البحث عن الذات والهوية المفقودة في «ساق البامبو» للروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي

  البحث عن الذات والهوية المفقودة في «ساق البامبو» للروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي
        

          يعرّف الفيلسوف الفرنسي إيمانويل مونييه «الشخص» بأنه جزء من الطبيعة والمجتمع، وأنّه ذات تبدع ذاتها بالانفتاح على الغير والكون. وقد انشغل هذا الشخص بالبحث عن ذاته وهويته مذ بدأ بالتفكير في ماهيته ووجوده.
          ترتبط الهوية الشخصية بمفهوم ديكارت بالذاكرة والوعي، وبمفهوم شوبنهاور بالإرادة. إذن هي مرتبطة بمعطيات كثيرة منها اللغة، والدين، والعادات، والتقاليد... من هنا يمكننا أن نعيد صياغة السؤال مرّة أخرى «ما الشخص؟ من أين يستمدُّ هويته؟ هل هو ذات حرّة أم كائن مقيّد خاضع لسلطة نفسية أو اجتماعية تتجاوز إرادته فتفقده حريته وقيمته؟

          في رواية «ساق البامبو» يواجه عيسى «الشخصية المحورية في الرواية» كل هذه الأسئلة.. ويسعى لفهم ذاته على طريقة سقراط «اعرف نفسك بنفسك» متحديًا كلّ ما واجهه من عقبات لعبت فيها اللغة والعادات الاجتماعية والتقاليد والدين دورًا رئيسًا وحاسمًا في الحصول على الإجابة.. لكنّه في الوقت نفسه أثبت لنا أنّ «الشخص» قادر على معرفة ذاته وفهم تصرفاته وسلوكه على الرغم من تعرّض مسيرة حياته لمتغيرات عديدة جعلته يتورط في حياة غير مستقرة، فرضت عليه شكلًا من السلوك الاجتماعي لم يكن راغبًا فيه، فهو مدفوع بغير إرادته إلى اتّخاذ شكل ووضع اجتماعي لا يناسبه ولا يتفق مع تكوينه الجسدي والروحي، لكنّه فُرض عليه بقوة «المحيط» الذي وجد نفسه فيه.

          الرواية اعتمدت على سرد متدفق يثير دهشة القارئ بتلك المقدرة على الإحاطة بالتفاصيل النفسية والاجتماعية للشخصيات المروي عنها. كما اهتمت بالتفاصيل الزمانية والمكانية، وأبدع الكاتب في تزيين جسد الرواية بما يثير شهية القارئ لمتابعة الحكاية!

في البدء كانت الحكاية:

          تمتلك الرواية توليفة ذكية تشدّ انتباه القارئ قبل أن تورطه في الغرق بتفاصيل السرد المدهشة. فالروائي الشاب يملك ناصية الحكاية قبل كلّ شيء، وهذا في اعتقادي أهم عنصر في صنع الرواية. ولأنّ العمل الروائي يحتاج إلى الصبر والمعرفة والموهبة فإنّه لا يتأتى لكل كاتب يحاول خوض غماره.. بل لهؤلاء المجانين الذين يستطيعون القبض على جمر الحكاية، فيحيلون رمادها الدافئ نارًا من جديد.

حكاية قد تحدث دائمًا:

          الجديد في الرواية أنّها استطاعت أن تنفث روح الجمر في حكاية عادية قد تبدو مكررة ودائمة الحدوث «خادمة تأتي من بلادها البعيدة في الفلبين ويعطف عليها ابن صاحبة البيت الذي تعمل فيه، وتتطور العلاقة إلى زواج غير رسمي ثمرته طفل ترفضه العائلة ممثلة بالأم الصارمة، فيضطر أن يرسل الزوجة وولدها إلى بلادها».

          إلى هنا تبدو الحكاية مستهلكة وعادية.. لكن الذكاء الروائي يكمن في تحويل هذه الحكاية عن طريق التفاصيل الصغيرة للولد الناتج عن هذه العلاقة الغريبة المصنفة تحت بند الزواج الذي لا يحمل شكل الزواج الحقيقي، هو ما يلفت الانتباه ويشدّ القارئ لمتابعة الحدث بانتباه ومتعة.

