لغتنا العربية بين احتفاء العالم وإهمال أهلها: د. سليمان إبراهيم العسكري

لغتنا العربية بين احتفاء العالم وإهمال أهلها: د. سليمان إبراهيم العسكري
        

          أصبحت اللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية التي تحتفي بها منظمة اليونسكو ?منذ أعلنت يوم 18 ديسمبر من كل عام «يومًا عالميًا للغة العربية» والذي تم اعتماده ضمن برنامج احتفالات المنظمة السنوي، إدراكًا لما «للغة العربية من دور وإسهام في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وأن هذه اللغة هي لغة اثنين وعشرين عضوًا من الدول الأعضاء في اليونسكو، وهي لغة رسمية في المنظمة ويتحدث بها ما يزيد على 422 مليون عربي ويحتاج إلى استعمالها أكثر من مليار ونصف مليار من المسلمين».

  • إن تعلم اللغات الأجنبية والدراسة بها لا ينبغي أن يؤثرا على مستوى دراسة اللغة الأم. فلا يمكن مثلاً أن نجد طالبًا ألمانيًا أو فرنسيًا يلتحق بالدراسة في مدرسة أجنبية أمريكية مثلاً في بلاده ولا يكون متمكنًا متقنًا للغته الأم، مانحًا إياها الأولوية في القراءة والتحصيل المعرفي العام.
  • هناك علاقة طردية بين قوة اللغة في مجتمع ، ومستوى التعليم وقوة المجتمع نفسه فلا يمكن أن نغفل أن جانباً من ضعف ثقافتنا العربية بين ثقافات العالم، وضعف مجتمعاتنا نفسها له علاقة أيضاً بضعف علاقة المجتمع بلغته وانـحدار مستوى تعليمها واستخدامها وإنتاجها المعرفي معاً.
  • إن دعم الاهتمام باللغة العربية يمكن أيضاً أن يتحقق عن طريق دعم ترجمة الآداب العربية والمنتج الثقافي العربي إلى لغات العالم، بحيث يحدث لون من ألوان تفجير الاهتمام بالثقافة العربية في العالم. إذ أن أغلب ما يترجم من أدبنا العربي للغات الأجنبية اليوم يتم، مع الأسف، عبر مبادرات الدول الأجنبية.
  • يجب أن يكف قادتنا ومسئولونا عن إلقاء خطاباتهم ولقاءاتهم من على المنابر الدولية باللغات الأجنبية وأن يلتزموا باحترام لغتهم التي نصت عليها دساتيرهم حتى يحترمهم العالم، فالزعيم الذي يخاطب العالم بغير لغته الوطنية يتخلى عن هويته ويعلن تبعيته لغير أمته.

          ولا شك أن مثل هذا القرار يسعد كل من يتحدث باللغة العربية، وكل من ينتمي لثقافتها، لما يعنيه من تأكيد على الدور المؤثر للحضارة العربية في الحضارات الأخرى، وبما يعنيه من الأهمية المتوقعة لهذه الحضارة في المستقبل، بالرغم من كل ما تعانيه مجتمعاتنا العربية من أزمات ومشكلات تؤخر من عملية التنمية واللحاق بركب التقدم الحضاري الذي يتسابق إليه العالم، بشكل أصبح يتضاعف يوميا بفضل وسائل الاتصال الحديثة والطفرات العلمية الكبيرة التي يعمل الغرب والعديد من دول العالم على المشاركة بها في مجال الإنتاج العلمي والتقني.

          ولعل هذا الحدث المهم ينبهنا إلى ضرورة حث الحكومات والمنظمات العربية جميعا على التحفز للحاق بركب الحضارة العالمي من خلال استراتيجيات طموحة للارتقاء بمستويات التعليم وإصلاح النظم التعليمية في المدارس والجامعات العربية جميعا، والارتقاء بمستوى المعلم العربي، في كل المستويات التعليمية الأساسية والجامعية بحيث يكون مؤهلا لتعليم جيل جديد مسلح بالمعرفة وبالقيم الإيجابية اللازمة للارتقاء بالعنصر البشري الذي هو العنصر الأساس في إحداث أية نهضة مرجوة في المستقبل. وإقرار خطط طويلة وقصيرة الأمد لتحقيق هذه النهضة المستحقة.

