سعود السنعوسي: عشت في أكواخ البامبو لأكتب عن ثقافة أهلها: إبراهيم فرغلي

 سعود السنعوسي: عشت في أكواخ البامبو لأكتب عن ثقافة أهلها: إبراهيم فرغلي
        

كاتب شاب لرواية لافتة
تكشف المجتمع الكويتي أمام ذاته

          عندما انتهيت من قراءة رواية «ساق البامبو» للكاتب الكويتي الشاب هتفت لنفسي «مبروك للكويت هذه الموهبة» وعلى الفيس بوك كتبت «سعود السنعوسي.. تذكروا جيدا هذا الاسم، فقريبًا سيكون فخرًا للكويت».

          هذا النص بالفعل واحد من النصوص اللافتة، سواء على مستوى التكنيك أو الأسلوب أو الموضوع. نص يعبّر عن موهبة حقيقية، وهو في ظني من النصوص القليلة التي تظهر فيها الكويت أخيرا كمجتمع له خصوصية ما، حيث تتناول الرواية قصة شاب فلبيني كويتي من زواج كويتي بسيدة فلبينية، يعيش طفولته وصباه ومراهقته في الفلبين ثم يعود شابا إلى الكويت بحثا عن نصف هويته المفقودة، فماذا يجد؟ الرواية تجيب عن ذلك بإحكام، وبسرد ممتع وبحبكة درامية شديدة التماسك، والأهم من هذا كله أن النص يكشف جهدا مخلصا من الكاتب في تقصي تفاصيل الثقافة الفلبينية وخصوصيتها، كما ينجح النص في إقناعنا بأن الراوي يعبر عن ثقافتين يعرفهما جيدا، سواء كانت في الفلبين (المعتقدات والموروثات وتفاصيل الحياة اليومية والتناقضات الاجتماعية) أو في الكويت. على أي حال فالدعوة مفتوحة للقراء لقراءة هذا النص المختلف، أما هنا فسوف نتعرف على لمحات شخصية سريعة عن الكاتب الشاب سعود السنعوسي الذي أظنه يتحمل الآن مسئولية كبيرة في ما سيكتبه بعد هذا النص شديد النضوج، ليس فقط لأنه حاز أيضا جائزة الدولة التشجيعية أخيراً إضافة إلى ترشح العمل للقائمة الطويلة للبوكر العربية وهو عمله الثاني بعد روايته الأولى «سجين المرايا». بل وأيضا لأنه يثبت أنه يتحمل مسؤليته ككاتب مخلص لما يكتبه.

  • كيف بدأت علاقتك بالأدب؟

          - علاقة كهذه لا أتصور من السهولة الإمساك ببدايتها، ولكن قبلها كانت علاقتي بالكتاب «شكلا». نعم، قد يبدو الأمر غير جدّي، ولكنها كانت البداية، حتى قبل مرحلة الدراسة الابتدائية. كان شكل الكتاب، وقبل أن أتعلم القراءة، يشدّني إليه. ومَرَد الأمر، كما أتصور، إلى الأفلام والمسلسلات الكارتونية التي فتحت عينيّ على أهمية الكتاب، فالساحرة في فيلم «سنو وايت» تدبر مكائدها رجوعا إلى كتابها السحري، وطائر البوم الحكيم لا يتخذ قرارًا أو يسدي نصيحة إلا بالرجوع إلى كتابه الضخم، و«بابا سنفور» يستعين بمكتبته الضخمة لحل مشكلات مملكة السنافر. أحببت الكتب شكلا وأصبحت أجمعها، وما إن تعلمت القراءة حتى وجدتني مهووسا بقصص الأطفال من سلسلة دار المعارف «المكتبة الخضراء»، وسلسلة «ليدي بيرد» ذات العلامة الشهيرة بالدعسوقة المرقطة. إذن.. العلاقة كانت مبكرة من خلال أدب الطفل، وبالتالي تطورت معي.

  • متى قررت أن تكتب بشكل عام؟ ولماذا؟

          - مادمنا نتحدث عن العام، فنحن نتحدث عما يخصني أنا والآخر. كنت أكتب لي ذاتيا، مبعدا فكرة النشر مادامت كتابتي لا تعني أحدا سواي. توجهت للكتابة والنشر ما إن فرغتُ مني، وجدتني فجأة لدي ما أقوله، فكرة.. سؤال.. مشكلة أو همّ.. همٌ مشترك يربطني بالآخر، ثم تطور الأمر لأجدني أحمل مسئولية إنسانية ليس لأن لدي ما أقوله وحسب، بل لأن هناك من يريد أن يقول ويقول، ولكنه لا يملك وسيلة للقول، ولأنني جزء من قوله. حققت ذاتي أكثر من خلال الآخر، حين تقمصته وارتديت ثوبه واستبدلت بعينيّ عينيه وأهديته حنجرتي يصرخ بواسطتها بهمومه، آملا أن يترك هذا الصوت أثرا في النفوس في يوم ما.

