى الزمان وشيكا مُبطئًا وله
                              حال تحالفُ إيشاكي وإروادي

          (إيشاكي: إعجالي).

          ويقال: راوده على الأمر: جادلَهُ.

          وفي خبر أبي هريرة: «حيث يراود عمّه أبا طالب على الإسلام».

          وــ فلانًا على الأمر، وعنه: داراه، أي: خادعه وراوغه.

          وــ على الشيء، وعنه: طلب منه.

          وــ المرأة عن نفسها: أرادها عن نفسها. وقد تكون المراودةُ من المرأة.

          وفي القرآن الكريم: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ .

          وفيه أيضًا: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ.

          وارتاد فلان: راد.

          قال البحتريّ (284هـ=897م) يمدح المعتز بالله-:

وإذا تكلم فاستمع من خُطبةٍ
                              تجلو عمى المتحيّر المرتادِ

          وقال الأعشى (7هـ = 628م):

فهل يمنعنِّي ارتيادي البلا
                              دَ من حذر الموتِ أن يأتينْ

          وقال ابن الرومي (283هـ = 896م) يمدح عبد الله بن سليمان-:

وبعيد المنال من متعاطيه
                              قريب النَّوالِ من مُرتاده

          وقال المعرِّي:

فأيُّ الناس أجعله صديقًا
                              وأيُّ الأرض أسلكُها ارتيادا

          ويقال: ارتاد جدْبًا وارتاد خيرًا.

          ويقال: ارتاد من قيده قصْرًا، أي: طلب السَّعةَ فوجده مقصورًا، وبه فُسّر قول ذي الرُّمّة (117هـ=735م)- يتغزل-:

تحنُّ إلى ميٍّ كما حنَّ نازعٌ
                              دعاهُ الهوى فارتاد من قيده قصرا

          (ميّ: اسم صاحبته، النازع: البعير يحنُّ إلى وطنه)

          تراود الغُصْنُ: تحرَّك وجاء وذهب ولم يطمئن. قال أبو صخرٍ الهُذليّ (80هـ=669م):

إذا هي ناءت للقيام تأوّدتْ
                              تأوّد غُصْنِ البانةِ المُتراودِ

          (تأود: تعوّج وتثنّى).

          واستراد فلان: راد.

          وــ الطيْرُ: سعت في طلب الرزق.

          قال أبو قيس صِرْمةُ بن أبي أنس في تعظيم الله تعالى وبيان فضله-:

وله الطير تستريد وتأوي
                              في وكورٍ من آمناتِ الجِبالِ

          (الوكور: الأعشاش)

          وقال علقمةُ بن عَبَدة (نحو 20ق.هـ= 603م):

والجهل ذو عرضٍ لا يسترادُ له
                              والحلم آونةً في الناس معدومُ

          (الجهل هنا: الشّرُّ، يعنى أن الشرَّ لا يراد ولا يطلب، وإنما يعرض لك وأنت لا تريده)

          ويقال: استراده لكذا.

          والأرود: الذي يعمل عمله في سكون لا يُشعر به. يقال: الدهر أرود مستبدّ. والدهر أرود ذو غِير.

          والرُّويْد: الإمهال.

          قال أبو العلاء المعرِّي:

روْيدًا عليها، إنها مُهَجاتٌ
                              وفي الدهر محْيًا لامرئٍ ومماتُ

          وقال الفضل بن العباس اللَّهبيّ (أمويّ):

مهلا بني عمّنا عن نحْت أثْلتنا
                              سيروا رويْدًا كما كنتم تسيرونا

          (الأثْلة: شجرة تُجعل مثلاً للعِرْض، فيقال: فلان ينحت أثُلةَ فلان: إذا ذمّه وتنقّصه).

          وتكون رويْد بغير تنوين اسمًا لفعل الأمر، بمعنى: تمهّل أو أمهل.

          وقد تلحق رويْد، التي بمعنى تمهّل: الكافُ سماعًا. ففي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنجشة: رُوَيْدك، رفقًا بالقوارير. وفي كلام العرب: «رُويْدَك الشِّعْرَ يَغِبّ»

          وقال المتنبي يمدح سيف الدولة-:

رويدك أيها الملكَ الجليل
                              تأَيَّ وعُدَّهُ مما تنيلُ

          (تأيَّ: توقّف)

          والرِّيد: حُبُّ الشيء والعناية به.

          وريْدة ـ ريح ريْدة: لينة الهبوب.

          والرِّيدة: اسم يوضع موضع الارتياد والإرادة.

          والمرَاد: المكان الذي يُذهب فيه ويُجاء.

          ومراد الريح: ممرُّها حيث تجيء وتذهب.

          ومرادُ العين: مدى رؤيتها الذي لا يردُّه شيء.

          وفُسّر به قول الحكم بن عبدل الأسدي (100هـ = 718م) يمدح بشر بن مروان-:

بعيدُ مراد العيْن ما ردَّ طرْفَهُ
                              حِذار الغواشي بابُ دارٍ ولا سِتْرُ

          (الغواشي: الدواهي تغشى المرء).

          والمُراد: الغاية والقصد.

          ***

          ولا يفوت «المعجم الكبير» أن ينبه في مستهل كل مجلد من مجلداته. إلى أن ما يجده القارئ من أشعار لشعراء من بعد عصر الاحتجاج، كأبي تمام والبحتري وابن الرومي والمعري وصولاً إلى بعض الشعراء المحدثين ليست شواهد لإثبات الدلالة اللغوية، وإنما هي للاستئناس بها على استمرار الدلالة، أو على تطورها أحيانًا، وهو أمر يفيد صانعي المعجم التاريخي الذي بدأ العمل فيه في إطار اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، فهي بهذا المعنى أمثلة للاستعمال اللغوي متابعةً لصنيع الزمخشري في معجمه: «أساس البلاغة». وهو ما جرى العمل به في الأجزاء المطبوعة من المعجم الكبير.

          كذلك لايفوت قارئ المعجم الكبير هذا الاستقصاء في تتبع المادة اللغوية المشتقة من الجذر البعيد للكلمة، وما يستقطبه هذا الجذر من دلالات، كما حدث مع الجذر (رود) حين اتضح أن معظم بابه يدل على مجيء وذهاب من انطلاق في جهة واحدة، وما يدل على الطلب والرِّفق والُمهلة والميل إلى الشيء ثم جاءت الشواهد من قرآن وحديث وأثر وخبر وشعر، مؤكدة لكل هذا الاتساع والتنوع في الدلالات. حتى إذا وصلنا إلى كلمة «مُراد» وجدناها علمًا على غير واحد، منهم مراد بن مالك من كهلان من القحطانية، ومراد بن يوسف جاويش الرومي المصري وهو صوفي حنفي، ومراد بن علي بن داود الحسيني الأزبكيّ النجاري جدّ آل المرادي الدمشقيين، من كتبه المفردات القرآنية بالعربية والفارسية والتركية وسلسلة الذهب في السلوك والأدب وصولاً إلى الدكتور مراد كامل (1395هـ=1975م) عالم اللغات الشرقية وعضو عدد من المجامع اللغوية العربية.

          وهكذا تتكامل مادة «المعجم الكبير»، لغويًّا وأدبيًّا وموسوعيًّا، الأمر الذي لم يحظ به معجم عربي من قبل، كما يتسع فضاؤه اللغوي لرحلة العربية عبر الأزمنة والعصور، والأماكن والبيئات، باعتبارها لغة قديمة متجددة وحيّة متطورة، وقادرة على الوفاء باحتياجات أصحابها في كل مجال.

 

 

فاروق شوشة