          والارتقاء باللغة التي هي هويتنا ووسيلتنا للتعبير عن وجودنا وموروثنا الثقافي والإبداعي، والديني الذي بدونها لا وجود له، فلا شك أن هناك الكثير مما يتطلب بذله من جهد في هذا المجال، أوله القضاء على الأمية في عالمنا العربي قضاء تامًا، وإصدار التشريعات اللازمة لمواجهة ظواهر التسرب من التعليم، وإلزام الأطفال العرب جميعا بمراحل التعليم الأساسية، وتوفير الظروف المناسبة لغير القادرين لتأكيد حقهم الأساسي في التعليم.

          إن الظواهر التي نشهدها اليوم في عالمنا العربي تكشف عن أزمة مزدوجة تتعلق بضعف مستوى اللغة العربية، بسبب ضعف وتخلف المناهج الدراسية المتخصصة في تعليم اللغة العربية، ولقلة كفاءة الكوادر التعليمية القائمة على تعليم اللغة العربية في إطار ظاهرة أعم تتعلق بضعف مستوى الكثير من خريجي الجامعات العربية، أما الوجه الثاني للأزمة فهو أخطبوط الجامعات والمدارس الأجنبية التي تصبح اللغات الأجنبية فيها? اللغة الأولى في التعليم، ويأتي ذلك للأسف على حساب اللغة الأم للطلبة والدارسين العرب؛ مما يتسبب في تخرج أجيال عديدة من الطلبة الذين لا يعرفون شيئا عن لغتهم العربية، بل ولا يجيدون القراءة والكتابة بها مما يؤدي إلى إحداث فجوة وانقطاع كبيرين بين هؤلاء الدارسين وبين الثقافة التي ينتمون إليها، والثراث التاريخى لوجودهم، لقلة معرفتهم بتراثهم الثقافي والأدبي، وصولا حتى لعدم تمكنهم من التعبير عن أنفسهم إلا باللغات الأجنبية.

ظاهرتان خطيرتان

          وهاتان الظاهرتان في الحقيقة تتسمان بقدر كبير من الخطورة، الأولى لأنها تتسبب في انفصال غير مباشر عن اللغة العربية، لأن من لا يتعلم اللغة العربية بشكل جيد، قد يجد صعوبة في استخدامها في القراءة، ويترسخ في ذهنه أنها لغة معقدة وصعبة، مما يجعله يقبل على وسائل أخرى للمعرفة مثل التليفزيون والقنوات الفضائية والوسائط السمعية والبصرية، وبالتالي تعاني مصادر معرفته من العوار والنقص. أما الثانية فهي تحمل سمتًا من التطرف؛ إذ أن تعلم اللغات الأجنبية والدراسة بها لا ينبغي أن يؤثرا على مستوى دراسة اللغة الأم. فلا يمكن مثلا أن نجد طالبا ألمانيًا أو فرنسيًا يلتحق بالدراسة في مدرسة أجنبية أمريكية مثلا في بلاده ولا يكون متمكنًا متقنًا للغته الأم، مانحًا إياها الأولوية في القراءة والتحصيل المعرفي العام.

          لذا فإن الطالب العربي حين يدرس في مدرسة أجنبية لكي يحصل على مستوى أجود من التعليم لا يحقق هذا الشرط بشكل كامل إذا توفر على حساب لغته الأم، فجودة التعليم ينبغي ألا تتجزأ، وبالتالي فعلى وزارات التعليم العربية بحث سبل دعم تعليم اللغات العربية في المدارس الأجنبية الموجودة على أراضيها، وعدم التهاون في الإصرار على شروط مستوى إجادة الخريجين ?من طلابها للغتهم الأم بحيث يتحقق للطالب العربي الفرصة الكاملة في تجويد تعليمه في المعارف كافة، وفي اللغات بما فيها اللغة الأم. خصوصا أن الطالب الذي يفقد العلاقة مع لغته الأم هو في الحقيقة يتعرض لمسخ لغته من جهة، كما يتعرض لأزمة أخرى تتعلق بالهوية، لأن اللغة لدى أي أمة أو دولة تمثل ركنا أساسيا في بناء الشخصية وهويتها الوطنية. بالتالي يعيش حالة من الازدواجية الثقافية التي قد يكون لها تأثير سلبي في علاقته مع مرجعياته الثقافية.