  • يبدو في الرواية شغفك بالآخر جليا، التعبير عن الآخر في علاقته بالكويت. من أين ولد هذا الشغف؟

          - طبيعة عملي قربتني كثيرا من الآخر. عملت في سنٍّ صغيرة، وبحكم وظيفتي، آنذاك، كنت أحتك بشكل مباشر بعمال وموظفين من جنسيات وثقافات مختلفة. قربي من الآخر فتح لي أفقا جديدة، كما أنني وجدته يراني/ يرانا بصورة نمطية مغايرة تماماً لما أرى نفسي عليه، كنت أرفض هذه الفكرة أو الصورة العامة التي نبدو عليها، ولكن سرعان ما توقفت عند تشابه صورتنا لدى الآخر، الفرّاش البنغالي، العامل الهندي، الفني الفلبيني، المندوب اليمني والسكرتير المصري.. وآخرون، رغم اختلافاتهم يتفقون على صورة لنا تكاد تكون واحدة، ليس بالضرورة أن تكون حقيقية 100? ولكن حتما هذه الصورة تشبهنا إلى حدٍ كبير. كان سؤالا مستفزا: أيّنا نحن.. ما يروننا عليه أم ما نرى عليه أنفسنا أم شيء بين هذا وذاك؟

  • متى بدأت فكرة «ساق البامبو»؟ وكيف أمكنك تمثُّل ذهنية شخص وثقافة الفلبين على النحو الذي جاء بالنص؟

          - بدأت منذ سنوات، ثلاث ربما، واجهت صعوبة في نقل الصورة التي يرانا عليها الآخر، لأنه من الصعب جداً الاكتفاء بعلاقتنا مع الآخر في العمل، كما حصل معي على سبيل المثال، لأبني عليها فكرة بهذا العمق. احتجت إلى حيلة أدخل فيها الآخر إلى بيتي لأكون مكشوفا أمامه تماماً، فكرت أن تكون قصة خادمة، ولكن حتى الخدم في بيوتنا يفصلنا عنهم حاجز. بقاؤهم معنا تحت سقف واحد لا يعني اقترابهم منا ومن تفاصيلنا، لهذا جاءت الفكرة بـ «هوزيه»، الفتى نصف الكويتي نصف الفلبيني، هو وحسب، بحكم ظرفه الاستثنائي، قادر على التغلغل في تفاصيل حياتنا وبالتالي الحديث/ الكتابة عنها بشكل يواجهنا بأنفسنا، خصوصا وهو يضعنا في مقارنة مستمرة بين بيئتين، ينتمي إليهما بشكل أو بآخر، مختلفتين تماماً في الدين واللغة والثقافة بشكل عام.

          تمثيل الآخر وتقمصه بصورة مقنعة أمر صعب لا شك، ولكن كل العقبات تزول ما إن تؤمن بقضيته، وأنا مؤمن بها جداً، لذا كان التحدي الوحيد هو الإلمام بثقافته، وهذا ما تطلَّب الكثير من القراءات بل وحتى السفر والعيش في أكواخ «البامبو» فقط كي أكون قريبا من أهلها أرصد تفاصيلهم ونمط حياتهم.

  • يبدو طموحك في «ساق البامبو» قويا كعمل روائي ثان.. برأيك هل يمكن أن تتجاوز هذه الرواية التي تعد رواية جيدة جدا أسلوبا وموضوعا في أعمال جديدة؟

          - أشكر لك ثقتك أولا، ولا أخفيك أن كل إشادة بهذا العمل تبعدني أميالا عن البدء في عمل جديد، ولهذا أنا متأن جداً.

  • من هم الكتاب الذين تعجبك أعمالهم وربما تتأثر بهم في الثقافتين العربية والأجنبية؟

          - بأمانة لا يوجد كاتب محدد، كل كاتب أقرأ له يترك لديّ انطباعا، وإن لم ألحظه، ولكنه حتما يشكل شيئا في داخلي.

  • ما جديدك؟ هل تعكف على عمل أدبي جديد؟

          - كتبت بالفعل، ولكنني مزقت كل ما كتبته. القصة موجودة ولكنها بحاجة إلى مزيد من الوقت لتختمر، كما أن الأسلوب أمر يشغلني بشكل متعب، فالتجريب، بالنسبة لي ككاتب شاب أمر لابد منه. هي تجربة مغايرة، إن تمكنت من إنجازها بالشكل الصحيح.

 

إبراهيم فرغلي