تفاصيل الحكاية:

          عمد الكاتب إلى عمودين أساسيين أسند إليهما خيمة الحكي.. أولهما يكمن كالشيطان في التفاصيل الصغيرة، التي تتسرب بخفة بين سطور النص لتشدنا إلى متابعة الحكاية.. ولعبة فنية تضعنا في حيرة من الشخصيات والرواية بمجملها.

          التفاصيل شاءت أن تستند إلى تحليل عميق لنفسية بطل الرواية والتقاط كل المشاعر المتناقضة التي يعيشها وتقديمها على أنّها حقيقية بما لا يدع لنا مجالا للشكّ بأنّها تجميع روائي لدراسات حول الشخصية. وهذا ليس بالأمر السهل أن يقنعك الكاتب أنّك تقرأ سيرة ذاتية لشخص حقيقي كتبها بنفسه بلغته الأم، وأنّ الروائي قد قام فقط بنقل تلك السيرة إليك..

          كما استندت إلى معرفة دقيقة بمعلومات مهمة عن المكان واللغة وعادات الناس في الفلبين.. لا أعرف - كقارئة - إن كان الكاتب قد زار المكان الذي حدّثنا عنه في الرواية، لكنّه قدّم لنا معلومات دقيقة تساعدنا في فهم طبيعة البشر الذين يتحدّث عنهم من خلال معرفتنا بالبيئة المحيطة بهم.

          ففي وصفه للبيت الذي تربّى فيه دقة تحمل روح المكان. «نشأت في أرض لا تتجاوز مساحتها ألفي متر مربع في مدينة فالنسويللا، شمال مانيلا، يقوم عليهما منزلان صغيران، أحدهما يتكون من طابقين... والآخر صغير جدا، يفصل بينه وبين الأول مجرى مائي بعرض متر واحد، كان سكنا لجدي ميندوزا. لم يكن مجرى الماء الفاصل بين المنزلين جدولا صغيرا، أو فرعا من نهر، ولكنّه كان مكبًا تصب فيه مياه المجاري حاملة معها مخلفاتنا، ما يجعل رائحة المكان في الأيام الرطبة لا تطاق....» وفي وصفه للمنزل الثاني الذي انتقل إليه حين قرر الاستقلال عن أسرته يقول: «أفسح لي تشانغ، مقابل ثمن بسيط، مجالًا لمشاركته غرفته الصغيرة، في الدور الثاني من مبنى قديم في شارع قريب من مانيلا تشاينا تاون. غرفة صغيرة بنافذة واحدة تطلّ على معبد سينغ - غوان. لا تتسع الغرفة لأيّ شيء، إذا ما فرشنا مرتبتينا على الأرض ليلا». تلك الدقة في وصف المكان تدل على جدية الكاتب في جعل عمله حيًّا وقريبًا إلى مخيلة القارئ.

          والأهم في رأيي أنّ الكاتب قدّم الشخصيات الهامشية أو الشخصيات الثانوية بشكل يدعم تأثير الرواية على القارئ وحضورها القوي في الذهن.. فموت إحدى تلك الشخصيات أو غيابها عن ساحة الحكاية كان مؤثرًا ويترك فراغًا يشعر به القارئ مباشرة، لكنّ الكاتب انتبه إلى تلك الأهمية التي أعطاها لشخصياته الثانوية، أو تلك الأهمية التي فرضتها تلك الشخصيات بقوة حضورها على النص الروائي، فأفسح المجال لظهور شخصيات أخرى فاعلة، أو سدّ الفراغ بتفاصيل روائية صغيرة ومهمة يستطيع من خلالها السيطرة على القارئ.

الشخصيات الهامشية الفاعلة في الرواية:

          أكثرها حضورا في حياة عيسى، أقلها شغلا لمساحة الرواية، وهي شخصية تشانغ الذي يعمل في المركز الصيني للمساج، والذي دبّر لعيسى عملا في المركز نفسه وأسكنه معه في غرفته الصغيرة.