          بل إن هذا المنطق نفسه يغفل أن النظم التعليمية في الغرب لكي تضمن تحصيل الطالب تعليما جيدا يتناسب مع البرامج التعليمية المتطورة التي تقدمها لطلابها تفترض أن يحصل الطفل ومنذ المراحل الأولى المبكرة في دراسته عددًا كبيرًا من مفردات لغته، وبالتالي يضمن بذلك فهما وتحصيلا جيدا كلما ارتقى في المستوى التعليمي، من جهة، كما يضمن زيادة قدراته على التعبير عن نفسه وعن تحصيله العلمي في المستويات العليا من التعليم خصوصا حين يصل إلى المستوى الجامعي.

          وعلينا هنا الانتباه إلى أن مناهج تعليم العربية القائمة على التلقين والحفظ، باتت لا تليق بوسائل التعليم الحديث، ولا حتى بهدف نشر العربية في العالم لأنها يجب أن تتحرر من الوسائل التلقينية وتركز على أوجه جماليات اللغة العربية في الأدب والفنون والمدونات العربية، وأن تلقي الضوء على آدابنا المعاصرة بدلا من التركيز فقط على الكلاسيكيات القديمة، بحيث يشعر الطالب أنها لغة تخص العصر الراهن أيضا، وتتداخل في كل مناحي الحياة، خصوصا أن الطالب العربي يتعامل مع اللغة العربية كلغة قراءة فقط وليست لغة خطاب وحوار.

ضعف اللغة وضعف الأمة

          وهذا في الواقع ينبهنا، بشكل غير مباشر، إلى العلاقة الطردية الموجودة بين قوة اللغة في مجتمع ما، ومستوى التعليم الذي توفره لأبنائها، ثم بين هذا كله ومدى قوة المجتمع في العالم.

          وهكذا لا يمكن أن نغفل أن جانبا من ضعف ثقافتنا العربية بين ثقافات العالم، وضعف مجتمعاتنا نفسها له علاقة أيضا بضعف علاقة المجتمع بلغته وانحدار مستوى تعليمها واستخدامها وإنتاجها المعرفي معا.

          ومن المؤكد أن المؤسسات الإعلامية في أرجاء العالم العربي تتحمل مسئولية كبرى في تحقيق الاهتمام باللغة العربية كوسيلة معرفة وتواصل بين العرب جميعا من جهة، ولكونها تمثل جزءا أساسيا من الهوية المشتركة بين الأقطار العربية، إضافة لكونها لغة القرآن الكريم.

          تابعوا اليوم أية قناة فضائية عربية، ربما باستثناء القنوات الإخبارية، واستمعوا إلى المذيعين والضيوف معا، وستجدون أن قلة قليلة هي التي تحافظ على التحدث بلغة عربية سليمة، أما الأغلبية فهم يستخدمون مزيجا من اللهجات العامية والفصحى، أو يستخدمون لغة ركيكة لا هي بالفصحى أو العامية.

          وحتى القنوات الفضائية الموجهة للأطفال والتي كانت تحرص على إذاعة جميع أفلام الكارتون للأطفال بلغة عربية فصيحة، وأدت بذلك دورا بالغ الأهمية بإسهامها في تنشئة جيل يعرف الكثير من مفردات الفصحى وينطقها بشكل سليم في سن مبكرة، إذا بكثير منها اليوم ينقلب على هذا المنهج، حيث تستبدل بالفصحى لغة عامية دارجة تعبر عن لهجة من لهجات قطر من الأقطار العربية دون غيره، رغم أن المفترض في تلك القنوات أنها توجه للأطفال في الاقطار العربية كافة من دون تمييز.

          بالإضافة إلى المنهج المعوج الذي تمثل لفترة في تقديم نشرات الأخبار بالعامية في بعض القنوات الفضائية التي انتبهت لاحقا لفداحة هذا المنهج وتوقفت عنه.

          وحين نقول إننا ينبغي لنا أن نتوقف وقفة جادة وحاسمة مع موضوع اللغة العربية وإتقانها فإن ذلك يأتي من منطق أنه لا يمكن لنا أن نسعى لتوسيع دائرة انتشار اللغة العربية في العالم، من دون أن نتأكد من جودة وضع اللغة العربية وحسن استخدامها أولا لدى الناطقين بها.

