الحزن والفرح

 الحزن والفرح
        

          كان جالسًا تحت شجرة زيتون، تنشر الفيء عليه وعلى رفاقه، ينظرون إليه بهدوء وسكينة. غابت الشمس وتركت على الأرض بعض نورها الحامل نسيمًا وعطرًا. قال أحد رفقاء السيد: كلمنا عن الفرح. قال ثان: وعن الحزن، قال ثالث: عن الحياة، ثم وقف رابع وسأل: أرى حزنًا في محياك يا سيدي.. كلمنا عن الحزن.

          وقف السيد، نظر إليهم وابتسامته تنير وجهه، سار بينهم وهم يتبعونه وقد ساد صمت، وظهرت بين الغيوم أنوار وتبعتها ترانيم ملائكية، ثم وقف السيد ونظر إلى كل منهم وابتسامته الحزينة تزيد الأجواء سحرًا، ثم قال: أنا حزين حتى الموت. قالها منذ أكثر من ألفي سنة. وهل أخطأت يومًا الآلهة؟ بعد صمت دام وقتًا، تابع: الحياة بسمة مضيئة. الموت غيبوبة حتى الفناء.

          لأنه أحب الحياة، أعطاها الفرح وزيّنها بزهور الأرض وبزرقة السماء وبأناشيد طيورها.

          نظر إلى فوق، إلى الأعلى وقال: إني آت إليك يا مانح الحياة، لغتي لم تفهم. أعطيت للإنسان ما أُرسلت لأعطيه.

          أنا ذاهب لوقت وعاد مع انبثاق الزهرة وبزوغ الفجر. حزين لمجيئي إلى أرض مقدسة، اختيرت لتكون أرض الآلهة والأنبياء، وأرض المحبين وأرض السلام. لكن المبغضين نشروا الموت في أرجائها.

          كلماتي لسهولتها، لم يفهمها كثيرون، كثيرون سمعوا أقوالي وداسوا عليها بأرجل غليظة، معتبرين أنهم ملوك وأسياد الأرض والسماء وهم مختارون لهما، وأن بأسهم أقوى والروح ضعيفة، اقتلعوا شجرة الزيتون والتين والرمان وأحرقوا سنابل الأرض الخيّرة، لكن جذور الأشجار مازالت متماسكة ومتمسكة بأعماق الأرض الطيبة، لتبقى شاهدة على انتصار الحياة وموت الموت.

          بعدها صمت السيد، سُمع صوت يقول: كلنا حزين، ولدنا هكذا، من عرف الفرح فليحدثنا عنه.

          ساد صمت إلى أن عاد السيد قائلا: الفرح فينا يا إخوتي.. والحزن أيضًا، كما الشمس تعطي نورها ودفئها، فهي ترمي الظلال أيضًا، الشتاء يُحزن نفوسكم، الربيع يبعث فيكم الحياة والأمل والفرح. السعادة..

          هي أن توفّقوا ما بين الفرح والحزن، وبين النور والظلمة، إذا قلت إني حزين فلأن المحبة تحيا على الأرض وتنبت منها، والبغض يأتي من نفوسكم. ابتعدوا عنه وتمسكوا بالمحبة فهي أضمن لكم، الحياة عراك في سبيل خيركم.

          اكتبوا لها شعرًا ولحنًا ونورًا. هذا سبيلكم إلى خير أعمّ.. إلى الفرح العظيم.

          بعثت إليكم حاملاً رسالة كلماتها تحكي عن الخير والمحبة والسلام. منكم من وجد المحبة والخير والسلام ومنكم من ابتعد عنها، قلت أن تحبوا بعضكم بعضا، منكم من سمع وأطاع ومنكم من أصمه أذنيه.

          المحبة هي ليست فقط محبة الإنسان للإنسان، المحبة هي لكل ما وجد على الأرض، الحيوانات هي مثلكم، وُجدت على الأرض معكم فارحموها كما ترحموا أنفسكم.. ولا تفرقوا بين أنفسكم وبين أنفس غيركم. احموا أرضكم ودافعوا عنها، أُعطيت لكم لتكونوا حرّاسًا عليها.. أرضكم مقدسة مع ما ينبت فيها ومن يحيا عليها.

          صمت السيد، نظر إلى الجموع، فرأى من تغلّب عليه النعاس فنام، والبعض شاخص منصت فرح بما يسمعه. عندما نظر المعلم إلى السماء، كان القمر قد أخذ مكان الشمس فأضاء الطبيعة بنوره وساد صمت على الجميع.
----------------------------------
* فنان تشكيلي وكاتب من لبنان.

 

أمين الباشا*