          على الرغم من أن تشانغ شخصية ثانوية لم تأخذ من الكاتب سوى بضع صفحات فإنّه قدّم لنا الشخصية بشكل دقيق لا تخطئه الذاكرة فتحتفظ بتفاصيل روحه وحياته التي كُثفت ببضعة أسطر.

          تشانغ ترك جزءًا منه في حياة بطل الرواية، جزء رافقه حتى النهاية، نهاية الرواية أو نهاية الجزء الحياتي الذي ارتأى الكاتب روايته لنا. كان تأثير تشانغ عبر أمرين مهمين «الدين والموسيقى».

          بقي عيسى (هوزيه) طيلة حياته متأرجحًا بين ديانات فرضتها عليه سيرة حياته الغريبة، فلم يعرف هل هو مسيحي ينتمي إلى دين أمّه، أم مسلم ينتمي لدين أبيه، أم بوذي بحسب الديانة السائدة في بلاده، والتي زيّنها له تشانغ بحديثه عن بوذا وزيارته للمعبد..!

          في غفلة من تشانغ سحب كتابا من رف الكتب، يدفعه فضوله، وصار يقرأ مسحورا بشخصية بوذا، ثمّ صار يقرأ على ضوء الشمعة عندما ينام صديقه.. ليس هذا فقط، بل أصبح يتخيّل أنّه لو جلس تحت شجرته المفضلة في أرض جده ميندوزا يمكن أن يصبح بوذا!

          بقيت الأسئلة الكبيرة «الهوية، الانتماء، الدين» تشغل عقل عيسى وروحه على مدى الرواية.. ولم يصل إلى يقين! فلم يعرف أهو مسلم أم مسيحي أم بوذي، هل هو فلبيني كما تدل ملامحه، أم كويتي كما يدل نسبه؟ هل يجب أن يعيش في البلد الذي ولد فيه، بلد والده؟ أم البلد الذي تربّى فيه وحمل ملامح ناسه في وجهه، بلد أمّه؟ حتّى آخر لحظة في الرواية بعد أن عاد عيسى إلى الفلبين وتزوج ميرلا ابنة خالته وأنجب منها «راشد الذي يحمل ملامح جده الكويتي» بقي عيسى موزعا بين البلاد لا يعرف إلى أيّ جهة يجب أن يميل: «بدأ الشوط الثاني من المباراة، راشد يغط في النوم بين ذراعي ميرلا. أحبط الجميع في الدقيقة 61 عندما سجّل يوسف ناصر هدفًا لمصلحة منتخب الكويت. ها أنا أسجل هدفًا في مرماي الآخر.. النتيجة حتّى الآن مُرضية بالنسبة لي. المتبقي من زمن المباراة يزيد على نصف الساعة، لست أرغب بمتابعتها، لا أريد أن أفقد توازني، لا أريد أن أخسرني أو أكسبني. بهذه النتيجة أنا.. متعادل».

          إلى جانب التأثير الذي تركه تشانغ في روح عيسى من الناحية الدينية، أيضا ترك تأثيرا مشابها بالموسيقى التي عزفها ذات مساء في غرفتهما المشتركة الصغيرة.

          كان تشانغ يعزف عاريا على آلته «غوزهينغ» المصنوعة من العاج المطعم بصدف السلاحف.. «أوتارها 21 مشدودة بانتظام، ناولته إياها، أسندها فوق ساقيه، ثمّ نزع قميصه... قام بتثبيت حلقات حول أنامله، تبرز منها رءوس تشبه المخالب، اكتسته ملامح جدية قبل أن يقول:

          ـ قبل أن تجلس هوزيه.. أطفئ النور وأشعل الشموع فوق الثلاجة».

          عزف تشانغ مقطوعة بعنوان «عطر زهرة الياسمين» شعر عيسى أنّ الأوتار تنث عطر الياسمين. حين أنهى تشانغ عزفه، وضع آلته مشيرًا إلى عيسى ليعيدها إلى مكانها، اندس تحت الغطاء من دون كلمة.. ساد الصمت وبقي عطر الياسمين يردد الصدى نغماته في الروح.