          فالاهتمام العالمي الذي منحته اليونسكو للغتنا العربية في الحقيقة ينبغي أن ينبهنا إلى المسئولية الكبيرة التي نتحملها اليوم في دعم انتشار اللغة العربية في أرجاء العالم، وإلا فسوف يتحول الأمر إلى مجرد مناسبة احتفالية نحتفل بها بالخطابة والندوات دون أن نستفيد منها وأن نجعل منها مناسبة لتصعيد الاهتمام باللغة العربية في بلادها الأم، ويمكن أن يتحقق ذلك مثلا أولا عن طريق تبني جامعة الدول العربية مشروعا لتمويل دراسة اللغة العربية في الدول الأجنبية عن طريق إنشاء مراكز ومعاهد ثقافية في الخارج. لنشر لغتنا وثقافتنا بين شعوب العالم خصوصا أن هناك الآلاف من غير الناطقين بالعربية ممن يهتمون بدراسة العربية إما لأنهم مسلمون يحرصون على قراءة القرآن الكريم والتراث الإسلامى بلغته الأصيلة الفصيحة، في دول مثل إندونيسيا وماليزيا وبعض بلاد شرق آسيا الأخرى، أو في البوسنة والهرسك التي يدين نصف سكانها بالإسلام، أو حتى من قبل الراغبين في تعلم اللغة العربية للدراسة المتخصصة في الأدب العربي في أرجاء أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.

          كما أن دعم الاهتمام باللغة العربية يمكن أيضا أن يتحقق عن طريق دعم ترجمة الآداب العربية والمنتج الثقافي العربي إلى لغات العالم، بحيث يحدث لون من ألوان تفجير الاهتمام بالثقافة العربية في العالم. إذ أن أغلب ما يترجم من أدبنا العربي للغات الأجنبية اليوم، مع الأسف، يتم عبر مبادرات الدول الأجنبية، أو بمبادرات خاصة من مترجمين أجانب يتحمسون لهذا النص أو ذاك، أو لكاتب من الكتاب، ويبحثون عن الدعم من دور نشر أجنبية خاصة وتجارية، بالكاد تؤمن إصدار نسخ محدودة من تلك الكتب ولا تدعم نشرها وتسويقها بالشكل الذي يمكن أن يحدث لو خصصت مؤسسات ثقافية حكومية كبرى في العالم العربي الدعم اللازم لترجمة الأدب والثقافة العربيين في أرجاء العالم.

جهود مطلوبة

          وهذه في الحقيقة مفارقة كبيرة، لأن كل دول العالم التي أرادت نشر لغاتها في العالم بذلت من أجل ذلك جهدا جهيدا، وأنفقت مبالغ طائلة من أجل البعثات التعليمية والترجمة وإصدار المجلات والمطبوعات وتوفير معاهد تعليم اللغات في الدول الأخرى، ووضع خطط لترجمة الأعمال الكلاسيكية في المعارف الأدبية والعلمية والفلسفية كافة بحيث تكون متاحة لجماهير القراء باللغات الأخرى. وهذا ما يفتقده العالم العربي وبقوة، ويتسبب، بين أسباب أخرى عديدة، في شيوع الانطباعات العامة السلبية التي تشيع في الغرب عن العرب والمسلمين بسبب إساءات المتطرفين من التيارات التي تتمسح في الإسلام من أجل أغراض وأهداف سياسية محضة لا تحقق للعرب وللإسلام إلا المزيد من الخسارة وسوء السمعة وربط العنف والإرهاب بالمسلمين مع الأسف.

          لذلك فإن تبني المشروعات المؤسساتية الضخمة التي تستهدف نشر الثقافة العربية باللغات الأجنبية لم يعد ترفا بقدر ما هو ضرورة لإنقاذ سمعة الثقافة العربية واستعادتها لأمجادها القديمة، حين تمكنت من لفت انتباه العالم إلى منجزها في الفنون والعلوم والآداب ما جعل منها مرجعا للحضارة الغربية في بنائها لنهضتها الحديثة.

          ويكفي لندلل على ذلك مثلا أن نقتطف مما قاله المستشرق الفرنسي «كريستيان لوشون»، في واحدة من المحاضرات التي أقيمت بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، والذي جاء بأدلة قوية على العلاقة بين العربية والفرنسية لغوياً وثقافياً وتحدث عن الأرقام العربية التي حققت النهضة العلمية في أوربا وإفادة علم الرياضيات في أوربا من كتاب الجبر للخوارزمي، وذكر أن هناك تشابهاً في الأسماء والأعلام بين العربية والفرنسية وتشابهًا مذهلاً بين الثقافتين، ولفت إلى كتاب ألفه عام 1985م عنوانه: «أجدادنا العرب» أحدث ضجة كبيرة وقتها، لأنه أكد على إفادة الموروث الفكري الفرنسي من الموروث الفكري العربي، وذكر في هذا الخصوص تأثير مفكرين وأدباء عرب على الثقافة الفرنسية مثل ابن طفيل وابن المقفع.