          انتهى ظهور تشانغ في الرواية بانتهاء مدّة عمل عيسى في المركز الصيني.. لكنّ أثر تشانغ لم ينتهِ، بقي مقيمًا في تكوين عيسى الروحي.. لم ينس ذلك العزف المدهش الذي امتزج فيه جسد تشانغ العاري بالأوتار، فصدحت الموسيقى لتترك عطر الياسمين في الأجواء.. موسيقى عارية من أيّ مؤثرات خارجية، تخرج من الروح فقط..

          ونرى عيسى في الكويت بعد سنوات في حفل عيد ميلاد مع جيرانه الفلبينيين وقد تقمص حالة تشانغ بانعزاله الكلي عمّا حوله عندما أمسك الميكرفون ليغني «أستمع إلى نغمات البيانو منتظرا لحظة البدء، أغمضت عينيّ أغني ولا شيء سوى ذكرياتي مع ميرلا يسكن مخيلتي.. الجميع يستمع إلى غنائي بصمت» هذا الاندماج الكلي بالموسيقى حدّ الاستغناء عن النظر إلى الآخرين والانسحاب إلى الداخل، يشبه الحالة الأولية التي تلقّى فيها عيسى أوّل درس في الاستماع على يدي تشانغ في الماضي.. صحيح أنّه لم يكن عاريا، إلا أنّ روحه بتحليقها بعيدًا حيث ميرلا والفلبين والماضي النقي.. قد عرّت الأشياء من حوله حتّى بات الوجد صانعًا لحالة استثنائية من الاندماج الكلي مع الموسيقى. ما حدث هنا مع الغناء، لم يحدث أثناء العبادة، فلم يكن عيسى في تأديته لصلاة المسلمين يفقه شيئا مما يفعلونه عدا الحركات التي يقومون بها ويقلدهم شارد الذهن، منشغلا بالتحديق في أجسادهم وحركاتهم ورصد الاختلافات في صلاة أصحابه.

          «أنا أصلي بجسدي كما يفعلون، ولكنني أتلو الصلاة كما لا يفعل أحد سواي. ربما الكلمة الوحيدة التي نتفق على ترديدها جميعا بصوت مسموع هي.. آمين» وهنا تبرز أهمية اللغة في تحديد الهوية، فعيسى لم يمتلك ناصية اللغة ولم يستطع طيلة وجوده في الكويت أن يحفظ سوى بضعة كلمات «السلاموووو عليكمو» وكلمة ترددها الببغاء في بيت جدته غنيمة! فلو أنّه استطاع تعلّم العربية وفهم القرآن وحفظ الآيات التي تعينه على الصلاة لما انشغل بمراقبة أجساد أصدقائه أثناء صلاتهم.. ولو أنّه استطاع فكّ لغز اللغة ربّما كانت مسألة الانتماء الديني قد حُلّت بالنسبة إليه ولم تستطع الذاكرة أن تهيمن على أفكاره وتحصرها في الماضي البعيد.. يبدو واضحًا أنّ ذلك كان بتأثير تلك القراءات التي غذّت روحه في وقت مبكر بغرفة تشانغ الصغيرة، فبقيت تلك الأفكار مسيطرة على وجدانه دائمًا، ففي الديوانية تجرّأ مرّة وعبّر عن تلك الأفكار لصديقه عبدالله حين قال:

          «نحن نأتي إلى الحياة من دون إرادة منا، نأتي صدفة، من دون نية مسبقة من آبائنا وأمهاتنا، أو بنية يلحقها تخطيط وتوقيت، لو أننا نستحضر من العدم، إن كنا حقا هناك، قبل أن تبث أرواحنا في الأجنة في الأرحام، يعرض أمامنا رجال كثير ونساء نختار من بينهم آباءنا وأمهاتنا، وإن لم نجد من يستحقنا للعدم نعود».

          عبدالله أبدى تجاوبا سرعان ما انسحب منه عندما سأله عيسى إن كان يؤمن بتناسخ الأرواح. نجد في النهاية أن السنوات التي قضاها عيسى في الكويت لم تترك ذلك الأثر المرجو في شخصيته، ربّما نستطيع - كقرّاء - القول إنّ ذلك يوحي بأن النسب وحده لا يمكن أن يشكّل هوية الإنسان وأن يصنع له وطنًا!

اللعبة الفنية المربكة:

          شاء الروائي الشاب أن يتحدّى الشكل الفني السائد للرواية بلعبة صغيرة وذكية يشدّ بها القارئ عن طريق إرباكه حين يبدأ بالقراءة. فالرواية تبدأ بكلمة للمترجم تجعلك تتساءل «هل الرواية مترجمة؟» لماذا لم يضع إذن اسم الكاتب الأصلي على غلاف الرواية؟ لا يدوم الإرباك طويلًا فبمجرد الانتهاء من كلمة المترجم نكتشف أنّ إبراهيم سلام - وعلى الرغم من السيرة الذاتية الموثقة له وكأنّها سيرة حقيقية - هو مجرد شخصية روائية!

          وأنّ الروائي خدعنا كقرّاء ليقول لنا هناك مفاجآت أخرى في المتن!

          لا تقتصر اللعبة على كلمة المترجم، بل تكاد العناوين الفرعية للرواية تدخل الإطار ذاته.. فهي مفاتيح للرواية تحيل أيضًا إلى شخصية المسيح عليه السلام.. وفي الرواية أكثر من إشارة إلى أنّ تسمية عيسى كانت تيمنا بالمسيح، وإن كان جده لأبيه يحمل الاسم نفسه. فنحن نقرأ في الجزء الأول «عيسى قبل الميلاد» عن حياة عيسى قبل أن يأتي إلى الحياة، عندما كان مجرد وعد بين والديه فمشروع فنطفة فجنين! الجزء الثاني بعنوان «عيسى بعد الميلاد» يؤرخ لعيسى بعد مولده.. ثمّ الجزء الثالث «عيسى التيه الأول» والجزء الرابع «عيسى التيه الثاني» الجزء الخامس «عيسى على هامش الوطن» ثمّ «أخيرًا ـ عيسى إلى الوراء يلتفت». وكل جزء تتصدره عبارة تلخص فكرته لخوسيه ريزال ما عدا «أخيرًا» فالعبارة لهوزيه ميندوزا.. هوزيه هو اسم عيسى الآخر في الفلبين، وميندوزا اسم جده لأمه! هل في ذلك دلالة ما على أنّ عيسى قد وجد هويته أخيرًا وأصبح فلبينيًا؟ السطور الأخيرة في الرواية لا ترجح النهاية بضربة جزاء بل بالتعادل!

          ويكاد الشكل الفني للرواية يكتمل بكلمة الغلاف التي أجاد الروائي اختيارها من بين سطور الرواية، فجاءت ملخصة لفكرة الرواية بلغة جميلة تشجع على الدخول إلى عالم الرواية المكتنز بالجمال، والذي عمل عليه سعود بجد وإخلاص «لماذا كان جلوسي تحت الشجرة يزعج أمّي؟ أتراها كانت تخشى أن تنبت لي جذور تضرب في عمق الأرض، ما يجعل عودتي إلى بلاد أبي أمرًا مستحيلًا؟.. ربّما، ولكن، ولكن حتّى الجذور لا تعني شيئًا أحيانًا. لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها، نقتطع جزءًا من ساقها.. نغرسه بلا جذور جديدة.. تنمو من جديد.. في أرض جديدة، بلا ماض.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته.. كاوايان في الفلبين.. خيزران في الكويت.. أو بامبو في أماكن أخرى!.».

          حتّى الكلمة التي تصدّرت الرواية في صفحتها الأولى للروائي إسماعيل فهد إسماعيل «علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها».. كانت مفتاحًا من مفاتيح الرواية لأنّنا سنجد أنّ الروائي إسماعيل فهد كان في المتن أيضًا ضمن شخصيات الرواية!

          تخلص الرواية إلى فكرة جون لوك أنّ التفكير وإن كان يجسد هوية الشخص، فإنّه لا يخرج عن إطار الإحساس، فهو حصيلة احتكاك الذات بمحيطها عن طريق الحواس، وبفضل الذاكرة يمتدّ الشعور بالهوية الشخصية رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة.
--------------------------------
* كاتبة من سورية.

 

 

ابتسام التريسي*