          وحتى على ساحة الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) سنجد مفارقة كبيرة، تتمثل في أن عددا كبيرا جدا من المستخدمين العرب، يقدر اليوم بالملايين، يزدادون يوميا، ويستخدمون الإنترنت، وتتوفر لهم في وسائل التواصل الاجتماعي إمكانات توفر لهم استخدام اللغة العربية في تواصلهم الاجتماعي مع الآخرين، لكن محتوى الشبكة العربي في المقابل يعد ضعيفا جدا، ولا يليق إطلاقا بالثقافة العربية ومنجزها الهائل.

          إن زيارة موقع واحد مثل موقع الموسوعة الافتراضية الشهير ويكيبديا، لكفيل بأن نتبين حجم الفقر الفادح الذي يعاني منه المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، ليس فقط على مستوى إيجاد عناصر متكاملة لأي موضوع للبحث، بل وحتى على مستوى المفاهيم والمصطلحات المعرفية والفلسفية والعلمية والتاريخية.

          فلو بحثنا عن أي مصطلح فكري او فلسفي، أو حتى عن شخصية فكرية عربية ولتكن مثلا ابن رشد، فسوف نجد معلومات فقيرة جدا ومحدودة في القسم العربي من الموسوعة بينما لو بحثنا عن نفس الاسم في الأقسام الإنجليزية والفرنسية والألمانية لوجدنا فيضا من التفاصيل المعلوماتية الدقيقة عن سيرة ابن رشد، وإسهاماته العلمية والفلسفية وغيرها، وأهم أفكاره وأطروحاته وغير ذلك من تفاصيل.

          بالتالي فلا بد من دعم المحتوى العربي عن طريق تمويل مواقع عربية جديدة في مجالات الثقافة والعلوم والفكر والفن ليس العربي فقط بل في المجالات المعرفية العالمية كافة، فالمقصود هنا ليس أن تتوفر المعلومة العربية على ثقافتنا العربية فقط، بل أن يتوفر المحتوى العربي لشبكة المعلومات على كل معارف العالم باللغة العربية وبينها ما يتعلق بالمنجز الثقافي والفكري والعلمي العربي بطبيعة الحال.

          إن اللغة العربية تحتاج إلى تضافر الجهود من القائمين على التعليم والإعلام والثقافة والدبلوماسية العربية معا في الحقيقة، وتحتاج هذه الجهود أولا إلى لون من التخطيط والتنسيق يشترك فيه الجميع لوضع مبادرات يمكن أن تخص كل بلد عربي على حدة ثم يمكن تعميم ما يصلح منها لكل الدول العربية في مرحلة أخرى.

          كما يمكن أن تلعب مجامع اللغة العربية - ونحن نعمل جاهدين هنا في الكويت على إنشاء مجمع للغة العربية قريبا -?دورا مهما في توفير سبل الدعم المناسبة لنشر اللغة العربية واعتماد أو اقتراح الآليات المناسبة لذلك الهدف.

          والتحدي الماثل أمامنا الآن هو مدى ما نبذله من جهد في تحقيق هذا الأمل السامي، لأننا بقدر ما نخلص في تعلم وإتقان ونشر لغتنا العربية بقدر ما ستكون هذه اللغة وسيلة للارتقاء بثقافتنا وحضارتنا في أرجاء العالم قاطبة، ولكن قبل هذا كله لابد أن نبدأ بأنفسنا ونمنع إطلاق الأسماء الأجنبية على مجمعاتنا ومحلاتنا التجارية، وأن نحظر على برامجنا الإذاعية والتليفزيونية وعلى العاملين في تلك الأجهزة المؤثرة في المستمع والمشاهد استخدام الكلمات الأجنبية أو إطلاق المسميات الأجنبية على برامجهم، بل وأزيد على ذلك بأن يكف قادتنا ومسئولونا عن إلقاء خطاباتهم ولقاءاتهم من على المنابر الدولية باللغات الأجنبية وأن يلتزموا باحترام لغتهم التي نصت عليها دساتيرهم حتى يحترمهم العالم، فالزعيم الذي يخاطب العالم بغير لغته الوطنية يتخلى عن هويته ويعلن تبعيته لغير أمته.

 

 

سليمان إبراهيم العسكري